العنوان الحوار الفلسطيني الداخلي.. احتمالات النجاح والفشل
الكاتب رأفت مرة
تاريخ النشر السبت 21-يونيو-2008
مشاهدات 13
نشر في العدد 1807
نشر في الصفحة 16
السبت 21-يونيو-2008
عادت مسألة الحوار الفلسطيني الداخلي إلى الواجهة مجددًا بعد انقطاع دام عامًا، بدأ منذ منتصف شهر يونيو ۲۰۰۷م، بعد ما عرف بـ عملية الحسم، التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية: حماس، في قطاع غزة، ولم تخرق هذه الفترة سوى محاولة حوار جدية واحدة جرت في العاصمة اليمنية صنعاء في شهر مارس الماضي، أسفرت عن توقيع إعلان صنعاء، الذي عاودت كل من «حماس» وفتح، إعطاء تفسير مختلف لبنوده.
العودة للغة الحوار بين حركتي «حماس» و«فتح»، جاءت هذه المرة على غير العادة على لسان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي القى خطابًا مفاجئًا في ٦ يونيو الجاري في ذكرى هزيمة ١٩٦٧م، دعا فيهإلى استئناف الحوار بين الحركتين.
وأهمية هذه الدعوة أنها جاءت من عباس الذي كان يرفض الحوار مع «حماس» وأفشل في السابق دعوات مصرية وقطرية ويمنية، وأفشل مبادرة للجامعة العربية، وظل يضع شروطًا صعبة لا تدل على رغبة حقيقية في الحوار، مثل: تراجع حماس عن (انقلابها)، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه في قطاع غزة قبل منتصف يونيو ٢٠٠٧م. وتسليم المقرات للسلطة، والاعتذار للشعب الفلسطيني، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، والاعتراف بكل الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية ونبذ العنف، وهو ما لا يبقي له حماس، شيئًا فيما لو سلمت بهذه الشروط.
أسباب الدعوة للحوار
في القراءة السياسية لموقف عباس الأخير من الحوار تبرز عدة أسباب جوهرية دفعته لتغيير موقفه منها:
- فشل المفاوضات الفلسطينية -«الإسرائيلية» في التوصل لاتفاق على الرغم من تعدد جلسات الحوار بين رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت، و«عباس، أو بين وزيرة الخارجية الصهيونية تسيبي ليفني» و«أحمد قريع والتي زاد عددها علىالخمسين جلسة، تم خلالها مناقشة قضايا الحدود والسيادة والاستيطان والأمن والقدس والدولة، لكن دون تقدم يذكر، ما أحبط كل الأجواء التفاؤلية التي خلفها مؤتمر «أنابوليس».
- اقتراب ولاية الرئيس الأمريكي جورج بوش الثانية من نهايتها دون تحقيق حلم إقامة الدولة الفلسطينية الذي وعد بوش بهطوال ثماني سنوات.
- تصدع الجبهة السياسية في الكيان الصهيوني مع احتمال إجراء انتخابات مبكرة أو سقوط «أولمرت» على خلفية تورطه في قضايا الفساد، والانتخابات المبكرة قد تؤدي لوصول زعيم الليكود بنيامين نتنياهو للحكم، ما يعني تجميد المفاوضات.
4- اقتراب انتهاء ولاية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بداية عام ۲۰۰۹م، واضطراره لإجراء انتخابات رئاسية لأنه لا يستطيع التمديد لنفسه في ظل تعطل البرلمان، وقد تبدأ «حماس» بالتعامل معه بصفته رئيسًا غير شرعي مغتصبًا للسلطة. وفي ظل الصراع المحتدم على السلطة بين محمود عباس ورئيس الحكومة سلام فياض المدعوم من جهات أمريكية، فإن الأول قد يرغب- حال ترشحه للرئاسة مرة أخرى. في إصلاح الوضع بينه وبين حماس؛ لأنه يخشى من ترشيحها منافسًا قويًا على الرئاسة، كما يخشى أيضًا من وقوف «حماس» على الحياد، كما فعلت في الانتخابات الرئاسية السابقة، ما يفسح المجال أمام تقدم فياض الذي بدأ بتشكيل تيار سياسي مقرب من خطه السياسي يضم رجال الأعمال وأصحاب المصالح الاقتصادية، وبعض الخارجين من حركة «فتح»، وبعض أبناء مسؤولي حركة «فتح» القدامى الذين تسلموا مناصب رسمية في السلطة.
ثلث أعضاء المجلس الثوري لحركة فتح يؤيدون الحوار مع حماس ... والظروف الإقليمية والدولية تتجه إلى إنجاحه
أفخاخ أمام التقدم
تواجه مهمة الحوار الفلسطيني الداخلي أفخاخ وعقبات كثيرة، أبرزها التدقيق في رغبة محمود عباس في إجراء حوار جدي وفاعل ومثمر مع حركة «حماس»، فبالرغم من أنه أبدى مرونة كبيرة مؤخرًا تجاه إعادة الحوار مع الحركة، إلا أن إجراءاته على الأرض لم تتغير، وأسلوبه في التعامل مع «حماس» ظل كما هو، وشهدت الأيام الأخيرة استمرار أجهزة عباس الأمنية في اعتقال عناصر مقربة من «حماس» في الضفة الغربية، واستمرت عمليات ملاحقة المؤسسات واعتقال صحفيين وقيادات من حماس في الضفة، ولم تتميز اللقاءات التي عقدت بين فتح وحماس في العاصمة السنغالية دكار، برعاية الرئيس السنغالي عبدالله واد بلغة إيجابية من فريق عباس وتشير مصادر فلسطينية مطلعة إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية لا يستطيع الذهاب بعيدًا في الحوار مع «حماس» نحو التوصل إلى نتائج حقيقية ومثمرة، لأن هناك أطرافًا عدة تعيق هذا التقدم. وترى هذه المصادر أن هناك تيارًا داخل حركة فتح وفي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية يرفض أي حوار مع حماس، وسيقدم هذا التيار على استخدام كل وسائل التعطيل لإفشال الحوار.
