; الحلال والحرام.. سياسيًّا أم شرعيًّا؟ | مجلة المجتمع

العنوان الحلال والحرام.. سياسيًّا أم شرعيًّا؟

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 09-سبتمبر-1997

مشاهدات 15

نشر في العدد 1266

نشر في الصفحة 49

الثلاثاء 09-سبتمبر-1997

قد يكون الحلال والحرام سياسيًّا هو شغل الأمة اليوم، وكل يوم هو في شأن في أمم العالم الثالث، لأن الحلال والحرام السياسي ليس له ضوابط إلا الشهوات وليس له قانون إلا المصالح الشخصية، وليس له شريعة، وليس له دستور، قد يكون تجمع الناس عند بعض الدول حرامًا، وقد يكون الإفصاح عن رأيهم جريمة، وقد تكون احتجاجاتهم كارثة، وقد يكون إضرابهم مثلًا إعداما. 

وقد يكون التصفيق والمدح حلالًا زلالًا والهتافات بالروح بالدم مأمورًا به ومدعاة إلى الترقي ونيل الحظوة، أما الحلال والحرام الشرعي، فهذا كلام مشايخ وتراث يجب التخلص منه، ورجعية ينبغي عدم ذكرها، وقلق لابد من التفكير في شانه جديًا وقوميًّا وثقافيًّا، وقد يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الزمان وتكوين جماعات لذلك زلازل وبراكين يجب أن يجند الجميع للقضاء عليها، ولكن ما رأي الشرع في ذلك. قال الإمام محمد عبده، والإمام رشيد رضا عند تفسير قوله تعالى ، ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾ (آل عمران: ١٠٤). تعلم طرق الدعوة وما تحتاج إليه من فنون صناعية اليوم واجب وكذلك تأليف جمعيات.

فإذا كانت الدعوة في الصدر الأول قد تيسرت بغير تعلم صناعي ولا تأليف جمعيات معينة، كما كان فهم الدين متيسرًا بغير تعلم صناعي، أما في هذا الزمان فإن فهم الدين يتوقف على التعليم الصناعي، وتتوقف الدعوة إليه والأمر بما جاء به من معروف وما حظره من منكر على تعليم خاص، وتأليف جمعيات تقوم بهذا العمل، ولا ينتشر الدين ولا يحفظ على وجهه إلا بهذا كما تقدم، فالمراد بالأمة المذكورة في هذه الآية والتي تقيم شرع الله وواجب على الأمة إقامتها هو ما يعبر عنه في عرف هذا العصر بالجمعية.

قال الأستاذ الإمام (ومن الأعمال التي يجب أن تقوم بها الأمة الأخذ على يد الظالمين، فإن الظلم أقبح المنكر، والظالم لا يكون إلا قويًّا، ولذلك اشترط في الناهين عن المنكر أن يكونوا أمة، لأن الأمة لا تخالف ولا تغلب كما تقدم، فهي التي تُقوِّم عوج الحكومة والمعروف أن الحكومة الإسلامية مبنية على أصل الشوري وهذا صحيح، والآية أدل  دليل عليه، ودلالتها أقوى من قوله تعالى: ﴿وأمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم﴾ (سورة الشورى: 38)، ومن يحفظ الشورى في الأمة إلا جماعة يحترم رأيها ويساندها الناس؟.

ثم قرر الإمام رحمه الله. أن هذه الجماعات لابد وأن تقوم بتعليم الناس وتثقيفهم فقال: 

«ومما يناط بهذه الأمة، الجماعة النظر في تعليم الجاهلين، فإذا علمت أن في مكان ما طائفة من المسلمين جاهلين بما يجب عليهم، وجب على الجماعة اتخاذ الوسائل لتعليمهم، ومن هنا يعلم فساد ما يقوله البعض من أنه لا يجب عليهم أن يتصدوا لتعليم الناس ما لم يسعوا إليهم ويسألوهم، ولا يجهل أحد أن الرسول rقد  تصدى لتعليم الناس، ولم يقعد في بيته منتظرًا سؤال الناس ليفديهم، وكذلك فعل الصحابة عليهم الرضوان اهتداء به». 

ثم قال - رحمه الله: «لابد وأن تكون لهذه الجماعة رئاسة لأن كون القائمين بالأمر والنهي أمة يستلزم أن يكون لها رياسة تديرها، لأن أمر الجماعة بغير رياسة يكون مختلًا معتلًا، فكل كون لا رياسة فيه فاسد فالرأس هو مركز تدبير البدن وتصريف الأعضاء في أعمالها، وكذلك يكون رئيس هذه الجماعة مصدر النظام وتوزيع الأعمال على العاملين فمنهم من يوجهون إلى دعوة غير المسلمين إلى الإسلام ومنهم من يوجهون إلى إرشاد المسلمين في بلادهم ومقام الرئاسة يكون بالمشاورة. 

قال تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ (الشورى: 38)  قال تعالى ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (آل عمران: ١٥٩)، فإن أمر الرئيس بالمشاورة يقتضي وجوبها عليه، ولكن إذا لم يكن هناك ضامن يضمن امتثاله للأمر فماذا يكون إذا هو تركه وهذه الآية نفسها تفرض أن يكون في الناس جماعة متحدون أقوياء يتولون الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو عام في الحاكم والمحكومين، ولا معروف أعرف من العدل، ولا منكر أنكر من الظلم. وقد ورد في الحديث «ولابد أن يأطروهم على الحق أطرا». 

والحديث - كما في كنز العمال. معزوًا إلى أبي داود من حديث ابن مسعود «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه في الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، كلا والله لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهُن عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم، ثم يقول: ومعنى هذه الآية ، ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْر﴾ (آل عمران: 104) وأن تكون هناك قوة تابعة لهذه الأمة تقوم بغرض الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد تكون جماعات، أو مجالس للنواب في الحكومات الجمهورية أو الملكية المقيدة.

هذا رأي الإمام محمد عبده والإمام محمد  رشيد رضا - رحمهما الله. والواقع أن السلطة في العصر الحديث قد تتغلب بالقهر أو بالحيلة، على فرد أو مجموعة قليلة من الأفراد ولكنها يصعب عليها أن تظهر جماعات كبيرة منظمة لها امتدادها في الحياة، وتغلغلها في الشعب، ولها منابرها، ولها صحفها وأدواتها في التعبير والتأثير إن تكوين هذه الجماعات أو هذه الأحزاب في العصر الحديث اصبحت وسيلة لأزمة المقاومة طغيان السلطة الحاكمة ومحاسبتها وردها إلى سواء الصراط أو إسقاطها بالوسائل  الشورية الديمقراطية، ليحل محلها غيرها، وهي التي يمكن بها الاحتساب على الحكومة والقيام بواجب النصيحة والأمر بالمعروف وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

أصبح هذا طريقًا ودستورًا في الأمم الناهضة لأن تكوين الجمعيات والجماعات هو تنظيم لقوى الشعوب ومنع للاعتساف فيها، مع نظام تعدد السلطات في الدولة، أما في الأمم الهابطة، فلأنه لا سلطات في الأمة، ولا رأي لأحد، ولا ظهور لرأي أو فكر لأحد غير السلطات، فإن الجماعات الناقدة أو المصححة تصبح جريمة وتطارد وتستأصل كما تستأصل الأورام الخبيثة ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ (سورة النمل: 56).

ولكن ما هو أنفع للأمة اليوم: الحلال والحرام سياسيًّا، أم الحلال والحرام شرعًا وهل الحلال والحرام شرعًا له رجال وله كلمة، وله صحيفة، وله تلفاز، وله إعلام، وسلطة حتى يسود.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

قراؤنا يكتبون

نشر في العدد 416

9

الثلاثاء 17-أكتوبر-1978

استراحة المجتمع

نشر في العدد 1099

16

الثلاثاء 10-مايو-1994