; الشعاع السري الذي يأذن للطائرة بدخول الممر | مجلة المجتمع

العنوان الشعاع السري الذي يأذن للطائرة بدخول الممر

الكاتب جمال النهري

تاريخ النشر الثلاثاء 14-يوليو-1970

مشاهدات 19

نشر في العدد 18

نشر في الصفحة 14

الثلاثاء 14-يوليو-1970

ثقافة عامة

الشعاع السري الذي يأذن للطائرة بدخول الممر

تحقيق: جمال النهري

المسافر غريب والمطار أشد غرابة، المسافر غريب في أحاسيسه وتفكيره، مقسم القلب بين وداع ينتزعه من مكانه ولقاء يجذبه «لمكان آخر»‎.

ودائمًا هناك «مكان ما» عزيز لقلبي أو لقلبك، ‏ مكان تحب أن تسافر إليه وتقضي فيه العمر‎،‏ وفي هذا المكان يكون القلب قد نسج أول خيوطه الذهبية،‏ وترسب العمر فيه رويدًا رويدًا، حتى الرسول صلوات الله عليه كان يحن «لمكة»، وهو في المدينة فيقول: «ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت».

·       والمطار أشد غرابة؛ ففيه تنكشف انفعالاتنا المتناقضة الموزعة أبدًا بين اللقاء والوداع، بين الفرح والألم، ونسافر ونسافر.. فننشغل بالألم والأمل، وتمتلئ الأيدي بالهدايا والقلوب بالحكايات.. وننتظر.

·       وتعلن شركة، عن رحلتها رقم... المتجهة إلى... وعلى حضرات الركاب... إلخ.

وتدب الحركة في البوفيه وتنشط الأيدي ويزداد النبض للمطار «لغة» وللسفر «رائحة» تنغمس في أعماقنا.

ونصعد للطائرة ونستقر على المقاعد وتنغلق عيوننا ويدور شريط طويل لما قضيناه من أعمارنا، السفر فرصة لخلوة، تتعدد الأماني فيه كتعدد ألوان الطيف، منا من يفكر في لقاء أحبته، وآخر يحسب رصيده في البنك، وفدائي يفكر في قتال عدوه، وآخر مشرد من وطنه، وبين السماء والأرض يحملنا القدر ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ (لقمان: 34).

·       الحب والحرب

وحين وضعت قدمي بالمطار لم أستطع أن أمنع نفسي من التفكير في الحرب و الطائرات والطيارين؛ فالطيارة اليوم ترسم حدود الأوطان حيث ولّى عهد الخطوط الثابت «ماجينو» و«سيجفريد»، والذي يمتلك الطائرة الأقوى يمتلك حدود وطنه وبالتالي يستطيع أن يدافع عن عقيدته وأهله‎؛‏ ولذا فأنا عندي أمل عميق في أن يأتي يوم يكون لكل «‏أسرة مسلمة» ابن  طيار مدني أو حربي، لا يهم.

فالمسلمون المخلصون الطيبون يجب أن يسبق تفكيرهم الزمن، فلا حماية لعقائدنا ولا أرضنا بدون طيران، ولا بد أن يصبح الطيران «لعبتنا المفضلة»، وليس الكرة هواية للكبار والصغار، وأتمنى أن يتبنى أحد الوزراء أو أحد الأغنياء الواعين في الكويت هذه الفكرة، وأن يتسابق فيها أكثر من واحد، أن ننشئ مدرسة للطيران، وناديًا لهواة الطيران الشراعي، وأن يدخل وزير التربية علم نماذج الطائرات في المدارس، لعب في الابتدائي وعلم متطور من الإعدادي للجامعة، وأن يحول مدير التليفزيون البرامج التي تناقض بيان سمو ولي العهد ويستبدلها بتدريس هواية الطيران في البرامج الخاصة.

ولأعد من هذا الحديث، فهو حديث طويل ومتفجر وطريقه ألغام مبثوثة.

لنعد للمطار، للزحام والمودعين والمستقبلين، فقد آثرت أن أبحث عن «قلب المطار» وقلب المطار له حياة سرية.

والتعامل فيه بالرموز والأضواء.. أعصاب مشدودة وقلوب متأهبة أمامها شاشات مضيئة. 

