العنوان الحلقة الثانيَة في نطاق الغضبة الإسلامية العالمية ضد التهجم على القرآن
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 06-أغسطس-1974
مشاهدات 17
نشر في العدد 212
نشر في الصفحة 18
الثلاثاء 06-أغسطس-1974
• الشیخ ابن باز.. يسقط مفتريات بورقيبة ويدحضها
• العقاب المعجل.. سقوط السمعة.. وبراءة الأمة من الجاحدين
بيان الأدلة على كفر من طعن في القرآن أو في الرسول - عليه الصلاة والـسلام-:
إذا علم ما تقدم، فإن الواجب الإسلامي والنصيحة لله ولعباده، كل ذلك، يوجب علينا بيان حكــم الإسلام فيمن طعن في القرآن بأنه متناقض، أو مشتمل على بعض الخرافات، وفيمن طعن في الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأي نوع من أنواع الطعن غيرة لله سبحانه، وغضبا له - عز وجل - وانتصارا لكتابه العزيز، ولرسوله الكريم، وأداء لبعض حقه علينا، سواء كان ما ذكر، عن الرئيس المذكور، واقعا أم كان غير واقع، وسواء أعلن إنكاره له، أو التوبة منه، أم لم يعلن ذلك، إذ المقصود بيان حكم الله فيمن أقدم على شيء مما ذكرنا من التنقص لكتاب الله، أو لرسوله -صلى الله عليه وسلم - فنقول: قد دل كتاب الله، عز وجل، وسنة رسوله، عليه الصلاة والسلام، وإجماع الأمة على أن كتاب الله، سبحانه، محكم غاية الإحكام، وعلى أنه، كله، كلام الله - عز وجل - ومنزل من عنده، وليس فيه شيء من الخرافات والكذب، كما دلت الأدلة المذكورة على وجوب تعزيز الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره ونصرته، ودلت - أيضا ـ على أن الطعن، في كتاب الله أو في جناب الرسول - صلى الله عليه وسلم - كفر أكبر، وردة عن الإسلام، وإليك - أيها القارئ الكريم - بيان ذلك.
قال الله تعالى، في أول سورة يونس: ﴿الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ (سورة يونس: 1)، وقال في أول سورة هود:
﴿الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ ( سورة هود: 1 )، وقال ـ عز وجل - في أول سورة لقمان: ﴿الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ (سورة لقمان: 1-2)، وذكر علماء التفسير - رحمهم الله - في تفسير هذه الآيات، أن معنى ذلك أنه متقن الألفاظ والمعاني، مشتمل على الأحكام العادلة، والأخبار الصادقة، والشرائع المستقيمة، وأنه الحاكم بين العباد فيما يختلفون فيه، كما قال الله، سبحانه،: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ (سورة البقرة: 213) الآية، وقال، سبحانه،: ﴿أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ ( سورة آل عمران: 23 ) الآية. فكيف يكون محكم الألفـاظ والمعاني، وحاكما بين الناس وهو متناقض مشتمل على بعض الخرافات، وكيف يكون محكما وموثوقا به إذا كان الرسول الذي جاء به إنسانا بسيطا لا يفرق بين الحق والخرافة، فعلم بذلك أن من وصف القرآن بالتناقض أو بالاشتمال على بعض الخرافات، أو وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما ذكرنا فإنه متنقص لكتاب الله، ومكذب لخبر الله، وفادح في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي كمال عقله، فيكون بذلك كافرا مرتدا عن الإسلام - إن كان مسلما قبل أن يقول هذه المقابلة -، وقال الله، سبحانه، في أول سورة يوسف ﴿الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ (سورة يوسف: 1-2-3)، وقال، سبحانه، في سورة الزمر: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا﴾ (سورة الزمر: 23) ومعنى « متشابها » في هذه الآية - عند أهل العلم - يشبه بعضه بعضا، ويصدق بعضه بعضا فكيف يكون بهذا المعنى، وكيف يكون أحسن الحديث وأحسن القصص وهو متناقض، مشتمل على بعض الخرافات، سبحانك هذا بهتان عظيم.
وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في خطبه: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وسلم - فمن طعن في القرآن، بما ذكرنا أو غيره من أنواع المطاعن فهو مكذب له ـ عــز وجل - في وصفه لكتابه بأنه أحسن القصص وأحسن الحديث، ومكذب للرسول - صلى الله عليه وسلم - في قوله: « إنه خير الحديث »، وقال - سبحانه وتعالى - في وصف القرآن الكريم: ﴿تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ﴾ (سورة فصلت: 2)، وقال: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ (سورة الشعراء: 192-193 )، وقال: ﴿وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ (سورة الأنعام: 155)، وقال: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ( سورة الحجر: 9 ) وقال:
﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ ( سورة فصلت: 41-42 ) إلى أمثال هذه الآيات الكثيرة في كتاب الله، فمن زعم أنه متناقض أو مشتمل على بعض الخرافات التي أدخلها فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - مما نلقاه عن بادية الصحراء أو غيرهم، فقد زعم أن بعضه غير منزل من عند الله وأنه غير محفوظ، كما أنه، بذلك، قد وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه كذب على الله وأدخل في كتابه ما ليس منه، وهو - مع ذلك - يقول للناس: إن القرآن كلام الله، وهذا غاية في الطعن في الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووصفه بالكذب على الله وعلى عباده، وهذا من أقبح الكفر والضلال والظلم، كما قال الله، سبحانه،:
﴿۞ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ﴾ (سورة الزمر: 32)، وقال – عز وجل -: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أو قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ (سورة الأنعام: 93)، وقال تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ﴾ (سورة التوبة: 65-66). ذكر علماء التفسير - رحمهم الله - إن هذه الآية نزلت في جماعة كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -في غزوة تبوك، قال بعضهم: ما رأينا مثل قراءنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء.
وقال بعضهم: أتحسبون جلاد بني الأصغر كقتال العرب بعضهم بعضا، والله لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال.
وقال بعضهم: يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها، هيهات، فأنزل الله قوله، سبحانه: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ ( سورة التوبة: 65-66 ) ، فجاؤا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم يعتذرون ويقولون: انما كنا نخوض ونلعب، ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق، فلم يعذرهم، بل قال لهم عليه الصلاة والسلام -: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ ﴾ ( سورة التوبة: 65-66 ) ، فإذا كان هذا الكلام، الذي قاله هؤلاء، يعتبر استهزاء بالله وآياته، ورسوله وكفرا بعد إيمان، فكيف بحال من قال في القرآن العظيم: إنه متناقض أو مشتمل على بعض الخرافات، أو قال في الرسول - صلى الله عليه وسلم -: إنه إنسان بسيط لا يميز بين الحق والخرافة، لا شك أن من قال هذا هو أقبح استهزاء، وأعظم كفرا.
ذكر كلام العلماء فيمن طعن في القرآن الكريم، أو الرسول - عليه أفضل الصلاة والتسليم -، أو استهزأ بهما، أو سب الله، أو الرسول - صلى الله عليه وسلم -
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في تفسيره - الجامع لأحكام القرآن - عند تفسير هذه الآية ما نصه: «قال القاضي أبو بكر بن العربي: لا يخلو أن يكون ما قالوه في ذلك - جدا أو هزلا - وهو كيف ما كان كفر، فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة» انتهى المقصود.
وقال القاضي عياض بن موسى - رحمه الله - في كتابه - الشفاء بتعريف حقوق المصطفى ـ ص ٣٢٥ ما نصه: « واعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف، أو بشيء منه، أو سبهما أو جحده أو حرفا منه أو آية، أو كذب به أو بشيء مما صرح به فيه من حكم، أو خبر أو أثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك، أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ ( سورة فصلت: 41-42 ) انتهى المقصود .
