; التيارات العقائدية والاختيار الأصيل | مجلة المجتمع

العنوان التيارات العقائدية والاختيار الأصيل

الكاتب محمد الحمداوي

تاريخ النشر الثلاثاء 22-مارس-1977

مشاهدات 48

نشر في العدد 342

نشر في الصفحة 36

الثلاثاء 22-مارس-1977

«دعا فضيلة الأستاذ محمد الحمداوي للمشاركة في ندوة «التيارات العقائدية وضرورة الاختيار» التي أقيمت بمدينة الرباط بالمغرب، فألقى هذه المحاضرة القيمة».

فيم التباحث أيها المجتمعون؟ ولم التساؤل أيها المؤتمرون؟ لم التساؤل عن «التيارات العقائدية» التي أنتم فيها مختلفون؟ عن أيها تختارون؟ عن أيها تتبعون؟ لم التساؤل، وأنتم المسلمون، وأنتم المؤمنون، وأنتم الموحدون؟ لم التساؤل، ومن قبل قد اختار الله وخاطب رسوله قائلًا: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ (المائدة: 49)؟ لم التساؤل، ومن قبل قد خط رسول الله إلى الناس كافة «خطوطه» وتلا قول ربه: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ (الأنعام: 153)؟ لا ضرورة للاختيار، فمن قبل قد اختار الله، ومن أحسن من الله اختيارًا؟ ومن قبل كان من سنة الله الرفض للتيارات العقائدية القائمة على غير ما اختار الله.

أجل، من قبل قد اختار الله : ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ (القصص: 68) ومن قبل قد اختار الله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (الأحزاب: 36).

ومن قبل، وفي الأزل، قد اختار الله حين: ﴿أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا (الأعراف: 172).

ومن قبل قد اختار الله حين ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ (البقرة: 213).

ومن قبل قد اختار الله حين أخذ الله الميثاق على جميع أنبيائه أن يلتزموا دين الفطرة الذي عهد لهم به ولمن يأتي بعدهم من رسله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (آل عمران: 81).

ومن قبل قد اختار الله حين خاطب خاتم أنبيائه قائلًا: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (الشورى: 13)، وقائلًا: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (الروم: 30).

وبالفعل قد اختار الله حين سار جميع أنبياء الله عبر عهود نبواتهم وتعاقب رسالاتهم على نهج «دين الفطرة» الذي اختار الله. 

وقد ضرب خاتم أنبياء الله محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه المثل لهذا المعنى الفطري في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن رسول الله أنه قال: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟»، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ(الروم: 30). وكذلك في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم فيما قال في خطبته: «وإني خلقت عبادي حنفاء، وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا».

فلئن كانت هناك إذن ضرورة للاختيار فهي ضرورة دائمة أبدية خالدة، متأصلة في الطبيعة البشرية لا تقبل النقض، وإنما تحتم الإبرام، وعلى مر الدهور والأعصار، تلك هي ضرورة اختيار الفطرة. أما ما يعترض هذه الضرورة الفطرية من تيارات، فإنما ذلك شبهات وضلالات وانحرافات تثيرها وساوس شياطين الإنس والجن في النفس الإنسانية لتعوقها عن السير في طريقها الفطري إلى نهاية السعادة الأبدية الموعودة .

وليست هذه الضلالات والانحرافات العائقة التي تثيرها شبهات وشهوات، والتي تتلقفها العقول الإسفنجية على حين غفلة من رقابة الدين والعقل، والتي دعاها ربنا من قبل في كتابه الخالد «الأهواء» والتي تدعى اليوم في لسان العصر «التيارات العقائدية» ليست هذه الضلالات والانحرافات بالجديدة على بني الإنسان، وإنما هي تيارات قديمة شاءت حكمة الله جل جلاله أن تنشأ بجانب «فطرة الله» فتنة لرسل الله وأنبيائه، ولمن تبعهم من عباده المؤمنين، وصدق الله سبحانه : ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ (الأنعام: 112، 113).

وكما شاء الله أن تتوزع هذه الضلالات وهذه الانحرافات، وهذه التيارات أمم الأاقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ نبياء من قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم، كذلك شاء الله أن يبتلي بها أمة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الابتلاء في الحديث الثابت عنه من أكثر من طريق حين قال: «إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا واحدة، وهي الجماعة»، وفي رواية: «وهي ما أنا عليه وأصحابي»، «وأنه سيخرج في أمتي أقوام تتجاری بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله، والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به محمد لغيركم أحرى أن لا يقوم به».

