العنوان الرجعية والتقدمية بَين الإسْلام وخصومْه - (1)
الكاتب الأستاذ يوسف العظم
تاريخ النشر الثلاثاء 23-يونيو-1970
مشاهدات 18
نشر في العدد 15
نشر في الصفحة 9

الثلاثاء 23-يونيو-1970
الرجعية والتقدمية بَين الإسْلام وخصومْه
● الرجعيَّة إنسانيًا: تلكَ التي تمتهن كرامَة الإنسَان
● الرجعيَّة اقتصَاديًا: تلكَ التي تستغل جَهدَ الإنسَان
● الرجعَّية اجتماعَّيًا: تلك التي تدفع بالإنسان إلى حياة الغاب من جديد
● الرجعية علميًا: تلك التي تحارب العلم وَتدعو إلىَ الجَهالة
● يتمثل ذلك كله.. في التَمييز العنصري البغيض وإبَادة الشعوب وَممَارسة الجنس عَلى قارعَة الطَريق
● الإسلام رافع رايَة التقدم.. وَخصومه أقزام في كهوف الرَجعيَة متخلفون
بقلم الأستاذ يوسف العظم
الرجعية.. والتقدمية
ظلت أبواق الإعلام العربي المنهزم تردد هاتين الكلمتين في غير وعي ولا تبصر، وازدحمت في الأذن العربية تعابير غير محددة المعنى وألفاظ غير مفهومة الدلالة تكال لهذا مدحًا ولذاك قدحًا، ومن الإنصاف لعقولنا وللعقل العربي المتخبط في خضم الاتهامات، بل من الإنصاف للكلمتين التائهتين على غير هدى في دنيا الإعلام العربي أن نحدد مفهوم كل منهما وأن نناقش هذا المفهوم بأسلوب لغوي علمي مدروس وطريقة موضوعية واعية.
· الرجعية مصدر صناعي من الرجوع.
· والتقدمية مصدر صناعي من التقدم.
والرجوع إلى الوراء زمانًا أو مكانًا، لا عيب فيه ولا منقصة إن كان في الأمر رجوع إلى خير وتحيز إلى حق وتلاحم مع الجسد الإسلامي المتين والفكر الإسلامي النير.
إن رجوع المسلمين إلى عهد كانوا فيه قادة فكر ورواد حضارة لا يمكن لمنصف أخلاقي في الحكم أن يتهمهم فيه بالرجعية، ورجوع رجل خطوة أو أكثر عن حفرة في الطريق يتقي السقوط فيها لا يعد إلا تعقلًا وحسن تدبر.
ونظرة بسيطة إلى العهد الذي كان فيه الرسول الأعظم عليه السلام بإنسانيته الفذة وخلقه الأكمل وتواضعه الجم وقيادته الحكيمة، أو نقلة سريعة إلى عصر كان فيه عمر قمة في نصاعة الحكم ونزاهة القصد وشرف الرعاية للجماهير، أو إطلالة عبر التاريخ لعصر عمر بن عبد العزيز وقضائه على الفقر في أول مجتمع إنساني لم يكن فيه فقير واحد، أو إمعان للنظر في العصر الذهبي الزاهر علمًا وأدبًا في عهد المأمون، أو فيما بلغه الفن المعماري والذوق الهندسي في الأندلس، أو تصفح للسطور الخالدة التي تشكل ملحمة البطولة في عصر صلاح الدين وغير ذلك مما لا تأتي عليه صفحات أو تستوعبه كتب في شتى مجالات الفكر والأدب والعلم والحضارة، كل ذلك أمور من الطبيعي أن تشـد الجماهير المسلمة والشعوب المؤمنة والأمة الموحدة التي وجدت نفسها محاطة بالعدو-على تباين صوره واختلاف أشكاله- وإن تحرك في النفوس الشوق إلى الرجوع والتطلع إلى الوراء المشرق لصنع فجر مستقبل جديد يلتقي فيه الورع بالعلم والأدب بالتضحية وأساليب الحكم العف بأنظمة الجندية الواعية في إطار حضاري متكامل يرفض كل التسول والاستجداء على موائد الباحثين عن العقل العربي لاستغلاله والقلب المسلم لإذلاله.
وقد يقف من يقول: هذه مغالطة لغوية لم تكن لنعنيها ونحن نطلق كلمة الرجعية.
وكل الذي نعنيه:
· الرجعية إنسانيًا تلك التي تمتهن كرامة الإنسان.
· والرجعية اقتصاديًا، تلك التي تستغل جهد الإنسان.
· والرجعية اجتماعيًا، تلك التي تدفع بالإنسان إلى حياة الغاب من جديد.
· والرجعية علميًا، تلك التي تحارب العلم وتدعو إلى الجهالة.
*ومع رفضنا للجانب الأول من الرد إذ إن «المنهزمين» يعنون بالرجعية الرجوع إلى الوراء أربعة عشر قرنًا ويزعمون أن المطالبة بحكم الإسلام مطالبة بتحكيم أنظمة متخلفة مضى عهدها وانقضى.
قال عليه السلام «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت» (1)
*مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقود جيش المسلمين إلى مكة بكلبة ترضع صغارها فأمر رجلًا من أصحابه أن يقف بجانبها يمنع الناس من التعرض إليها فظل الرجل واقفًا حتى مر الجيش كله دون أن
يصيبها أحد بأذى. (۲)
*كان النبي عليه السلام وأصحابه في سفر فأخذ أحد المسلمين عصفورين صغيرين من عشهما فصارت أمهما تحوم وترفرف بجناحيها حول النبي وأصحابه فقال عليه السلام: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها (3).
*عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على حمار قد وسم وجهه فقال: لعن الله من فعل هذا. أو ليس قد نهيت عن هذا؟ وفي رواية: لعن الله الذي وسمه. وفي رواية: نهى عن الضرب في الوجه والوسم فيه. (٤)
ويبلغ الذوق والرفق مستوى يضع الأمة المسلمة بقيمها الحضارية في موضع لا تعلوه أمة حيث يوصي الرسول الكريم وأصحابه البررة بكل ما يعود على الأمة بالخير وما يضيف إلى جمال الإنسانية وسيادة البشرية لبنة صالحة أو لمسة فنية رائعة في لوحة الكون الكبير: «عن جرير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يحرم الرفق يحرم الخير (1).
ولا يقف الرفق عند حد معين أو يقتصر على أمر دون سواه، بل نرى الإسلام يرفع من مكانة الرفق حتى يعده أساسًا من أسس التعامل في الحياة اليومية ليكون المجتمع الإسلامي أرفع مثل للمجتمع المتين الذي يفيض بالخير والجمال وصالح العمل. وإنه ليعتبر الحياة بلا رفق خاوية لا خير فيها ولا نفع ولا عطاء: «عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه (۲).
«وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سراه ((3).
(۱) رواه مسلم (۲) رواه مسلم (۳) رواه مسلم.
وهو قول يؤدي بنا إلى القول إن ماركس سيصير يومًا ويؤول في نظر المنطق الماركسي رجعيًا بالي التفكير عتيق الرأي لا يساير التطور الحضاري المتبدل بين يوم وليلة وآن وآن وذاك لنرى منطق القديم والجديد الذي به يؤمنون.
وإلا فما معنى أن يؤمنوا بخلود فكر دون فكر وتقدمية إنسان وتخلف غيره مع أن سنة الفناء وقانون البلي يلحق بالخلق أجمعين؟
وعلى الرغم من ذلك فإننا نحب أن نناقش الرجعية بكل مفاهيمها لنرى أنها لا تنطبق على غير«المنهزمين» أنفسهم في أكثر من معنى وأكثر من میدان:
· الرجعية إنسانيًا.
مرفوض أن يوصم بها دعاة المساواة الحقة بين بلال وعلي، وصهيب وأبي بكر، وسليمان وعمر، مرفوض عقلًا ونقلًا ومنطقًا وخلقًا أن يميز فريق من أبناء عصر التمييز العنصري الذين يمتهنون كرامة الإنسان للونه أو جنسه ليصموا دعاة الأخوة الصادقة بالتخلف، وإسلامهم يدعو إلى أسمى مستوى من مستويات التفكير الإنساني السوي الشامخ، إن كل مفاهيم الديمقراطية -شرقيها وغربيها- لا يمكن أن تنحني في ذهول عند موقف لعمر يأمر فيه بلال الحبشي أن يطأ بقدمه خد الصحابي أبي ذر لأنه عيره بقوله: يا ابن السوداء أليس من تكريم الإنسان أن تقوم المساواة في المنشأ والمصير بين الرجل والمرأة والأبيض والأسود والغني والفقير في حدود إطار واحد ومقياس لا يتبدل بتبدل الحكام وأصحاب النفوذ ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13)
ومن خلال «أتقاكم» تلك يستطيع المسلم أن يبلغ قمة القمم في السياسة والحكم والعلم، والمعرفة، والقضاء، والعدالة.
أية قمة من قمم التفكير السوي تؤكد أن «اللون» لا قيمة له في ميزان التقييم الإنساني ولا وزن له عند الحكم على إنسانية الإنسان مثل دين الإسلام الذي يقول نبيه: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود أو أحمر إلا بالتقوى».
والتقوى عمل الصالحات وخدمة الناس والبر بالخلق، فالمسلم من سلم الناس من يده ولسانه والخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أبرهم بعياله، أي نظام في الكون مثل الإسلام وقبله لا ينسى في زحمة القتال وضرام المعركة ضعف الشيخوخة وبراءة الطفولة ورقة الأنوثة وتقوى النساك فينهي عن قتل الشيخ والطفل والمرأة ومن أقبل على الله يعبده ويرجو رضاه، بل أي فكر أسمى من فكر يرفق بالحيوان رفقًا ما زالت البشرية تسعى لتبلغ جانبًا منه
فلا ترقى مرتقاه.
· الرجعية اقتصاديًا.
ليس من العدل أن يوصم بها الإسلام الذي يدعو إلى توزيع الثروة توزيعًا عادلًا وينصف العامل والفلاح ويدعو إلى إشراكهم في الأرباح ويعتبر أن المال مال الله وإن الناس مستخلفون فيه. يتصرفون به تصرف الحارس الأمين في حدود شرع الله وتقوى المؤمن الذي لا يبطر ولا يبذر ولا يستهين بكرامة أخيه الإنسان وأننا لنرى عددًا من دعاة الإسلام في العصر الحديث كان يطالب بحقوق العمال والفلاحين في بلد كان العامل فيه لا وزن له وكان الفلاح فيه أقرب إلى رقيق الأرض:
يروي شاهد عيان في مديرية كفر الشيخ «في المملكة المصرية من قبل» أن سيارات كبيرة مرت يومًا تحمل عددًا من الشباب الواعي والدعاة إلى الله وقد ثبت فوق كل سيارة مكبر صوت يملأ الدنيا دعوة صريحة معلنة حق الفلاحين في خيرات أراضيهم وكان ذلك بعد توعية شاملة سرت في أوساط الفلاحين تعلن حق الفلاح في الأرض ورأي الإسلام الذي سبق نظم اليوم البراقة معلنًا «أن الأرض لمن زرعها»
وكان ذلك أحد الأسباب التي أدت إلى حل الجماعة المسلمة التي تدعو إلى الله على بصيرة عام ١٩٤٨ بتهمة تحريض العمال والفلاحين وكان في طليعة المعتقلين يومئذ الأخوان المجاهدان عبد العزيز شاهين ومحمد عامر.
وفي شربين حيث تقع أكبر مزرعة لأکبر إقطاعي مصري يومئذ «البدراوي عاشور» وقف الدعاة إلى الله يطالبون بحق الفلاح في أرضه وبصورة منظمة قوية ليعقب ذلك انطلاق الرصاص الإقطاعي من كل جانب على الدعاة إلى الإسلام وتحكيمه في الأرض ليروي التراب يومئذ دم أول شهيد في المعركة العمالية الإسلامية «الشهيد عواد».
إن جميع ما أصاب «الإسلاميين» من أذى وما ألحق بهم من تهم باطلة لم يكن بينها أبدًا - حتى من خصومهم الذين قدموهم إلى محاكم شكلية زائفة- إن في أولئك «الإسلاميين» أصحاب إقطاعيات ضخمة أو مزارع كبرى كتلك التي كانت للوزراء وأصحاب النفوذ من حكام مصر أو إقطاعييها ممن صودرت أموالهم وسلبت أراضيهم.
إن نظرة عميقة ومسحًا بشريًا لقطاعات «الإسلاميين» المتعددة تؤكد أنهم حركة انبثقت من صميم الشعب وأنهم كانوا في واد وكان أصحاب النفوذ المالي والجاه الإقطاعي في واد آخر. إنهم يمثلون الفئة الكادحة العاملة في الحقول والمصانع أصدق تمثيل بالإضافة إلى قطاع صغار الموظفين والجيل المثقف الصاعد. لقد وقفت «يهودية تقدمية» يومًا في الجامعة الأمريكية في القاهرة تهاجم «الإسلاميين» بوحي من «تقدمي الجامعة الأمريكية» على إثر مقال نشرته جريدة «الإسلاميين» تصف الجامعة الأمريكية في ميدان التحرير بأنها ثعبان يتمطى في قلب القاهرة.
وكانت تهمة اليهودية التقدمية وبصوت حاقد مرتعش: «من هم هؤلاء الذين يهاجمون قلعة الثقافة التقدمية، إنهم مجموعة كبيرة من البوابين والفلاحين والعمال الفقراء، ولقيت اليهودية يومئذ من يرد عليها ويفهمها دور أولئك الفلاحين الفقراء في بعث التراث وإحياء روح الكرامة المهدورة في الشعب المصري المعذب المنكود.
البقية في العدد القادم
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
