; الحوارات والأحلام الكِذَاب | مجلة المجتمع

العنوان الحوارات والأحلام الكِذَاب

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر السبت 25-أغسطس-2007

مشاهدات 14

نشر في العدد 1766

نشر في الصفحة 41

السبت 25-أغسطس-2007

الحوار لغة العقل، ووسيلةٌ إلى إظهار الحق، وإلقاء الضوء على ما اختُلِف فيه من القضايا والتوجهات، كما أنَّه لغة الحضارة الإنسانية، ومظهرٌ للبيان الآدمي الذي يفرق بين الإنسان والحيوان، وبين العالم والجاهل، وبين صاحب الحجة والمماري السفيه.

والحوار مغالبةٌ للعقول بالبيانات، وهداية للنفوس بالقناعات، ويتعارض كليا مع الإجبار والإكراه على المبادئ والعقائد والديانات، كما أنّه- بعد ذلك- فتحٌ لآفاق البحث والعلم والتقدم والريادة، واحترامٌ لإرادة الإنسان وقناعاته، والحوار أصل إسلامي عميق، ومنهج قرآني أصيل، ولهذا فإنه ينبغي أن يكون هناك حوار بين الآراء والتوجهات المختلفة، حتى يعتدل التفكير وتتوافق الأعمال مع التوجهات المرادة، والآراء المتفق عليها، وإذا صاحب الحوار تشاور في تنفيذ المتفق عليه من الأفعال سَلمتْ الأفراد والجماعات والأمم من مزالق كثيرة، وكانتْ مسيرتها أقرب إلى الصواب، وهذا هو الموافق لطبائع الناس الذين خلقهم الله مختلفي المشارب: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ (سورة هود: 118).

والوصول إلى الصواب رحمة للمجتمعات والأفراد على حد سواء، يدل على الفلاح والاستقامة والرضا من الله سبحانه،﴿ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ.﴾ (سورة البقرة آية: 213).

وقد شهدتْ الحياة كثيرًا من الكوارث وما كان ذلك إلا لشطط الآراء،  وتنافر الطباع والعناد وعدم الخضوع للحق الذي يرتضيه واقع الناس.. وضرورات الحياة.

 وصدق الله ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (سورة آل عمران آية: 105).

حوار السلطة مع الجماعات الإسلامية

 انقسمت رؤية السلطة المصرية للحوار مع الجماعات الإسلامية إلى قسمين: 

الأول: هو الحوار مع الجماعات المعتدلة صاحبة الفكر الوسطي والنابذة للعنف والمؤمنة بالديمقراطية وصاحبة الشعبية الكاسحة، وهذه لا تحاورها السلطات ولا تتفاهم معها، خوفًا من شعبيتها ومن صعودها المطرد نحو قيادة الدولة، وهذا شيء غير مرغوب فيه، بل أكثر من ذلك يكون بينهما تنافر، بل تضادّ في كثير من الأحيان، وهذا قد أصاب الحياة السياسية بالعقم، وحول وجهة الحكومات إلى الطريق الخطأ وإلى صراع ما كان له أن يوجد، فضلًا عن استمراره، وقد تسبّب هذا في عدة ظواهر أهمها: 

١-كراهية الشعب لأولي الأمر لأسباب غائرة ومتجذرة وكثيرة، لأسباب عدة يعلمها الجميع. 

2-عدم الاستفادة من الطاقات الجادة والخيرة والصالحة في الأمة.

3-انتشار ثقافة الغش على نطاق واسع، يتكلم باسم المجتمع وهو لا ينطق! وينتخب باسمه وهو لم يذهب إلى صناديق الاقتراع، ويولي عليه من يكرههم ولا يملكون لهم رفضًا.

ها هم كما تهوى تحركهم دُمى        لا ينطقون بغير ما تهوى فما

إني لأعلم أنهم قد جمعوا                   ليصفقوا إن شئت أن تتكلما

٤-شيوع ثقافة الظلم، واستحلال كل شيء من خصوصيات الناس ومن أموالهم بغير حق، فهؤلاء ذئاب كاسرة، وصدق من قال «من استرعى الذئب ظلم».

