العنوان الحراك الأردني.. وتجاذب القوى المحلية والإقليمية
الكاتب حازم عياد
تاريخ النشر الأحد 01-يوليو-2018
مشاهدات 15
نشر في العدد 2121
نشر في الصفحة 40
الأحد 01-يوليو-2018
باغتت احتجاجات الشارع الأردني كافة الأوساط السياسية الرسمية وغير الرسمية في المملكة؛ فدعوات الاحتجاج والإضراب التي أطلقت عنانها النقابات يوم 30 مايو الماضي في أعقاب إعلان حكومة الملقي فرض ضريبة جديدة على الدخل توسعت على نحو غير مسبوق، وحظيت باستجابة كبيرة من النقابات والقطاعات التجارية؛ حتى تدخل الملك وقام بتغيير رئيس الحكومة الذي قام بدوره بسحب مشروع القانون لحين إجراء حوار موسع حوله؛ لتطرح تساؤلاً حول الدوافع والأسباب الحقيقية لهذا الحراك المباغت والمتدحرج.
الاحتجاجات في الشارع الأردني عكست منذ اللحظة الأولى عمق الأزمة الاقتصادية في الأردن والمعززة بأزمة سياسية نابعة من ضعف الرقابة وغياب الشفافية والمحاسبة؛ فاتساع دائرة المستهدفين بالضريبة بلورت تحالفاً واسعاً بين الفقراء والطبقة المتوسطة ورجال الأعمال والصناعة، مطلقة العنان لجدل داخلي ساخن اشتركت فيه كافة القطاعات الاقتصادية والشرائح الاجتماعية على مدى أسابيع، مفاقمة حالة الاحتقان الداخلي حول الأسباب الحقيقية للأزمة؛ هل تكمن في الضغوط الخارجية و»صفقة القرن» والمحاور المتصارعة، أم بإشكالية النهج الاقتصادي والسياسي المتبع في البلاد؟
التجاذبات الداخلية
القطاعات الاقتصادية والشرائح الاجتماعية المنهكة من الركود المتولد عن السياسات المالية للحكومة على مدى العامين الماضيين كانت على موعد مع موجة ركود كبيرة، عبّر عنها بتراجع النمو الاقتصادي إلى ما دون 2% وارتفاع البطالة لتتجاوز سقف الـ18%، أزمة عميقة تبلورت فصولها على مدى السنوات الست الماضية منذ انطلاق ثورات «الربيع العربي»، واندلاع الأزمة السورية، وانهيار الجيش العراقي في الموصل عام 2014م، والمترافق مع انقطاع إمدادات الغاز المصري.
أزمة سعت الحكومات المتعاقبة تجاوزها من خلال الاقتراض الذي بلغ معدلات عالية تفوق 3 مليارات دولار سنوياً، لتتجاوز قيمة المديونية العامة في عام 2018م نحو 40 مليار دولار، فالدولة كانت أمام استحقاق كبير، فهي المشغل الأكبر للأيدي العاملة بمعدل 47% في كافة المؤسسات البيروقراطية؛ ما دفعها لتمويل جهازها البيروقراطي من خلال البحث المتأصل عن منح ومساعدات كان أكثرها إثارة للجدل المنحة الخليجية المقدرة بـ5 مليارات دولار.
أمام ارتفاع نسب المديونية وتراجع اهتمام الدول المانحة وارتفاع نسبة الدين المحلي للبنوك الأردنية التي تمتلك احتياطياً يبلغ 33 مليار دينار محتكرة السيولة المحلية؛ تولد تجاذب عنيف بين القطاعات المالية الخاصة والبيروقراطية الحكومية؛ دفع الحكومة إلى طرح أفكار مقلقة على رأسها إمكانية الاقتراض من مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تمتلك 9 مليارات دينار أردني؛ مهددة بذلك مركز المؤسسة المالي، ومولدة أزمة هددت بتصدع الجهاز البيروقراطي في المملكة الأردنية المرتبط بقوة بهذه المؤسسة وعافيتها.
أمام حالة التجاذب الكبيرة التي تولدت عن الأزمة المالية العجز الكبير في الموازنة، اتجهت الحكومة إلى صندوق النقد الدولي في ظل تراجع اهتمام المانحين، ليبدأ فصل عنيف من التجاذب بين القطاعات الاقتصادية الكبرى؛ إذ تضمنت الخطة الجديدة فرض ضريبة على البنوك تبلغ 40% بعد أن كانت تبلغ 35%؛ مطلقة معركة بين المؤسسة الحكومية المطالبة بتوفير 300 مليون دينار رواتب للموظفين والقطاع الخاص المنهك بضرائب العام السابق (2017م).
وفي ضوء الطروحات الحكومية المستجدة والمفاوضات الشاقة مع صندوق النقد وشروط البنك الدولي الجائرة، تداعت القطاعات الاقتصادية للإضراب، لتبلغ النقطة الحرجة بإعلان الحكومة رفع أسعار الكهرباء والبنزين؛ ما أدى إلى عصيان مدني عبّر عنه بإيقاف السيارات أمام رئاسة الوزراء لتفجر حالة الاحتقان وينخرط فيها الفقراء والطبقة المتوسطة بقوة.
فاقم الأزمة الاقتصادية تفاعلها مع أزمات الإقليم وعلى رأسها الأزمة الخليجية (أزمة حصار قطر)، والحرب اليمنية، والحرب على الإرهاب؛ وصراع المحاور العربية، وقدوم إدارة جديدة إلى البيت الأبيض برؤيتها الإشكالية والمتطرفة للإقليم والعالم على رأسه القضية الفلسطينية؛ إذ تفاعلت المتغيرات الإقليمية والدولية مع المتغيرات المحلية، أمر برز من خلال توجه حكومة هاني الملقي إلى فرض وجبة جديدة من الضرائب لتضاف إلى وجبة الضرائب المعلن عنها أواخر عام 2016م لجني عائدات قدرت بـ350 مليون دينار، تضمنت رفع الدعم عن الخبز لرفد الخزينة بأموال تسد العجز وتستجيب لشروط صندوق النقد الدولي الذي طالب بخفض حجم الدين الخارجي بالنسبة للناتج القومي ليصل إلى ما دون 70%، في حين قفز الدين العام نهاية عام 2017م ليقارب 95%، دافعاً الحكومة مرة أخرى لفرض وجبة جديدة من الضرائب أعلن عنها في نهاية عام 2017م.
غير أن الإجراءات الحكومية المطبقة في عام 2017م لخفض العجز والاختلالات في المالية العامة للدولة لم تحقق أهدافها بالمطلق، إذ لم تضع بعين الاعتبار احتمال انفجار الأزمة الخليجية، وتأزم الملف الفلسطيني والسوري والعراقي؛ فتراجعت عائدات الضرائب بما فيها المبيعات لتبلغ 7% عما كانت عليه قبل عام، وساد الركود العديد من القطاعات الإنتاجية في البلاد وعلى رأسها القطاع التجاري والزراعي؛ ركود تسارعت مؤشراته بعد اندلاع الأزمة الخليجية.
التجاذبات الإقليمية
بقي تأثير العامل الإقليمي حاضراً ولم يغب بالمطلق عن حالة التدهور والركود الاقتصادي؛ ما دفع الملك عبدالله الثاني إلى مخاطبة الشعب الأردني في أكثر من محفل، داعياً إلى الاعتماد على الذات، خاصة في ظل الخلافات المتفاقمة مع إدارة الرئيس الأمريكي «ترمب» الساعية لتمرير «صفقة القرن»، والداعية إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإنهاء الوصاية الهاشمية على القدس.
تغيُّر ترك أثراً كبيراً على الأردن، فالولايات المتحدة الأمريكية تعتبر المانح الأول للمملكة طول فترة «الربيع العربي» والحرب على الإرهاب، إذ قدمت إدارة «أوباما» للأردن منذ عام 2012 إلى عام 2017م ما يقارب 10 مليارات دولار، بمعدل ملياري دولار على شكل منح باتت مهددة بالتقليص، إذ وقعت عمّان وواشنطن على اتفاقية غير ملزمة لتقديم منح للمملكة قدرت بمليار و250 مليون دولار، مع توقع عدم التزامها بتقديم 750 مليون دولار كمنح إضافية في ظل تراجع أهمية الحرب على الإرهاب وتوجهات الإدارة الجديدة لتقليص النفقات والمساعدات الدولية وربطها بالموقف من «صفقة القرن» ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
تأثير السياسة الأمريكية والتحولات في الإقليم وخصوصاً المرحلة الانتقالية في السعودية كان لها تأثير بارز في مفاقمة الأزمة الاقتصادية، فتعويل الأردن على فتح العراق لمعبر طريبيل بعد هزيمة تنظيم «داعش» لم يفض إلى نتائج مثمرة بسبب التعقيدات الأمنية الحاصلة على الحدود والمتعلقة بعملية نقل البضائع إلى الشاحنات العراقية، قابلها فتح المملكة العربية السعودية لمعبر عرعر على الحدود العراقية؛ ما ألحق أضراراً كبيرة بتجارة الترانزيت الأردنية، وأضعف القدرة التصديرية للمنتجين؛ إذ نافستهم البضائع القادمة من السعودية.
في الوقت ذاته، عانى الأردن من تداعيات الأزمة السورية؛ سواء بتراجع تجارة الترانزيت، أو بموجات اللجوء الكبيرة التي قدرت بمليون ونصف المليون لاجئ، لم تلتزم الدول المانحة إلا بـ20% من وعودها للأردن طوال فترة الأزمة.
وازدادت الأمور تعقيداً إثر التفاؤل المشوب بالحذر الناجم عن إمكانية أن تفضي مناطق خفض التصعيد في سورية إلى هدوء نسبي يسمح بفتح معبر نصيب السوري، لتعود الأزمة وتتفاقم نتيجة الخلاف بين الفصائل السورية والمواقف الإقليمية لعدد من الدول العربية من تطورات الموقف في الجنوب السوري، تأزم بلغ ذروته بشن جيش النظام السوري وحليفه الروسي حملة على الغوطة الشرقية نهاية عام 2017 وبداية عام 2018م.
الأزمة الخليجية كان لها نصيب كبير في تسريع الأزمة الاقتصادية في الأردن وتفاقمها؛ إذ باغتت الأزمة المزارعين الأردنيين والصناعيين والتجار في 5 يونيو 2017م، ملحقة خسائر بلغت 26 مليون دينار بالمزارعين الأردنيين وشركات النقل في أسبوعها الأول، كما أضرت بحركة العمالة الأردنية والسيولة المتدفقة من المغتربين المتشككين بأوضاعهم القانونية وسهولة حركتهم، وضرب الركود قطاع العقارات في الأردن بتغير توجهات وتفضيلات المغتربين الاستهلاكية والاستثمارية.
لم يتوقف تأثير المتغيرات الإقليمية والدولية عند حدود؛ إذ تأثر الأردن بالتطورات الحاصلة في السعودية بالإعلان عن الخطة التنموية الجديدة التي ركزت على «السعودة»، وفرض ضرائب تراكمية على المغتربين، ترافقت مع اضطرابات غامضة داخل المملكة العربية السعودية عكست طبيعة المرحلة الانتقالية في البلاد، وتمظهرت بشكل واضح بإيقاف السعودية لأحد كبار رجال الأعمال الأردنيين صبيح المصري؛ وهو من كبار المستثمرين في البنك العربي الأردني.
التطورات الحاصلة في الساحة السعودية تركت آثاراً عميقة على الاقتصاد الأردني، وزادت الشكوك بمستقبل العلاقة مع الرياض في ظل التوتر الناجم عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس و»صفقة القرن» الغامضة؛ والمترافقة مع الإعلان عن مشروع «نيوم» السعودي المحاذي للحدود الأردنية، أمر هدد المركز الإقليمي لمدينة العقبة كميناء دولي مفتوح لتجارة الترانزيت وهدد بأزمة سياسية بين الرياض وعمّان.
لم تتوقف تداعيات التحولات في المملكة العربية السعودية عند حدود القطاعات التجارية والمستويات الاقتصادي والسياسية، بل امتدت إلى الشرائح الاجتماعية الدنيا؛ فتراجعت ثقة العمالة الأردنية في مركزها القانوني والجدوى الاقتصادية للسوق السعودية؛ فبلغ عدد من غادروا السعودية بعد أزمة شركة «بن لادن» أكثر من 30 ألف مهندس أردني، مفاقمة بذلك أزمة البطالة الأردنية، ومجهضة جهود الحكومة في ضبط إيقاع الاقتصاد الأردني والسيطرة على مخرجاته السلبية، عاكسة سوء التخطيط لدى الحكومات المتعاقبة وبطء شديد في ردود فعلها.
الأهم من ذلك كله، تراجع حجم التجارة مع السعودية خصوصاً المزارعين والصناعيين؛ فانخفضت صادرات بعض المصانع إلى المملكة السعودية إلى النصف، واضطرت لتخفيض عدد العاملين فيها، ولم تفض زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في تهدئة المخاوف الأردنية؛ إذ تم التركيز على المشاريع الكبرى والاستثمارات الضخمة المرتبطة بمشروع «نيوم» الجدلي والإشكالي من ناحية قانونية وسياسية.
تفاعلت المتغيرات الاقتصادية الخارجية مع النهج الاقتصادي المحلي القائم على الريعية والمعتمد على المنح والمساعدات والأسواق الخليجية، مولدة حالة كبيرة من الاحتقان، وانعدام الثقة لدى الشارع الأردني بالنهج الاقتصادي والسياسي الذي بقي في حالة سكون مطبق طوال العامين الماضيين، مكتفياً باللجوء إلى جيوب المواطنين، ليعبر عن نفسه من خلال انفجار الاحتجاجات التي امتدت إلى كافة أنحاء المملكة.
حراك داخلي أفضى إلى حراك إقليمي واسع تجاه الأردن عملت الدولة على استثماره، غير أن التجاذبات الداخلية ونمط الدولة الريعية والأزمات الخارجية تحولت إلى أزمة مزمنة لم يعد بالإمكان علاجها من خلال إصلاحات اقتصادية قاصرة سياسياً في مجال التشريع والرقابة والمحاسبة، أو من خلال منح ومساعدات وقروض مرتبطة بأزمات متفجرة في الإقليم ومشروطة باستحقاقات سياسية واصطفافات إقليمية مكلفة للمملكة الأردنية.
أزمة عميقة تحولت إلى احتجاجات ودعوات لتغيير النهج، مدعومة بإرادة سياسية من رأس الدولة في الأردن وحراك إقليمي يخرجها من حالة السكون والترقب نحو المبادرة لتحقيق تموضع آمن يجنبها الغرق في أزمات الإقليم ومحاوره المتصارعة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
يوسف العظم يقول في الأردن: منطلقنا ليس أمريكا لأنها تتآمر علينا.
نشر في العدد 7
92
الثلاثاء 28-أبريل-1970