; تعاقب عليه الاستعمار من البرتغاليين إلى الأمريكيين.. الخليج يدفع ضريبة أهميته الاستراتيجية | مجلة المجتمع

العنوان تعاقب عليه الاستعمار من البرتغاليين إلى الأمريكيين.. الخليج يدفع ضريبة أهميته الاستراتيجية

الكاتب حسام شاكر

تاريخ النشر السبت 03-مايو-2003

مشاهدات 12

نشر في العدد 1549

نشر في الصفحة 23

السبت 03-مايو-2003

قبل الميلاد.. وجه الإسكندر الأكبر قواته للسيطرة على المنطقة من مصب نهر دجلة إلى مصب نهر السند.. واليوم يفعل الرئيس الثالث والأربعون للولايات المتحدة الشيء نفسه

الذرائع الأمريكية في الهيمنة على الخليج امتداد للذرائع البريطانية التي كانت تسوقها الإمبراطورية البائدة

بواكير الوجود الأمريكي في المنطقة ارتبطت بالتنصير.. ثم حدث تحول عندما تقاسمت شركات النفط النفوذ 

مع خلو المسرح للاعب الأمريكي سعت واشنطن لإحكام الخناق على المنطقة وتقويض أي نفوذ مزاحم لها

من المؤكد أن شرطي العالم يراقب بحذر شديد ما يدور تحت مياه الخليج، ولن يتردد في إثارة عواصف صحراء جديدة واحدة تلو أخرى إذا استشعر القلق من التموجات الصغيرة هنا أو هناك.. لكن هناك عاصفة أخرى تنذر بها الأيام ربما تكون ضد واشنطن.

يعد الخليج من أكثر المناطق الملاحية في العالم حساسية، فضلًا عن كونه من أكثرها خطورة أمنيًا وبيئيًا. فعبر مسطح مائي لا تتجاوز مساحته ربع المليون كيلومتر مربع تتحرك إمدادات كثيفة من النفط غربًا وشرقًا عبر ناقلات عملاقة تعبر مضيق هرمز بمعدل إمداد كل 11 دقيقة تقريبًا.

وتمثل حركة ناقلات النفط في الخليج تهديدًا بيئيًا، خاصة وأن الناقلات قد تستوعب ما يزيد على ثلث المليون برميل.

إلا أن معظم الهواجس تبقى منبعثة من كثافة الوجود العسكري فيه، الذي تتوجه مدمرات وفرقاطات وبوارج حربية وحاملة طائرات أمريكية.

(*) خدمة وكالة قدس برس لندن

وإذا كان رئيس الوزراء ووزير الحرب الفرنسي جورج كليمنصوه (١٨٤١- ١٩٢٩م) قد ذهب إلى حد القول بأن نقطة نفط تساوي نقطة دم فإنه يبدو واضحًا بهذا أن حساسية الملاحة في الخليج العربي وثيقة الصلة بالذهب الأسود في المقام الأول، فهو أكثر المواد المحمولة على مسطحة المائي، أما الأسلحة والذخائر الهائلة التي تمخر عباب الخليج فقد حولته إلى مخزن كبير للترسانة الحربية لا يتناسب مع حجم المنطقة. وكانت مياه الخليج العربي، التي نادرًا ما يزيد عمقها على مائة متر، ضحية لتسربات نفطية متفاوتة الأحجام ومتباينة الخطورة، ولكن أبرزها تمثل في تسرب النفط من السواحل الإيرانية إبان حرب الخليج الأولى، بينما عادت حرب الخليج الثانية بعدة كوارث من بينها الكارثة البيئية التي لوثت السواحل الكويتية بالزيت الأسود بينما لم تسلم أجواء المنطقة من السحب السوداء المنبعثة من آبار النفط الكويتية المحترقة.

ولكن الخليج ليس نفطًا وحسب، فالأهمية التجارية لهذا المسطح المائي كانت بالغة إلى الدرجة التي جعلت حجم تجارة الهند المارة عبره تعادل ثلاثة أضعاف حجم تجارتها المارة عبر البحر الأحمر ولا يمكن الاستهانة بهذه الحقيقة التاريخية ما دامت لندن كانت ترى في تأمين المواصلات بين مركز الإمبراطورية «إنجلترا» ودرة التاج البريطاني «الهند» مطلبًا حيويًا لبقاء الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ولاستمرار نفوذها العالمي.

ومع أخذ مجمل الأبعاد الاستراتيجية بعين الاعتبار يكون مفهومًا تمامًا أن تضع القوى الاستعمارية الخليج نصب أعينها، حتى قبل اكتشاف النفط في المنطقة.

فقد أحتفظ الخليج لنفسه بموقع حيوي يتوسط مناطق مهمة عالميًا، وهو ما دفع ضريبته بالوقوع فريسة سائغة لأطماع القوى الكبرى وعبر شواطئ الخليج ذات النتوءات والتعرجات والخلجان أمكن إقامة قواعد بحرية للسفن الحربية التي التي : تسعى لبسط النفوذ في المحيط الهندي والشرق الأوسط وبهذا كان الخليج، ومازال يمثل أحد ممرات الصراع الدولي بجدارة. 

وعندما كان الإسكندر المقدوني (٣٥٦ – ٣٢٣ ق م) يوعز لأحد قادته بالمضي من مصب نهر دجلة إلى مصب نهر السند، مروراً بالخليج العربي فإنه كان يقوم بدور مشابه للذي سيتقمصه الرئيس الثالث والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية جورج والكر بوش «بوش الابن» بعد أكثر من الفي سنة من ذلك العهد وما بين الإسكندر الأكبر وبوش الابن عصور وعهود متلاحقة تعاقبت فيها على الخليج قوى كبرى سعياً لإخضاعه، واتخذته مرتعًا للتنافس وممرًا للصراع ولعل الفارق الجوهري بين العهدين يكمن في أن الإسكندر لم يكن مضطرًا لتبرير حملاته العسكرية للرأي العام العالمي عبر وسائل الإعلام وفي المحافل الدبلوماسية التي لم تكن قد وجدت بصورتها الحالية بعد.

أما الإدارة الأمريكية فلديها قائمة جاهزة من الذرائع التي تحتج بها لتسويغ حملاتها العسكرية المتلاحقة في الخليج، والقائمة إياها لا تخلو من شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وتحقيق السلام العالمي، وهي لا تنسى التحذير من أسلحة «الدمار الشامل». ويبدو ذلك على أي حال امتدادًا متطورًا للذرائع البريطانية التي كانت تسوقها

الإمبراطورية البائدة في أوج هيمنتها على الخليج عندما كان المسؤولون الإنجليز يتحدثون عن واجب إنساني، يحتم عليهم إحكام السيطرة العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية على المنطقة، فالغاية هي «محاربة القرصنة وتجارة العبيد» أو «القضاء على الحروب الداخلية» و«السعي الحماية حرية التجارة العالمية».

أما المحصلة التي تتشكل في وعي المراقبين للحالة الخليجية عبر القرون الأخيرة فهي القناعة بالأهمية الفائقة للخليج العربي ملاحيًا وتجاريًا واستراتيجيًا ونفطيًا.

وكان الفتح الإسلامي قد أكد هوية الخليج العربي كبحيرة إسلامية، إلا أن القوى الاستعمارية الأوروبية بدأت بالنفاذ إليه مع مطلع القرن السادس عشر أي عندما تسلل إليه البرتغاليون ليكونوا طليعة الحضور الأوروبي في الخليج في العصر الحديث.

