; التكافل الاجتماعي ووحدة الأمة الإسلامية | مجلة المجتمع

العنوان التكافل الاجتماعي ووحدة الأمة الإسلامية

الكاتب عثمان حسين

تاريخ النشر الثلاثاء 20-أبريل-1999

مشاهدات 55

نشر في العدد 1346

نشر في الصفحة 44

الثلاثاء 20-أبريل-1999

إذا كانت حضارة الأمم تقاس بمقدار ما تحققه أنظمتها من عدل اجتماعي وتكافل فإن أمة الإسلام توجب عقيدتها وشريعتها التكافل وعدالة التوزيع، فهي أمة متراحمة «كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد» وهي أمة متماسكة «كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا»، والفقراء فيها لهم حق في أموال الاغنياء: ﴿وَٱلَّذِینَ فِیۤ أَمۡوَ ٰ⁠لِهِمۡ حَقࣱّ مَّعۡلُومࣱ لِّلسَّاۤىِٕلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ﴾ (المعارج-24)، ﴿فَـَٔاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِۚ﴾ (الروم: ۳۸). ﴿وَفِیۤ أَمۡوَ ٰ⁠لِهِمۡ حَقࣱّ لِّلسَّاۤىِٕلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ﴾ (الذاريات ١٩).

 ومن ثم فالمجتمع المسلم ليس مجتمع الصدقة الاختيارية، ولا مجتمع العطاء الممنون، والَّذي لا يؤدي فيه حقوق المحرومين من الجيران، ومن أهل البلد الواحد، تبرأ منه ذمة الله وذمة المسلمين «ليس منا من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم»، «أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعًا فقد برئت منهم ذمة الله».

ودائرة التكافل الإسلامي تتسع فتشمل الأمة شعوبًا وأقطارًا: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةࣱ﴾ (الحجرات: ۱۰)، ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ﴾ (التوبة: ۷۱) «المسلم أخو المسلم لا - يظلمه ولا يسلمه»، «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد...». إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الَّذي يسع فقراهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما صنع أغنياؤهم نص على المؤمنين عامة والمسلمين عامة.

وهكذا فالتكافل في ديننا نظام عام شامل تحمل الأمة كلها مسؤوليته، وتستظل الأمة كلها بمظلته، وتاريخ الحضارة الإسلامية في عهوده الزاهرة حافل بالوقائع الشاهدة على ذلك.

في عام الرمادة - مثلًا أصابت المسلمين في الحجاز مجاعة، فطلب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الغوث، فأرسل له المسلمون من مصر إبلًا أولها عنده بالمدينة، وآخرها في مصر عند عمرو بن العاص، وفي عهد عمر بن عبد العزيز أتسعت حصيلة الزكاة لكفاية حاجة الفقراء ولسداد ديون الغارمين، ولتزويج كل أعزب ليس له مال، ولإقراض صغار المزارعين إعانة لهم على خدمة الأرض وحسن الإنتاج والأمثلة في التاريخ الإسلامي كثيرة.

التكافل الإسلامي له روافد عديدة منها

- نظام نفقات الأقارب.

- نظام الكفارات.

واجب إيتاء المال على حبه: ﴿وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِ وَٱلسَّاۤىِٕلِینَ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ﴾ (البقرة: ١٧٧).

ومنها الحض العام على الإنفاق في سبيل الله، وكثرة الآيات في ذلك دليل قاطع على أهميته الكبيرة ﴿ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُوا۟ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِینَ فِیهِۖ﴾ (الحديد (۷)، ﴿وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تُنفِقُوا۟ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِیرَ ٰ⁠ثُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ﴾ (الحديد: ١٠)، ﴿وَأَنفِقُوا۟ مِن مَّا رَزَقۡنَـٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن یَأۡتِیَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَیَقُولَ رَبِّ لَوۡلَاۤ أَخَّرۡتَنِیۤ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ قَرِیبࣲ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ﴾ (المنافقون). وكثيراً ما كان - ولا يزال - الإنفاق في سبيل البر والإحسان يتخذ شكل الوقف على الخيرات وهو نظام له مزاياه العظيمة.

على أن أهم أبواب التكافل وأبرزها، نظام الزكاة، فالزكاة عبادة، وركن من أركان الإسلام الخمسة، والتكافل الزكوي ركن في الأديان السماوية جميعًا يقول الحق تبارك وتعالى عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام ﴿وَجَعَلۡنَـٰهُمۡ أَىِٕمَّةࣰ یَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِیتَاۤءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُوا۟ لَنَا عَـٰبِدِینَ﴾ (الأنبياء)، وفي كلام الله الموسى عليه السلام ﴿وَرَحۡمَتِی وَسِعَتۡ كُلَّ شَیۡءࣲۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِینَ هُم بِـَٔایَـٰتِنَا یُؤۡمِنُونَ﴾ (الأعراف).

وقَدْ شرع الله الزكاة في عشرات الآيات من القرآن، يقرنها غالبًا بالصلاة ﴿وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ ﴾ (المزمل: ۲۰)

ومن أهم صفات المؤمنين أنهم يحرصون على التكافل الزكوي ﴿وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَـٰعِلُونَ﴾ (المؤمنون: ٤)، ويشير إلى أن من صفات الكافرين أنهم لا يؤدون الزكاة ﴿وَوَیۡلࣱ لِّلۡمُشۡرِكِینَ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ كَـٰفِرُونَ ﴾ (فصلت)، والَّذين يمكن الله لهم في الأرض فيقيمون دولة الإسلام، يعنون فيها بالتكافل الزكوي ﴿ٱلَّذِینَ إِن مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُوا۟ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡا۟ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ﴾ (الحج).

وإلى جانب الصبغة الدينية العبادية، فإن التكافل بالزكاة فريضة مالية اجتماعية فالمال مال الله أستودعه عباده الأغنياء شريطة الإنفاق منه على المحتاجين ﴿وَأَنفِقُوا۟ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِینَ فِیهِۖ﴾ (الحديد: 7). ﴿وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ ءَاتَىٰكُمۡۚ﴾ (النور: (۳۳).

 والزكاة إذا لم تؤد اختيارًا تحصلها الدولة جبرًا ﴿خُذۡ مِنۡ أَمۡوَ ٰ⁠لِهِمۡ صَدَقَةࣰ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّیهِم بِهَا﴾ (التوبة (۱۰۳)، «من أعطاها مؤتجرًا فله أجرها، ومن منعها فإنا أخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا» ورسول الله بعث عماله «المصدقين» إلى القبائل يجمعون زكاة أموالها وخليفة رسول الله شن الحرب ضد المسلمين الَّذين منعوا الزكاة.

ولا بأس أن ينص القانون على السماح للمكلف بالاحتفاظ بجزء من أموال الزكاة يحدده القانون ليوزعه بنفسه على الفقراء من أقاربه.

ومصارف الزكاة ثمانية: ﴿۞ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلۡفُقَرَاۤءِ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱلۡعَـٰمِلِینَ عَلَیۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَـٰرِمِینَ وَفِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِۖ فَرِیضَةࣰ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ﴾ (التوبة ٦٠).

ومن هذه الثمانية مصرفان نريد التركيز عليهما: الفقراء - وفي سبيل الله.

الفقراء: أول المصارف الزكوية وأولاها سد حاجات الفقراء والمساكين، والتكافل الزكوي لا يقتصر على تقديم الحد الأدنى للإعاشة اللازم للبقاء على قيد الحياة، وهو لا يعني مجرد إطعام الجائعين، أو تقديم وجبات للبعض من الناس في مناسبات معينة، فهذا إحسان استهلاكي محدود كما لا يقف التكافل الزكوي عند حد منح السائل دينارًا أو درهمًا، فهذا عطاء موقوت وليس علاجًا الأزمة الفقر، إن التكافل في شريعتنا، إنما يعني العمل على تحقيق مستوى المعيشة اللائق بكرامة - الإنسان، وذلك بكفاية حاجاته الضرورية مثل المأكل والمشرب والمسكن والملبس والعلاج والتعليم التكافل الزكوي يستهدف العمل على إزاحة اسباب فقر المحتاج «الفقير أو المسكين»، ومحاولة نقله من فئة المحرومين إلى فئة مستوري الحال «حتى يصيب قوامًا من عيش»، ولقد كان عمر يقول العمالة: «إذا أعطيتم فأغنوا»، ويصور بعض الفقهاء ذلك بقوله: «يعطي الفقير ما يخرجه من الفقر إلى الغني على الدوام»، ومن ذلك خدمات التأهيل والتدريب على حرفة أو عمل أو إعطاء أرض للزراعة، أو مال للتجارة، أو قرض حسن كل ذلك لأن التكافل الإسلامي هدفه تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للفقراء وللأشد فقرًا. 

والمحتاجون في الأقطار الإسلامية الأخرى يجوز نقل مال الزكاة إليهم، وفي فقه الزكاة سعة وامة الإسلام أمة واحدة، فالتكافل الإسلامي يسعى إلى استئصال الفقر كلما أمكن ذلك، ولا يرتضي أن يكون المجتمع الإسلامي مجتمع التسول أو المسألة.

في سبيل الله: الراجح أن عبارة في سبيل الله الواردة بالآية ٦٠ من سورة التوبة ظاهرة في العموم للمنافع العامة الشاملة لكل ما يحفظ على الأمة الإسلامية عزتها، وما يحقق لها مكانتها، ويرعى مصالحها العامة، ويعين شعوبًا منها فقيرة أو متخلفة، ويدافع عن الدين وينشره وهو مصرف عام يتميز بالشمول والسعة، ولم يرد ما يخصص هذه العبارة، وكثير من الفقهاء يرى أنها لا تقتصر على نفقات الجهاد «الفخر الرازي - شلتوت - رشيد رضا - سید قطب».

وحدة الأمة: وفي مجال الحديث عن التكافل الاجتماعي، سواء كان رافده الزكاة أو غيرها من مصادر التكافل، يجب أن تذكر أن المسلمين أمة واحدة ﴿إِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ﴾ (الأنبياء) ﴿وَإِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ ﴾ (المؤمنون: ٥٢)، فالعمل لوحدة الأمة وتعاون شعوبها. هو عبادة الله وتقوى ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ ﴾ (التوبة:۷١) ﴿مُّحَمَّدࣱ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِینَ مَعَهُۥۤ أَشِدَّاۤءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَاۤءُ بَیۡنَهُمۡۖ﴾ (الفتح: (۲۹)، وذلك يقتضي أن كل مسلم عليه واجب التكافل مع إخوة الدين، وليس ذلك من قبيل البر والإحسان الاختياري، ولا لرابطة القومية، أو التكتل القطري أو العرقي، وإنما هو من باب التكافل العبادي الواجب، ومن باب الولاية والالتزام الديني نحو شعوب مسلمة فقيرة، ونحو أقليات إسلامية متخلفة، ونحو أقطار مؤمنة تشتد حاجتها إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

إن العطاء من جانب الأفراد الأثرياء، ومن جانب الأقطار الغنية يطهر المال، ويريح الأنفس المعطاءة ويزكيها ﴿تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّیهِم بِهَا﴾ (التوبة: ۱۰۳)

بيت مال الزكاة

والَّذي يحقق عالمية التكافل الإسلامي، أن تقوم كل دولة مؤمنة على شؤونه. فتنشئ فيها بيت مال للزكاة و«الصدقات» أو «مؤسسة عامة لذلك». تجمع الزكاة وتنفقها في مصارفها الشرعية. وخاصة الفقراء وفي سبيل الله - وذلك بضوابط محكمة، يضعها القانون في كل دولة ضوابط تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية على أن يستقل بيت المال المذكور بإيرادته ومصروفاته، ولا تختلط أموال التكافل بميزانية الدولة وتحصيل الزكاة المفروضة واستقلال ماليتها من شأنه أن يحقق حصيلة كبيرة، وتمويلًا عظيمًا.

ولا ننسى أن الحق تبارك وتعالى خاطب نبيه r وهو رئيس الدولة بقوله: ﴿خُذۡ مِنۡ أَمۡوَ ٰ⁠لِهِمۡ صَدَقَةࣰ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّیهِم بِهَا ﴾ [التوبة: ١٠٣]، وبعث رسول الله r عماله الجمع الزكاة من القبائل. وأوصى معاذ بن جبل بأن يقول لأهل اليمن إن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم. وأبو بكر قال: «لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها لرسول الله لقاتلتهم على منعها».

مبادئ عامة

1- إن التكافل الإسلامي ليس هدفه الإشباع المؤقت للفقراء، وإنما سد حاجاتهم الأساسية جميعًا، وتحقيق التنمية لهم، ولئن كانت الأولوية الفقراء البلد إلا أن مجال التكافل يمتد إلى غيرهم.

2- إن التكافل الزكوي له مصارف أخرى غير سد حاجات الفقراء، ومنها مصرف «في سبيل الله»، وهو باب للإنفاق عام وشامل المصالح الدين والأمة.. ومنها العمل على رعاية اللاجئين و«أبن السبيل». ومنها العمل على حرية الناس «وفي الرقاب»، ومنها سداد ديون المأزومين – (والغارمين).

3- إن الاتفاق على مصارف الزكاة بكفاية يتطلب تمويلًا كبيرًا، والَّذي يعين على ذلك أن يكون أداء الزكاة إجباريًا على كل من لا يؤديها باختياره، وهذا هو الأصل في نظام الزكاة ﴿خُذۡ مِنۡ أَمۡوَ ٰ⁠لِهِمۡ صَدَقَةࣰ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّیهِم بِهَا﴾ ( التوبة (۱۰۳).

4- إن الأصل العام هو أن تتولى الدولة في كل قطر مسلم، القيام على شؤون الزكاة - جمعاً وصرفاً، وأن تصدر التشريعات المنظمة لذلك، على أن يكون في كل قطر بيت مال للزكاة يستقل بميزانيته وبإيراداته ومصروفاته، ولا تختلط ماليته بالميزانية العامة للدولة.

5- إن المسلمين أمة واحدة، ولئن بدت الوحدة السياسية بعيدة المنال الآن، ولئن بدت الوحدة الاقتصادية كذلك. فإن التعاون بين بيوت مال الزكاة في الأقطار الإسلامية، والتنسيق بين خططها وجهودها، من شأنه أن يجمع هذه الأقطار على التكافل والتراحم، وأن يذكرها بأهمية الوحدة الَّتي تعز أمة المسلمين.

6- يجب أن تكون الزكاة حاضرة في الوعي الخاص وفي الوعي العام جميعًا، وأن يكون التكافل مسؤولية الشعوب والدول كما هو مسؤولية الأفراد، ومن ثم تضطلع كل دولة غنية بواجب المشاركة في التنمية للشعوب الإسلامية الفقيرة والأقليات الإسلامية المهضومة. 

7- إنه ينبغي العمل لإنشاء اتحاد عام لبيوت مال الزكاة في العالم الإسلامي من أجل أن يكون أداة للتعاون والتنسيق بين بيوت مال الزكاة في خططها، وجهودها، وأوجه نشاطها، عملًا على تجسيد التكافل والتضامن والتعاون في أمة الإسلام

8- إن قيام بيت مال الزكاة في كل دولة إسلامية، لا يقلل من أهمية الجمعيات الخيرية الَّتي تعنى بشؤون الزكاة، ولا يلغي دورها، إن هذا الدور مهم وضروري، وإن جهود هذه الجمعيات تتكامل مع المهام الَّتي تناط ببيت مال الزكاة، وينظم قانون الزكاة الَّذي يصدر في كل دولة العلاقة بين هذه الجمعيات وبين المؤسسة العامة للزكاة أو «بيت مال الزكاة»، بحيث يكون له الإشراف على أعمالها، على أن ينفرد بيت مال الزكاة بالتحصيل الجبري إن جهود هذه الجمعيات معروفة ومشكورة، لكن الواقع في كثير من دول العالم الإسلامي أن كثيرًا من الأغنياء لا يؤدون زكاة أموالهم كاملة أو لا يؤدونها بانتظام، أو لا يؤدونها بالمرة. 

9- إن في المال حقاً سوى الزكاة، فيحب النظر في إيتاء المال على حبه ﴿۞ لَّیۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِ وَٱلسَّاۤىِٕلِینَ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَـٰهَدُوا۟ۖ وَٱلصَّـٰبِرِینَ فِی ٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَحِینَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ صَدَقُوا۟ۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ﴾ (البقرة ١٧٧)، ويجب أن تعنى المجامع ا والمساجد والدعاة بتوعية أغنياء المسلمين، بما في أموالهم من حق للفقراء، وبفريضة العمل في سبيل الله وتوعية دوائر المال والأعمال والاستثمار، بواجب الإنفاق في سبيل الله. 

أسأل الله أن يكون هذا الحديث الوجيز موضعًا للعناية، وباعثًا على البحث، ودافعًا إلى التأمل، وإذا عقدت ندوة خاصة للموضوع فإن مجال التفصيل يتسع فيها إن شاء الله.

رجاء أن يضطلع التكافل الإسلامي بدوره العظيم الفعال في سبيل وحدة هذه الأمة و﴿ذَ ٰ⁠لِكَ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ یُرِیدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ (الروم)..

الرابط المختصر :