; الانتفاضة (1028) | مجلة المجتمع

العنوان الانتفاضة (1028)

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 08-ديسمبر-1992

مشاهدات 19

نشر في العدد 1028

نشر في الصفحة 27

الثلاثاء 08-ديسمبر-1992

الانتفاضة ستمضي قوية، والبعد الجهادي سيتطور

بقلم: عماد العلمي المسئول الإعلامي

السابق لحركة حماس في قطاع غزة المحتل

لقد انطلقت الانتفاضة المباركة في الثامن من كانون اول «ديسمبر» ۱۹۸۷ لتضع القضية الفلسطينية في مسارها الصحيح بعد أن تاهت في مهاوي العصبيات الضيقة، والأفكار المنسلخة عن ذات الأمة وهويتها الإسلامية، لتصبح قضية جهاد وكفاح مستمر حتى النصر أو الشهادة معيدة لها بعدها الإسلامي المشرق، ومعلنة تمسك شعب فلسطين المسلم بمسجده وكل الأرض التي بارك الله فيها في أكناف بيت المقدس.

لقد كان الهتاف الخالد «الله أكبر» هو عنوان الانتفاضة المباركة، انطلقت به حناجر المنتفضين مقسمة على ألا تلين أو تستكين حتى تقيم الصلاة في خير.

 ومع دخول الانتفاضة عامها السادس أثبتت مقدرتها على الاستمرار والصمود أمام كل أساليب الظلم والإفساد اليهودي من التشريد والاعتقالات إلى التقتيل والإبعاد، واستطاعت أن تفرض حضورها بقدرتها الهائلة على التنوع في فعالياتها، بما يضمن استمراريتها رغم تأمر شرذمة قليلين من أهلها عليها، ومحاولاتهم التضحية بها على مذبح مؤتمر مدريد - واشنطن.

 إن الانتفاضة المباركة ستمضي قوية، خاصة وأن البعد الجهادي العسكري سيتطور، وسيصبح صفة لازمة لها إلى جانب البعد الشعبي المقاوم، وستتمكن بحول الله وقوته من إفشال مؤامرة الحكم الذاتي، حتى لو وقعت الاتفاقات في واشنطن، فالكيان الصهيوني لن ينعم بالأمن الذي يريده في ظلها، كما ستؤدي الانتفاضة دورها في حشد المسلمين في العالم لنصرة مسرى رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماء، ومسجدهم الذي تشد إليه القلوب بعد أن حرموا شد الرحال إليه.

فضاءات وظلال من خلف القضبان

شيخ الانتفاضة أحمد ياسين ثلاث سنوات ونصف السنة من السجن والاعتقال

بقلم: يقين صالح واشنطن

في شهر أكتوبر الماضي أجريت مقابلة مع الشيخ أحمد ياسين في سجنه، تحدث فيها عن مواقف حركة «حماس» من عدة قضايا كالانتخابات والحكم الذاتي والعملية التفاوضية وقوى المعارضة الفلسطينية ومجموعة متفرقات سياسية أخرى.

وعندما سئل إذا ما كانت هناك معاناة نفسية يواجهها داخل المعتقل أجاب بالقول: «لا يوجد معاناة نفسية داخل المعتقل، فالقوة الروحية تهضم أي معاناة نفسية، لأن السجن بالنسبة لي خلوة مع الله وذكر وعبادة وتلاوة للقرآن، مما يجعل الإنسان في سعادة روحية لا يدركها الكثير من الناس».

بهذه الكلمات القوية المعبرة عن طاقة التحدي العظيمة للاحتلال، تحدث الشيخ الجليل، وبرغم الشلل والعجز والمرض كانت عطاءات الروح فيه أقوى من تكله الجسد، حيث ترتفع الكلمات بنبراتها فوق بقايا جسد، لتجعل من أحمد ياسين -حقًا- الظاهرة المعجزة وأسطورة التحدي.

إن كلماته -وهو في معتقله يواجه السجن والسجان وعذابات المحتلين- تحلق في آفاق عوال، لا يرقى إليها تعليق أو مقال.

هذا القعيد الذي أقام العالم، ولم تهدأ انتفاضة شعبه جدير أن تلقى له التحية، كلما عادت حركة الزمن لتسجل السنوات المجيدة من تاريخ المواجهة الشعبية الفلسطينية للاحتلال.

فاحترامًا ووفاء لهذا الرجل العظيم الذي عرفناه منذ أواخر الستينيات كطاقة جبارة في الدعوة والحركة والعمل، وتعايشنا مع فكره الجهادي في الثمانينيات، وحظونا بمشاركته الرأي والموقف مع بدايات الانتفاضة المباركة.. لذلك كانت هذه التحية.

أستاذي وشيخي..

