العنوان الجزائر في منعطف الطرق!
الكاتب سليمان شنين
تاريخ النشر الأحد 15-ديسمبر-1991
مشاهدات 24
نشر في العدد 980
نشر في الصفحة 24
الأحد 15-ديسمبر-1991
الانتخابات الجزائرية: العد التنازلي والتعثر
بقرب 26 ديسمبر 1991، بدأ العد التنازلي للانتخابات البرلمانية ليؤذن
بانطلاق مرحلة التعددية في صنع القرار، بعد أن كان النظام السياسي الجزائري يعتمد
على الرؤية الأحادية والحزب الواحد. ولكن نقطة الانعطاف هذه في حياة النظام
الجزائري تشهد نوعًا من التعثر قد لا تسمح الظروف السياسية الداخلية بإحداث هذه
القفزة النوعية في حياة شعب قدم مليونًا ونصف المليون من الشهداء.
ومن خلال متابعاتنا ولقاءاتنا مع السياسيين الجزائريين، بدأنا نلمس
شيئًا من التخوف في صدق التوجه نحو إحلال المسار الديمقراطي، وبدأ الجزائريون
يتعلمون أن الديمقراطية قيمة نسبية في العالم الثالث، وفي البلدان التي لا تملك
صنع القرار بيدها.
إن الجو السياسي مشحون هذه الأيام بالمناورات في الخطاب والمراوغة في
الإقدام والإحجام عن الانتخابات.
الجبهة الإسلامية والانتخابات
فالجبهة الإسلامية للإنقاذ -وهي أكبر حزب معارض في البلاد- لا يزال
خطاب قيادتها المؤقتة على لسان ناطقها الرسمي ورجلها الأول الآن، الشيخ عبد القادر
حشاني، يتسم بالتردد في المشاركة في الانتخابات أو عدمها، وذلك لعدة أسباب منها:
1.
أن القيادة
المؤقتة تشترط دخول الانتخابات بتنقية الأجواء السياسية، ولا يكون هذا إلا بإطلاق
سراح المسجونين، وعلى رأسهم الشيخان عباسي وعلي بلحاج، وإعادة العمال الذين طُردوا
في إضراب يونيو 1991 استجابة لنداء الجبهة الإسلامية للإنقاذ آنذاك إلى أماكن
عملهم.
2.
أن السيد عبد
القادر حشاني يرى عدم قانونية ومشروعية الحكم الذي أصدرته المحكمة والمتمثل في عدم
قبولها ترشيح الشيوخ في الانتخابات، واعتبر هذا نوعًا من التعسف ووجود نية مبيتة
من النظام في تزوير الانتخابات.
3.
أما مؤشرات
دخول الجبهة فتأتي من خلال قراءة أولية في أسماء المرشحين، حيث إن معظمهم من جماعة
"الجزأرة" -وهي جماعة اشتهرت في بداية تصدع صف الجبهة رغم قدمها
في ساحة العمل الإسلامي، إذ كانت تعتمد على النخبوية من خلال وجودها في الجامعة-
التي أصبحت تسيطر على صناعة القرار داخل الجبهة، ويتسم معظم رجالها بالنظرة
العقلية المستغلة لعواطف العوام. وهم يرون ضرورة الدخول إلى البرلمان لأنهم يدركون
جيدًا أن عوامل كثيرة موجودة قد تنسف تركيبة الجبهة الإسلامية حاليًا لعدم
انسجامها.
ثم إن إطلاق النظام سراح محمد السعيد -وهو وجه بارز في جماعة
"الجزأرة"- يعتبره البعض في ساحة العمل الإسلامي أنه أحد الضمانات التي
يعطيها النظام لـ"الجزأرة" بعدم الأذى إذا ما توجهت نحو صناديق
الانتخابات.
4.
أن الأحداث
الأخيرة في مدينة قمار بمحافظة وادي سوف، وهي إحدى المدن الجزائرية التي أمدت
الجهاد الأفغاني بكثير من أبنائها، تتمثل في أن مجموعة من الشباب -قال أحدهم إنهم
ينتمون إلى الحركة الإسلامية المسلحة- قاموا بالاعتداء على ثكنة عسكرية وأخذوا
الأسلحة الموجودة. وبحكم انتماء جزء منهم إلى الجبهة الإسلامية، فقد صرح وزير
الدفاع خالد نزار بأن الأحداث لها صلة غير مباشرة بالجبهة، وكانت تصريحات رئيس
الجبهة بعدها مباشرة بنفي التهمة والتصريح بأن الجبهة اختارت أسلوب الحوار بدل
الثورة، والذي يتطلب المرور بصندوق الانتخابات لإقامة الدولة الإسلامية.
حركة المجتمع الإسلامي
إن هذه الأسباب كلها لا تمنع من القول بأن دخول الجبهة الإسلامية
يعتبر أحد العوامل في وجود الاستقرار، وخاصة إذا علمنا أن الشيخ محفوظ نحناح، رئيس
حركة المجتمع الإسلامي "حماس"، قد قرر المشاركة في الانتخابات
بسياسة المشاركة في صناعة القرار، إذ يعتمد الشيخ محفوظ نحناح في خطابه على أن
التحرشات الأجنبية الموجودة بالمنطقة والتحديات الاقتصادية وغلاء المعيشة، كلها
مبررات تفرض ضرورة مشاركة كل الأطراف في بناء الجزائر، مهما اختلفت توجهاتها
الفكرية، في إطار ثوابت الجزائر المتمثلة في الإسلام والعروبة والوحدة الوطنية،
ويضيف إليها الشيخ الحريات الأساسية.
إن هذه النظرة الأولية عن واقع الإسلاميين في الجزائر والذين بدأوا
الاستعداد للدخول بقوة في الانتخابات البرلمانية من خلال التجمعات الشعبية الكبيرة
التي يقيمونها في مختلف المحافظات، تجعلهم المرشح الأول للفوز، ولكن عدم استجابة
الجبهة الإسلامية للتحالف -واعتبرته في البداية حرامًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا
حلف في الإسلام"- كل هذا قد يحدث فجوة تستفيد منها الأحزاب العلمانية
والوطنية، وخاصة الحزب الحاكم، حزب جبهة التحرير الوطني، الذي يملك الإمكانيات
المادية الكبرى في البلاد، وقد يستعمل نفوذه في الإدارة التي يُشترط فيها الحياد
في الانتخابات من أجل الفوز بها.
إن المراقبين السياسيين للوضع داخل الجزائر يضعون مشهدين يمكن أن
يحدثا في الأيام المقبلة.
المشهد الأول: عدم إجراء الانتخابات
وهو عدم إجراء الانتخابات خاصة إذا تأكد أن الإسلاميين سيفوزون
بالأغلبية، ويكون هذا بتحريك سكان منطقة القبائل التي يتمركز فيها حزبان هما: جبهة
القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، ويترأسهما على التوالي
السيد حسين آيت أحمد والدكتور سعيد سعدي. وهي أحزاب تتبنى مطلب أن تكون اللغة
الأمازيغية لغة وطنية، كما يكرس حزب التجمع خطابه بأن سكان المنطقة محتقرون من
النظام، وهذا مما يسهل وجود مطلب الاستقلال الذاتي للأمازيغ، وبالتالي يضفي شرعية
لتدخل الجيش لإعلان الأحكام العرفية ويعلن عن حل الأحزاب، وتصدق مقولة أن
الديمقراطية هي مجرد نسمة عابرة على دول لا يزول رؤساؤها إلا بزيارة ملك الموت أو
بتحرك دبابة.
المشهد الثاني: إجراء الانتخابات
وهو إجراء الانتخابات ويكون عندما يتأكد النظام أن الإسلاميين سيدخلون
متفرقين، مما يسهل على باقي الأحزاب الفوز، خاصة الحزب الحاكم وجبهة القوى
الاشتراكية والحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر التي يرأسها الرئيس السابق أحمد
بن بلة. ورغم إدراك هذا الأمر من طرف كل القوى العاملة للإسلام، إلا أن التعنت ما
زال قائمًا ولم يستجب أي أحد لنداء التحالف الذي وجهه الشيخ محفوظ. وقد علمنا منه
أن الاتصالات ما زالت مستمرة من أجل إيجاد الحد الأدنى، وإنه قدم عدة بدائل للدخول
في الانتخابات لكل فصائل الحركة الإسلامية من أجل كسب المعركة الانتخابية.
والأيام حبالى قد يلدن العجائب كما يُقال.