العنوان التدخل الفرنسي في رواندا محكوم بحسابات سياسية
الكاتب مراسلو المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 05-يوليو-1994
مشاهدات 9
نشر في العدد 1106
نشر في الصفحة 41
الثلاثاء 05-يوليو-1994
بعد صمت دولي طويل على المأساة في رواندا وما يجري فيها من جرائم بشعة فوجئ العالم بالموقف الفرنسي بالتدخل في هذا البلد تحت شعار الحماية الإنسانية، لضحايا الحرب الدائرة في كيغالي العاصمة والمدن المجاورة لها وتحت مظلة تكليف منظمة الأمم المتحدة الطرف الفرنسي بهذه المهمة، فما هي دواعي هذا التدخل في هذا التوقيت بالذات؟ وما هي أبعاده؟
تبريرات غير مقنعة:
فقد أجاب المسئولون في فرنسا عن دواعي هذا التدخل بحجة أنه لا يمكن لبلد مثل فرنسا أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام المجازر ضد الأبرياء، بحكم أن باريس لها علاقة متينة تاريخية بإفريقيا إشارة إلى التاريخ الاستعماري ويحكم موقعها كعضو دائم في مجلس الأمن.
ولم تكن هذه المبررات الرسمية لتقنع العديد من الأطراف في الداخل والخارج، بل إن منتقدي هذا التدخل لم يقتصر على دائرة المعارضة خاصة في صفوف الحزب الشيوعي الذي اعتبر أن مثل هذا الموقف لا يساهم في حل المشكل بل يزيده تعقيدًا، وأن الطرف الفرنسي ليس المؤهل لهذا الدور لأنه أكثر الأطراف تورطًا في الأزمة الرواندية، بل إن الانتقاد للتدخل الفرنسي جاء من بعض الوجوه الحزبية المشاركة في الأغلبية الحكومية مثل حزب التجمع من أجل الجمهورية الديغولي حيث عبر أحد نواب هذا الحزب في البرلمان عن اعتراضه التام للتدخل في رواندا وصرح بأنه ضربة خنجر في الظهر.
ومن خلال موجة الاحتجاج التي أثارها القرار الفرنسي المنفرد بالتدخل في هذا البلد الإفريقي الجريح، يتضح عدم تفاعل الرأي العام السياسي والشعبي مع الأطروحات والتفسيرات الرسمية.
فالتحرك الفرنسي جاء متأخرًا في حين أن المجازر كانت على مرأى ومسمع العالم من أشهر، ثم إن البعد الإنساني يخفي أبعادًا سياسية، ذلك أن رواندا لم تعد تشكل رهانًا استراتيجيًا مثلها مثل عامة، إفريقيا في إطار النظام الدولي الجديد، خاصة وأن هذا البلد في قائمة البلدان الفقيرة، إلا أن التدخل الحالي يهدف إلى تحريك فكرة الحضور الفرنسي في القارة الإفريقية ويعطي دفعًا جديدًا لسياستها الإفريقية التي شهدت تقلصًا وانحدارًا في ظل موجة التحرر التي هبت على العالم بعد سقوط الشيوعية، وفي ظل تنافس أمريكي- أوروبي- فرنسي على مناطق النفوذ في القارة السمراء خاصة بعد تطورات الوضع في شمالها «الجزائر بالخصوص» وجنوبها «وصول مانديلا إلى السلطة» وشرقها «الصومال والسودان» علمًا بأن القمة الإفريقية الأخيرة في تونس رفضت التدخل الأجنبي لحل القضايا الإفريقية التي تعتبر من مشمولات البيت الداخلي.
اعتبارات سياسية داخلية:
وإلى جانب كل هذه الاعتبارات الخارجية فإن اعتبارات السياسة الداخلية الفرنسية ساهمت كثيرًا في تحديد الموقف الفرنسي.
فقد خرجت الحكومة من الانتخابات الأوروبية بأضعف مما كانت تتوقع من حيث التعاطف الشعبي ونفس الشيء بالنسبة للأحزاب الاشتراكية أو اليسارية، ويحكم أن الشئون الخارجية من المجالات التي يحرص عليها رئيس الدولة الاشتراكي لإثبات شرعيته باعتبارها من القضايا الممثلة لسيادة الدولة فقد كانت هذه الخطوة فرصة جديدة للرئيس ميتران لتأكيد ديناميكية المؤسسة الرئاسية في اتخاذ القرارات الهامة في العلاقات الخارجية ويكون دور المؤسسة الحكومية السير في الخط الذي تقتضيه الهرمية المؤسساتية ودغدغة البعد الإنساني من القضايا التي يلتف حولها الرأي العام ويساندها.
ويمكن مقارنة هذا الموقف بالموقف في البوسنة عندما اتخذ الرئيس ميتران قرارًا مفاجئًا بزيارة سراييفو في ظرف حساس نجم عنها تغيير في موازين القوى على الساحة لفائدة الصرب.
كما أن قرار التدخل يحول الرأي العام عن المشاكل السياسية الداخلية وأزمة الأحزاب الكبرى في الانتخابات الأوروبية الأخيرة.
لكن يبقى المعطى الأساسي وراء هذا القرار الاتهامات التي وجهت من أطراف رواندية خاصة من الجبهة الوطنية الرواندية وأطراف سياسية وإعلامية أجنبية بتورط فرنسا في مساندة نظام دكتاتوري برئاسة أبيا ريمان الذي تم اغتياله، ومنذ ذلك الوقت انطلقت الحرب الأهلية وعمليات التقتيل التي تجاوزت نصف مليون رواندي نسبة منهم من المسلمين.
وقد كان الرد الفرنسي الرسمي قويًا على هذه التهمة بل أوضح في المقابل بأن الحضور الفرنسي في رواندا كان يهدف إلى المصالحة بين الطرفين المتصارعين من قبيلتين الهوتو والتوتسي.
ولهذا فسر بعض الخبراء التدخل الفرنسي في رواندا والتركيز على البعد الإنساني الصرف من قبيل التكفير عن الذنب في العلاقة الفرنسية مع النظام السابق التي يدور حولها الكثير من الجدل والظهور بمظهر الحياد التام في المعارك الأثنية والقبلية الدائرة في إفريقيا منذ تغلغل الاستعمار الغربي فيها واعتماده لسياسة فرق تسد التي تركت الأوضاع مهيأة للصراعات والانقسامات.
ويمكن اعتبار المأساة الرواندية والتعامل الغربي معها صورة لاستكمال حلقات الحقبة الاستعمارية التي تعاني منها الأجيال المتعاقبة في هذه القارة وخارجها، فالشعوب التي تتوق إلى تقرير مصيرها بنفسها تواجهها تحديات خارجية وداخلية من أجل عدم خروجها من دائرة التبعية للقوى الكبرى التي تسير النظام الدولي الجديد ومن أجل عدم تحول القارة الإفريقية إلى مركز إشعاع حضاري بفضل ما تملكه من ثروات طبيعية وبشرية غنية..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالرفاق العرب والرفاق اليهود يلتقيان.. ولا داعي للتورط مع اليهود!
نشر في العدد 25
25
الثلاثاء 01-سبتمبر-1970
ماذا يتم في المطبخ الدولي؟ الخيوط التي تربط بين تمزيق السودان إلى شمالي وجنوبي.. والباكستان إلى شرقية وغربية!
نشر في العدد 39
934
الثلاثاء 15-ديسمبر-1970