قبل ثلاث سنوات ونصف السنة عادوا فاعتقلوك مرة ثانية، ليوقفوا من الدعوة الإسلامية ويحاصرون ساحات الفرج عن الدعاة والدعوة في حارات ومساجد ومخيمات غزة وخان يونس والبريج ورفح.. اعتقلوك.. لينطفئ اللهيب وإشعاعات الفرج عن «جيتو غزة» والشاطئ الحزين اعتقلوك لتضيق فضاءات التحرك وسجفات كانت تطل منها أحلامنا إلى أيام خالدة كحطين وعين جالوت.. اعتقلوك.. لحجب أبعاد صراعنا الحضاري معهم، وأشغال معترك التحدي بثارات القبائل ونزاعات عبس وذبيان.. اعتقلوك ليتحرر -رغم أنوفهم- ألف سجين في كل مخيم من إسار شهواته وطينتيه ليلحق بخطى جهادك وركب جماعتك.. اعتقلوك.. لمسح شعارات الخلاص والانعتاق وقتل مهد النداءات للتحرير والجهاد والثورة اعتقلوك.. وكان صبرك والثبات دافعًا لتزمجر فوارس «حماس» وتنطلق نداءاتها عالية في في الآفاق: يا خيل الله اركبي.. اعتقلوك.. وغزة في مخاضها تنتظر الوليد فإذا جيل إسمه أحمد ياسين.. اعتقلوك.. لتنهض غزة بالشهادة والرسالة والحماس بخطو سريع، نداؤه واإسلاماه.

حاكموك فإذا بالسجان يجثو على ركبتيه، والقاضي في قفصه متهم حاكموك في فضاء واسع وعسكر كثير، لأن أقدامك واسعة الخطو، وقامتك لا تتسع لعليائها جدران أربعة وسقف.. فكان لك الأفق مفتوحًا لتنطلق له برؤية الأمة وإشراقة آيات الإسراء.. حاكموك فكنت تطأ بكرسيك سنوات علوهم، وتبشر بخراب ملكهم.. حاكموك ليقولوا للعالم: انظر إلى هذا العاجز في مظهره، القعيد في مجلسه، إنه التجسيد الحقيقي للخطر على حضارتكم، لأن روحه -لا قدميه- هي التي تصنع التاريخ وتجدد الحضارات.. حاكموك ليشهد التاريخ على ضعفهم، وزيف ادعاءاتهم بالقوة والجبروت، فكمْ أوجعتهم حجارة الأطفال في المخيم، وردتهم على أعقابهم خاسرين، وكمْ طاردتهم كلماتك -یا أبا محمد- حجارة ناطقة قذفتها أيادي سواعدك الرامية، وفتيانك الأبابيل.. حاكموك.. ولكن لسوء حظهم كانت الانتفاضة الجهادية قد لخصت عطاءها في عبارة: أحمد ياسين وأطفال الحجارة ثلاث سنوات ونصف السنة مضت.. وأنت خلف القضبان، شامخ على السجن والسجان..

ثلاث سنوات ونصف السنة مضت.. وزيتون غزة وكرومها، وبيارات رفح ومشاتلها ثابتة على رجالها تقاوم الجوع والحصار، وتطارد المحتلين والمستوطنين ثلاث سنوات ونصف السنة مضت.. وكوكبة المجاهدين معك خلف القضبان تواصل حمل الأمانة وتبليغ الرسالة، وتبعث لنا ببطاقات الأمل ثلاث سنوات ونصف السنة مضت.. وإخوانك في زنازين غزة وسجن الرملة ومعتقلات أنصار (1، 2، 3) قد جاوزوا عنق الفتنة، واختناقات العذاب، وصاروا دعاة لمن حولهم، إخلاء فيما بينهم، تجمعهم الرحمة والمودة والوفاء.

 ثلاث سنوات ونصف السنة مضت.. وذكريات الأسماء والأحداث ما غادرت منازل صحونًا ومضاجع المنام، فلكل عظيم منهم صفحات تتفاعل في الصدور، ما يحجب صدورها إلا خشية تزايد البطش والعذاب عليهم ثلاث سنوات ونصف السنة مضت وما زالت ذكريات آخر لقاء في بيتك تحدثني -وأنا على سفر- عن رؤيتك لمستقبل الحال، وطريق ذات الشوكة، والفجر الذي طال، وكانت نظراتك تتجاوز عمر رعيلنا الأولى والسابقين الخيار، إلى سنوات لا تشكلها الشهور والأيام بل تدافع الأجيال.. إلى حال تتخطى بنا -أو بغيرنا من جيل الكرام- دخن المرحلة وغنائية العواصم، وبعطية الغرور الاستعماري «الصليبي- الصهيوني» إلى العلياء والتاريخ والحضارة.

 لقد كان الحلم الأول -يا أبا محمد- جنين واقعنا آنذاك، وها هو اليوم يتشكل وتتدافع به الأرحام.

أخي أبا محمد - شيخ المجاهدين أحمد ياسين- وأنا أنتظر لحظة الشروق، وأترقب رؤيتك بعد العذاب والسجن والغياب لتحاكم إسرائيل القاضي والسجان.. ويكون لفيض كلماتك عافية جديدة لانتفاضتنا الجهادية المباركة، ونفحة روحية لاستعار جمراتها في قلوب الغاصبين وأقدامهم.

وحتى نراك يا أبا محمد

قلوبنا معك شعب وأمة، والله يرعاك

الرابط المختصر :