وقال القاضي عياض – أيضا - في كتابه المذكور، في حكم سب النبي صلى الله عليه وسلم - ص ۲۳۳ ما نصه: « اعلم، وفقنا الله وإياك، أن جميع من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عابه، أو ألحق نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرض به، أو شبهه بشيء، على طريق السب له أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه، أو الغض منه والعيب له، فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب، يقتل - كما نبينه -، ولا نستثني فصلا من فصول هذا الباب على هذا المقصد ولا نمتري فيه تصريحا أو تلويحا، وكذلك من لعنه أو دعا عليه أو تمنى له أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه، على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور، أو غيره بشيء مما جرى من البلاء أو المحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة، والمعهودة لديه، وهذا كله إجماع العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة - رضوان الله عليهم إلى هلما جرى ». قال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقتل وممن قال ذلك مالك بن أنس، والليث، وأحمد، وإسحاق وهو مذهب الشافعي. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه « الصـارم المسلول على شاتم الرسول » ص ٣ ما نصه: « المسألة الأولى: إن من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من مسلم وكافر، فإنه يجب قتله، هذا مذهب عليه عامة أهل العلم، ثم نقل كلام أبي بكر بن المنذر - المتقدم ذكره في كلام القاضي عياض - ثم قال شيخ الإسلام - رحمه الله - ما نصه: وقد حكى أبو بكر الفارسي، من أصحاب الشافعي، إجماع المسلمين على أن حد من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - القتل، كما أن حدا من سب غـيره الجلد، وهذا الإجماع، الذي حكاه هذا، محمول على إجماع الصدر الأول من الصحابة والتابعين أو أنه أراد به إجماعهم على أن ساب النبي - صلى الله عليه وسلم - يجب قتله إذا كان مسلما، وكذلك قيده القاضي عياض فقال: أجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين، وسابه، وكذلك حكى عن غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره، وقال الإمام إسحاق بن راهويه - أحد الأئمة الأعلام - رحمه الله -: أجمع المسلمون عن أن من سب الله، أو سب رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو دفع شيئا مما أنزل الله - عز وجل أو قتل نبيا من أنبياء الله - عز وجل أنه كافر بذلك، وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله، قال الخطابي - رحمه الله ـ: لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله، وقال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم النبي - صلى الله عليه وسلم والمتنقص له كافر، والوعيد جاء عليه بعذاب الله له، وحكمه ـ عند الأمة - القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفره، ثم قال شيخ الإسلام أبو العباس - رحمه الله: وتحرير القول فيه أن السـاب ـ إن كان مسلما - فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد تقدم ممن حكى الإجماع على ذلك إسحاق بن راهويه وغيره، ثم ذكر الخلاف فيما إذا كان الساب ذميا، ثم ذكر ـ رحمه الله - في آخر الكتاب، ص ٥١٢ ما نصه: « المسألة الرابعة في بيان السب المذكـور، والفرق بينه وبين مجرد الكفر، وقبل ذلك لا بد من تقديم مقدمة، وقد كان يليق أن تذكر في أول المسألة الأولى، وذكرها هنا مناسب - أيضـــــــا - لنكشف المسألة، وذلك أن نقول: إن سب الله، أو سب رسوله - صلى الله عليه وسلم - كفر، ظاهرا وباطنا، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلا عن اعتقاده هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل » إلى أن قال - رحمه الله - في ص ٥٣٨ ما نصه: « التكلم في تمثيل سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ وذكر صفته ذلك مما يثقل على القلب واللسان، ونحن نتعاظم أن نتفوه بذلك ذاكرين، لكن، للاحتياج إلى الكلام في حكم ذلك، نحن نفرض الكلام في أنواع السب مطلقا من غير تعيين، والفقيه يأخذ حظه من ذلك، فنقـول: السب نوعان: دعاء وخبر، فأما الدعاء فمثل أن يقول القائل لغيره، لعنه الله أو قبحه الله أو أخزاه الله، أو لا رحمه الله أو لا رضي الله عنه أو قطع الله دابره، فهذا وأمثاله سب للأنبياء ولغيرهم، وكذلك لو قال عن لا صلى الله عليه أو لا سلم، أو لا رفع الله ذكره، أو محى الله اسمه ونحو ذلك من الدعاء عليه، بما فيه ضرر عليه في الدنيا أو في الدين أو في الآخرة، فهذا كله، إذا صدر من مسلم أو معاهد، فهو سب، فأما المسلم فيقتل به، بكل حال، وأما الذمي فيقتل بذلك أذا أظهره». إلى أن قال - رحمه الله - ص ٥٤٠: النوع الثاني: الخبر، فكل ما عده الناس شتما، أو سبا أو تنقصا، فإنه يجب به القتل ـ كما تقدم ـ فإن الكفر ليس مستلزما للسب، وقد يكون الرجل كافرا ليس بساب، والناس يعلمون علما عاما أن الرجل قد يبغض الرجل ويعتقد فيه العقيدة القبيحة ولا يسبه، وقد يضم إلى ذلك مسبة، وإن كانت المسبة مطابقة للمعتقد، فليس كل ما يحتمل عقدا يحتمل قولا، ولا ما يحتمل أن يقال سرا يحتمل أن يقال جهرا، والكلمة الواحدة تكون في حال سبا، وفي حال ليست بسب، فعلم أن هذا يختلف باختلاف الأقوال والأحوال، واذا لم يكن للسب حد معروف في اللغة ولا في الشرع، فالمرجع فيه إلى عرف الناس، فما كان في العرف سبا للنبي الذي يجب أن ننزل عليه كلام الصحابة والعلماء، وما لا فلا. انتهى المقصود.