5-يصاب الناس بتبلد الإحساس، لأنّهم ظلموا فلم يتحركوا، ونُهبوا فلم ينتبهوا، وغُشوا فلم يدفعوا أو يطالبوا بحقوقهم، وقيل: القلب إذا أكره عمي والخاطر إذا اعتسف تبلد.

6-هدم الدولة، فالدول دائمًا تقوم على روادها، وعقلائها والمصلحين فيها، فما بالنا إذا طرد هؤلاء واستبدل بهم المنافقون والمفسدون والكسالى والخاملون الذين لا يدفعون شرًا أو بلاء؟!، ما هذا إلا نذير شؤم والله، وهدم لا يساويه أي خراب أو محق:

 

فما لك في المجد يا خالد                     مقرطة لا ولا خصله

وأسرعت في هدم ما قد بنى               أبوك وأشياخه قبله

وقد يصبح الهدم عند بعض الناس حرفة، لاستفادتهم من مخلفاته، ولهذا تراهم يعيبون كل صلاح

كذلك من كان هدم المجد عادته                   فإنه لبناة المجد عياب

7-اختراع الأكاذيب لزعمهم أنّها تخدع الناس، وتنجيهم من الحساب على الظلم والإهمال، وتسويق الأكاذيب في الأمم جرائم ترتكب في حق الإنسانية، وكوارث على الحضارات، وإبعاد لها عن الاستقامة والفضيلة، وقد سُئل ﷺ: «أيكون المسلم كذابًا؟ قال لا» لأنّ الكذب يهدم الحقائق ويخلق الفوضى، ويستر الجرائم والسيئات، ويفتح الباب على مصراعيه للألاعيب والأضاليل وفقدان الثقة بين الناس في المجتمعات، كما أنّه سُنة سيئة يسير عليها الأبناء، وعلى الكاذب وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. 

هذا هو الذي تريده الوحوش المفترسة من الحوارات مع شعوبها وخاصةً أصحاب الكفاءات والعقول:

وأنت كذئب السوء إذ قال مرة                             لعمروسه (۱) والذئب غرثان (۲) مرقل (۳)

أأنت الذي من غير جرم سببتني؟                            فقال متى ذا؟ قال: ذا عام أول

فقال ولدت العام، بل رمت (٤) ظلمنا                    فدونك كلني لا هنا لك مأكل

أما الثاني: فهو الحوار مع جماعات العنف، فإنّه يطلب منها الإقرار بما يراد لها، بل ويطلب منها أن تقوم على خدمة الأسياد والخضوع للظلم ما امتدّ عمرها وبقي أجلها تشير إليها- باختصار- حوارات الأسد والثعلب والذئب التي ذكرها الدميري، حيث خرجوا معًا في رحلة صيد، فصادوا حمارًا وظبيًا وأرنبًا، وسئل الذئب أن يقوم بالقسمة فأعطى الحمار للأسد، والأرنب للثعلب، واحتفظ لنفسه بالظبي فضربه الأسد فأطاح برأسه، ثم أقبل على الثعلب وطلب إليه إجراء القسمة فقال الثعلب: الحمار لغدائك، والظبي لعشائك، والأرنب فيما بين ذلك فقال له الأسد: من علمك هذه الحكمة العادلة فقال: تعلمتُ القسمة العادلة من رأس الذئب الطائح عن جثّته.

هذا هو الحوار الذي يريده الأقوياء والظلمة من شعوبهم وأممهم، ثم يشيعون بعد ذلك أنّهم رحماء وحلماء وديمقراطيون!!

-----------------------------------------

الهوامش

(1) العمروس: الخروف.

(۲) غركان: جائع.

(۳) مرقل: مسرع. 

(4) رُمتُ: أردتُ.

الرابط المختصر :