وأبرز رموز هذا التيار مدير مكتب الرئاسة الطيب عبد الرحيم وسفير منظمة التحرير في القاهرة نبيل عمرو، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه، ومحمد دحلان، رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق ورموز تياره، وحسين الشيخ عضو اللجنة الحركية العليا لحركة فتح.
وترى هذه المصادر أن عباس، لو أراد فعلًا إجراء حوار جاد مع حماس لاستطاع ذلك، ولأمكنه أن يتجاوز كل هذه الأطراف لأن هناك تيارًا قويًا داخل فتح يؤيد الحوار مع حماس، وتشير المعطيات إلى أن ثلث أعضاء المجلس الثوري لفتح يؤيدون الحوار مع حماس، وأن هذا التيار يرى أن تأخير هذا الحوار لا يصب في مصلحة فتح ولا جمهورها، وأن الظروف الإقليمية والدولية تصب في صالح الحوار مع حركة حماس.
العامل الصهيوني
غير أن العامل الصهيوني يلعب دورًا رئيسًا في إفشال الحوار الفلسطيني الداخلي وتعطيله.
فالحكومة الصهيونية ترى أن من مصلحتها تعميق الشرخ الفلسطيني، وتعميق الانقسام الداخلي لأن ذلك سيؤدي إلى ضرب الوحدة الوطنية الفلسطينية وإضعاف المقاومة، وإبقاء الحصار مفروضًا على قطاع غزة، وسيجعل الكيان الصهيوني قادرًا على التأثير في القرار الفلسطيني وعلى التلاعب بالمفاوض الفلسطيني. وليس من مصلحة الصهاينة اليوم السماح بإطلاق حوار فلسطيني داخلي، حتى يتم إضعاف موقف حماس من التهدئة وإفشال الحوار الفلسطيني المصري حولها.
وكان من اللافت الاتصالات التي تلقاها محمود عباس من عدد من المسؤولين الإسرائيليين للاستفسار عن حقيقة موقفه من إعادة الحوار مع حماس...
وكان رئيس السلطة الفلسطينية قد تلقى رسائل واضحة ومعلنة من مسؤولين إسرائيليين، أثناء الحوار الفلسطيني في صنعاء بوجوب وقف أي حوار مع حماس ويستطيع الكيان الصهيوني اللعب والتأثير على القرار الفلسطيني، وقد وجه الصهاينة رسالة واضحة لمحمود عباس بعد إعلانه استئناف الحوار من خلال تجميد إيرادات الضرائب التي تجمعها سلطات الاحتلال لصالح السلطة الفلسطينية، ما أدى إلى تأخير دفع المرتبات.
فرص النجاح: إعادة الحوار بين كافة القوى في هذا التوقيت يعد فرصة ثمينة، وفرص نجاح هذا الحوار تستند إلى عدة عوامل أهمها إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية، ما يعني تجميد الإدارة الأمريكية للملف الفلسطيني من الآن وحتى نهاية عام ۲۰۰۹م. واعتراف أكثر من جهة أوروبية بإجراء حوارات مباشرة مع حماس وتفرغ العالم لعام ۲۰۰۹م عام القرارات المصيرية في المنطقة في ملفين حساسين، وهما: مستقبل الوجود الأمريكي في العراق، وشكل العلاقة الأمريكية مع الدول المحيطة بالعراق في حال قررت سحبجزء كبير من قواتها.. وملف التعامل مع إيران، وهو محصور بخيارين ضربة عسكرية أو عقوبات شديدة.
هناك تيار داخل حركة فتح وفي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية يعرقل أي حوار مع «حماس»
ومن العوامل الإيجابية التي تخدم رغبة فلسطينية جادة في إنجاح الحوار الداخلي تأييد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية لهذا الحوار وتحديدها لقواعد مقبولة كأساس لهذا الحوار، ووجود مناخ عربي يدعم إجراء مصالحة فلسطينية مستفيدًا من نجاح دولة قطر في إجراء مصالحة بين الفرقاء اللبنانيين. وباتت الجامعة العربية اليوم أكثر استعدادًا لرعاية حوار فلسطيني ولا نذيع سرًا إذا قلنا: إن هناك همسًا يدور داخل بعض الدول العربية ذات الوزن الإقليمي بضرورة التمايز قليلًا في الموقف السياسي عن الموقف الأمريكي، بعد تراجع نفوذ الولايات المتحدة، وهو ما برز في الأزمة اللبنانية الأخيرة، وبعد تنصل الإدارة الأمريكية من الاستجابة لمصالح بعض حلفائها الأساسيين.
لكن أهم عامل يمكن أن يسهم في إنجاح الحوار الفلسطيني الداخلي هو أن يكون حوارًا دقيقًا موضوعيًا شاملًا، بحيث يستند إلى حوار القاهرة عام ٢٠٠٥م ووثيقة الوفاق الوطني عام ٢٠٠٦م، واتفاق مكة عام ٢٠٠٧م.
(*) رئيس تحرير مجلة فلسطين المسلمة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل