العنوان الحياء جهاز «المناعة الأخلاقي»
الكاتب منال أبو الحسن
تاريخ النشر السبت 18-أغسطس-2007
مشاهدات 16
نشر في العدد 1765
نشر في الصفحة 56
السبت 18-أغسطس-2007
■ لقد أصبح الحياء «عائقًا» أمام دعاوى الحرية المشبوهة.. فهو مفهوم لا يتفق مع المواثيق الدولية للمرأة أو الطفل.
خلق الله عز وجل في جسم الإنسان جهازًا مناعيًا يستمر في العمل بكفاءة، ما لم ينحرف الإنسان عن الفطرة التي خلقه الله عليها، ولكن عند تمرده وشذوذه عنها فما عليه إلا مواجهة ما لا يحصى من الأمراض دون سبيل للعلاج، غير انتظار الموت بعد العناء.
وقد حفظ الله بلاد المسلمين من انتشار مرض نقص المناعة المكتسب «الإيدز»؛ فكانت أقل نسب وجوده في العالم لدينا؛ على الرغم من كيد أعداء الإسلام ومحاولة نشره بنقل الدم حامل الفيروس للمرضى والأطفال، ونقله بين الشباب بنشر الرذيلة، وإدماج الشواذ في المجتمعات الإسلامية، بزعم قوانين حماية حقوق الإنسان، وباتباع آليات لكسر حاجز الصمت والعزلة عنهم.
وكما جعل الله -عز وجل- للإنسان هذا الجهاز للحفاظ على بدنه، فقد كرمه بخلق الحياء للحفاظ على نفسه من ارتكاب كل قبيح أو الاقتراب من كل ما يبعث على الفاحشة، أو قبولها، أو ممارستها أو مجالسة أصحابها. وإذا تركه الناس أصيبوا بالإيدز الأخلاقي أو فقدان المناعة الأخلاقية، فلا دين ولا دنيا ولا آخرة ولا حياة.
جانب فطري
الطفل الصغير يستحيي أن تظهر عورته أمام الناس ويستحيي أن يقضي حاجته أمام الناس، ويستحيي أن يظهر بملابس قذرة، وهذا جانب فطري للحياء، أما الجزء المكتسب منه فهو ما يراه الطفل في أسرته أولًا من سلوكيات تدعو إليه، فإذا كانت الأم ترفع صوتها على زوجها، وتظهر بملابس عارية أمام الناس وتقدم لزوجها طعامًا غير لائق، وتسيء معاملة أهل زوجها، فإن خلق الحياء في الطفل سيضعف، وما يلبث أن يختفي لتظهر بواكيره في ارتفاع صوت الابن على والديه، وعدم الاستئذان منهما قبل الخروج، وحديثه بشكل غير لائق، ومجالسته لسيئي الخلق، ومشاهدته للأفلام القبيحة دون خرج من والديه.. وغير ذلك مما يعاني ويشتكي منه الوالدان، فالأمر إذن يحتاج للعمل على ترسيخ الحياء في أسرنا أولًا وفي سلوكياتنا مع بعضنا البعض؛ وذلك قبل أن نلقنه لأبنائنا؛ فالمكتسب من السلوك أقوى وأشد من القول أو الأمر والنهي ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (الصف: ٣).
حق الحياء
لقد علم الرسول ﷺ ابن عمه عبدالله ابن عباس- وهو غلام- أن يحفظ الله، وأن يكون في معية الله، فيتعلم الحياء من الله أولًا قبل الناس، وهو ما يمنعه من تخطي حدود الله تعالى.
وقد قال لأصحابه ذات مرة «استحيوا من الله حق الحياء». قالوا: إنا نستحيي من الله والحمد لله يا رسول الله فقال ﷺ «..ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء».
فهل من تعلم الحياء مع الله يقبل على قراءة كتاب فاسق أو رؤية فيلم للكبار فقط! أو الدخول على المواقع الإباحية! أو يأكل ما حرم الله! أو ينسى يوم لقاء الله ويوم الحساب! إن الحياء يوفر علينا الكثير من الرقابة، والقلق، والأمراض النفسية، والجنوح، وارتكاب الجرائم، وارتكاب المحرمات.
وقد كان لأيوب -عليه السلام- موقف، بل مواقف كثيرة تجسد حياءه الحق من الله؛ من ذلك ما ذكر أنه -عليه السلام- عندما فقد المال والولد وفقد عافيته، قالت له زوجته: أنت نبي الله، فلو سألت الله تعالى أن يرفع عنك البلاء لفعل، فقال لها أيوب -عليه السلام-: كم مضى علينا ونحن في عافية؟ قالت: ستون سنة. قال: والله إني لأستحيي أن أسأل الله رفع البلاء وما بلغت في البلاء ما بلغته في العافية!
توبة نصوح
وعندما راودت رجلًا نفسُه على المعصية ولم يستطع كبح جماحها، نصحه أحد الصالحين قائلًا: إذا وفيت بخمسة فاعص الله ما شئت، قال وما هي؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه، ولا تتم في أرضه، ولا تعصه تحت نظره قال: وكيف يكون هذا؟ وكل ما في الأرض لله والأرض ملكه، والسماء سماؤه، وفي أي ركن أكون منها، فالله تعالى يعلم السر وأخفى! قال: أما تستحي أن تأكل من رزقه وتنام على أرضه وتعصيه وهو يراك؟ ثم قال: إذا أردت أن تعصي الله وجاءك ملك الموت فلا تذهب معه أو جاءتك زبانية العذاب فلا تذهب معهم، قال: وكيف يكون هذا قال: فإذا علمت قدر نفسك، وأنك لا تستطيع أن ترد ملك الموت، أو زبانية العذاب فكيف تعصيه؟ فكانت توبته بعد ذلك نصوحًا.
ولكن مع البعد عن الدين والاندماج في أمور الدنيا وتداعي كثير من الأمم على الإسلام والمسلمين، قلت مكانة الدين وضعف سلطانه على القلوب، وأصبح الحياء غريبًا وغير متفق مع الحياة العصرية والقوانين الدولية والإعلام وثورة الاتصالات!!
واستبدلنا كلمة قلة ذوق ب«قلة حياء» وفقدنا مصطلح الحياء الذي قال عنه الرسول ﷺ: «إن لكل دين خلفًا وخلق الإسلام الحياء».. وعندما فقدناه بحثنا عن البديل في لغتنا ولم يحقق الذوق شرط حسن الخلق الذي يحققه الحياء؛ لقد ذكرنا الرسول ﷺ بقول من كان قبلنا، قائلًا: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت». فعلمنا بذلك أن الحياء شرط لكل جميل، وقلته فتح المجال القبيح على مصراعيه، فهل نجد جميعًا منطقًا يدعو أولادنا لارتداء ملابس قذرة وممزقة بأغلى الأسعار تحت أسماء ماركات عالمية!
والغريب أنها تباع تحت اسمها ومواصفاتها بكل جرأة وثقة بأن أبنانا سيشترونها؛ فهذا البنطلون «درتي» وهذه الملابس «باهتة»، «ومكرمشة»، وترتديها البنات مقلوبة فيبدو الخيط في الخارج والخيوط قد تنسلت منها وسقطت من كل جانب وعلى الموضة ليس أبناء المسلمين واتبعوا سخن من قبلهم شيرًا بشير وذراعًا بذراع.
