; التفسير الإسلامي للتاريخ | مجلة المجتمع

العنوان التفسير الإسلامي للتاريخ

الكاتب أ.د. عبد الرحمن علي الحجي

تاريخ النشر السبت 27-مارس-2010

مشاهدات 13

نشر في العدد 1895

نشر في الصفحة 52

السبت 27-مارس-2010

أثبتت التجارب الإنسانية الصادقة بعيدًا عن العقد - أن خير المناهج هي مناهج الأنبياء- عليهم السلام التي كانت خلاصتها وختامها مسكًا بهذا المنهج الرباني، الذي أوحاه الله تعالى إلى النبي الكريم محمد ﷺ وأنزله على قلبه ليكون من المرسلين، بل آخرهم وخاتمهم:

والمسك ما قد شف عنه ذاته

لا ما غدا ينعته بائعه

 لا بد من العناية بتفسير التاريخ الإسلامي ابتداء من السيرة النبوية الشريفة - بعد تسجيل أحداثه – وتقويمه بكافة  السبل التي يمكن بها للجيل الحالي استرداد ما فقده وغاب أو غيب من جمالات التاريخ، ولا يتم هذا إلا من خلال تفسير هذا التاريخ وتقويمه.

موازين دقيقة

تفسير التاريخ الإسلامي - وغيره من التواريخ - لا يكون مأمونًا أو حقيقيًّا أو صادقًا إلا بالتفسير الإسلامي للتاريخ، كل أنواع التاريخ؛ فهو التفسير الوحيد الذي يأتيك بالنتائج والمعلومات والأحكام الحقة الدقيقة الصحيحة، فمن خلال موازينه الدقيقة المتساوية المؤكدة تُفهم حقائق الحياة المنسجمة مع السنن الكونية ونواميسها التي تقدم لك الفهم السليم لمجريات الحياة وتحجب الفشل في فهم حركة الحياة الإنسانية وترصدها بدقة وعناية وعمق، سابرة غورها البعيد، كما تجيد تعليل الأحداث والقضايا الإنسانية التي تواجهها البشرية، كما أنها بذلك تعطي مفتاحًا متقنًا لتقويم المسيرة الحياتية وتسددها وترشدها آخذة بيدها نحو الخير الكامن في ذات الكون والحياة والإنسان.

بهذا التفسير الإسلامي للتاريخ يمكن أن تفهم الإنسان وحياته وحركته وعوامل تقدمه أو تخلفه ومنجزاته وابتكاراته. إذن دلوني كيف يمكن أن نفسر التغير الكريم الذي أحدثه الإسلام، والنقلة التي تمت به وحده إلى الحالة الجديدة الفاضلة، وما قدمته من إنجازاتها الفريدة التي لا يمكن أن تصدق لولا توثيقها المؤكد! بل كيف نفهم ونعلل ما حققه المسلمون خلال القرون في هذه الأرض من المنجزات والتضحيات والفتوحات المتنوعة في كافة مناحي الحياة دون أدنى استثناء؟

ميادين الحياة

والمقصود بالفتوحات هنا كل أنواع الإبداع والتقدم والسبق في كافة ميادين الحياة الإنسانية، وليس فحسب الفتوحات والمناشط العسكرية وما جرى فيها من انتصارات باهرة لا مثيل لها في التاريخ على شكل دائم وليس فلتة، بل قاعدة سارية، فكيف يفهم كل ذلك بغير التفسير الإسلامي للتاريخ؟ (1)

بهذا المنهج يمكن كذلك أن نفسر أيًّا من تواريخ الأمم الأخرى لكن ليس العكس أبدًا بحال، علما أنه لا تقل أهمية التفسير التاريخي عن تسجيل أحداثه بدقة وخبرة وتنقية وتقويمها، ثم من الذي يقوم بذلك؟ وما مؤهلاته العلمية وغيرها؟ وما المنهج الذي به يقيس الأحداث ويزن الأمور ويُقوّم مجريات الحياة الإنسانية وحركة هذا التاريخ أو ذالك؟ الذي يتولى هذا الأمر الجاد المهم، عليه أن يطبقه على التاريخ الإسلامي أولا، يكون هو الأولى به ابتداء جملة وتفصيلا وإفرادا، تدقيقًا وتحقيقًا وتعميقًا (2).

ثلاثة تفاسير: لقد غدا واضحًا لجمهرة الدارسين - سيما هذا الميدان – أن هناك ثلاثة تفاسير للتاريخ، ما يخصها وغيره تكاد تحتكر هذه الدراسات وتحكمها أو تتحكم في هذا اللون من التوجه المرغوب لولا أن واجهها تفسير جديد -التفسير الإسلامي للتاريخ - ما كان يحسب له أي حساب، إلى عهد قريب.

هذه التفاسير الثلاثة تكاد تنبع من مورد واحد في حقيقتها، إذ هي تتفق في الأمور الرئيسة للحياة الإنسانية - كونا وحياة وإنسانا - ومجريات أحداثها لها التناول نفسه، وإن اختلفت بجزئيات او منطلقات أو نظرات إلى الجانب الذي ركزت عليه لأي سبب، وهذه الثلاثة هي:

1- التفسير الغربي الليبرالي: الليبرالية (Liberalism) التحررية غير المهنية: الذي انتهى إلى النظام الرأسمالي الغربي المعروف.

2- التفسير المادي الشرقي الشيوعي: (Materialism) .

3- التفسير العملي الأمريكي: البراجماتزم (Pragmatism): هي ما يعرف بـ «فلسفة الذرائع» التي تعتمد مقدار ونوعية وفاعلية النتائج العملية، ميزانًا لقيم الحياة بها تقاس وتحكم ويقرر. أي بمقدار ما يأتي به من نفع مادي وأمثاله للإنسان. طبعت بها الحياة كلها حتى المناهج الدراسية، هذا هو المعتمد في المناهج الدراسية الأمريكية، التي شاعت في عالمنا العربي وربما في غيره (4).

يبدو أنه لا فرق كبير بين هذه التفسيرات الثلاثة وغيرها من حيث الأساس والنظرة، ومن حيث النفع والفوائد، وإن كانت الثانية أعم من الثالثة التي بها تقاس قيمة الأفكار والفلسفات وصدقها، كلها انبثقت من ظروف طارئة توفرت في محيط معين، أبرزتها وقوتها وحكمتها مواقع القوة الحاكمة المتنفذة في العالم التي منها تستمد شيوعها، وليست صحتها وواقعيتها في الحياة وصدقها وعمق نظرتها وتحرر فكرتها وإنسانية آفاقها.

جوانب أساسية

ملاحظة لا بد من إبدائها، أن هذه التفسيرات الثلاثة تكاد تتفق في الأمور الأساسية التي تحكم عليها بالفناء والخواء والانزواء، أو الانحسار والانكسار والاندثار؛ حيث انها أهملت جوانب أساسية من الحياة الإنسانية التي تعتبر من أهم الخصائص اللازمة القائمة المركوزة في الفطرة البشرية. إنها تهمل ثوابت رئيسة في الحياة الإنسانية: الجانب الروحي الذي تكاد تسقطه كاملا من حسابها، كما تبعد الجانب الإيماني الغيبي وما هو غائر في أعماق الذات الإنسانية، كما إنها تسقط كثيرًا من الجانب الخلقي، غير أعراف مهمة ما تزال تتمتع بها، وما تعتمده قوانينها المتغيرة باستمرار، يجري الاستفتاء عليها (5).

جوانب الخير

لا بد من معرفة تؤكد أن كثيرًا من جوانب الخير الموجودة في هذه المجتمعات، التي ظهرت فيها هذه التفسيرات الثلاثة، ليست من صناعة هذه المذاهب، بل بقيت فيها راغمة لها ولتوجهاتها، وكانت هناك عوامل عدة أثرت في توافر هذه السلبيات الموجودة، وفي صياغة هذه التفسيرات ومفاهيمها التي أثرت فيها كذلك، والتأثير كان متبادلا لديهما:

(1) نظرية دارون، وتفرعاتها.

(۲) نظرية فرويد، إلى جانب غيرها.

(3) موقف الكنيسة وتعاملاتها، ممثلة في مواقف البابوية وسلوكياتها السلطوية المستبدة التي جلبت ردود أفعال غير سوية ولا علمية ولا حضارية، أعانتها عليها تلك النظريات وأمثالها، دون وجود بديل أو قوة أو مرجعية تواجهها، مما بدا اليوم وكأنه ينحسر بأية سرعه ومقدار و نتيجة

الرابط المختصر :