العنوان الرحلة الأخيرة للشيخ السيد نوح
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر السبت 25-أغسطس-2007
مشاهدات 10
نشر في العدد 1766
نشر في الصفحة 44
السبت 25-أغسطس-2007
قضى الله أمره، واستكمل العبد أجله، وقلنا: إنّا لله وإنا إليه راجعون، مضى العبد الصالح الشيخ السيد محمد نوح إلى دار الخلود، في رحلة لا يعود منها المسافر ولا يؤوب.
مضى الشيخ السيد إلى ربه راضيًا مرضيًا، وترك لَوعةً في قلوب أهله ومحبيه وعارفيه، وإنَّه ليومٌ لهجتْ به أفئدة والسنة بالدعاء له والاستغفار، فهنيئًا لذلك العبد في ذلك اليوم، منذ أن جاء الخبر والأقلام تتبارى في ذكره، وتشيد بمناقبه، وتستذكر أيامه وساعاته، ومجالسه ولقاءاته.
كان الشيخ يغشى المجالس فيكون حديثه القرآن وعظمة القرآن، ونعمة القرآن على العباد، ويطوف منازل إخوانه وأحبابه فيحدثهم حدیث رسول صلى الله عليه وسلم وفضل الحديث الشريف، ويُدعى إلى ندوة فيفيض في سيرة النبي الخاتم، وتتألق كلماته وهو يرنو ببصره إلى النور الزكي وسيرته العطرة، ويدخل قاعة الدرس فإذا أبناؤه وبناته من طلبة العلم قد استحضروا عقولهم وقلوبهم لسماع درسه ومناقشته، واستمطار علمه.
ويلج جهة لقضاء مصلحة تخصُّه فيبادر إليه من يراه ليسأله في مسألةٍ فقهية، فلا يبخل بما حباه الله به من علم، فيبسط القول ويطويه حتى يشعر أن سائله قد قضى نهمته مما يريد.
رحم الله الشيخ السيد نوح، فقد كان- كما عرفناه عن قرب وألفناه- محبًا للخير، باذلًا نفسه في سبيل دينه أين توجَّه أو سار، وكان مبادرًا إلى البذل إذا ألمَّت بالمسلمين نازلة، فكان يسعى قدر استطاعته، يتعرف حقيقة الموقف وجلية الأمر، ثم يعزم ويتوكل على الله في مناشدة الخيرين ممن يثق في نصرتهم، والناس لا يترددون إن دعاهم، فكم شهدنا له من مواقف سُطِّرت له في كتابه الذي يلقاه منشورًا بإذن ربه.
كانت حياته تقوم على استثمار الوقت في صالح الإسلام ومصالح المسلمين.. يظل مهمومًا إن ألمَّت بالمسلمين مَلمَّة، أو نزلت بهم نازلة ويلتمس السبيل للنصرة.
كان يعد ساعات الليل والنهار قليلة، والواجبات كثيرة، ولابد من مضاعفة الجهد حتى يتحقق القليل من هذه الواجبات.
في بيته امرأةٌ صابرة، ترعى رعيَّته، وتقوم على رعايته، وتقدر ما يقوم به، مع حاجتها إلى وجوده مدة أطول، فالحمل ثقيل والكاهل كليل، فأبناؤه كُثُر، يراهم جنود الإسلام ويراها حامية هذه الجندية، فيخفِّف عنها ما تتعلم منه من الصبر والدعاء، ورفع الأكف إلى السماء؛ طلبًا لعون البارئ في سداد القصد، واحتساب النية.
كان الشيخ السيد- يرحمه الله- لا يضيعُ فرصة من ساعات يومه وليله إلا وتكون قسمة بينه وبين إخوانه، فبينما يخصِّص وقتًا معلومًا من هذه الساعات لورده اليومي من القرآن الكريم وهو قراءة خمسة أجزاء، إذ تعنِ له دعوة محتاج يسعى فيها ليقضي له طلبه، أو يسرع لتلبية دعوة أخ له دعاه إلى فرح، فيجلس متحدثًا ومذكرًا بنعمة الله على عباده، أو يمر على صديق قد فقد عزيزًا فإذا هو يجلي صدأ القلوب بما يستحضر من لآلئ القرآن وفوائد القول من حديث المصطفى عليه السلام، فتجد القلوب في حديثه عزاء وسلوى.
كل من اتصل به يعرف من أحواله ما يملأ مجلدات لو دوِّنتْ وكُتبت، وأظن أنَّ الحديث عن سيرته سيمتد، وسيعرف الناس من خفايا حياته ما كان يحب أن يظل طي الكتمان، لأنَّه يبتغي به ثواب الآخرة، ولكن في حياة السَّلف للخلف عظة، وفي سير المصلحين للتالين عبرة، فلا بدَّ أن تُروى هذه العظات والعبر.
عندما عاد من رحلة علاجه التي تمّ فيها زرع الكبد، أردنا أن نحتفل بمقدمه ونهنِّئه بسلامة العودة ونجاح العملية، فحضر متعبًا مرهقًا، وكان الوعد بيننا أن يجلس ساعةً أو أقلّ من الساعة، لكنّه لما رأى حفاوة الحضور به تكلم عن عودته إلى الحياة كما وصفها، وشكر الله عز وجل أن مد في عمره ليقوم ببعض الواجب نحو دينه وأمته.
واصطلحتْ الاسقام على جسده الواهن الضعيف، لكن إيمانه ما ونى، ويقينه بربه كان يزداد كلما فتح عينيه بعد إغماض، وهمَّته العالية لا تقعد به عن عمل وهو يستطيع النهوض، ولم يتحمل الجسد هذه الأعباء فكان لا بدّ مما ليس منه بد، وكانتْ بضعة أيام فاصلة بين الدنيا والآخرة، لينتقل إلى دار البقاء والخلود.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
المجتمع تلتقي بالشيخ: محمد بن سليمان الجراح- آخرُ علماءِ الكويت الكبار- قُبِيِلَ وَفَاَتِهِ
نشر في العدد 1220
7
الثلاثاء 08-أكتوبر-1996