; الديمقراطية المقلوبة والشورى الغائبة | مجلة المجتمع

العنوان الديمقراطية المقلوبة والشورى الغائبة

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1999

مشاهدات 16

نشر في العدد 1350

نشر في الصفحة 9

الثلاثاء 18-مايو-1999

رأي المجتمع

لماذا تعمل الديمقراطية، في معظم البلدان العربية والإسلامية بطريقة مقلوبة إن الإجابة عن هذا السؤال يجب أن تسبقها إجابة عن سؤال آخر هو متى وتحت أي ظروف تبدأ الديمقراطية في العمل بالمقلوب، وتأتي بعكس المطلوب؟ 

إن أساس ذلك هو تركز السلطة الفعلية في يد حاكم دكتاتوري متسلط غالبًا ما يقفز إلى الحكم بانقلاب عسكري وتكون التعددية الحزبية مجرد ديكور للزينة، وتتضاءل الفواصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، ويكون كل منها مرادفًا للآخر، وتتحول الانتخابات في غالب الأحيان إلى مهرجان لبيع. الضمائر، وشراء الذمم، والتنابذ بالألقاب، والتفاخر بالأنساب وتكون حرية الناخب في اختيار من يمثله أو ينوب عنه مجرد شعار مفرغ من مضمونه. 

ويتحول البرلمان المنتخب من ناطق باسم الشعب ومدافع عن مصالحه ومعبر عن طموحاته إلى مجمع للخدمات وتنفيذ الرغبات الخاصة، ووسيلة لقضاء الحاجات وتبادل المنافع الشخصية وساحة الممارسة المنازعات وتصفية الحسابات وإهدار المصالح العامة للمجتمع، ويتحول البرلمان في معظم الأقطار من معبر عن الإرادة العامة للشعب إلى صوت لإرادة الحاكم. 

وتبدأ الديمقراطية في العمل بالمقلوب عندما يتوقف التداول على السلطة، ويدعى حزب، أو حكومة أن بقاءه في السلطة يساوي بقاء المجتمع، وأن نزوله عن كرسي الحكم مرادف لفناء المجتمع وزواله من الوجود، وعندما يتجمد النظام وتتكلس مؤسساته وتعجز عن استيعاب القوى الاجتماعية الجديدة داخل النظام نفسه بطريقة سليمة وبدون اللجوء إلى أساليب العنف، أو الإقصاء، أو الاحتكار. وعندما تكون الحريات العامة التي يضمنها الشرع والدستور والقانون مجرد حبر على ورق - أو تصير -على العكس من ذلك- سبيلًا إلى الفوضى وانتهاك الحرمات، وعندما يكون هناك قانون عادل ولكنه يطبق بطريقة ظالمة، أو يتم تجاهل قواعده وأحكامه وتطبق بدلًا منها قواعد أخرى تقلب الحق باطلًا والباطل حقًا.

وتبدأ الديمقراطية في العمل بالمقلوب عندما ينص القانون على احترام رأي الأغلبية، بينما تكون الممارسة الفعلية ترجمة لآراء جماعات الضغط وتلبية لمصالحها، ففي هذه الحالة تكون الأغلبية الظاهرة مصنوعة، بينما بين تكون الأغلبية الحقيقية صامتة وغير مؤثرة في صنع قرار أو في إصدار قانون، أو في اتخاذ موقف، وعندما تكون الخدمات الحكومية التي تمولها موارد الدولة وأموال الرسوم والضرائب ليست إلا وسيلة للقمع والانتهاك المنظم أو العشوائي لحقوق الإنسان وعدم احترام آدميته وكرامته وعندما تصير السجون والمعتقلات أكثر عددًا وأوسع استيعابًا من الجامعات ومعاهد التعليم وعندما يتم حرمان المواطن من حق التقاضي أمام قاضيه الطبيعي ويحال المدنيون إلى المحاكم العسكرية حيث لا يتمكنون من الدفاع عن أنفسهم ولا يملكون استئناف الأحكام التي تصدر بحقهم. ولا معنى للديمقراطية إذا انتشر الفساد وانعدمت المحاسبة وتآكلت الرقابة وظل الفاسدون المفسدون طليقي السراح وبقوا في مأمن من العقاب، وإذا تمت محاسبة صغار الفسدة وأعفي كبارهم، وإذا عوقب ضعفاؤهم واستثني أقوياؤهم. 

وتعمل الديمقراطية بالمقلوب وتؤدي عكس المطلوب إذا تجاوزت ثوابت المجتمع، ولم تقم وزنًا لقيمه وأخلاقه وعقيدته، وإذا أسهمت في استبدال الثقافة الأصيلة أو تشويهها، وأحلت محلها ثقافة أخرى دخيلة، وإذا اتخذها ذوو الأهواء والأفكار الضالة مطية لإشاعة قيم الانحلال والإلحاد والإباحية.

إذا حدث ما سبق، أو بعض مما سبق فلن يخفى علينا حينئذ أن ذاك بلد ديمقراطيته مقلوبة وشعاراته معكوسة، وأقواله خلاف أفعاله، ويومه أسوأ من أمسه، وغده أسوأ من يومه، وتراه يسير إلى الوراء هو وأمثاله، بينما الدنيا تتقدم إلى الأمام الحرية في ظله تأتي على سبيل الاستثناء، بينما الاستبداد هو أصله الثابت.

ولكن قد يسأل سائل فيقول: إذا كانت تلك هي حالة الديمقراطية في معظم بلداننا العربية والإسلامية التي تقول إنها تأخذ بالنظام الديمقراطي، فهل لها من علاج؟! 

لقد وفدت فكرة الديمقراطية إلى مجتمعاتنا العربية والإسلامية منذ أكثر من مائة سنة مضت فلم تصادف فراغًا فكريًا بل دخلت أو أدخلت على بناء فكري موجود وتراث إسلامي أصيل يقدر الشورى الحقة ويعتمدها ما وجد إلى ذلك سبيلًا، وقد اهتم رواد الإصلاح الإسلامي وقادة النهضة والتجديد بتقديم الاجتهادات الشرعية من أجل إحياء عناصر القوة والحيوية اللازمة لنهضة الأمة والتحذير من الاستبداد والدعوة إلى توسيع قاعدة الشورى والاستشارة، ولكن علة العلل في بلادنا أن الديمقراطية مقلوبة والشورى غائبة.. وبين هذين الحالين يتخبط معظم الحكومات وتضيع حقوق العباد، ولن ينصلح الأمر طالما بقيت الديمقراطية مقلوبة والشورى غائبة..

 

الرابط المختصر :