ومع هذا التطور التاريخي طغى على الخليج التنافس المحموم بين القوى الاستعمارية أو التي تحاول القيام بدور استعماري فعلاوة على تطلعات القوى الإقليمية حامت حول الخليج أطماع وأدوار برتغالية وهولندية وبريطاني وفرنسية وألمانية، إلى أن آلت مقاليد الأمور في هذه البحيرة الهادئة ظاهريًا للأمريكيين القادمين من وراء البحار

رغم ذلك بقي عهد الهيمنة البريطانية أهم الحلقات التاريخية في الخليج خلال القرون الأخيرة، إذ تمكنت بريطانيا من السيطرة على هـذه المنطقة الحساسة ابتداء من مطلع القرن التاسع عشر، خاصة عبر اللجوء إلى أسلوب معاهدات الحماية وما يلفت الانتباه أن هذه المعاهد اعتبرت انتقاصًا من سيادة دول الخليج العربي التي وقعت عليها، وتقويضًا لاستقلالها، الأمر الذي جعل نهاية الحماية البريطانية بمثابة أعياد وطنية، وإعلانات استقلال للدول المتحررة منها. أما عودة معاهدات الحماية في الخليج مجددا بلافتات وعناوين جديدة في الظروف الناشئة مع حرب الخليج الثانية فلم يصاحبه صخب يذكر ولكن الوجود العسكري المتعاظم للولايات المتحدة في المنطقة، والذي لا يخلو من طابع الهيمنة العسكرية والسيطرة الأمنية والضغط السياسي والاستنزاف الاقتصادي مرشح لإثارة جدل داخلي واسع النطاق في دول الخليج، خاصة في ظل مواصلة الحامي الأمريكي، حربه الجديدة في الخليج، بما قد يؤدي إلى تعزيز الحضور الأمريكي في المنطقة وتطويقها بين فكي كماشة بعد بسط نفوذ الولايات المتحدة فوق الأراضي العراقية وكان الأمريكيون قد بدأوا الوصول إلى الخليج على هيئة أفراد منتظمين في طلائع تنصيرية بهدف تنصير عرب الجزيرة وجنوب العراق وبدأت مهام المنصرين الأمريكيين في سواحل الخليج مع نهاية القرن التاسع عشر مستخدمين استراتيجية النفاذ من الساحل خليجي إلى قلب المنطقة، والتي حاول القس صموئيل زويمر ترجمتها دون جدوى. وقبل أن يكتب الإخفاق لمساعي المنصرين الحثيثة رغم أنها تخل من إقامة المنشآت الصحية والمشافي حدث التحول في الاتصال الأمريكي بالمنطقة عندما بدأ أمريكيون من نمط آخر يتقاسمون النفوذ فيها إنهم ممثلو شركات النفط.

فبمجرد اكتشاف النفط في إيران عام ١٩٠٨م أدركت القوى الاستعمارية وشركاتها العملاقة العابرة للحدود أن المنطقة أشبه بقطعة من الإسفنج - المشبعة بالسائل الأسود الذي يصب في شرايين الاقتصاد العالمي.

 ثم تزايد الأمريكيون في الخليج بمجرد حصولهم على امتيازات النفط في المنطقة، منتزعين إياها من أيدي البريطانيين. وسرعان ما أخذت الشركات الأمريكية تتوسع في الحقول النفطية الخليجية لتحتل نصيب الأسد فيها مع أواسط القرن العشرين. 

وفي ظل ثنائية القطبية التي اتسم بها النظام الدولي حتى نهاية الحرب الباردة كان الخليج محكومًا بالنفوذ الأمريكي الأكثر حضورًا - احتمال الموقف لشيء من المزاحمة السوفييتية.

ومع خلو المسرح للاعب الأمريكي مع حلول التسعينيات استغنت واشنطن عن التوازنات مع موسكو، فسعت بدورها إلى إحكام الخناق على الخليج وعملت على تقويض أي نفوذ مزاحم لها فيه وكانت التجربة العراقية المثال الصارخ في

هذا المضمار فبغداد التي خرجت بروح المنتصر من حرب السنوات الثماني مع طهران سعت للقيام بدور إقليمي مؤثر موظفة نتيجة الحرب وإمكاناتها العسكرية الهائلة لتحقيق هذا الغرض.

