; البوسنة والهرسك.. الكروات يبدأون حرب الإبادة ضد مسلمي البوسنة | مجلة المجتمع

العنوان البوسنة والهرسك.. الكروات يبدأون حرب الإبادة ضد مسلمي البوسنة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 25-مايو-1993

مشاهدات 16

نشر في العدد 1051

نشر في الصفحة 38

الثلاثاء 25-مايو-1993

زغرب – خاص

من مركز البديل للإعلام

سؤال بدأ يطرح نفسه بإلحاح هذه الأيام خصوصًا بعد تدهور العلاقات بين الكروات والمسلمين غربي الهرسك، وانتقالها إلى الصدامات العسكرية العنيفة التي خلفت إلى حد الساعة المئات من الضحايا في الجانبين. وبدأ المحللون يرون في هذا التطور الخطير بين المسلمين والكروات بداية لأبشع الحروب التي سيعرفها التاريخ الأوروبي.

 ومع أن هذا التطور في العلاقات -الكرواتية المسلمة- يبدو طارئًا ومؤقتًا إلى حد ما، فإن أسبابه ممتدة في جذور الماضي إلى القرن التاسع عشر، حيث عملت المشاعر القومية لكل من الصرب والكروات على بلورة حركة تهدف لإنشاء صربيا العظمي أو لإنشاء كرواتيا الكبرى، منذ الانسحاب العثماني الذي بدأ عام ۱۸۷۸ من منطقة البلقان، مما يؤكد على أن الأزمة الحالية بين الصرب والمسلمين من ناحية، وبين الكروات والصرب، وبين المسلمين والكروات من ناحية أخرى ستمثل مرحلة ختامية لمسيرة تاريخية طويلة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن جمهورية البوسنة والهرسك محاطة من جميع النواحي بجمهوريات الجبل الأسود وصربيا وكرواتيا ولهذه الجمهوريات امتدادات سكانية فيها، حيث يشكل الصرب «۳۱,۳%» من سكانها، كما يشكل الكروات «3,۱۷%»، بينما يصل نسبة المسلمين فيها إلى «٤٣,7%»، ندرك أن المصالح القومية الصربية والكرواتية هي التي تلعب الدور الحاسم والمؤثر في مسيرة الأحداث التي مرت بها البلاد طوال هذه المرحلة كما فعلت في حربي البلقان عامي «۱۹۱۲» – «١٩١٣م».

يمكن تقسيم الكروات الذين يعيشون في البوسنة والهرسك بشكل عام إلى قسمين رئيسيين:

١- الكروات الذي يعيشون غربي الهرسك بمحاذاة مقاطعة «دالماسيا» الكرواتية.

 ٢- الكروات الذين يعيشون في قلب الجمهورية وشمالها.  

وكان قادة الكروات سواء في البوسنة والهرسك أو في جمهوريتهم الأم «كرواتيا» قد أظهروا الرغبة أكثر من مرة في اقتطاع أجزاء من البوسنة والهرسك وضمها إلى جمهوريتهم، وتمت مناقشة تقسيم البوسنة والهرسك أولًا بين تروجمان رئيس كرواتيا وميلوسوفتش رئيس صربيا في مارس «۱۹۹۱م»، ثم أعيدت مناقشة هذا الموضوع في يناير «۱۹۹۲» بين ممثلين عن البرلمان الصربي غير القانوني في جمهورية البوسنة والهرسك من جهة والرئيس الكرواتي من جهة أخرى، واستمرت تلك المناقشات أيضًا بعد انتشار الحرب في تلك الجمهورية، وقد أعلن كثير من القادة الكروات بما فيهم الرئيس الكرواتي «توجمان» أن الحل الأمثل للقضية يتمثل في اقتسام البوسنة والهرسك، والمقصود بذلك أن الجزء الغربي من الهرسك والذي يشكل الكروات فيه ما يزيد على الثلثين من مجموع السكان، سيتم إلحاقه بكرواتيا. وقد تم فيما بعد كشف النقاب عن إجراء حوارات سرية حول هذا الموضوع بين رئيسي صربيا وكرواتيا أسفرت -كما نقلت وسائل الإعلام- عن اتفاقهما بشأن حق انضمام أراضي الكروات والصرب في البوسنة والهرسك إلى كرواتيا وصربيا على التوالي. بيد أن كل هذا لم يمنع الصرب من أطماعهم التوسعية، ولعل رغبتهم الشديدة في السيطرة على المدن ذات الأهمية الاستراتيجية في البوسنة والهرسك كميناء «نوم» ومدن «موستار» و«بیهاتش» و"بوسنسکی برود» وغيرها، كانت السبب في اندلاع معارك ضارية في مدينتي «موستار» وفي مدينة «بوسانسكي برود» بالتحديد، حيث ادعى الصرب أن الكروات المحليين قتلوا ١٥ صربيًّا في إحدى القرى المجاورة، وردًّا على ذلك بدأ الصرب بقصف المدينة بالمدفعية التي تقطنها غالبية كرواتية، مما اضطر المسؤولون الكروات إلى التعبير صراحة عن مواقفهم وأهدافهم من الاشتراك في الحرب الدائرة في البوسنة والهرسك. فعلى سبيل المثال صرح وزير الخارجية الكرواتي في فبراير «۱۹۹۲» قائلًا: «إن كرواتيا مضطرة لحماية الطائفة الكرواتية في البوسنة والهرسك إذا ما قررت صربيا احتلال تلك الجمهورية». وكان قائد القوات المسلحة الكرواتية في الهرسك بلاز كرايفتش، أكثر دقة عندما قال في مقابلة صحفية: «نحن نقف إلى جانب البوسنة والهرسك الموحدة وغير المجزأة، ونأمل بجدية أن تصبح كما يجب أن تكون، جزءًا من دولة كرواتيا المستقلة». «وهناك تصريحات أخرى مشابهة». 

وهذا هو السبب المباشر في نظرنا -أي اندلاع المعارك بين الصرب والكروات- الذي جمد مرحليًا الممارسة العملية الكرواتية بصفتها العامل الأكثر تأثيرًا في تحقيق الأهداف النهائية، واضطر الكروات لتعديل تلك الأهداف أكثر من مرة، وجعل سياسة القيادة الكرواتية بشأن مصير البوسنة والهرسك أمرًا غير ثابت يصعب توقعه، لكن كان واضحًا ومنذ بداية الأزمة أن المخططات الكرواتية تنطوي على صيغتين للحلول البديلة عن السيادة البوسنية: 

۱ - تتمثل الأولى في مشروع التجزئة بشكل مماثل للرؤية الصربية.

 ٢ - وتتمثل الثانية في إقامة كرواتيا الكبرى على غرار صربيا الكبرى. 

وهذا رغم ما يبدو من توافق بين المسلمين والكروات بشأن معارضتهما لسياسة صربيا التوسعية. 

توقعات مستقبلية

في ضوء التطورات المحلية المتعلقة بالصراع بين الكروات والمسلمين أصبح احتمال سيادة السلام في المنطقة احتمالًا مستبعدًا في المستقبل القريب على الأقل، فالصراع في هذه المرحلة لم يعد دائرًا حول محافظة البوسنة والهرسك على سيادتها أو تقسيمها بين الأطراف، إنما على درجة استقلال كل جزء منها عن السلطة المركزية، الأمر الذي يحدده ميزان القوى لكل طرف منها، ولم يعد من الضروري هنا اعتبار موقف قيادة الكروات البوسنيين والكنيسة الكاثوليكية المؤيد وبشكل قوي لسيادة البوسنة والهرسك، عاملًا أساسيًّا يمكن أن يجمد علاقة التصادم بين الكروات والمسلمين إلى الأبد؛ وذلك لسببين أساسيين:

١ - الموقع الجغرافي والتركيبة العرقية للمناطق الواقعة غربي الهرسك ذات الغالبية الكرواتية، الأمر الذي سيجعلها هدفًا دائمًا لتنفيذ سياسة التطهير العرقي.

2 - التطلعات التوسعية التاريخية لكرواتيا التي تعمل عبر جيوبها لانفصال غربي الهرسك وانضمامه إلى كرواتيا تحت أي صيغة كونفدرالية تتزعمها كرواتيا. 

وما تناقلته وسائل الإعلام هذه الأيام عن تطورات الصدامات العسكرية بين المسلمين والكروات في مدينة موستار بالتحديد ليؤكد سياسة التطهير العرقي التي بدأ الكروات في تنفيذها ضد المسلمين، بعد أن أصبحت هذه المدينة من حصتهم. ولم تخفِ وسائل الإعلام المختلفة نية کروات البوسنة في تأسيس دولتهم التي تدعى «هرسك - بوسنة» على غرار صرب البوسنة، رغم أن مشروع فانس وأوين الذي يعترف بالبوسنة والهرسك كدولة مستقلة جعل «الهرسك - بوسنة» من حصة كروات البوسنة. فهل سيرد المسلمون الفعل بطرد الكروات المتواجدين بقلب البوسنة وشمالها إلى غربها حيث هرسك - بوسنة؟ أم إن قرارات واتفاقات وقف إطلاق النار التي وقعت بين المسلمين والكروات ستكون فعالة وإيجابية؟ لا شك أن استعمال أي قدرة عسكرية لكروات البوسنة ضد المسلمين في الظروف الحالية ستتحول إلى هزائم سياسية على المستوى العالمي، ولهذا يتوقع أن تزيد المجموعة الأوروبية والمجتمع الدولي من ضغوطها على كرواتيا وإجبارها على التخلي عن سياستها تجاه كروات البوسنة. 

وقد تحدث بالفعل هُدنة حقيقية بين المسلمين والكروات داخل البوسنة والهرسك، لكنها لن تكون في نظرنا إلا مرحلة مؤقتة ريثما تتوافر الظروف الملائمة لتحقيق الهدف التوسعي «كرواتيا الكبرى»!! وعليه فإنه بإمكاننا أن نتوقع دخول المنطقة في مرحلة صعبة من الانقسامات العرقية وما ينشأ عنها من صدامات وصراعات بين مختلف الأطراف، خاصة إذا اعتبرنا أن غربي البوسنة من الأراضي البوسنية الواقعة في إطار المصالح الوطنية للكروات.

زغرب - النذير محمودي

الرابط المختصر :