وكما كان في أمم الأنبياء من قبل محمد صلى الله عليه وسلم من اتبعوا سننه واقتدوا بأوامره وقاوموا الانحرافات والضلالات والتيارات التي قعد أصحابها بكل صراط يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجًا، كذلك كان وسيكون وسيبقى في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يكون له في رسول الله أسوة حسنة، فيأخذ بسنته ويقتدي بأمره، ويكافح في سبيل نصرة دينه الذي هو دين الفطرة التي فطر الناس عليها، ولقد صدق الله صلى الله عليه وسلم حين عبر عن هذه السنة الإلهية الثابتة، فقال في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم: «ما من نبي بعثه الله في أمته قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهومؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان».

فالإسلام إذن هو دين الفطرة الخالد الذي اختاره رب الإنسان للإنسان، حين شاءت حكمته أن يكون الإنسان خليفته في هذه الأرض، وهو بهذه الصفة الفطرية غير قابل لأن يوضع موضع اختيار بينه وبين غيره من المذاهب والتيارات العقائدية قديمها وحديثها؛ ذلك لأنه دين إنساني، طبيعي، اقتصادي، أدبي، ومن نصر الله للإسلام أنني لست -وأنا والحمد لله أحد أبنائه- أنا الذي أصفه بهذا الوصف الرباعي، وإنما وصفه به أحد أعدائه الذي أبلى البلاء غير الحسن في حرب الإسلام في الجزائر من أرض الإسلام؛ ولكنه مع ذلك درسه، وجربهوحكم له. ذلك العدو الذي أدى هذه الشهادة في الإسلام -والحق ما شهدت به الأعداء- هو المسمى «ليون روش» الذي رووا عنه أن الحكومة الفرنسية ندبته ليكون جاسوسًا على الأمير عبد القادر الجزائري، وأوعزت إليه أن يتظاهر بالإسلام، وأن يتوصل إلى أن يكون موضع ثقته ومحل أمانته، ففعل ذلك ونجح، وأقام في ديار المسلمين ثلاثين عامًا تعلم في أثنائها اللغة العربية وفنونها، والإسلام وعلومه، واختبر الأوطان الإسلامية المهمة «الجزائر، تونس، مصر، الحجاز، القسطنطينية، ثم ألف كتابًا اسمه «ثلاثون سنة في الإسلام» قال فيه: اعتنقت دین الإسلام زمنًا طويلًا لأدخل عند الأمير عبد القادر دسيسة من قبل فرنسا، وقد نجحت في الحيلة، فوثق بي الأمير وثوقًا تامًّا، واتخذني سكرتيرًا له، فوجدت هذا الدين -الذي يعيبه الكثيرون منا- أفضل دین عرفته، فهو دين إنساني، طبيعي، اقتصادي، أدبي، ولم أذكر شيئًا من قوانيننا الوضعية إلا وجدته مشرعًا فيه، بل إنني عدت إلى الشريعة التي يسميها «جول سيمون» «الشريعة الطبيعية» فوجدتها كأنها أخذت عن الشريعة الإسلامية أخذًا، ثم بحثت عن تأثير هذا الدين في نفوس المسلمين فوجدته قد ملأها شجاعة وشهامة ووداعة وجمالًا وكرمًا، بل وجدت هذه النفوس على مثال ما يحلم به الفلاسفة من نفوس الخير والمعرفة والمعروف، في عالم لا يعرف الشر واللغو والكذب، فالمسلم بسيط لا يظن بأحد سوءًا، ثم هو لا يستحل محرمًا في طلب الرزق، لذلك فهو أقل مالًا من الإسرائيليين ومن بعض المسيحيين». وقال: «ولقد وجدت في الإسلام حل المسألتين الاجتماعيتين اللتين تشغلان العالم طرًّا: الأولى قول القرآن: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات: 10)، والثانية: في فرض الزكاة على كل ذي مال، وتخويل الفقراء حق أخذها غصبًاإن امتنع الأغنياء عن دفعها طوعًا، وهذا دواء الفوضوية. إن الإسلام دين المحامد والفضائل، ولو وجد رجالًا يعلمونه للناس حق التعليم، ويفسرونه تمام التفسير، لكان المسلمون أرقى العالمين، وأسبقهم في كل الميادين، ولكن وجد بينهم شيوخ يحرفون کلمه، ويمسخون جماله، ويدخلون عليه ما ليس منه، وإنني تمكنت من استغواء بعض هؤلاء الشيوخ في القيروان والإسكندرونة ومكة، فكتبوا إلى المسلمين في الجزائر يفتونهم بوجوب الطاعة للفرنسيين وأن لا ينزعوا إلى الثورة، وبأن فرنسا خير دولة أخرجت للناس، وكل ذلك لم يكلفني غير بعض أوان من ذهب».

ولئن أبى البعض ممن أعمتهم شبهات التقليد، وأضلتهم دعوات التيارات والأهواء التي سموها -تقليدًا لغيرهم- أسس التقدم والتجديد، لئن أبى هذا البعض قبول هذه الشهادة التي لم يدع صاحبها إلى أدائها تحيز ولا جمود، مدعيًا أن صاحبها عاش في ظروف قد أكل عليها الدهر وشرب، وأنه لم يشهد اليوم ما أدته إلى الإنسان ليبيرالية العم سام، ولا جدلية صاحب «رأس المال»، فإني أدعوه إلى أن ينصت معي إلى شهادة أخرى واختيار آخر في دين الفطرة، الإسلام، وصاحب هذه الشهادة وهذا الاختيار شاعت مؤلفاته وشهرته العلمية على كل لسان، وهو يدرس أحوال العالم الحاضر عن علم، وعن كثب وفي عين المكان، وقد خبر كلًّا من مبادئ المعسكرين اللذين يتنازعان اليوم السيادة على أرض الله، ذلك هو المؤرخ الشهير «أرنولد توينبي»، فلنستمع إليه وهو يؤدي هذه الشهادة ويختار هذا الاختيار للإسلام في حديثه عن المأزق الذي وصلت إليه الحضارة الغربية، قال: «إن فلك الحضارة الذي مضى يشق عباب التاريخ خمسة أو ستة آلاف سنة أخذ يندفع نحو شعب صخور يعجز بحارتها عن الطواف حولها...».

«أما إذا انتقلنا -صعودًا أو هبوطًا- في الصعيد التكنولوجي إلى صعيد الطبيعة البشرية ألفينا الفردوس الأرضي الذي أقامه حذق الإنسان الصانع في مهارة فائقة قد أحالته ضلالة الإنسان السياسي إلى جنة للحمقى .

قال: «والآن وبعد أن طويت المسافات بتقدم التقنية الغربية، وفي الوقت الذي تتنافس فيه طرق الحياة الغربية مع طريقة الحياة الروسية لكسب ولاء البشرية كلها، الآن.. يظهر أن التقليد الإسلامي في أخوة الإنسان للإنسان هو مثل أعلى يوافق حاجات العصر الاجتماعية، وهو أفضل من التقليد الغربي الذي أدى إلى قيام عشرات الدول الصغيرة ذات السيادة على أساس الاختلاف القومي».

ثم يختم توبيني كلامه قائلًا: «فإذا سبب الوضع الدولي حربًا عنصرية يمكن للإسلام أن يتحرك ليلعب دوره التاريخي مرة أخرى».

ولئن أنطق الله توينبي، فأدى الشهادة الحق واختار الاختيار الحق؛ الدين الفطرة والدين الحق، فإن العرق مع ذلك دساس، فلقد غلبت توينبي إنجليزيته ونصرانيته، فختم كلمته عن شهادة الحق هذه قائلًا: «وأرجو أن لا يتحقق ذلك». وأنا لا أختار في الجواب عن رجائه غير المرضي هذا، إلا ما اختار الله في الجواب عن الذين يرجون رجاء غير مرض من أمثاله: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (النساء: 123). وبعد فلئن كانت هناك من ضرورة تدعونا نحن المسلمين اليوم إلى اختيار شيء، فإنها تلك الضرورة هي ضرورة اختيار «العمل» بما اختار الله، وصدق الله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ (الأنعام: 115) ﴿وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (الكهف: 27).

ولئن تقدم غيرنا وتأخرنا نحن، فإنما ذلك كان لأننا أخلدنا إلى الأرض واتبعنا هوانا، وكنا كذلك الذي ضل الطريق فضرب الله له المثل حين قال: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الأعراف: 175). وها هو ربنا قد قص علينا القصص، فهل من معتبر؟ وها هو ربنا قد يسر لنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟ وصدق الله: ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (الإسراء: 9). وصدق أسلافنا الأولون الذين علموا القرآن وعملوا وعاشوا سادة في كل أرض وعزوا، وعشنا نحن في مواطننا عبيدًا، ورضي الله عنهم ورضوا عنه حين علموا، وحين عملوا، وحين عزوا وحين قالوا: «كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن».

«وبعد، فقد اختار الله، ومن أحسن من الله اختيارًا؟!».

الرابط المختصر :