; معاهدة بين الصرب والكروات لتصفية المسلمين! | مجلة المجتمع

العنوان معاهدة بين الصرب والكروات لتصفية المسلمين!

الكاتب أسعد طه

تاريخ النشر الأحد 17-مايو-1992

مشاهدات 51

نشر في العدد 1001

نشر في الصفحة 18

الأحد 17-مايو-1992

أشارت التقارير الصادرة من العاصمتين الصربية والكرواتية إلى أن اتفاقًا شاملًا بين الجانبين يخص مصير البوسنة والهرسك قد وقعه ليل الخميس الفائت رئيس الحزب الديمقراطي الصربي في البوسنة «رادوفان كارجيتشي» ورئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكرواتي «ماتي بوبان» في مدينة جراتسي النمساوية، وحسب وكالة الأنباء اليوغسلافية «تانيوج» فإن الاتفاق بمثابة معاهدة سلام شاملة تم بموجبها اعتماد مبدأ تقسيم الجمهورية البوسنية وتحديد المناطق التي تخص القوميتين الصربية والكرواتية، وحسب الوكالة فقد عهد إلى المجموعة الأوروبية بمراقبة المعاهدة كما اتفق على إيقاف إطلاق النار بين الجانبين وإعلان خريطة التقسيم القومي للجمهورية في منتصف الشهر الجاري، وكان الزعيم الصربي كاراجيتشي قد أشار إلى بلغراد قبل الالتقاء مع نظيره الكرواتي إلى وجود اتفاق «سابق» مع الكروات في البوسنة فيما يخص «حل مسائل الأرض بالطرق السلمية» وأعلن بعده الرئيس الكرواتي توجمان في مؤتمر صحفي أنه «لا يمكن التوصل إلى اتفاق بين القوميات المسلمة والصربية والكرواتية في البوسنة والهرسك إلا عن طريق تقسيمها إلى كانتونات».

أبعاد الاتفاق بين الصرب والكروات

ورغم أن هناك تحالفًا غير معلن بين المسلمين والكروات في البوسنة شهد أعلى نقطة له خلال الاستفتاء على مصير الجمهورية في أول مارس الماضي، إلا أن فكرة اتفاق الصرب والكروات على تقسيم الجمهورية وضم كل طرف للأراضي التي تعيش عليها قوميته إلى الوطن الأم صربيًا أو كرواتيا كانت دومًا أمرًا واردًا، فقد ذكرت صحيفة التايمز البريطانية قبل حوالي عام أن أحد كبار مستشاري الرئيس الكرواتي توجمان قد أكد أن محادثات سرية قد جرت بين زعماء جمهورية الصرب وكرواتيا لحل النزاع القومي الراهن في يوغسلافيا عن طريق اقتطاع أراض من جمهورية البوسنة والهرسك، وفي محاولة لتمرير الأمر بهدوء ذكر هذا المستشار ويدعي ماريو نوبليوا للصحيفة أن الخطة تشمل إقامة دولة إسلامية في البوسنة تكون كمنطقة عازلة بين الطرفين الصربي والكرواتي، لكنه أضاف أن من الصعب على المسلمين في البوسنة والهرسك أن يحولوا هذه الجمهورية بكاملها إلى دولة إسلامية، ولذا يجب التوصل إلى اتفاق ما حول إقامة دولة إسلامية على جزء منها وحل لمشكلة المناطق ذات التداخل السكاني المشترك وأغلب مناطق البوسنة.. على هذا الحال اقترح الجانب الكرواتي أن تتم عملية تبادل سكاني «تكون طوعية» على غرار ما حدث بين اليونان وتركيا عقب الحرب العالمية الأولى.

وأضاف: «ربما كان هذا أفضل خيار أمامنا لإيجاد حل دائم في يوغسلافيا» وأشارت الصحيفة إلى تصريح توجمان للتلفاز بأنه «إذا كانت جمهورية الصرب تريد تحقيق طلبها الذي يقضي بأن تعيش جميع أبناء الصرب في دولة واحدة، فإنه لا يمكن لأحد أن يحرم الكرواتيين من هذا الحق نفسه».

وبالإضافة إلى ما ذكرته الصحيفة البريطانية قبل عام فقد صرح الدكتور حارث سيلاجيتشي وزير خارجية البوسنة إلى التلفزيون البوسنوي مساء العاشر من الشهر الأول من هذا العام بأن هناك اتفاقًا يكاد أن يتم بين صربيا وكرواتيا ينص على تقسيم البوسنة والهرسك بين الطرفين المتحاربين عن طريق ضم كرواتيا المنطقة الغربية من البوسنة بديلًا عن أراضيها التي فقدتها في الحرب واستولت عليها صربيا، ومقابل أن تصمت أيضًا عن ضم صربيا لغالبية الأراضي البوسنوية على أن يبقى بين صربيا وكرواتيا شريط حدودي يمكن للمسلمين أن يقيموا فيه جمهورية خاصة بهم.

* الاتفاق بين الصرب والكروات على تقسيم البوسنة جاء تحت رعاية الدول الأوروبية

 دور المجموعة الأوروبية

وبالتالي فقد اعتبر المراقبون أن الإفصاح عن هذا الاتفاق أمرًا ليس جديدًا، لكن ما أثار دهشتهم هو ما أشارت إليه التصريحات الصادرة من زغرب والتي أكدت أن الاتفاق بين الصرب والكروات قد جاء برعاية المجموعة الأوروبية، بل إن المحادثات التي تمت بين الطرفين جاءت بدعوة من الوسيط الأوروبي «خوسيه كوتيلييرو»، ومثار الدهشة أمران أولهما أن مهمة الوسيط الأوروبي هي محاولة إيجاد حل يتفق عليه الأطراف الثلاثة الصربية والكرواتية والمسلمة ولا يكون بين طرفين على حساب الطرف الثالث ثانيهما أن دعم المشروع الصربي الكرواتي الداعي إلى التقسيم يختلف في أساسياته عن المشروع التي كانت المجموعة الأوروبية تسعى إليه والقائم على عدم جواز المساس بالحدود التي كانت تحتفظ بها الجمهوريات عندما كان الاتحاد اليوغسلافي يضمها، إلا أنه يمكن القول أن محادثات لشبونة التي كنت قد بدأت أول الشهر الجاري قد مهدت الطريق لذلك، حيث قدم الوسيط الأوروبي خوسيه اقتراحًا يتمثل في تثبيت الحدود بين مناطق القوميات المختلفة، ودعا إلى رسم الخرائط الخاصة بها.

ويأتي الموقف الأوروبي متوازيًا مع موقف الأمين العام للأمم المتحدة السيد بطرس غالي الرافض لإرسال قوات حفظ السلام إلى البوسنة والهرسك أسوة بجارتها كرواتيا؛ لأن «إرسال مزيد من القوات إلى يوغسلافيا سيشكل عبئًا على الأمانة العامة للأمم المتحدة وسيؤثر بصورة سلبية في قدرتها على القيام بعمليات حفظ السلام في مناطق أخرى من العالم» حسب الرسالة التي وجهها إلى الرئيس الفرنسي ميتران، و«بسبب استمرار الاشتباكات وعدم احترام وقف إطلاق النار من قبل الأطراف المتحاربة» كما نقلت عنه إذاعة بلغراد.

ضربة للمسلمين

ويعتبر هذا الاتفاق الصربي الكرواتي إذا دعمته الأحداث القادمة بمثابة ضربة قاضية موجهة إلى المسلمين الذين يشكلون غالبية سكان الجمهورية والحلقة الأضعف تسليحًا، وتتفق قياداتهم السياسية والدينية تمامًا على رفض فكرة التقسيم ويطالب المسلمون بوحدة الأراضي في جمهوريتهم، كما أعلن رئيس الجمهورية علي عزت بيجوفيتشي مرارًا رفضه للطعم المتمثل في إقامة دولة إسلامية على مساحة من الأرض محصورة بين جمهوريتي صربيا وكرواتيا، وأكد في كل تصريحاته ومباحثاته سعي المسلمين لإقامة جمهورية مدنية ذات حقوق متساوية لكل القوميات التي تعيش عليها لكن يبدو أن فصولًا من التاريخ تعاود نفسها في البوسنة، فعندما انفرط عقد المملكة اليوغسلافية عقب الحرب العالمية الثانية انخرطت صربيا وكرواتيا في حرب أهلية شرسة تمكنا أثرها من اقتسام أراضي البوسنة والهرسك بالقوة فيما بينهما، ولذلك فإن الزعيم المسلم علي عزت يؤكد أنهم «لن يتفقوا هذه المرة سلمًا وسوف يقتتلون على كل قطعة من الغنيمة»! وهذا ما يعني أن خيار الحرب قد يطول في البوسنة وهو الخيار الذي فرض على المسلمين هناك ويجنون نتائجه عبر المذابح الوحشية التي تتم في القرى والمدن ذات الغالبية المسلمة بشكل يومي وعلى يد الميليشيات الصربية التي قد تلحق بها غدا الميليشيات الكرواتية.

الرابط المختصر :