; الخلاف بين رئيس الدولة وأهل الشورى | مجلة المجتمع

العنوان الخلاف بين رئيس الدولة وأهل الشورى

الكاتب د. عبد الكريم زيدان

تاريخ النشر الثلاثاء 16-فبراير-1971

مشاهدات 46

نشر في العدد 47

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 16-فبراير-1971

ما هو الحل إذا اختلف رئيس الدولة مع أهل الشورى؟
- كيف يمكننا تنظيم الشورى في الوقت الحاضر؟

- يجب توفير حرية الرأي للمواطنين لإبداء آرائهم في شئون الدولة في الحدود الشرعية فلا يجوز مثلًا التشهير والطعن والسباب وفاحش الكلام والافتراء والتضليل بحجة إبداء الرأي.

 

قد يختلف رئيس الدولة مع أهل الشورى، فما الحل في هذه الحالة؟ الحل ما أمرت به الآية الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (سورة النساء: 59) فيجب رد المتنازع فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- كما تقضي به الآية الكريمة وأجمع عليه المفسرون (1). فإذا وجد الحكم صريحًا في الكتاب أو السنة وجب اتباعه ولا طاعة لأحد في مخالفته. وإن يوجد الحكم صريحًا، فأي الآراء أشبه بكتاب الله وسنة رسوله عمل به (۲).

الأخذ برأي رئيس الدولة

وإذا لم يظهر الرأي الذي هو أشبه بكتاب الله وسنة رسوله، وبقي الخلاف بين رئيس الدولة وأهل الشورى، فما الحكم في هذه الحالة؟ الذي نراه ونرجحه ترك الأمر إلى رئيس الدولة، فإن شاء أخذ برأي الأكثرية، وإن شاء أخذ برأي الأقلية، وإن شاء أخذ برأيه هو وإن كان خلاف رأي الأكثرية والأقلية. وقد يبدو قولنا هذا غريبًا، لأن الأذهان ألفت الأخذ برأي الأكثرية دائمًا إلى درجة الاعتقاد بأن الأخذ به ملزم، وأن الخروج على رأي الأكثرية علامة الاستبداد والتعسف، إلى آخر ما يُقال في هذا المجال ولكن الحق أحق أن يُتبع، فما هي حجتنا فيما قلناه؟ إن حجتنا تتلخص بالأدلة الآتية:

أدلة الأخذ برأي رئيس الدولة وإن خالف رأي الأكثرية

1 - قال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ (سورة آل عمران: 159). قال قتادة في تفسير هذه الآية:

(أمر الله تعالى نبيه -عليه السلام- إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل على الله لا على مشاورتهم) (۳).
2 - السوابق القديمة ومنها ما فعله الخليفة الراشد أبو بكر الصديق في جيش أسامة، وفي محاربة المرتدين. وخلاصة القول في جيش أسامة بن زيد، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسله قائدًا على جيش من المسلمين فيه كبارهم وأبطالهم وأمره بالتوجه إلى جهة فلسطين، وقبل أن ينفصل من المدينة توفي الرسول -صلى الله عليه وسلم- فتوقف أسامة حتى بويع أبو بكر بالخلافة، فأرسل إليه عمر بن الخطاب يستأذنه بالرجوع مع جيشه ليكون بجانبه ويسهم في دفع شر المرتدين عن المدينة وكان هذا رأي عمر بن الخطاب أيضًا وغيره من المسلمين ولكن أبا بكر رفض هذا الرأي وقال: والله لو علمت أن السباع تجر برجلي إن لم أرده ما رددته ولا حللت لواء عقده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٤).

 

قصة المرتدين

أما قصة المرتدين، فقد كان منهم فريق كبير امتنعوا عن أداء الزكاة مع بقائهم على الإيمان بالله وبرسوله، وأرسلوا وفدًا إلى المدينة ليقنع الخليفة بالموافقة على ذلك، فرفض أبو بكر هذا الرأي وقال: والله لو منعوني عقالًا لجاهدتهم عليه وظل أبو بكر -رضي الله عنه- على هذا الرأي بالرغم من رأي أكثر

الصحابة أن اللين أولى في هذه الحالة، لضعف المسلمين وانتشار الردة وكثرة المرتدين ولكن أبا بكر ظل باقيًا على رأيه ماضيًا في الذي شرح الله له صدره من الحق لا يضعف ولا يبني. (٥).

ووجه الدلالة في هذه السابقة القديمة أن أبا بكر -رضي الله عنه- أخذ برأيه ونفذه ولم يأخذ برأي غيره وإن كانوا كثيرين.

3- إن الخليفة -رئيس الدولة- مسئول مسئولية كاملة عن أعماله، فلا يجوز إلزامه بتنفيذ رأي غيره إن

لم يقتنع بصوابه، لأن كون الإنسان مسئولًا عن عمله يعني أنه يعمله باختياره ورأيه لا أن يعمل وينفذ رأي غيره على وجه الإلزام وهو كاره له غير مقتنع به ثم يسأل هو عن هذا الرأي ونتائجه.

4- إن صواب الرأي أو خطأه يستمدان من ذات الرأي وطبيعته لا من كثرة أو قلة القائلين به.

5 - ليست الكثرة لذاتها دليلًا قاطعًا أو راجحًا على الصواب، كما أن القلة ليست لذاتها دليلًا قاطعًا أو راجحًا على الخطأ، إذ يمكن أن يكون الخطأ مع الكثرة، وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة، قال تعالى
﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ. (سورة الأنعام:116) ﴿قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ. (سورة المائدة:100)

6- في حالة الحروب وهي أخطر ما تمر به الأمة، يفوض الأمر إلى قائد الجيش لينفذ ما يراه من خطط الهجوم والدفاع بعد أن يستشير مساعديه، ولا يلزم برأيهم مطلقًا وإن كان ملزمًا باستشارتهم، ومعنى ذلك أن البشر يدركون بفطرتهم خير حل عند اختلاف الرئيس مع مستشاريه هو ترك الأمر له يقرر ما يراه، ولهذا يأخذون بهذا الحل في حالة الحرب، مع أن خطأ القائد قد يؤدي إلى فناء الجيش وهلاك الأمة، ولكن مع هذا يأخذون بهذا الحل لأنه خير الحلول وأصوبها عند اختلاف الرئيس مع من يشاورهم.

 

اعتراضات ودفعها

إن رأينا الذي قدمناه واعتبرناه هو الراجح، بل ونعتبره هو الصحيح قد يعترض البعض عليه بالاعتراضات التالية:

الاعتراض الأول:

إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ برأي الأكثرية في مسألة الخروج إلى معركة أحد مع أنه كان يميل إلى عدم الخروج.

والجواب: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أخذ برأيهم لأنه رأى ذلك لا لأن الأخذ برأي الأكثرية ملزم، وكلامنا في إلزام رأي الأكثرية لرئيس الدولة أو عدم إلزامه.

الاعتراض الثاني:

ما فائدة المشاورة إذا لم يلتزم رئيس الدولة برأي من يشاورهم أو برأي أکثريتهم؟

والجواب: فائدة المشاورة تظهر في ظهور الرأي الصواب، والمظنون في رئيس الدولة أن يأخذ بالصواب، فإذا لم يأخذ برأيهم فمعنى ذلك أنه لم يقتنع بما قيل لا لكونه يريد العناد والخلاف.

الاعتراض الثالث:

إن الله تعالى أمر بالمشاورة وهذا الأمر يتضمن الأخذ من يشاورهم.

 والجواب: المشاورة غير التنفيذ، والله تعالى أمر بالمشاورة وينقضي حق هذا الأمر بإجراء المشاورة فعلًا، أما التنفيذ فشيء آخر وهو متروك لرئيس الدولة حسب ما يراه، ما دام الأمر اجتهاديًا.

حق الأفراد في إبداء آرائهم

وقيام الخليفة بمشاورة أهل الحل والعقد لا يعني أن غيرهم من أفراد الأمة لا حق لهم في إبداء آرائهم في شئون الحكم وتصرفات الخليفة، فالواقع أن لكل فرد أن يبدي رأيه فيما يرى فيه المصلحة أو إزالة مفسدة، وأساس هذا الحق تكليف الشارع لكل مسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل جعل القيام بهذا التكليف من صفات المؤمنين الأصلية. قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ (سورة التوبة: 71). وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشهور: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».

ومن الواضح أن القيام بهذا الغرض يستلزم تمتع الفرد بحق إبداء رأيه بالمعروف الذي يأمر به وبالمنكر الذي يريد تغييره، وهذا الحق للأفراد متمم للشورى ومساعد لها ويتفق مع أهدافها لأن به یعان الخليفة على معرفة الصواب وتجنب الخطأ، فقد يفوت أهل الشورى بعض الأمور التي يعرفها غيرهم من أفراد الأمة. وعلى هذا لا يجوز للخليفة أو لغيره من أولياء الأمور الانتقاص من هذا الحق للأفراد كما لا يجوز للأفراد التنازل عنه أو تعطيله لأنه حق أوتوه من الشرع ليتمكنوا من أداء ما افترض عليهم من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولهذا كان الحكام الصالحون يربون أفراد الأمة على حرية الرأي ويحثونهم على هذه الصفة ويعيبونهم على تركها، قال رجل للإمام عمر بن الخطاب: «اتقِ الله يا عمر» فقال له عمر: «إلا فلتقولوها، لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها». وفي خطبة لأبي بكر -رضي الله عنه- «فإن أحسنت فأعينوني، وإن زِغت فقوموني». (٦)

حدود حرية الرأي

وحق الأفراد في إبداء آرائهم في تصرفات الخليفة له حدود وضوابط:

 «الأول» أن يكون قصد صاحبه بذل النصح الخالص للخليفة، جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». فلا يجوز للفرد أن يقصد في بيان رأيه في تصرفات الحكام التشهير بهم أو تكبير سيئاتهم أو انتقاصهم أو تجريء الناس عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الباطلة التي لا يراد بها وجه الله ولا الخير للمنصوح ولا المصلحة للأمة.

الثاني: أن يكون بيان المسلم رأيه في تصرفات الحكام على أساس من العلم والفقه، فلا يجوز أن ينكر عليهم أو ينتقصهم في الأمور الاجتهادية، لأن رأيه ليس أولى من رأيهم ما دام الأمر اجتهاديا.

الثالث: لا يجوز للأفراد إحداث الفتنة، ومقاتلة المخالفين لهم بالرأي إذا لم يأخذوا برأيهم ما دام الأمر يحتمل رأيهم ورأي غيرهم.

تنظيم الشورى في الوقت الحاضر

ذكرنا في الفقرات السابقة السوابق الثابتة في السنة النبوية في موضوع الشورى، ومجموعها يدل على أن الشريعة الإسلامية لم تنص على كيفية خاصة لتحقيق مبدأ الشورى، ومعنى ذلك أنها تركت تنظيم الشورى للأمة الإسلامية على النحو الذي يُلائم ظروفها وأحوالها ويُحقق مقصود الشورى ومعرفة رأي الأمة. وهذا في الحقيقة من حسنات الشريعة واحتياطها للمستقبل.

 وعلى هذا، فيبدو لنا أن ما يوافق العصر الحاضر أن تقوم الأمة بانتخاب أهل الشورى الذين يشاورهم رئيس الدولة ويعتبرون بنفس الوقت أهل العقد والحل على أن يكون لرئيس الدولة الحق في مشاورة أهل الاختصاص في موضوع اختصاصهم، وأن يكون له الحق في استفتاء الأمة في المسائل الخطيرة، وأن يوضع نظام مفصّل لكل هذه المسائل وغيرها مما له علاقة في موضوع الشورى في ضوء قواعد الشريعة ومبادئها وأحكامها في نظام الحكم، كما يجب توفير حرية الرأي للمواطنين لإبداء آرائهم في شئون الدولة في الحدود الشرعية، فلا يجوز مثلًا التشهير والطعن والسباب وفاحش الكلام والافتراء والتضليل بحجة إبداء الرأي: فليس من حق أحد أن يشيع الفساد بحجة إبداء الرأي، والواقع أن مجرد وضع الأنظمة لا يكفي لتحقيق الانتخاب السليم ولا لتحديد الرأي المُباح الخالص من الغش والدجل، وإنما الذي يفيد كثيرًا في هذا الباب – مع وضع الأنظمة اللازمة- إشاعة المفاهيم الإسلامية والأخلاق الإسلامية وتربية الأفراد على معاني العقيدة الإسلامية ومخافة الله وتقواه في السر والعلن، فبهذا يقف الإنسان عند الحدود الشرعية ويقوم بواجبه على الوجه المرضي سواء أكان هذا الواجب في انتخاب أعضاء مجلس الشورى أو في قيام هؤلاء بإبداء آرائهم أو في إبداء آحاد الناس آرائهم فيما يرونه من وجوه المصلحة.

عبد الكريم زيدان

 

 

(1)          تفسير الطبري ج ٥ ص ۸۷ تفسير القرطبي ج ه ص ٢٦١ تفسير الجصاص ج ۲ ص ۲۱۲
(٢) السياسة الشرعية لابن تيمية ص ۱۷۰.

(3) تفسير القرطبي ج 4 ص ٢٥٧.
(4) أبو بكر الصديق تأليف الأستاذ علي الطنطاوي ص ١٦٢ - ١٦٣.
(5) المرجع السابق.
(6) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 183.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 8

115

الثلاثاء 05-مايو-1970

عبر من موقعة أحد

نشر في العدد 13

59

الثلاثاء 09-يونيو-1970

عبر من موقعة أحد (2)