وسرعان ما جاء الرد الأمريكي كاسحًا فالولايات المتحدة حشدت تحالفًا أمميًا قوامه ۲۳ دولة لكبح جماح العراق عسكريًا ولتقويض حضوره الإقليمي ولتجويعه أيضًا بقرار من الشرعية الدولية التي عقدت العزم على معاقبة بلاد الرافدين بالحصار الشامل بالطبع أدركت دول الخليج، وخاصة إيران - المؤهلة باستمرار للقيام به دور إقليمي فاعل - أنها ليست ببعيدة عن العين الأمريكية المفتوحة على المنطقة وعن الذراع الطويلة الممتدة للبنتاجون.

 ومن المؤكد أن شرطي العالم، يراقب بحذر شدید ما يدور تحت مياه الخليج الهادئة، وهو لن يتردد في إثارة عواصف صحراء واحدة تلو أخرى إذا ما استشعر القلق من التموجات الصغيرة هنا أو هناك.

ولكن إحدى المفارقات التي يعيشها الخليج العربي في السنوات الأخيرة تتمثل في طبيعة دور القوى المهيمنة عليه فبريطانيا، ومن بعدها الولايات المتحدة تعاملت مع الخليج بمنطق فرض السيطرة والتحكم في مجرياته بحنكة ودهاء. وفي مطلب تحقيق الاستقرار التقت مصالح اللاعب الدولي الأبرز، سابقًا وحاضرًا، مع احتياجات دول المنطقة ومصالحها ضمانًا لعدم انفلات الأمور من عقالها ولتأمين إمدادات النفط الحيوية ولسلامة حركة الملاحة النشطة في الخليج.

لكن سعي الولايات المتحدة الأمريكية لفرض هيمنتها المطلقة على الخليج، بعد الحرب الباردة وحروبها التي تهدف لردع المارقين، وضمان الاستقرار الذي يحلو لها استدعى حشد الجيوش الجرارة وشن الحروب التي لا تحتملها شعوب المنطقة فضلًا عن حكوماتها بهذا كان من المنتظر ألا يكون المسعي الأمريكي المتبلور منذ بداية التسعينيات مجردًا من العواقب فالاستقرار أخذ في الضمور في دول الخليج التي تشهد نقمة متنامية تحت السطح على الحضور الأمريكي المباشر، والذي من شأنه أن يستدر المزيد من مشاعر الحنق التي قد تتطور بدورها إلى أعمال عنف هنا وهناك تعصف بأمن المنطقة الحساسة. فإذا كان الاستقرار الخليجي قد ارتبط تقليديًا بهيمنة قوة دولية على المنطقة والإمساك بزمامها بدلًا من الفراغ الاستراتيجي، الذي يثير المخاوف من خلط الأوراق واضطراب التوازنات القائمة في الخليج فإن هذه الهيمنة تبدو اليوم، أكثر من أي وقت مضى على الأغلب تهديدًا جديًا للاستقرار فضلًا عن كونها لا تمثل سوى ضمانة وهمية مؤقتة للأمن، تحمل في طياتها بذور زعزعة الوضع الخليجي القائم.

وإذا كان هناك من يستنتج اليوم أن ما تقوم به الولايات المتحدة في الخليج لا يعدو أن يكون إعادة إنتاج للنماذج الصارخة من العهد الاستعماري؛ فإن التدخل العسكري المباشر في المنطقة والمساس بخصوصيات الشعوب على الصعيد الاجتماعي والديني واستنزاف موارد المنطقة بطرق شتى تمثل في مجموعها تطورات تنذر بـ «عاصفة صحراء» يصعب تقديرها، لكنها عاصفة لن تشترك مع نظيرتها الأمريكية إلا بالاسم على الأرجح.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

أصول الاقتصاد من الكتاب والسنة

نشر في العدد 2

1033

الثلاثاء 24-مارس-1970

مار جرجس.. والإله حورس!

نشر في العدد 2112

29

الأحد 01-أكتوبر-2017

لقاءات المجتمع

نشر في العدد 61

27

الثلاثاء 25-مايو-1971