; الحركة بين الفندقة والخندقة! | مجلة المجتمع

العنوان الحركة بين الفندقة والخندقة!

الكاتب جمال النهري

تاريخ النشر الثلاثاء 12-يناير-1971

مشاهدات 23

نشر في العدد 43

نشر في الصفحة 21

الثلاثاء 12-يناير-1971

و«الفندقة» من الفندق وجمعها «فنادق»، و«الخندقة» من الخندق وجمعها «خنادق». والفندق يتخذ للراحة حين الرحلة والسياحة، والخندق يعد للقتال والضرب حين الحرب.

·       في الفندق يكون الفستق والتفاح والأناناس والفراش الوثير يسلمك للنوم المريح، وفي الخندق يكون التراب والعقارب وتوتر الأعصاب وانتظار الموت بدلًا من النوم.

·       في الفندق يجرى النقاش ناعمًا مكيفًا أنيقًا. «بالشوكة والسكين»؛ فالوقت ممدود وما لا يدرك اليوم تكمله غدًا، وأنت حر، تمضغ المناقشة تبتلعها، تجزئها أجزاء، أنت حر.

·        أما في «الخندق» فالمناقشة هي التراب في الحلق والنار في الصدر، هي القلق والعرق والتحفز وانتظار الفرص.
والمناقشة فيه لا تقبل التجزئة ولا المماطلة ولا تأنق الشوكة والسكين.

·       وفي الفندق تستطيع أن «تقول» كل شيء وأن «تدّعي» كل شيء؛ فسكاكين المآدب لن تتحول لسيوف وقوائم الموائد العامرة لن تصبح بنادق، والخبز المدهون بالزبد لن يصبح بارودًا.
والكلمات المدعاة لن تقيدك إلى السلاسل ولن ترفعك إلى المشانق. ولن تلذعك بالسياط.

·       أما في الخندق فالظلام الدامس يكتم نفسك، يحسب خطوك، ينتظر خطاك، لينثر جمجمتك بالرصاص.
من الخندق تبدأ الهجوم، وينكشف الانسحاب وفي الخندق لا قيمه لشيء.
«السيد مال» يصبح رخيصًا أقل من تراب الخندق.
الأهل والأحباب كل شيء رخيص في سبيل العقيدة.

·        الرؤية من الخندق «مشبوبة» والنظرة من الفندق «ناعمة».

·       ومن هنا
- ومن هنا فقط يأتي الخلاف الهائل في كل معارك البشرية.
 بين طرازين من البشر
* رجال الخنادق
* ورجال الفنادق
* بين المعاناة والمحاكاة
* بين الألم ورواية الألم
وفتح عينيك ترى الفرق شاسعًا بين الطرازين تلمحه في النظرة. وطعم الصوت و«التصرف المعلن والصامت»
ومدى الفجوة التي بينهما.

·       وفي كل حركة «رجال خنادق» يعيشون لها..
ولكل حركة «أصحاب فنادق» يسترزقون منها.. وإذا تناقضت مصالحهم مع «مصلحة الحركة» رجحت الأولى دون هوادة.

·       ونجاح أي حركة مقاومة مرهون بنتاج الصراع في الكيمياء الداخلية للحركة بين «عناصر الخندقة والفندقة»
 فإذا زاد أصحاب الفنادق على رجال الخنادق أصبحت الحركة «حركة استرزاقية». وأصبح أعضاؤها «أرزقية»
وإذا تكاثر رجال الخنادق على «الأرزقية» نجت الحركة؛ لأن النصر يأتي من الخنادق لا الفنادق.

* والغريب أن هذا التقسيم بين «الفندقة» و«الخندقة» هو تقسيم عالمي.
فأنت تجده في كل دولة، وحركة مقاومة، ونظام ومصنع وحقل، وقلما تخلو منه مؤسسة أو تنظيم بشري.
هناك طراز «المرابطين» و«المنتفعين»
و«سقوط» و«ارتفاع» الحضارات، والأنظمة، والحركات إنما يرتبط بهذين العنصرين وعلى مدى التاريخ، ولأمر ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحاب رسول الله
وأصحاب الحركات اللامعة التي انتصرت أو كانت في طريقها للانتصار كانوا جميعًا من رجال الخنادق.
 فاللهم اجعلنا منهم
ولا تجعلنا في «الصنف الثاني»
صنف «الأرزوقية»
في ديننا أو أوطاننا أو أعمالنا آمين.


جمال الدين النهري   

الرابط المختصر :