العنوان التخطيط اليهودي في البلاد العربية.. الحلقة الثالثة
الكاتب جمال الحسن
تاريخ النشر الثلاثاء 29-سبتمبر-1970
مشاهدات 38
نشر في العدد 29
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 29-سبتمبر-1970
- محاربة التخطيط اليهودي للعقيدة الإسلامية أمر واضحة أسبابه منذ بدأوا يقتلون الأنبياء بغير حق، ومنذ بدأوا يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، ولا زالت مستمرة إلى الآن.
٤-تحطيم العقائد في المنطقة العربية:
الكلام في هذا الموضوع فيه حساسية، ولكن أرجو أن أجد لي عذرًا عند الله وعند القارئ فإنني أحاول أن أقدم دراسة موضوعية للوضع المعقد الذي نعيشه. وسأستعين جهدي بالأسلوب الرباني في النقد الواضح في الآية الكريمة ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾. (البقرة: ٢١٩).
فإن الله العلي الحكيم الذي حرم الخمر والميسر قد ذكر أن فيهما منافع، بالإضافة إلى أنه ذكر أن فيهما إثما كبيرا، وبين سبحانه كذلك أن الإثم أكبر. ففي النقد الموضوعي تبين المحاسن والمساوئ ويبين كذلك من أكثر أثرًا.
إن العقائد السائدة في عالمنا العربي هي العقيدة الإسلامية والعقيدة المجوسية وهي تشمل الشيوعية وتأتي بعد ذلك فكرة القومية العربية وقد أعطت نفسها شكل العقيدة.
إن محاربة التخطيط اليهودي للعقيدة الإسلامية أمر واضحة أسبابه منذ بدأوا يقتلون الأنبياء بغير حق ومنذ بدأوا يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ولا زالت مستمرة إلى الآن وفي بداية القرن العشرين أدخلوا العقيدة الشيوعية في بلادنا فقد كانوا هم قادتها في العالم العربي كله وعلى نفس النمط أدخلوا فكرة القومية العربية بواسطة عملائهم من النصارى أو بعض الدخلاء على الإسلام. هذا الأمر يعرفه الناس ولا يجد الشيوعيون أو القوميون في ذلك غضاضة لعدم وضوح الرؤية لديهم.
ولقد تمكن اليهود يناصرهم الاستعمار الإنجليزي والأمريكي من عزل عناصر العقيدة الإسلامية عن الناس بواسطة عناصر القومية العربية والشيوعية وبذلك عزلوا العقيدة الإسلامية عن الحياة.
كل ذلك والقوميون العرب والشيوعيون لا يشعرون أنهم إنما يدمرون بلادهم عن طريق تدمير المخلصين. وقد ظن اليهود أن الأمر قد حان لتدمير فكرة القومية العربية وذلك لأنها هي التي أدت إلى رفع شعار الوحدة العربية وأصبح من الضرورة بمكان التخلص من شعار الوحدة تهيئة لإسرائيل لابتلاع المزيد من البلاد العربية ولأن تدمير هذه الفكرة معناها تدمير طائفة فعالة من هذه الأمة تماما. كما دمروا العناصر الإسلامية الفعالة -ولما كانت فكرة القومية هي البديل للتفكير الإسلامي في الفترة السابقة فقد أصبح الذي يمكن أن يحاربها بعنف هو التفكير الديني الإسلامي. ولكن متانة الدين الإسلامي ووضوح حدوده سيمنعهم من إمكانية استغلال الدين كما استغلوا القومية العربية. فمثلًا لا يمكنهم إقامة دولة باسم الدين لأن واجبات الدولة الإسلامية واضحة للكبير والصغير وكلها أمور فعالة ضد اليهود ومخططاتهم. لذلك فإنهم يكتفون ببعض الملامح من أجل إعطاء مبرر إعلامي لمحاربة فكرة الوحدة لتنفيذ مخططاتهم السابقة.
إن هذا لا يعني أننا نوافق على فكرة القومية العربية فإننا لا نرضى عن دين الله بديلا، بل لا نجرؤ أن نحيد عنه وقد أبصرنا الحقائق بكل وضوح ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾. (الزمر: ١٣).
ولكننا نقول ذلك حتى لا ننساق وراء كل ناعق ينعق ضد القومية العربية أو أية فكرة أخرى فإذا أردنا أن يحل دين الله محل الأفكار السائدة فيجب أن يكون ذلك ضمن مخطط نضعه نحن وإلا كنا نأمر بالفحشاء والمنكر كما مر معنى في آية كريمة سابقة. فالخطط الإسلامية لا يكون فيها إلا ما ينفع أمتنا ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾. (قريش: ٣-٤).
ونظرا لأهمية هذا الموضوع لأننا نعيشه يوميا فيبدو من الأفضل أن نعطي مثلا واقعيا:
هاجمت جريدة محلية قومية جريدة محلية إسلامية وقذفتها بعبارات الجهلاء. إن التصرف الصحيح أمام هذا الهجوم هو تقديم دراسة ناقدة. تبين فيها بدون تحامل. الآثار السيئة والحسنة لتلك الجريدة وتشجيع الجريدة على تقوية الناحية الحسنة وترك النواحي السيئة وذلك انطلاقا من الآية الكريمة ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾. (الفرقان: ٦٣).
ومن واقع أن مستقبل تلك الجريدة وكتابها لا يعلمه إلا الله فلو حسن إسلامهم مستقبلا فإن سيئاتهم الخطيرة التي نراها ستتبدل إلى حسنات من بعد التوبة والعمل الصالح في بناء الأمة خاصة وأن ممارستهم الأعمال القيادية في التوجيه تعطيهم كفاءة مناسبة. ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾. (الفرقان: ٧٠).
أما تبادل المسبات فليست من الإسلام في شيء بعد أن قال العزيز الرحيم ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. (الأنعام: ١٠٨). وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «تجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الشأن حتى يقع فيه».
إن اليهود بعد أن استفادوا من النصارى في تفريق العرب عن طريق العقائد يهمهم أن يتخلصوا من مختلف الفرق العربية العقائدية تحضيرا لتوسع يحلمون به لذلك يجب استغلال الفرصة الحالية لدعوة مختلف الفئات العربية للتفكير في الخطر الداهم وللعودة إلى دين الله بعد أن انكشف زيف أعداء الدين والذين رفعوا ما رفعوا من شعارات براقة سابقا من أجل تحطيم وحدة الأمة. والتمهيد لتوسيع دولة اليهود.
٥-الحملات الإعلامية الموحدة:
إن حالة التفكك التي يعيشها الشعب العربي حاليا جعلت من المستحيل وضع وتنفيذ خطة عربية واحدة للنهوض بأمة العرب والتخلص من أعدائها، ولما كانت أجهزة الإعلام من أخطر وسائل تنفيذ المخططات فلقد بات من المستحيل في الأوضاع الحالية أن يسير الإعلام العربي في خطة واحدة لصالح العرب. وفي الوقت الذي لا توجد فيه للأمة العربية لجنة للتخطيط السياسي توجه الأمة كلها نجد الصحف تعلن إنه يوجد في القدس في وزارة خارجية العدو لجنة تخطيط خاصة لتوجيه النشاط الصهيوني في العالم العربي تضع الخطة الواحدة وتوزع الأوامر للتنفيذ في البلاد العربية، يقوم بتنفيذ ذلك عملاء لليهود منتشرون في الحركات الماسونية أو نوادي الروتاري والليونير أو جمعيات الاتصال بالأرواح وأوضحها جمعية شهود يهوه أو أفراد منتشرون في تنظيمات مختلفة.
وعلى الأغلب أن يكون هؤلاء في مراكز إعلامية من صحف وإذاعات تمكنهم من تنفيذ الأوامر التي تصدر إليهم. وإذا ما تذكرنا أن غالبية التخطيط اليهودي تسير على قاعدة إيجاد الأمور في الإعلام أولا مع التكرار الكثير حتى يصبح واقعا في عالم الناس، إذا تذكرنا ذلك أدركنا خطورة الصحافة والإذاعة والتليفزيون وضرورة نظافة الذين يسمح لهم بالعمل فيها، وضرورة وضع خطة ثابتة واضحة لها وضرورة كون المشرفين عليهم خبراء صالحين. ونظرا لعدم توفر هذه المتطلبات حاليا فيجب الحذر من ألاعيب الإعلام.
ولولا حساسية الأمر وعدم وضوح الرؤية أمام العرب لذكرنا أمثلة واضحة تماما. إنه لا بد من الإشارة هنا إلى أن مثل مصالح الأمة الإسلامية كمثل الخط المستقيم ومثل مصالح اليهود أو النصارى كمثل الخطوط الملتوية العوجاء واعوجاجها هذا يؤدي بطبيعة الحال إلى تقاطعها مع الخط المستقيم في بعض النقاط. إن اليهود يستغلون نقاط التقاطع هذه لصالحهم في الإعلام كثيرا.
ولعل في هذا تفسيرا كافيا لنعرف لماذا يظهر بعض الناس مخلصا أحيانا وخائنا مرة أخرى.
٦-إشغال الأمة العربية عن العمل الفدائي:
إن استمرار التصاعد والنمو في العمل الفدائي مستمد من رعاية الله له التي كان من أوضح مظاهرها الدعم المالي العربي الشعبي والحكومي، هذا الدعم الذي يتوقع له أن يزداد متضاعفا وأن يتم التفاعل بين الثورة الفلسطينية والشعب العربي والأمة الإسلامية إلى قدر فعال بحيث تشارك الأمة كلها في القتال الحقيقي فتسخر ما لديها من طاقات في هذا السبيل، سبيل الله. إن اليهود الذين يضعون عادة عدة خطط للقضية الواحدة يشعرون بهذا الأمر ويعلمون أن فيه زوال دويلتهم المسخ، لذلك فإنهم يبذلون جهودا كبيرة هم وعملاؤهم من أجل عدم السماح للدعم العربي والإسلامي بالاستمرار والتطور وهم يستخدمون لذلك أساليب شتى ولقد كان من أساليبهم في السنوات الثلاث السابقات عدم إثارة الشعوب العربية بامتناعهم عن القيام بنشاطات تخريبية في البلاد العربية لأن ذلك يدخل الشعب مباشرة في وسط المعركة. إلا أن أخبث وسائلهم هي محاولاتهم فتح جبهة حرب ثانية تكون من الأهمية بحيث ينشغل بها كل العرب انشغالا تاما عن أمر إسرائيل وعن دعم الفدائيين وذلك كما جرى بعد عام 1948 فلقد كان يعم الشعب العربي والمصري منه على الأخص تيار قوي ينادي باستمرار المعركة مع اليهود على أساس جهاد شعبي يقود ذلك ويحركه الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله المرشد العام للإخوان المسلمين والشيخ محمد محمود الصواف في العراق والأستاذ مصطفى السباعي في سوريا رحمه الله إلا أن عملاء اليهود -وهم أشد العملاء خفية- استطاعوا أن يفتحوا جبهة حرب وطنية هامة ثانية لتنفيس الضغط الشعبي الهائل لدى الشعب المصري على الأخص، فكانت جبهة السويس التي حولت أنظار الشعب عن الجهاد ضد اليهود، وكانوا قد اغتالوا الإمام حسن البنا تمهيدا لذلك فدخلت حركة الإخوان المسلمين حرب السويس بكل طاقتها. ونسي الناس كل الناس إسرائيل.
والآن يحاول عملاء اليهود جهدهم فتح جبهة حرب ثانية وطنية وهامة ينشغل بها كل العرب كما انشغلوا سابقا وقد مضت سنوات طويلة وهم يعدون لها في الصحف التي لهم فيها تأثير في كلا الطرفين العربي وغير العربي. أم فتيل الحرب فإن إيجاد المبررات لذلك سهل جدا وإذا فشل بعضها نجح البعض الآخر.
إن انكشاف هذا الأمر لكافة الحكام العرب ولكافة حكام المسلمين ضروري جدا لأن عملاء اليهود لا يمكنهم أبدا الاستمرار في مخطط مكشوف فهم يعتمدون على عدم وضوح الرؤية لدى العرب لإيقاعهم في مشاكل لا طائل من ورائها سوى الضرر بأنفسهم.
وإذا ما وقعت الحرب لا سمح الله تنفست إسرائيل واطمأنت لأن التيار الضخم الذي يمد العمل الفدائي بالإمكانيات قد نضب وسيسهل على اليهود تفجير ألغامهم الموقوتة التي بثوها في العمل الفدائي في غفلة عن الرأي العام العربي المشغول. وستكون الإمكانيات الفلسطينية لوحدها في الساحة وهي غير كافية أبدا وستخلص إسرائيل من المشاركة العربية التي أظهرت الأحداث أنها السبيل العملي المتين الناجح في السير لبناء الأمة العربية بناء سليما من الأمراض.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل