; الخمر بين الطب والفقه (الحلقة الأولى) | مجلة المجتمع

العنوان الخمر بين الطب والفقه (الحلقة الأولى)

الكاتب د. محمد علي البار

تاريخ النشر الثلاثاء 22-أبريل-1975

مشاهدات 60

نشر في العدد 246

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 22-أبريل-1975

قال الله- تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (المائدة:90- 91).

تعريف الخمر: لغة هي كل مسكر مخامر العقل مغط عليه. وخمر الشيء ستره وخمر الشهادة كتمها وخمر وجهه: غطاه واخمر: توارى وخامر الشيء خالطه وخامر القلب داخله وخامره الداء أي دخل جوفه.

وواقع الأمر أن الخمر لا تفعل أكثر من ذلك أي أنها تغطي المناطق المخية العليا وهي الموجودة في القشرة لفصي المخ Cerebral cortex وهي مراكز الإرادة والأخلاق والفكر والرؤية أي ما يجمع باسم العقل. وكلمة عقل في اللغة العربية من «عقل الناقة» أي سترها وربطها و«کأنما نشط من عقال» أي انطلق من رباط ووثاق، فالعقل هو الرباط وهو الوثاق الذي يمنع الإنسان من الانقياد للهوى والرغبات.. والعقل هو مجموعة الموانع الأخلاقية التي تتكون لدى الإنسان. فالطفل الرضيع يبول ويتغوط لا إراديًّا أي دونما أي مانع، فإذا ما جاوز العام من عمره اشتد أهله في تربيته لمنعه من هذه العادة القبيحة.. ويتكون لدى الطفل المانع أثر المانع بالتربية والمران. ومجموع تلك الموانع والزواجر والروابط هي العقل. ووظيفة الخمور في إزالة هذه الموانع؛ فقد تجد الرجل الوقور يرتكس إلى أسفل سافلين فينزو على أهله وأقاربه.. ويهذي بأتفه الكلام وقد يتبول في قارعة الطريق دون حياء أمام الناس.

فما أبدع اللغة العربية فقد سمت ذلك المسكر الخمر وهي تلك التي ترين على العقل وتواريه.. وأسمت مجموعة الموانع من فكر وأخلاق وإرادة العقل أي الوثاق والرباط وكشفت بذلك منذ زمن موغل في القدم ما أزاح العلم عنه الستار في القرن العشرين. فأكرم بها من لغة زادها شرفًا إن كانت لغة القرآن الكريم.

وتعريف الخمر في الفقه: هي كل ما كان مسكرًا سواء كان متخذًا من الفواكه كالعنب والرطب والتين والزبيب أو من الحبوب كالحنطة «القمح» أو الشعير أو الذرة أو من الحلويات كالعسل وسواء كان مطبوخًا أي عولج بالنار أو نيئًا بدون معالجة بالنار.. وسواء كان معروفًا باسم قديم كالخمر والطلاء أو باسم مستحدث كالعرق والكونياك والويسكي والبراندي والبيرة والشمبانيا وغيرها. نقد أخرج الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: «ليشربن أناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها».

وأخرج مسلم وأحمد وأصحاب السنن الأربعة «الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة». وحديث النعمان ابن بشیر: «إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة. وإني أنهاكم عن كل مسكر».

وروى أحمد وأبو داود عن ابن عمر «رضي الله عنه» عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قوله: کل مسکر خمر، وكل خمر حرام». وعن علي- كرم الله وجهه- «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهاهم عن الجعة» وهي نبيذ الشعير أي ما يسمى البيرة اليوم. رواه أبو داود والنسائي.

ويدخل في تعريف الخمر الأنبذة الموجودة اليوم بأنواعها المختلفة مثل البورت الشيري والماديرا والكلارت والهوك والشمبانيا والبرجاندي.. لأنها تدخل في تعريف الخمر الذي يحدده الاصطلاح الفقهي بأنها: النيء «أي الذي لم يعالج بالنار» من ماء العنب بعدما غلى واشتد وقذف بالزبد. والغليان الفوران، والاشتداد قوة التأثير بحيث يصير مسکرًا، والزبد الرغوة.

وهو تعريف دقيق فالنيء الذي لم يعالج بالنار من ماء العنب أو غيره من السكريات يتحول بفعل خميرة «أنزيم» Enzyme موجودة في فطر يدعى الخميرة Yeast موجود بكثرة في الهواء ويتساقط على الثمار- يتحول إلى كحول إثيلي بفعل ذلك الإنزيم بعملية التخمر الذاتي أي بدون جهد صناعي. وينتج عن هذه العملية غاز ثاني أوكسيد الكربون «الفحم» وهو الذي يسبب الرغوة والزبد.

وإذا عرفنا أن هذه الأنبذة تصنع بإضافة الفطر إلى العنب أو غيره من الفواكه ويحفظ في درجة حرارة ملائمة حتى تتم عملية التخمر بواسطة الإنزيمات «الخمائر» في أسرع وقت.. ثم تبقى بعد ذلك فترة طويلة حتى يكتمل تحول المواد السكرية إلى كحول. وفي بعض الأنبذة المقواة مثل البورت والسيري يضاف كمية من الكحول إليها.. حتى تزداد درجة إسكارها.. إذا عرفنا ذلك أيقنا إيقانًا تامًّا بأن هذه الأنبذة إنما هي الخمر بعينها التي حرمها الله ورسوله.

ويدخل في تعريف الخمر المشروبات المخمرة Brewed Beverages مثل الجعة «البيرة» وهي نبيذ الشعير«Beer» والمزر وهو نبيذ الحنطة Ale والسكركة وهو نبيذ الذرة والبتع وهو نبيذ العسل.

وهذه الأنبذة تترك أكثر من ثلاثة أيام بلياليها حتى تتحلل المواد النشوية التي في الحبوب ثم تفعل بها الإنزيمات «الخمائر» فعلها فتحولها أولًا بواسطة إنزيم الدياسيتز Diastase من نشأ إلى سكر ثنائي ثم يتحول السكر الثنائي إلى سكر أحادي مثل الجلوكوز أو الفركتوز ثم يستمر تحول السكر الأحادي Monosaccharide إلى كحول إثيلي Ethyl Alcohol وثاني أوكسيد كربون CO2 ويترك ذلك حتى تتكون الكمية المطلوبة من الكحول من ثلاثة إلى تسعة بالمائة ثم توقف عملية التخمر وتضاف عندئذ بعض الأعشاب مثل عشب الجنجل ويسمى أيضًا حشيشة الدينار وهو نبات عشبي معمر وله طعم قارص ويعطي الشراب اللذعة المطلوبة عند من يبتغيها.

كما يدخل قطعًا في هذا التعريف الخمور المسماة بالخمور المقطرة Distilled Spirits مثل الويسكي والبراندي والروم والجين وهو لا شك أشد وأنكى من كل ما ذكرنا من أنواع الخمور أي الأنبذة والمشروبات المخمرة Brewed Beverages فهي تحتوي أولًا على نسبة عالية جدًّا من الكحول «٤٠ إلى ٦٠ بالمائة» بينما تحتوي الأنبذة على نوعيها: في المقواة Fortified Wines إلى نسبة عشرين بالمائة والعادية Ordinary Wines إلى نسبة عشرة بالمائة. أما المشروبات المخمرة Brewed Beverages فلا تحتوي في العادة على أكثر من ستة بالمائة من الكحول.

تعريف الخمر في الكيمياء:

الخمر هي الأشربة التي بها كمية من الكحول. والكحول أو الغول في أصل اللغة العربية هو ما ينشأ عن الخمر من صداع وسكر لأنه يغتال العقل. وقد نفى الله- تعالى- عن خمر الجنة هذه الصفة فقال: ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ (الصافات: 47).

أول من اكتشف الغول «الكحول» هم الكيميائيون العرب وقاموا بتحضيره ثم ترجم الإفرنج عنهم هذه الكلمة فنقلوها إلى لغتهم فصارت Alcohol وهذا ما تقرره المعاجم اللغوية الإنجليزية والفرنسية مثل معجم لاروس الفرنسي.

والغول «الكحول» هو اسم عام يطلق على جملة من المركبات الكيماوية لها خصائص متشابهة ومكونة من ذرات الهيدروجين والكاربون «الفحم» وآخرها مجموعة هيدروكسيلية أي ذرتي أوكسيجين وهايدروجين«OH»Hydroxyl Group وهذه المركبات تدعى «الغولات»- أو «الأغوال» جمع غول ومنها الكحول المثيلي Methyl alcohol ولما كان الكحول الإثيلي أكثرها شيوعًا واستعمالًا اصطلح العلماء على تخصیصه باسم الكحول. وهو روح الخمر ويدعى بالإنجليزية Spirit أي روح ويقصدون روح الخمر.

والأسبيرتو الذي يستخدم للوقود يحتوي في العادة على كمية من الكحول المثيلي السام إذ تضيفه الحكومات عمدًا حتى لا يشرب، ولذا كان شرب السبيرتو مميتًا في أغلب الحالات على الفور بينما شرب الخمور مميت على المدى الطويل.

والكحول الإثيلي Ethyl Alcohol سائل طيار ليس له لون وله طعم لاذع وأقوى الخمور يحتوي في العادة ما بين ٤٠ إلى ٦٠ بالمائة منه.

وهي الخمور المقطرة Distilled Spirits مثل الويسكي والجين والبراندي.

ويستعمل الكحول في الصناعة کحافظ لبعض المواد وكمادة منشفة للرطوبة Dehydrating Agent کمذیب لبعض المواد القلوية والدهنية Solvent وكمقاوم للتجمد Antifreeze كما يستخدم في الطب كمطهر للجلد ومذيب لبعض الأدوية التي لا تذوب إلا في الكحول. ويستخدم بكثرة كمذيب للمواد العطرية «الكولونيا» والروائح.

وتتكون الكحول في الخمر بواسطة «إنزيمات» خمائر موجودة في قطر يدعى Yeast تقوم بتحويل المواد السكرية الموجودة في الفواكه مثل العنب والرطب والتين، والنشوية الموجودة في الشعير والذرة والحنطة إلى كحول اثيلي. وذلك بعمليات بطيئة متتابعة.

وقد كانت هذه الطريقة تستعمل منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا للحصول على الخمور وبهذه الطريقة يمكن الحصول على جميع أنواع المشروبات المخمرة Brewed Beverages مثل الجعة «البيرة» من الشعير والمزر «Ale» من الحنطة والسكركه من الذرة والبتع من العسل. كما يمكن بهذه الطريقة الحصول على جميع أنواع الأنبذة «بمفهومها اليوم» Wines مثل الشيري والبوردو والبورت والشمبانيا والعرق.. إلخ. وذلك بإضافة نبات الخميرة Yeast إلى الفواكه مثل العنب والتمر والتين.. إلخ. وفي العصر الحالي تزرع هذه الخميرة في المختبرات وتضاف إلى الفواكه بكميات ومقادير محسوبة وتوضع في درجة حرارة ملائمة أي أقل من ستين درجة مئوية لأن الحرارة الشديدة تقتل الإنزيمات «الخمائر» كما أن البرودة الزائدة توقف عملها. وهكذا تحفظ هذه الفواكه بعد إضافة الخميرة في درجة حرارة ملائمة حتى تسرع عملية التخمر الذاتي Fermentation وهكذا يتحول السكر إلى كحول إثيلي Ethyl Alcohol وثاني أوكسيد كربون وماء.

وفي معظم الأنبذة يترك غاز ثاني أوكسيد الكربون يتطاير في الهواء وهو سبب الزبد أو الرغوة التي تظهر على الخمر عند اشتدادها كما عرفها الفقهاء ثم تسكن وترقد وذلك لتطاير الغاز المذكور. ولكن هذا الغاز يحبس في الشمبانيا ونبيذ المسكرات مما يسبب فرقعة عند فتح قارورة من هذا الشراب لتطاير الغاز المضغوط فجأة كما أن هذا الغاز هو السبب في الحبب الذي يعلو الخمر عند صبها والذي يعجب به شعراء الخمريات مثل أبي نواس.

أما في العصور الحديثة فقد استخدمت طريقة جديدة مغايرة لتلك الطرق المعهودة منذ أقدم الأزمنة. وذلك باكتشاف عملية التقطير Distillation وتعتمد فكرة التقطير على أن درجة غليان الكحول تتم قبل غليان الماء فالكحول يغلي ويتبخر عند درجة ۷۸ مئوية بينما لا يتبخر الماء حتى تصل درجة حرارته مائة. فإذا تبخر الكحول عند درجة ۷۸ والماء لا يزال سائلًا، يتطاير الكحول بمفرده إلى أعلى الأنبوبة. وهناك يبرد ويتكثف ثانية ويتحول إلى سائل مرة أخرى. وبهذه الطريقة أمكن تقطير النبيذ للحصول على البراندي وتقطير الجعة «البيرة» للحصول على الويسكي، أما الجين فيصنع بطريقة مغايرة: يحضر أولًا كحول بتركيز خمسين في المائة ثم يضاف إليه توت نبات العرعر Juniper Berries وبعض الأعشاب الأخرى وتترك فترة كافية حتى تذوب فيها. أما شراب الروم Rum فيصنع بتقطير الخمر المصنوعة من دبس السكر «المولاس» Molasses وهو المادة اللزجة التي تنفصل عن قصب السكر عند صنع السكر. وقد صنع شراب سرًّا في بعض البلاد العربية التي تحرم الخمور بهذه الطريقة أي بإضافة سكر وفطر خميرة وماء ثم يقطر محليًّا حتى تتركز كمية الكحول وقد اشتهر هذا الشراب باسم صديقي جوس Sidiqi Juice

أما العرق المصنوع في كثير من البلاد العربية سرًّا وجهرًا فهو يصنع في العادة من العنب أو التمر بإضافة الماء وفطر الخميرة Yeast حتى يغلي ويعلوه الزبد أي حتى تتحول المواد السكرية إلى كحول إثيلي وثاني أوکسید کربون. وهو بهذه الصنعة يشبه تمامًا الأنبذة المذكورة مثل الشمبانيا والبورت والكونياك إلخ.

وقد أضاف بعض من يصنعون العرق سرًّا في بعض البلاد العربية حبوب الداتورة التي بها مادة الأتروبين والهايو سايمين Atropine and Hyoscyamine وذلك للإسراع بغليانه واشتداد مفعوله.. وبذلك تزداد سمية هذا المنقوع السام.

كما انتشر في السنوات الأخيرة استعمال حبوب «الامفيتامين» Amphetamine وتعرف عند العامة بحبوب الكونغو لأنها هربت أول الأمر مع بعض من يأتون من الكونغو. ويستعملها بكثرة السواقون وخاصة في أيام المواسم لأنها تساعد على السهر والعمل المتواصل دون كلل أول الأمر. ولكن عاقبتها وخيمة إذ يشبه ذلك ضرب حصان ودفعه إلى الجري حتى يقع مغشيًّا عليه.. كما إنها تسبب الإدمان وأول من استعملها على نطاق واسع هو هتلر عندما أعطاها لجنوده فكانوا يقومون بأعمال متواصلة لعدة أيام دون كلل. كما اشتهر بها أنتوني إيدن رئيس وزراء بريطانيا الأسبق وصاحب حملة السويس المشهورة.. وأدى ذلك إلى إخراجه من كرسي الحكم ومن رياسة حزب المحافظين وانتهى به الأمر إلى مصحة.

وقد ذكرنا عنها هذه النبذة لأنها تضاف إلى العرق المصنوع سرًّا حتى تزيد مفعوله. لا شك أنها تسبب الهياج الشديد كما تسبب زيادة مؤقتة في النشاط الجنسي ويعقب ذلك رد فعل عنيف فيدخل المرء في سبات عميق بعدها وينتهي الأمر إلى العنة.

كما قد يضيف بعض من يصنعون العرق سرًّا مادة مذيب البويه وكحول نشارة الخشب وهما من الكحول المثيلي أشد أنواع الحكول سمية.. ويسبب العمى وتسمم عضلة القلب Toxic Myocarditis مما يؤدي إلى الوفاة خلال أيام قلائل.

وهناك العديد من الطرق التي يستخدمها صناع الخمور السرية ليزيدوا من درجة الإسكار وبالتالي درجة السمية Toxicity لهذه المواد التي يبيعونها سرًّا فأف لهم وأف لتلك العقول الضالة التي تشتري هذا السم الزعاف بدلًا من شراء القوت الضروري للنفس والأسرة.

-يتبع-

د. محمد علي البار

عضو الكلية الملكية للأطباء بلندن وجلاسجو

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

نشر في العدد 3

214

الثلاثاء 31-مارس-1970

مشاريع كثيرة، ولكن !!

نشر في العدد 1

846

الثلاثاء 17-مارس-1970

لقد كنت زوجة كحوليَّة

نشر في العدد 6

58

الثلاثاء 21-أبريل-1970

الخمر