العنوان الثقافة في الحضارة الإسلامية- 1- العلوم الإسلامية
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 19-سبتمبر-1978
مشاهدات 11
نشر في العدد 412
نشر في الصفحة 24

الثلاثاء 19-سبتمبر-1978
نشطت الحركة العلمية والأدبية في العالم العربي بعد الفتح الإسلامي، ووجد العلماء والأدباء التشجيع العظيم من الخلفاء والسلاطين والأمراء والوزراء الذين بنوا لهم المساجد والمدارس، وأجروا عليهم الأرزاق والصلات العظيمة، الأمر الذي جعلهم يتفرغون للعلم؛ فينتجون هذا النتاج العلمي والأدبي العظيم الذي ساهم مساهمة فعالة وإيجابية في بناء صرح الحضارة الإنسانية.
ومن هذا النتاج العظيم العلوم الإسلامية، فلقد شجع رجال الدولة العلماء والفقهاء فنشطت العلوم الدينية أيما نشاط، وبخاصة ما يتصل بالقرآن الكريم درسًا وبحثًا وتلاوة وتفسيرًا، حتى أن الصبية كانوا يتعلمون تلاوته وحفظه في المساجد والكتاتيب، وأرزاقهم تأتيهم من الواقفين الذين وقفوا الأوقاف الكثيرة على هذه المدارس والمساجد، مما أعطاها قوة الاستمرار عبر السنين والدهور، وهذا أدى إلى ظهور عدد كبير من الكتب التي تفسر كتاب الله تعالى، والتي جعلته الكتاب الأول غير منافي من حيث الدراسة والتفسير وغير ذلك، ومن هذه التفاسير الكثير التي لا يمكن استقصاؤها تفسير القرطبي وتفسير الطبري وتفسير الرازي وغيرها.
وأما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لقي الاهتمام الكبير بعد القرآن الكريم، وذلك لما له من الأهمية والمكانة في الدين الإسلامي، فتناوله الرجال الثقات بالنقل والحفظ والشرح والجمع، الأمر الذي أدى إلى ظهور صحيح البخاري وصحيح مسلم وموطأ الإمام مالك وغير ذلك كثير. بيد أن العصر الذهبي للحديث النبوي الشريف كان في عصر الزنكيين الذين بنوا أول دار مختصة بالحديث الشريف في التاريخ الإسلامي، وتابع هذا الاهتمام بالحديث الشريف الأيوبيون، فكثر في عهدهم المحدثون والمحدثات أيضًا.
وهناك أيضًا الفقه الذي كان له كبير الأثر في الحضارة الإسلامية وفي حياة الناس التي تتجدد يومًا بعد يوم، ويتطلب هذا التجدد والمتوسع استنباط أحكام جديدة تعالج هذه المتجددات والمتغيرات، وهذا أدى إلى ازدهار علم الفقه وإلى ظهور أعلام شامخة فيه سوف تظل خالدة إلى ما شاء الله تعالى مثل: أبي حنيفة والشافعي ومالك وابن حنبل وجعفر وغيرهم، ولم يزل الناس يسيرون على هدف فكرهم وآرائهم إلى يومنا هذا بفضل أتباعهم وتلاميذهم الذي حرصوا أشد الحرص على نقل آرائهم ومذاهبهم ودراستها ومناقشتها والزيادة عليها، الأمر الذي جعلها تساير تطور الأزمان وتناسب الناس في كل مكان، ولولا هؤلاء الطلبة المجدون لتجمد كل مذهب حول نفسه، ولم يستطع أن يساير تطور الحياة الإنسانية، وإنما يعود الفضل في ذلك إلى طبيعة هذا الدين الإسلامي الذي جعله الله تعالى دین البشرية جمعاء.
ولا بد لنا من أن نشير أخيرًا إلى أن القوانين الغربية قد أخذت من الفقه الإسلامي كثيرًا من الآراء والاجتهادات والأحكام، وأنها في مؤتمراتها التي تقيمها بين الحين والحين قد اعتبرت الفقه الإسلامي مرجعًا ومصدرًا تستند إليه وتستمد منه ما يعينها على الاستمرار في مواكبة متطلبات الحياة المتجددة كل يوم.
ومن الطبيعي أن الدين الإسلامي غير محتاج إلى الغربيين حتى تبدو عظمته، ولكن الفضل ما شهدت به الأعداء.
وهكذا نرى عظمة الحضارة الإسلامية حضارة الآباء والأجداد.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