كشف الشبه المذكورة في الخطاب المنسوب إلى الرئيس أبي رقيبة:
وقع في الخطاب المنسوب إلى الرئيس التونسي ستة أمور شنيعة:
الأول: القول بتناقض القرآن، وقد مثل لذلك بقوله تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ (سورة التوبة: 51)، وقوله - عز وجل -: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ﴾ (سورة الرعد: 11).
الثاني: إنكار قصة عصا موسى، وقصة أهل الكهف، والتصريح بأنهما من الأساطير.
الثالث: أن الرسول محمدا - عليه الصلاة والسلام - كان انسانا بسيطا يسافر كثيرا عبر الصحراء العربية ويستمع إلى الخرافات البسيطة، السائدة في ذلك الوقت، وقد نقل تلك الخرافات إلى القرآن، مثال ذلك عصا موسى، وقصة أهل الكهف.
الرابع: إنكار إعطاء المرأة نصف ما يعطى الذكر، في الميراث، وزعمه أن ذلك ليس من المنطق، وأنه نقص يجب البدار إلى إزالته، لأنه لا يناسب تطور المجتمع وذكر أنه ينبغي للحكام أن يطوروا الأحكام، حسب تطور المجتمع.
الخامس: إنكار تعدد النسـاء وحجره ذلك على الشعب التونسي، لأنه لا يناسب تطور المجتمع.
السادس: قوله: ان المسـلمين وصلوا إلى تأليه الرسول محمد، فهم دائما يكررون محمد – صلى الله عليه وسلم -، الله يصلي على محمد، وهذا تأليه لمحمد. انتهى.
ونحن - إن شاء الله - نبين بطلان ما ذكره في هذه الأمور الستة، ونكشف الشبه بالأدلة القاطعة، وإن كان الأمر في ذلك واضحا، بحمد الله، لكل من له أدنى بصيرة، ولكن مقصودنا من ذلك إنكار هذا المنكر وإيضاح الحق لمن قد تروج عليه بعض هذه الشبه ويحار في ردها، والله المستعان.
فنقول: أما قوله: إن القرآن متناقض، فهذا من أقبح المنكرات، ومن الكفر الصريح - كما سبق بيانه - لأنه تنقص للقرآن، وسب له، لأن السب هو التنقص للمسبوب ووصفه بما لا يليق، وقد بينا - فيما مضى بالأدلة القاطعة - أن القرآن بريء من ذلك، وأنه، بحمد الله، في غاية الاحكام والاتقان، كما قال الله سبحانه: ﴿الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ ( سورة هود: 1) وقال: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ ( سورة فصلت: 41-42 ) وقال - عز وجل -: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ (سورة النساء: 82) إلى غير ذلك من الآيات السابقات الدالة على أحكامه وإتقانه وأنه أحسن الحديث، وأحسن القصص، وتقدم ذكر إجماع العلماء على ذلك، وعلى كفر من تنقصه أو جحد شيئا منه، أما الآيتان المذكورتان وما جاء في معناهما من الآيات الدالة على إثبات القدر، وعلى تعليق المسببات بأسبابها فليس بينها تناقض وإنما أتى من زعم ذلك من جهة فساد فهمه، ونقص علمه، كما قال الشاعر:
وكم من عائب قولا صحيحا
وآفته من الفهم السقيم
وقد أجمع، كل من لديه علم وإنصاف وبصيرة باللغة العربية من علماء الإسلام، وخصومه، أن کتاب الله في غاية من الإحكام والإتقان، وأنه خير كتاب وأفضل كتاب، وأنه لم ينزل كتاب أفضل منه، لما اشتمل عليه من العلوم النافعة والأحكام العادلة، الأخبار الصادقة، الشرائع القويمة، والأسلوب البليغ المقنع، كما قال الله سبحانه: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ ( سورة الأنعام: 115 ) أي صدقا في الأخبار، وعدلا في الشرائع والأحكام وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ ( سورة التوبة: 33). قال العلماء: الهدى: هو ما فيه من العلوم النافعة والأخبار الصادقة، ودين الحق: هو ما فيه من الشرائع القويمة والأحكام الرشيدة إذا علم هذا فالجمع بين الآيتين المذكورتين وما جاء في معناهما هو أن الله، سبحانه، قد قدر مقادير الخلائق، وعلم ما هم عاملون، وقدر أرزاقهم وآجالهم، وكتب ذلك كله لديه، كما قال تعالى: ﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (سورة التوبة: 51) ، وقال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ (سورة الحج: 70)، وقال، سبحانه،: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ (سورة الحديد: 22)، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وفي الصحيحين عن علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: « ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فقال - صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة وأم من كان من اهل الشقاوة فييسر لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ﴾ ( سورة الليل: 5-6-7-8-9-10) وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب، وأبي هريرة - رضي الله تعالى عنهما ـ أن جبرائيل سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان، فقال - عليه الصلاة والسلام ـ: « الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره»، هذا لفظ عمر، ولفظ أبي هريرة: أن تؤمن بالله وملائكته وكتابه، ولقائه ورسله، وتؤمن بالبعث وتؤمن بالقدر كله. وفي صحيح مسلم - أيضا ـ عن عبد الله ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم - يقول: « كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء»، وفي صحيح مسلم - أيضا ـ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله قال: « كل شيء بقدر حتى العجز والكيس » والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وفي هذه الآيات والأحاديث الدلالة على أن الله، سبحانه، قد قدر الأشياء وعلمـها وكتبها، وأن الإيمان بذلك أصل من أصول الإيمان الستة التي يجب على كل مسلم الإيمان بها، ويدخل في ذلك أنه سبحانه، خلق الأشياء كلها، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، كما قال ـ عز وجل -: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ (سورة الزمر: 62)، وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ ( سورة الأنعام: 35 )، وقال سبحانه: ﴿لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ ( سورة التكوير: 28-29 )، فعلمه، سبحانه، محيط بكل شيء، وقدرته شاملة لكل شيء، كما قال سبحانه : ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ ( سورة الطلاق: 12 ) وهو، مع ذلك سبحانه، قد أعطى العباد العقول والأسماع والأبصار والأدوات التي يستطيعون بها أن يفعلوا ما ينفعهم، ويتركوا ما يضرهم وأن يعرفوا بها الضار والنافع، والخير والشر، والضلال والهدى، وغير ذلك من الأمور التي مكن الله العباد من إدراكها بعقولهم وأسماعهم وأبصارهم، وسائر حواسهم، وجعل لهم، سبحانه، عملا واختيارا ومشيئة، وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته وأمرهم بالأسباب ووعدهم على طاعته الثواب الجزيل في الدنيا والآخرة، وعلى معاصيه العذاب الأليم، فهم يعملون ويكدحون وتنسب إليهم أعمالهم وطاعاتهم ومعاصيهم، لأنهم فعلوها بالمشيئة والاختيار، كما قال ـ عز وجل -: ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ ( سورة الحشر: 18 )، وما ربك بغافل عما يفعلون ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾( سورة النور: 30 )
وقال سبحانه: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ (سورة المؤمنون: 1-2-3-4) وقال سبحانه ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (سورة البقرة: 254)
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل