; الحسد وفلسفة السلف والخلف في مواجهته | مجلة المجتمع

العنوان الحسد وفلسفة السلف والخلف في مواجهته

الكاتب عبدالله بن ناصر آل عويد

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أبريل-1993

مشاهدات 17

نشر في العدد 1047

نشر في الصفحة 46

الثلاثاء 27-أبريل-1993

 

واحة الإحساء- قلعة الهفوف الشامخة

«الحسد» وما أدراكم ما الحسد!- خصلة ذميمة وضيعة تهوي بصاحبها إلى الحضيض، وتجعله ذليلًا مكروهًا مشؤومًا، وهو داء قديم قدم الإنسانية، ابتلي به بعض أبناء آدم عليه السلام فكانت النهاية القتل، كما تمثل من بعد في أبناء يعقوب بن إسحاق «عليهم السلام».. وهكذا دواليك. 

وقد أمر المولى عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من «الحسود» حيث يقول تعالى: ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ (الفلق: 5) والخطاب هنا عام. 

وقد حثنا صلى الله عليه وسلم بالابتعاد عنه في أحاديث كثيرة، منها: 

«لا تحاسدوا، ولا تباغضوا.. » «إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب»... إلخ.

قال عبد الله بن مسعود «رضي الله عنه» «لا تعادوا نعم الله! قيل له ومن يعاديها؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله يقول الله في بعض الكتب الحسود عدو نعمتي، مسخط لقضائي، غير راض بقسمتي». 

ويقال: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي الله به في الأرض، فأما في السماء فحسد إبليس لآدم! 

قال الشاعر العباسي أبو العتاهية «عفا الله عنه»:

ويارب إن الناس لا ينصفونني

وكيف ولو أنصفتهم ظلموني؟

وإن كان لي شيء تصدوا لأخذه 

وإن جئت أبغي سيبهم منعوني! 

وإن نالهم بذلي فلا شكر عندهم 

وإن أنا لم أبذل لهم شتموني

وإن طرقتني نقمة فرحوا بها

وإن صحبتني نعمة حسدوني

واختتمها ببيت انتقامي، يكسر الخاطر عندما قال:

سأمنع قلبي أن يحن عليهم

وأحجب عنهم ناظري وجفوني

وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ﴾ (فصلت: 29)

أنه أراد بالذي من «الجن» إبليس، والذي من «الإنس» قابيل، وذلك أن «إبليس» هو أول من سن «الكفر»، و«قابيل» أول من سن القتل والأصل في ذلك الحسد، أعاذنا الله منه، وأبعدنا عنه.

 قال علي بن أبي طالب «رضي الله عنه»: «لا راحة لحسود، ولا إخاء لملول، ولا محب لسيئ الخلق». 

ولأحد الشعراء القدامى: 

كل العداوات قد ترجى إماتتها 

إلا عداوة من عاداك من حسد 

وقال معاوية «رضي الله عنه»: «كل الناس أقدر أرضيهم إلا حاسد نعمة، فإنه لا يرضيه الا زوالها». 

وعند بعض الحكماء «الحسود لا يسود» وهو مشهور لدى العامة، وقالوا أيضًا: «ألزم الناس كآبة أربعة: 

رجل حديد، رجل حسود، وخليط الأدباء وهو غير أديب، وحكيم محقر لدى الأقوام». 

قال أحد الشعراء: 

إياك والحسد الذي هو أفة 

فتوقه، وتوق غرة من حسد 

إن الحسود إذا أراك مودة 

بالقول، فهو لك العدو المجتهد 

وقال الحسن: أصول الشر وفروعه ستة: 

فالأصول الثلاثة: «الحسد، والحرص، وحب الدنيا!!!»

والفروع كذلك: «حب الرئاسة، وحب الثناء، وحب الدنيا!!!» 

ومن أمثلة الحسد، ما روي عن الأحنف بن قيس أنه قال لما صلى على حارثة بن قدامة السعدي: «رحمك الله كنت لا تحسد غنيًّا، ولا تحقر فقيرًا» أرأيتم كيف ركز على الحسد عندما صدره دعاءه؟! 

وقديمًا قالوا: لا يوجد الحر حريصًا، ولا الكريم حسودًا 

قال سليمان التيمي «يرحمه الله»: الحسد يضعف اليقين، ويسهر العين، ويكثر الهم!! 

وكرام الناس في هذا العصر بالذات محسودون. ألم يقل الشاعر القديم: 

إن العرانين تلقاها محسدة 

ولا ترى للئام الناس حسادًا 

وحدثتنا كتب الأدب قصيصة لطيفة فارسها غراب طفق يقلد قطاة في مشيتها، فلم يستطع إذ بات تقليده أعمى كتصرفه نظمها أحد الشعراء القدامى قائلًا: 

إن الغراب، وكان يمشي مشية 

فيما مضى من سالف الأحوال 

حسد القطاة، فرام يمشي مشيها 

فأصابه ضرب من العقال 

فأضل مشيته، وأخطأ مشيها 

فلذاك كنوه «أبا مرقال».

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل