; السبيل.. إلى أقوم سبيل | مجلة المجتمع

العنوان السبيل.. إلى أقوم سبيل

الكاتب هاني موسي حداد

تاريخ النشر الثلاثاء 19-يوليو-1977

مشاهدات 24

نشر في العدد 359

نشر في الصفحة 35

الثلاثاء 19-يوليو-1977

 اكتشف العلماء أن الأرض كانت جزءًا من السماء ثم انفصلت عنها، كما اكتشف العلماء أن الشمس والقمر والأرض من أصل واحد وهو السديم، فمن يا ترى الذي أوجد هذا السديم، تلك الكواكب من شمس وقمر، وما عليها من مخلوقات؟ أهو العدم؟ أم الطبيعة والتفاعلات الكيماوية؟ أما الصدفة أم ماذا؟

لنناقش هذه الاحتمالات واحدًا، واحدًا، ولنأتي إلى العدم، أولًا أن الإنسان العاقل يؤمن بأن العدم لا يفعل، أو يقدر على ما فعل أي شيء، فهل أوجد العدم الطائرات والصواريخ والمصانع والناس؟ وهل يمكن لعدم أن يوجد أحياء كالناس والحيوانات والنبات، وهو عدم؟﴿ مْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ(الطور: 35). إن من يؤمن بهذا المنطق الأعوج نوجه إليه سؤالًا آخر ليجيب بنفسه عليه: هل سمعت يومًا أن الساعة التي بيدك أوجدت لك إنسانًا؟ هل سمعت يومًا أن مركبة تسير بالشارع أقامت مصنعًا للكبريت مثلًا، وركبت أجزاءه وبدأ المصنع ينتج ويصدر؟ 

إن أجاب بنعم، فهو لا شك مجنون، وإن كان عاقلًا فلا بد أن يؤمن بأن هذا الكون لا بد له من موجود انطلاقًا من القاعدة العقلية القائلة بأن لكل فعل فاعلًا، ولكل سبب مسببًا.

فهل يمكن أن يكون هذا الموجد هو الطبيعة؟ وما هي الطبيعة؟ إنها المخلوقات بما جعل الله فيها من صفات ومميزات فهل يمكن للطبيعة التي تفتقر إلى العقل والإدراك والحكمة أن توجد إنسانًا ذا عقل وحكمة وإدراك، مع أن فاقد الشيء لا يعطيه؟ 

وكيف يمكن للطبيعة البليدة التي تفتقر إلى التدبير والإرادة؟ أن توجد نظامًا متوازنًا وناموسًا عجيبًا يسير هذا الكون بما فيه من شموس وأقمار وكواكب ومخلوقات، ولكن قد يقول معاند أن الطبيعة عاقلة مدبرة حكيمة، ونحن نقول أنك تسميها طبيعة لأنك تجهلها. ونحن نسميها الله ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (الأعراف: 180). 

وهناك من الملحدين من يدعي أن يكون الكون نتج عن تفاعلات كيماوية، ونحن نقول لهؤلاء أنه لا بد للتفاعلات الكيماوية من عناصر للتفاعلات. فمن أين أتت لعناصر وما أصلها وماذا كانت؟ وكيف تكونت؟ ومن أين لها بالظروف الكيماوية لكي تكون أصلًا؟ ثم لنفرض أنها كانت متوفرة وهذا مستحيل لأنه لا بد لكل موجود من موجد، فكيف تهيأت لها ظروف التفاعل من ضغط وحرارة وغيرها؟ ومن أين أتت العوامل المساعدة للتفاعل؟ من العدم؟ ادعاء مدحوض، من الطبيعة؟سخرية وجنون، إذن من أين؟ ولنفرض جدلًا أن كل هذه الأمور والظروف كانت متوفرة، فبربكم، من يصدق أن المطاط، والحديد والزجاج قد اتحد بعضه مع بعض ليكون سيارة بشكل متناسق؟ وبعضهم يسول له شيطانه أن هذا الكون وجد مصادفة.

 إن احتمال الصدفة ضعيف جدًا، فقد قام العالم الرياضي «تشارلز يوجين جاي» بدراسة ذلك، فوجد أن الفرصة لا تتهيأ عن طريق المصادفة لتكوين جزء بروتيني واحد، إلا بنسبة 1. 

فكيف بالله تم تكوين البلايين البلايين أو ذلك العدد اللا نهائي من الجزيئاتالذي نراه في هذا الكون؟ ثم من يصدق أن الجزيئات اتحدت مع بعضها صدفة لتكون إنسانًا، ثم تكون إنسانًا آخر مشابهًا للأول تمامًا، العين بالوجه، وليست بأخمص القدمين، والأنف بالوجه، وليس باليدين، والأصابع باليدين، وليست بالظهر، ثم تكون إنسانًا آخر مشابهًا للاثنين السابقين؟ وهل هي الصدفة التي أوجدت هذه الأشياء من نفس المواد المعقدة التركيب وبنفس النسب، وتكون آلاف بل بلايين من هؤلاء البشر على نوعين اثنين فقط؟ وهل هي الصدفة التي ربطت هذين النوعين برباط قوي؟ 

أي صدفة هذه التي تدعون؟ إن هذه الأشياء لا يمكن أن تصدق من قبل الأطفال الصغار لأنها تعتبر خرافات بالنسبة لعقولهم، لأنها ذات فطرة سليمة، ولا تعتريها أية شوائب أوأهواء. 

إذن، أيها القارئ الكريم.. إن العدم والطبيعة وتفاعلاتها الكيماوية والصدفة لا يمكن أن تخلق هذا الكون، طبقًا للقاعدة العقلية القائلة «ليس الفاعل من لا يملك القدرة على الفعل».

ثمإننا نقول لهؤلاء الملحدين إن المصنوع مرآة لصانعه، وإن المخلوق مرآة لقدرات خالقه، فمثلًا لونظرنا إلى نظارة طبية، وتأملنا بها جيدًا لاستنتجنا شيئًا من قدرات صانعها ولعرفنا بعض صفاته، فهو بلا شك عاقل غير مجنون، وأن له القدرة على تحديد مقاس الزجاج تمامًا بما يتناسب مع الإطار الخارجي كما وأن له القدرة على تشكيل الزجاج بالمقاس البصري الذي حدده أخصائي العيون، وله القدرة أيضًا على تشكيل الإطار الخارجي بشكل متناسق.

ولو نظرنا إلى هذا الكون وتأملنا به ساعة واحدة وتركنا للعقل حريته يفكر في السماء كيف رفعت والجبال كيف أرسيت لتثبت الأرض والبحار كيف امتدت، وكيف أوجدت الشمس بنظامهاالمتزن الغريب ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ (ق: 6:8). 

ولو تأملنا في الفصول الأربعة، كيف وزعت؟ وماذا يحدث لو اختلف التوزيع والترتيب؟ لو نظرنا إلى أنفسنا وتأملنا بها ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (الذاريات: 21) لوجدنا بها العجائب، فيد الإنسان -كما تقول مجلة العلوم الإنجليزية - لا يمكن أن تبتكر آلة تضارعها من حيث البساطة وسرعة التكيف، كما وأن في الأذن الوسطى وحدها سلسلة من نحو 4 آلاف قوس أو حنية دقيقة ومعقدة، ومنظمة بشكل يدعو للعجب، ثمإن العين تحتوي على 130 مليونًا من مستقبلات الضوء، كذلك مراحل التكوين البشري، سواء ما قبل الولادة وما بعدهاما يدعو للإعجاب والتسبيح للخالق العظيم، فمثلًا ماذا يحدث لو أن الخلية المكلفة بصنع العين، ذهبت إلى الساق لتصنع عينًا هناك ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ(النمل: 88)، أليست كل هذه الأشياء تدل على أنموجد و خالق هذا الكون، عالم قدير حكيم، مدبر دائم، انطلاقا من القاعدة الأنفة «المصنوع مرآة لقدرات صانعه».

إن موجد هذا الكون وخالقه ليس كما يدعي الإلحاديون من مسميات زائفة، إنما هو الله الأحد الذي لا ثاني له ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ (الأنبياء: 22)، ولذهبكل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض، إنه الله، المالك المتصرف، القاهر الجبار العزيز الغفار الرحمن الرحيم. 

ولكن كيف للإنسان أن يتعرف على هذا الخالق وصفاته وكيفية شكره؟ 

إن الله قد وفر على هذا المخلوق الكثير من الجهد، وأراح عقولًا من عناء العبث والبحث في هذا الكون، فأرسل ما بين الناس من يعرفهم بالله، وأوامره ونهيه، وهم الرسل، وكل رسول يحمل هوية شخصية ربانية تثبت أنه رسول تكون بمثابة معجزات لبني قومه، وكانت آخر بطاقة مع أعظم رجل جاء بمعجزة باقية، ما دام على الأرض حياة للناس. 

إنه الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم-، أرسله الله للناس جميعًا بالقرآن، كدستور حياتهم، مضمون مكفول إلى يوم البعث، وقد صلح تطبيقه بشكل يدعو للغرابة. ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر: 8).

أيها القارئ الكريم، إنه من الطبيعي أصلًا أن نشكر كل من قدم لنا خدمة، أو ساعدنا في حل مشكلة، وخفف عناآلامًا مرضية، أو قدم لنا معونة أو.. أو.. أو إلى غير ذلك من الأمور، فكيف لا نشكر الله ونطيعه، وهو الذي أنعم علينا بكثير من النعم التي لا نشعر بأهميتها إلا إذا فقد بعضها، فمنها أن شرفنا الله إن كنا عبيدًا له من بني البشر، ولم يخلقنا حيوانات، ومنها أننا سليمو الأبدان من الأمراض والعلل. 

تذكر - أخي الكريم - كيف يكون حالك؟ لو فقدت بصرك، تذكر كيف يكون حالك،لو فقدت إحدى يديك أو كليهما، كيف تكون، لو أصبحت مقعدًا لا تستطيع الخروج من بيتك، ويقوم على خدمتك نفر من أهلك ويمنون عليك أحيانًا، ولا يلبون طلباتك أحيانًا أخرى، بل قد يجرحونك بكلماتهم، وغير ذلك كثير من النعم التي يتسع المقام لذكرها.

 ولقد علم الله بنا ضعفًا في البحث عن طريق شكره فرسم لنا الطريق واضحًا، وهذه نعمة أخرى.

نماذج من تعنت الملحدين

وبرغم من ذلك كله نجد عنادًا غريبًا من الملحدين ﴿وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُۥ وَلَّوْاْ عَلَىٰٓ أَدْبَٰرِهِمْ نُفُورًا (الإسراء: 46).

وإليك يا أخي الكريم نماذج من تعنتهم:

1- نجدهم يلجأون إلى وسائل خبيثة لتلبية رغباتهم وشهواتهم في استعباد الشعوب والوصولإلى سلم الزعامة فيلجأون إلى أسئلة تشكيكية في هذا الدين، لأنهم يشعرون بخطره عليهم، فمنهم من يقول أنا لا أؤمن بوجود الله إلا إذا وقف أمام دولتنا الشرعية القوية، أو إلا إذا فعل كذا وكذا... ونحن نقول لذلك الملحد إننا لا نؤمن بوجود روسيا الشيوعية كدولة قوية، إلا إذا اكتسحت العالم، أو نصفه، بما في ذلك أمريكا وبريطانيا خلال عام واحد.

 إن مثل هذا الملحد كمثل من يقول لصانع السيارة: أنا لا أؤمن بأنك صنعت هذه السيارة إلا إذا تفككت أجزاؤها ثم قمت بتركيبها،ثم يقول له آخر: أنا لا أومن بأنك حزت هذه السيارة إلا إذا شاهدتك تبدل مواضع الإطارات بعضها ببعض. وتجعل شكلها كذا وكذا، وتجعل عزمها كذا وكذا... إلخ. 

فإذا كان صنع السيارة عاقلًا ترفع عن تلبية طلبات أولئك المجانين، لأن هذا يعني أنه سيكون تحت تصرفهم وأوامرهم التعجيزية، حتى يؤمنوا بأنه صانع السيارة - ولله المثل الأعلى - فإن الله سبحانه وتعالى يترفع عن استجابة تلك الطلبات السخيفة، وهو غني عن العالمين ولو أن أهل الأرض جميعًا آمنوا ما زاد في ملكه شيء، ولو أن أهل الأرض جميعًا كفروا ما نقص من ملكه شيء.

2- نرى بعضًا يتبجح بدعائه، قائلًا ومن خلق الله؟ ولا يلبث إلا أن يجيب على هذا السؤال بقوله خلق الله خالق آخر، نحن نقول إذا خلق هذا الخالق أيضًا خالقًا جديدًا، وهكذا تستمر هذه السلسلة حتى نصل أخيرًا إلى أن هناك خالقًا خلق الجميع، ولم يخلقه شيء، وهو حقيقة سبحانه وتعالى، وكل هذه الآلهة المفترض جدلًا في هذه السلسلة، زائفة وغير موجودة.

 ولقد تمشينا مع أولئك الملحدين في ادعائهم مع علمنا بحقيقة، بطلانه أصلًا، لأن ما ينطبق على المخلوق لا يمكن أن ينطبق على الخالق، وما ينطبق على المصنوع لا يمكن أن ينطبق على الصانع، فمثلًا الطائرة التي صنعها الإنسان، تحتاج إلى وقود وتشحيم فهل يحتاج الإنسان إلى وقود وتشحيم؟

3- نلحظ بعضهم يهمس في أذنك قائلًا: إن الله خلقني وهو أعلم بما ستؤول إليه نفسه، وكل شيء أفعله بإرادته، فكيف يعذبنيوهو الذي قدر لي ذلك؟

 إن هذا الإنسان لو فكر قليلًا لوجد الحل، فلو قال مدرس لطلابه: إنني سأنجح من أشاء، وأرسب من أشاء، وقال بعد ذلك «إنه لن يرسب إلا من يستحق الرسوب ولن ينجح إلا من استحق النجاح»، فهل في هذين القولين أي تعارض؟

طبعًالا، لأن الأول يفيد بأن المدرس ليس عليه أي سلطة خارجية، فهو مستقل بذاته، ثم الثاني يفيد بأن المدرس عادل لا يظلم أيًا من طلابه، ومع فارق التشبيه، فإن الله يقول ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (القصص: 56)، ويقول ﴿إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (الرعد: 27)

وإليك مثلًا آخر نضربه لتوضيح هذه الحقيقة، كما ساقه صاحب «عقيدة المسلم»:

«هل تعرف ما يفعله الفلاح في حقله؟ إنه يلقى البذرةويتعهده بالسقي وعلى الله الإنبات والإثمار تستطيع أن تسمي الفلاح زارعًا، وأنت صادق - لقيامه بالسبب وتستطيع أن تسمي الحق سبحانه وتعالىزارعًا لقيامه بالعمل».

﴿أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا(الواقعة: 63: 65) فماللإنسان في سعيه، مثل ما للفلاح في زرعه.

 فازرع عمرك -إن شئت- خيرًا، فإن يد القدرة سوف تنميه لك، وردًا يانعًا أو أذرعه، -إن شئت شرًا-، فإن يد القدرة تنمية شوكًا رائعًا.

 ﴿وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون(التوبة: 150). 

إن الزراعة تنسب إلى الفلاح، وتنسب إلى الله، هذا سبب البذر وذلك أساس لإيجاد كما ذكرنا.

 ومن زرع تفاحًا آتاه الله ثمرة شهية ومن زرع شوكًا جنى ماغرس، وأما أن الله عالم بما سيعمل الناس في الدنيا وما يصيرون إليه في الآخرة من ثواب أو عقاب فهذا مما لا شك فيه. 

وأما إن سبق العلم، وهو ما يرغم الناس على العمل بما كتب أزلًا فباطل فإن العلم نور يكشف. وليس قوة ترغم. 

والبشر- من تلقاء أنفسهم- يتوجهون إلى ما يريدون من أهداف. والله يتمم للعبد مراده. 

﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ﴾ (الأنبياء: 47).

4- ولا يقف أولئك الإلحاديون عند حد فيدعون أن الإسلام كان صالحًا في ذلك الزمان، ولقد تقدم العلم هذه الأيام فلم يعد هناك إمكانية لتطبيقه، نقول لهؤلاء: إن الله فطر الناس جميعا منذ آدم إلى يوم البعث على فطرة واحدة﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ (الروم: 30) فالذي كانت تحبه الناس أيام محمد -صلى الله عليه وسلم- من شجاعة وخلق نبيل. وعدل لا يزالون يحبونه، وما كانوا يكرهونه من كذب وظلم وغش، لا يزالون يكرهونه حتى يومنا هذا، وبما أن هذا الدين صلح لتلك النفوس-بشهادة حتى أعداء الإسلام- فيما يصلح لهذه النفوس ما دامت لفطرة واحدة.

لعل هذه بعض الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام، وقد ألف الدعاة إلى الإسلام، كتبًا في الرد على ذلك، نذكر على سبيل المثال كتاب «شبهات حول الإسلام» للداعية المعروف محمد قطب.

 وثمة نقطة مهمة أود الإشارة إليها قبل أن أنتقل إلى بعض المعجزات، وهي التذكير بأن عقل الإنسان قاصر، فهو لا يدرك ما وراء هذه الأفق مثلًا، كما أن أحدًا منا لا يستطيع – لقصر عقله - عنها أن يلاحظ نمو أخيه الذي يعيش معه أوالنبتة التي في حديقته، بينما يلحظ ذلك فيمن غاب عنه سنوات. ولقد وقف العلم عاجزًا عن تفسير بعض الأمور-نذكر على سبيل المثال- مشكلة الما لا نهاية في علم الرياضيات، ودواء السرطان في علم الطب، فكيف بنا نحاول أن نخضع كل شيء لعقولنا؟ 

إن الإسلام دين العدل والمساواة والمحبة والتآلف.. إنه دين الأب والأم والأسرة.. وإنه دين المدرس والطالب.. دين البائع والمشترى دين العامل وصاحب العمل.. بين الحاكم والمحكوم.. دين الفرد والجماعة والمؤسسة والدولة والشعب أجمع. 

قد جاء سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بهذا الدين، وفيه معجزات منها ما حدث في عهده، كحادثة الإسراء والمعراج وحادثة انشقاق القمر. ومنها ما كشفه العلم الحديث، وها أنذا أنقل بعض الآيات القرآنية التي سبقت العلماء في اكتشافاتهم للحقائق العلمية، علمًا بأن العلم لن يستوعب ما في هذه الآيات من أحكام وحقائق، ثم إننا لا نحاول أن نقيد القرآن بالعلم. فالقرآن كتاب الحقائق الخالدة، والعلم مجال المعرفة المتغيرة، وقبل ذلك فالقرآن كتاب هداية وليس كتابًا ومن هذه الآيات والحقائق:

  1. يقول تعالى: ﴿وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (الأنعام: 125) لقد اكتشف الطيارون أنه على ارتفاعات عالية يضيق صدر الإنسان وتتناسب شدة الضيق مع الارتفاع نتيجة لنقص الأكسجين.
  2. يقول تعالى ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة: 222)، فقد كشف الطب الحديث النقاب عن هذا الأذى، فيقول إن الرجل عند مقاربته لزوجته وهي حائض يصاب بالتهابات ناتجة عن الميكروبات والجراثيم، التي يحويها دم المرأة الفاسد.
  3. ويقول تعالى ﴿ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ ٱنظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ(الأنعام: 65) قال بن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية إن الزمان سيفسرها، وفعلًا جاء الزمان ليفسرها، عندما ابتدع الناس عن حقيقة الإسلام وأصبحوا يتخذون القومية والناصرية والشيوعية والبعثية كأديان من دون الإسلام، فحل بهم العذاب. وأرسل الله عليهم سخطه من السماء، ففي الطائرات، وما تحمل من قنابل مدمرة والانفجارات والألغام في البر والبحر، وتعدد الأحزاب في الأسرة الواحدة، مما يدلل على ذلك أن هذا الشيء يسير جدًا بما جاء في كتاب الله والسنة المطهرة مليئة بذلك، نذكر على سبيل المثال، النوم على الشق الأيمن، واستعمال السواك، وثبوت فائدتهما طبيًا.

 فهل كان محمد صلى الله عليه وسلم طيارًا أم جراحًا عالمًا بشؤون التشريح، حتى يأتي بكل هذا من عنده ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (الرعد: 38).

 وفي الختام فإن الله غني عن العالمين، والمسلم بطبيعته، داعية إلى الله، وكتاب منير يدعو الجميع إلى هذا الدين، أما المعاندون المصرون على كفرهم، والذين اتخذوا طريق الغواية والضلال، ورفضوا الاستجابة لنداء الله، فإن الأولى تركهم، إن لم تنفعهم النصيحة، وإن الأولى عدم إضاعة الوقت، والجهد معهم، كما أن المسلم ليس حريصًا على أن تشهد له تلك الشرذمة الشريرة من البشر بأنه على صواب ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (الرعد: 43).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

   المراجع:

1- سلسلة كتب التوحيد للشيخ عبد المجيد الزنداني.

2- تفسير في ظلال القرآن للشهيد سيد قطب.

3- كتاب الإسلام سعيد حوى.

 4-عقيدة المسلم للشيخ محمد الغزالي.

 

الرابط المختصر :