حرية مشبوهة
اليوم أصبح الحياء «عائقًا»، أمام الحرية المشبوهة، فهو مفهوم لا يتفق مع العديد من المواثيق الدولية الخاصة بالمرأة والطفل والطفلة، وذلك عندما وضعت هذه المواثيق ضمن موادها ما يتعارض مع الفطرة السليمة والدين القيم، فجعلت همها هو محاربة الرجل، وتحقيق المساواة من وجهة نظرها بالتعدي على حقوق الرجل، وفتحت لها المجال للحرية غير المسؤولة وجعلت من المسؤولية المشوهة سبيلًا للخروج من المأزق الذي وضعوها فيه، فعندما جعلوا للمرأة حرية اختيار نوعها الاجتماعي حملوها ما لا تحتمل، وأفقدوها ما أعطاه لها الإسلام، وردوها لعصور الجاهلية وما قبل الإسلام، فقد كانت المرأة في الجاهلية تختار أبا وليدها من وسط الرجال الذين عاشروها!! والآن عندما أعطوا المرأة الحق في حرية الممارسة الجنسية كحق من حقوق الإنسان، جعلوا لها الحق في اتهام أي رجل باغتصابها، وشددوا العقوبة على الرجل إلى القتل في الوقت الذي لا تعتبر فيه المرأة مدانة ولا يطبق عليها العقوبة، ولم يصبح المصطلح الزنى مكان في القانون الدولي، وبالتالي لا يقبل بأي حال من الأحوال إقامة الحد على الزاني والزانية، وهنا تجد المساواة التي يطالبون بها للمرأة تتعارض عند تنفيذ العقوبة؛ رغم إمكانية مشاركتها في الجريمة، فمن أين تجد الحياء إذن! إن تعامل الإعلام مع هذه القضايا وتضخيمها والتركيز عليها وتكرار عرضها يؤدي لكثرة حديث الناس عنها في الشارع وداخل البيوت وفي أماكن العمل، مما يجعلها خارج نطاق الحياء ويصبح الحديث في مثل هذه الأمور شيئًا عاديًا لا يستحي منه الصغير ولا الكبير. أين الحياء عندما طالبت الدول إدماج الشواذ في المجتمع المسلم؟! وعندما قننت الدول إدماج الحوامل في المدارس سواء كان زنى أو اغتصاب وذلك باعتبار الفتاة طفلة حتى ١٨ سنة؟! إن الأمر جد خطير؛ فهو منظم بشكل مقصود وضمن منظومة دولية وجدول زمني.
دور الإعلام
لقد لعب الإعلام دورًا كبيرًا في إضعاف الحياء، فشوهت المسرحيات صورة المعلم بتبجح الطلاب عليه في صورة فكاهية، فضاع عندها الخوف من ذم المجتمع لهم ورفضه لسلوكهم. وكذلك عندما تباهت القنوات الفضائية فيما بينها بالعري والإباحية، وعندما أصبحت معايير الشهرة هي كشف العورات والخروج على القيم والتقاليد العريقة والأخلاق القيمة، ضاع الإحساس بالخوف من الإدانة للرذيلة أو الجريمة.
وعندما ظهر في الأعمال الدرامية علماء الدين بالسيجارة وفي وسط الراقصات، وفي أدوار تفتقد للصدق والاحترام، فقد الجمهور احترامه لهم كرموز للدين، مما أفقد عالم الدين القدرة على إصلاح المجتمع وفقد صورته كقائد للرأي، وضاعت مكانته الخلقية وقيمته الدينية وقدرته على الإصلاح. إن الحياء حياة للمسلمين فهو خلق دينهم، وإن لم نحافظ عليه وتؤكد عليه داخل بيوتنا، ومدارسنا، ونوادينا، وشوارعنا، ومؤسساتنا، وبلدنا، وأمتنا، سنجد من يترصد لنا وينتظر اللحظة لاقتناص أولادنا وشبابنا، ليس بنقل دم فاسد مريض، فهذا له قوانينه وعقوباته، ولكن بنشر الفاحشة وجعلها منهاج حياة، فمن يسوق ويقتن ويقبل هذه الأمور لا يجد من يحاكمه ولا يقام عليه الحد في ظل واضعي قوانين حقوق الإنسان.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
عقب التصديق عليه.. خبراء ينتقدون قانون الجمعيات الأهلية بمصر ويعتبرونه عقاباً للفقراء
نشر في العدد 2109
27
السبت 01-يوليو-2017