العنوان السياسة والحكم في الإسلام
الكاتب د عبد الحميد أحمد أبو سليمان
تاريخ النشر الثلاثاء 21-أكتوبر-1975
مشاهدات 48
نشر في العدد 271
نشر في الصفحة 28
الثلاثاء 21-أكتوبر-1975
السياسة والحكم في الإسلام
هذا البحث ليس بحثًا في إجراءات أنظمة الحكم ولا في وضعها وتفاصيلها، ولكنه بحث في القضايا الأساسية في الفكر السياسي والإسلامي وفي منطلقاته، في فلسفة الحكم وذلك لأن سلامة المنطلقات الفكرية ووضوحها وحل معضلاتها هي شرط أساسي سابق لأي بناء أو وصف، وفي الواقع فإن البناء أو الوصف بعد توفر الشروط الأساسية يصبح قضية ممارسة وفنية يسهل القيام بها وأداؤها في واقع الأمة، ولكن يستحيل ذلك ما دامت الأسس والمنطلقات غير واضحة أو مألوفة حيث تتصارع وتتضارب المفاهيم والنظرات ويستحكم خلافها لاختلاف منطلقاتها.
وسنبدأ البحث بالنظر في بعض القضايا المبدئية الهامة وتقريرها قبل أن نبدأ دراستنا الناقدة في حال الفكر الإسلامي المعاصر خاصة في ميدان السياسة، والحكم، وتصور وسائله.
وهذه القضايا التي نود أن نقررها وأن نجعلها نصب أعيننا حين نتصدى للجوانب السلبية في جوانب فكرنا المعاصر بغية ألّا تغيم رؤيتنا وتتضعضع عزيمتنا هي: -
1-سمو قيم الإسلام وكمالها.
2-شمول دين الإسلام وتكامل عقائده.
3- هدف الإسلام إلى الحق والحقيقة الخالصة الأزلية في الكون والحياة.
ومن هنا يتميز عن كافة ضروب الفكر والفلسفات الإنسانية بأنه لا ينطلق من حدود فكر الإنسان وإمكانيات مصادر معرفته المحدودة ولا في حدسه وظنونه وأوهامه أيًّا كانت من باب الشعوذة والخرافة أو من باب الفلسفة والتأمُّلات بل يتميز بأنه لا تحده الأهداف المادية الضيقة التي تسعى إليها وتقتصر عليها كل العقائد التي تستند إلى فكر الإنسان وخاصة الفكر المادي الغربي، فالإسلام وهو وإن حقق للإنسان العدل والإخاء والكرامة فذلك لأنها حق وحقيقة تستوجبها الفطرة السليمة وقوانين الوجود الصالح وذلك ما يفرق الإسلام عن فكر الإنسان الذي قد يتخذ تلك الأهداف غايات تبني النظريات والمذهبيات كمبرر للوصول إلى شيء منها وتحقيقها فيزيف وينتقي مقدمات القضايا بما يقود إلى النتائج المرغوبة، ولذلك ليس عجيبًا أن يكشف كل يوم زيف نظريات وفرضيات ومسلمات في الفكر الغربي ولكن بعد أن تكون قد أدت دورها في المجالات والأهداف التي قامت من أجلها.
ومن هنا فالقيم والتصورات الخيرة في العلاقات الإنسانية في الإسلام هي حقائق وليست أهدافًا أو رغبات أو مطالب، ولذلك كانت تلك القيم وستبقى في لُحمة الإسلام لا يمكن أن تتغير أو أن يتخلى عنها الضمير المسلم الحق، ولذلك فسلامة العلاقات الإنسانية وسموها في الإسلام هي جزء من الحقيقة لا مجرد دعاية أو مطلب ولذلك ما كان للمجتمع المسلم أن يتمكن من الفاعلية والإبداع إذا فسدت علاقات المجمع لأن ذلك ليس فوتًا لكسب أو تحول في طلب إنما يمثل ضياع وانحراف وتدمير للحقيقة التي تقوم عليها السماوات والأرض وكيان البشر.
وهكذا فإنه يجب ألا يغيب عن أعيننا ولو لحظة واحدة أسباب القوة والسمو في كياننا وهي سمو الإسلام وشموله وقصده إلى الحقيقة وكمالها وجمالها في الإنسان والكون وما يربطهم من علاقات وتفاعلات، فما تبقى في نفوسنا من سمو الإسلام وشموله وقصده نحو الحقيقة الأزلية هو ما أبقى على كيان هذه الأمة رغم كل ما ألم بها من هزات وقصور في الوسائل والفكر، ولمحات هذا السمو والشمول هي الصخرة التي استند إليها وما يزال إيمان هذه الأمة وعززت صمودها ويسري بها نور الله في نفوس كثيرة من خلقه في كافة أقطار المعمورة.
أزمة فكر لا أزمة عقيدة:
إذا أسلمنا بتلك الصفات للعقائد والأسس الإسلامية يتبين لنا أن أزمة العالم الإسلامي عند كل منصف عاقل -ليست أزمة عقائد ولا قيم يشهد بذلك تاريخ هذه الأمة وتجارب أبنائها ودعاتها في كيانها وحوارهم وصراعهم مع غيرهم من أتباع شتى الملل والنِّحل والمذاهب وهي كذلك ليست - عند كل ذو عينين- أزمة موارد ولا خامات ولا إمكانيات مادية أو بشرية وهي لذلك لا بد وأنها أزمة فكر وأسلوب يلمسها كل دارس متحقق في فكر المسلمين ونظراتهم في مواجهة تحولات العالم المعاصر وتحدياته.
إن هذا لا يعني سلامة اعتقادات الجماهير التي تمارسها في حياتها اليوم ولكن كل ما يعنيه أن عقائد الإسلام ذاتها سليمة وما زالت كما تلقتها الأمة على عهد النبوة يحويها القرآن والسنة وبذلك فإن الأزمة في مجال العقيدة هي أزمة مفتعلة نتيجة لأزمة حقيقية في الفكر الإسلامي المعاصر في أسلوبه ووسائله فالأزمة هي أزمة أسلوب في الفكر لا محتوى وجوهر في العقائد، ومن هنا فالأزمة الحقيقة التي يجب أن نواجهها هي في مجال أسلوب التفكير الإسلامي ونتائجه حتى نتمكن من وضوح الرؤية العقائدية ونقاء المعتقدات وسلامة الممارسات الإسلامية.
أبعاد أزمة الفكر الإسلامي المعاصر:
وأخطر أبعاد أزمة الفكر الإسلامي المعاصر هي الجزئية التي تقف من وراء أدواء هذا الفكر وقصور أدائه.
ففي مجال موضوع هذه الورقة الذي هو السياسة والحكم لا نجد الفكر الإسلامي يرتفع فيما وراء بعض العناوين إلى مستوى إيجابية التصورات والعقائد الإسلامية، مجال العلاقات الإنسانية ودفعه نحو إقامة الوحدة الإنسانية والارتفاع بها فوق مستوى حواجز اللغة واللسان والعصر واحتواؤها نحو إرساء الحقوق الأساسية للإنسان وقواعد استقرار التنظيم الاجتماعي بقيام نظام الشريعة ومبادئها الدستورية وإجراءاته على أساس الشورى لضمان المصلحة والقناعة في كيان الجماعة فيما وراء الحقوق الأساسية التي تضمنها أصل الشريعة، عوضًا عن ذلك نجد أن الفكر الإسلامي المعاصر غارق في تفاصيل زمانية ومكانية -تكاد تحجب نور رسالة الإسلام وأبعادها المشرقة- مما يخص تجربة الرعيل الأول في الإسلام وتنظيماته ومن ذلك الانشغال البالغ في أمر الشورى هل هي ملزمة أم غير ملزمة هكذا على إطلاقها وكأن الأمور سواء والظروف سواء والمجتمعات والمستويات سواء، لا يفرقون بين الشورى كتيار وطبيعة في الفكر والتنظيم وبين الشورى كإجراءات بعينها في أمر أو آخر يأخذ شكلُا أو آخر يخص سلطة أو شخصًا أو جهة أو أخرى مما يقرر مقدمًا على أساس من الشورى بشكل مباشر أو غير مباشر وليس لغزًا اليوم على سبيل المثال أن الشؤون التي تستلزم السرعة والحسم تكون فيما يخص رجال السلطات التنفيذية، بينما شؤون التخطيط الاجتماعي والسياسات العامة مما يكون فيه الفكر الجماعي والشورى خير من الرأي الفرد مهما كان قدره لأن مشاركة الجماعة وقياداتها وقناعتها وتفهمها من خلال المشاورة قوة وسند لا غنى عنه للسياسة الرشيدة، ولذلك كان ذلك اللون من النظر مما تنظم إجراءاته فيما يعرف بمجالس الشورى والتشريع ولا ينفرد به رجال التنفيذ، وهكذا يغوص المفكرون في تفسيرات كثير منها سيقوم حول حرب الردة وموقف أبي بكر وعهد عمر وقبل ذلك حول شأن السقيفة وحول غزوة أحد ولن يعدم القارئ الرأي ونقيضه بشأن الحادثة الواحدة حتى ينتهي الأمر إلى نسيان الشورى والقناعة في سياسة المجتمعات ويأخذ الفكر طريقه في منعطفات الحزازات والخلافات والصراعات والتحزبات بين الفرقاء المتكتلين حول تفسير أو آخر، وبذلك تضيع قضية الشورى، وبناء النظم والبدائل السياسية ضحية ضيق أفق الدارسين والمفكرين وجزئية مأخذهم ودورانهم في حلقات مفرغة من النصوص والشواهد والتفسيرات والردود تفتت الهمم وتوزع البصائر وتمنع العمل وتورث العجز والجدب.
ومن هنا فإنه لا بد من الوقوف عند الأساسيات والكليات في أزمة الفكر الإسلامي المعاصر وتتبع أسبابها وقيام لون من ألوان الإجماع بصددها تقيس على أساسه وتنطلق من ورائه العقول الإسلامية إلى مواجهة التحديات المعاصرة وتقديم البدائل الاجتماعية والحلول.
الجذور التاريخية لازمة الفكر وتضعفه النظم واهتزاز الشخصية الإسلامية المعاصرة:
لسنا بحاجة إلى استعراض النجاح والإنجازات التي تمت للمسلمين على عهد الصدر الأول من الإسلام في عهد النبوة والخلافة الراشدة على يد جيل المهاجرين والأنصار الذين تمكنوا في أقل من ثلاثين سنة من أن يفتحوا جُل العالم المتمدن المعروف وأن يدركوا ويهزموا أنظمة إمبراطورية شامخة وأن يبهروا بدينهم وعقائدهم ونظمهم شعوب تمتد من المدائن عاصمة فارس في أرض العراق وشمال الجزيرة حتى أطراف المحيط الأطلسي في شرق وشمال أفريقيا حتى يرغبوا في متابعة ومحاكاة حكامهم إلى حد بلغ بهم مبلغًا لم يعهده التاريخ فاعتنقوا دينهم وشرائعهم ونظمهم وتقاليدهم حتى لغتهم أصبحت لغة العرب.
إذا نظرنا إلى تلك الإنجازات وذلك التاريخ يأخذنا العجب والدهشة إذا قارنا ما كان في أولئك القوم من حيوية وسعة أفق ونفاذ بصيرة حي ليميز أسلوبهم في كل حال بحسبها ولا يكاد يكرر موقف إذا تغيرت أسبابه فبيعة الخليفة الأول وإجراءاتها ليست كما كان الحال في الخليفة الثاني أو الثالث، وندهش لجرأة وجذرية ونفاذ بصيرة مثلها رغم قرب عهد الأولين وقلة دواعي الأمر لديهم إذا قيس بالمتأخرين وندهش حين نقرأ خلافات مهمة وفي قضايا جذرية بين رجال فقهاء من أصحاب الرسول يجمعهم الحب والاحترام لبعضهم البعض رغم خلاف الرأي واختلاف النظر ولكن جمعهم وحدة المنهج وسلامة المأخذ وشورية الأمر فكان أمرهم سعة وقوة ونصحًا وأمثال ذلك كثير في فقه عمر وابن عباس وسواهم لمَن شاء أن يتتبع قضايا وفقه العصر الأول من الإسلام.
ونستطيع أن نضع أيدينا على بدايات الأزمة وأصولها التاريخية إذا دققنا النظر في الفتنة الكبرى التي ذهب ضحيتها حكم المدينة ونظامها السياسي ودم الخليفة الراشد عثمان بن عفان.
فالأمر لم يكن كما تخيل الكثير أنه ثورة أفعال بعينها وأخطاء بذاتها وقع فيها عثمان أو غير عثمان وإلا فما كان لعهد معاوية بن أبي سفيان أن ينعم بالاستقرار لأمور هي أنكى من كل ما يمكن أن يتهم به عهد عثمان، فالسبب في جوهره لم يكن إلا بداية طفو مفاهيم وقيم في نفوس القبائل والشعوب التي وصلت إلى جسد الجيوش ومراكز القوى في المجتمع الإسلامي ولم تكن قد نالت التربية والتعليم والتجرد مثل ما نال جيل المدينة الذي رباه الرسول عليه الصلاة والسلام.
هذا الاهتزاز في الوضوح العقائدي بين قيم الإسلام وقيمهم الجاهلية العالقة في نفوسهم من جانب وطبيعة التحديات الحضارية الفكرية والعقائدية التي جابهها المفكرون المسلمون على العصر الأموي والعباسي من جانب آخر كانت أهم آثارها أن العقائد والأسس الإسلامية والبحث فيها بما عرف بعلم الكلام أو علم التوحيد انحرف بأصالة إطار الفكر الإسلامي في قيام العلاقات والمعاملات على أساس العقائد، وانتهى الأمر بعلم العقائد لأن يصبح في جوهره مجرد رد فعل للإطار اليوناني المسيحي في قضايا الذات والصفات والقضاء والقدر فهل الله واحد أم ثلاثة وهل له يد أم ليس له يد وهل الإنسان مخير أم مسير إلى غير ذلك من القضايا النظرية المجردة المتشابهة وهكذا بدأ الانفصام المشؤوم بين البناء العقائدي وأولياته وتصوراته وانعكاساته على فهم الحقيقة وتصحيح المفاهيم وبين العلاقات في حياة البشر ونظمهم الاجتماعية وبذلك انعزلت العقائد والفلسفة الإسلامية عن النظم والضوابط القانونية أو الفقهية وأصبح علم العقائد أو التوحيد في واد وعلم الفقه والمعاملات في واد آخر.
وفي خلال العهد الأموي والعهد العباسي كان جوهر البناء الاجتماعي ووسائله ومعالم الحياة عمومًا ما زالت تدور في فلك واحد هو صور مختلفة لمجتمع زراعي ورعوي وتجاري على شكل آخر ولذلك كان النظر الفقهي الذي يقوم على المتابعة الجزئية والمحاكاة التي تقوم على المشاهدة أو الوصف بالرواية لصورة أو لأخرى للنظم والإجراءات والعلاقات الناجحة التي قامت على عهد الرسول والخلافة الراشدة أسلوبًا ووسيلة كافية لمهمة وأغراض مفكري تلك العصور وفقهائها وكان لهم أن يجنوا في كثير من المجالات مثل ثمر عهد الصدر الأول في قليل أو كثير.
تجديد منطلقات البحث والنظر في الفكر الإسلامي:
ويتقدم الزمان وهجوم العالم الغربي على جسد العالم الإسلامي المنهك المفكك الجريح وما بلغوه من أساليب في العمل والنظر مما أدى إلى قيام المجتمع الصناعي الحديث الذي في إمكانيات الإنتاج ووسائله وموارد الثروة وسبل توزيعها ومتطلبات الحياة ووسائلها وما ينشأ عنها من علاقات كل ذلك كان لا بد أن يفرض على العالم الإسلامي ضرورة النظر في بنائه ونظمه وعلاقاته ووسائل إنتاجه وثروته وأن يتطلع إلى منافسة الغرب والانفلات من قبضته وسيطرته وسبقه، وهنا فإن إعادة البناء وترميم العلاقات وتقوية النسيج الاجتماعي لا بد وأن يتطلب فهمًا كليًّا شاملًا متكاملًا للعقائد والقيم والمفاهيم والفلسفة التي يقوم عليها التصور الإسلامي حتى يمكن للمسلمين بناء مجتمع صناعي قادر متفوق على ذات القيم والمفاهيم والعقائد الإسلامية بما يضع يد المسلم الواثقة على الحق في علاقات المجتمع الحديث، ولا غرو أن يتمشى نجاح المسلمين المادي والتنظيمي والفكري بقدر نجاحهم في بلوغ وإرساء أسسه من خلال توضيح الرؤية العقائدية والربط والبناء المنسجم المتكامل على أساس من العقائد والقيم الإسلامية الأساسية التي يرتكز إليها ضمير الأمة وإحساسها وتصوراتها وحوافزها.
وإلى أن يتم ذلك الوضوح ويتم ذلك الشمول والتجريد والكلية في الفكر الإسلامي المعاصر بما يمكن حقيقة أن تقوم العلاقات الاجتماعية تعبيرا عن العقائد الأساسية ويصبح القانون تعبيرًا عن هذا التسلسل والتكامل والانسجام أي أن تكون العقائد والقيم والفلسفة الإسلامية الأساسية التي تقوم على مبدأ التوحيد هي التي تحكم وتوجه المعاملات والتنظيم الاجتماعي وتعبر ضوابطه القانونية عن هذا التفاعل والترابط وبمعنى آخر إعادة الصلة السليمة بين علم التوحيد وعلم الفقه وإلى أن يتم ذلك فإن باب الاجتهاد الأصيل سيظل مُقفلًا مهما علت الصيحات وسودت الصفحات في إعلانات فتح باب الاجتهاد.
ولكي يتم الترابط بين العقائد والمعاملات بواسطة نبذ فكر المحاكاة والتقليد والنظر الجزئي وبالتالي تحقيق النظر الكلى وتجريد القيم والمبادئ الفلسفية الإسلامية من أجل البناء مجددًا على أساسها فإن علينا أن نعلم أن فهم الظواهر المادية والاجتماعية والوسائل والإمكانيات والتصورات القائمة والبديلة أمر يشكل جزءًا لا يتجزأ من أدوات الاجتهاد في بناء الفكر والمجتمع الإسلامي وهذا يعني أننا بحاجة ماسة إلى جانب وسائل الاستنباط أن نفيد من وسائل الاستقراء في الملاحظة الموضوعية المنتظمة في دراسة الأصول والتراث والتاريخ والظواهر الاجتماعية حتى يمكن للفكر الإسلامي المعاصر أن يُكوِّن منطلقات إسلامية تبدأ من الواقع المعاصر لتضعه في إطاره الإسلامي المناسب وليس كما نشاهد اليوم من تصور في إدراك طبيعة العلاقات والواقع المعاصر القائم والمأمول لأمتنا بتأثير من أنماط من الحياة التاريخية وأشكالها الظرفية أو الغربية الغربية الوافدة.
حجر الأساس في إطار الفكر الإسلامي المعاصرة (مبدأ التوحيد):
ولسنا في حاجة إلى إضاعة جهد ووقت كبيرين لنتبين أن رسالات السماء كلها جاءت إلى البشرية بمبدأ التوحيد تصلهم من خلاله بالحق وتمدهم بقوام الحقيقة الأبدية المطلقة في وجودهم وعلاقاتهم وتصوراتهم لتصلح من شأنهم وتقوم اعوجاجهم وتزجرهم عن الطغيان والظلم والإسراف، وهكذا كانت قيمة التوحيد هي التي تكشف للإنسان الحقيقة في أمر الخلق والكون منبعه ومرده إلى الله خالق كل شيء بقدر ومسخر كل شيء بحكمه، إله واحد له وحده كل صفات الألوهية وتميزها ليتعبد له الإنسان طائعًا مختارًا في علاقاته بإخوانه من بني البشر وفي تصريفه للكائنات وفق قانون الخلق وحكمته وطلبًا له، ومن هناك فرسالات السماء في إفراد الله الخالق العليم الفرد الصمد بالألوهية وتميزها وتأكيدها لهذه القضية الكبرى لم يكن ذلك عبثًا ولا سفسطة، لقد استغرق أمر التوحيد وإفراد الله بالألوهية كل أصول الرسالات وجل عهد الرسالة المحمدية إلى الإنسانية في كل مكة ثلاثة عشر عامًا وعبر كل المدينة عشر سنين أُخر، وأهمية هذه القضية في رسالات السماء للإنسان هو أن قضية إفراد الله بالألوهية هي بالمقابل تقرير علاقة الإخاء والوحدة بين بني البشر.
وهكذا لم يكن مبدأ الشورى في الإسلام كقاعدة ومبدأ في علاقات السياسة والحكم في الإسلام بين بني البشر أمرًا أو نصبًا مبتورًا يقوم اعتسافًا في فراغ، إن مبدأ الشورى في السياسة والحكم الإسلامي هو نتيجة حتمية وامتداد طبيعي لمبدأ التوحيد في حياة البشر وهكذا فهذه الرابطة والامتداد والعلاقة بين مبدأ الشورى في السياسة والحكم وبين مبدأ التوحيد وحقيقة الأزلية في الكون والوجود يفتح آفاقًا شاسعة رحبة واسعة لمعنى الشورى أبعد كثيرًا من أمثلة إجراءات تاريخية محدودة بعينها، إن هذا الامتداد يجعل أمر الشورى هو جوهر علاقة بين بني البشر في أمر علاقات مجتمعهم بما يحقق معاني الإخاء والتكاتف التي جاءت بها الشريعة حتى يمكن للمجتمع أن يسير جماعة تستند سیاسته، .وقراراتها إلى إرادتها العامة وقناعتها الجماعية وفق إطار الإجراءات التي يقررونها فهم رحماء بينهم يد على من سواهم، وهنا تكون الحوادث والوقائع التاريخية علامات على الطريق تنير وتذكر بأمر قاعدة واتجاه وتيار وروح ليست قوالب ولا إجراءات جامدة تدور حولها الشروح والحواشي ذات النظرة الضيقة الجزئية التي تكاد تتجاهل كل الظروف والتطورات والضرورات وما يَجِد من الإمكانيات في شأن إدارة دفة السياسة والحكم وذلك بسبب الوقوف عند إجراءات تاريخية بعينها أو تصور لتلك الإجراءات إلزامًا أو انفلاتًا من روح الشورى والقناعة في إدارة شؤون الجماعة المسلمة في السياسة والحكم.
الرابط المختصر :