● من هو رجل المستقبل الذي سينشئ مدرسة للطيران في الكويت؟

إنها محطة الرادار، محاطة بالحراسة، الدخول بإذن.

وأذن لي رجل المطار الأول السيد داود البدر الذي يجري حركة ضخمة في مطار في حاجة للتوسع والتجديد.

وصحبني السيد محمد الدلالي مراقب الشئون الفنية الذي يعلم كل صغيرة وكبيرة في المطار، إلى المحطة وفي لحظة كبنا المصعد، ووقفت أرقب الغرفة التي بها فريق من رجال الأمناء على حياة المسافرين والطيارين والطائرات، يعملون في صمت كمن يعمل لله بلا ضجيج ولا إعلان ولا تزاويق.

 وتقدمت من صاحب الزيبق الذي يحمل أربعة أشرطة قصبية على كتفه، مراقب عملية الرادار السيد حسن عبد الله.

▪ سؤال: هل يمكن أن تعطينا فكرة عن الأجهزة المتعددة والمعقدة التي أراها أمامي والتي تضيء وتختفي، والأزرار المختلفة الألوان المثبتة هنا وهناك؟

▪ مراقبة المنطقة

الإجابة، يوجد لدينا ما يسمى بجهاز (بروسيجر) و (ورادار كنترول) وهما تابعان (لمراقبة المنطقة)، هذه المنطقة تبدأ من شمال الحدود الكويتية على الحدود العراقية تقريبًا ومن الشرق نصف الخليج وجنوبًا ‎100‏ ميل بحري وغربًا 200‏ ميل بحري.

هذه المنطقة تحت رقابة جهاز بروس بحر والرادار ونصف قطر الدائرة التي تراقبها هي 140‏ ميلًا مع مراقبة الارتفاع الذي يعتبر تحديده من أسرار هذه الأجهزة.

▪ ولكن من تبدأ المراقبة وكيف؟

 تبدأ المراقبة على سبيل المثال بأن تحول لنا منطقة المراقبة في العراق طائرة خرجت من نطاقها متجهة إلى الكويت، و من ثم يبدأ الجهازان ‎(بروسيجر ورادار كنترول) في توجيه الطائرة إلى الداخل مع توجيه الطائرة المقلعة وكذلك المارة في الأجواء المحددة.

وبعد تحويل الطائرة المتجهة إلى الداخل من (مراقبة البروسيجر) نبدأ بالتعرف على الطائرة بإعطاء الأمر لقائد الطائرة (التف إلى اليمين، إلى اليسار، ثم نبدأ بتوجيهها على حسب اتجاه النزول في المطار متفاديًا مسار الطائرات الأخرى).

▪ الشعاع الخفي الذي يهدي الطائرة!

● هل يمكن أن تشرح لي صورة التعاون مع الطيار لإنزال الطائرة إلى الممر؟

1-  ‏ يوجه المراقب الجوي الطائرة نحو اتجاه الممر المستعمل في عكس اتجاه الريح

2-    أن يكون بين الطائرة والأخرى حسب ترتيب النزول مسافة 8 أميال أو ألف قدم ارتفاعا، وينبغي أن تعلم أن هناك طائرات جديدة تستخدم أسلوب النزول الآلي؛ فما هو هذا الأسلوب؟

إنه يعتمد على جهاز مثبت قرب الممر يصدر إشعاعًا معينًا باتجاه الممر المستخدم وينحصر عمل المراقب هنا في توجيه الطيار في اتجاه الشعاع.

ويتسلم الطيار هذا الشعاع في جهاز خاص يسمى باختصار(ils)، وبعد مشاهدة الممر بالعين المجردة يصرح لي بالنزول بواسطة برج المراقبة الذي يستخدم موجة ثانية.

●  وبعض المطارات العالمية الكبرى كمطار (أورلي بباريس) تزدحم بالحركة فتنخفض المسافة بين الطائرة والطائرة في حالة النزول من ‎٨‏ أميال إلى ‎٣‏ أميال فقط.

وهنا سألت الأخ (بدر الباقر) ضابط عمليات الرادار، وهو يحمل ثلاثة أشرطة قصبية على كتفه.

▪ ماذا يحدث في حالة إقلاع الطائرة؟

● إقلاع الطائرة لا يتم إلا طبقًا لخطة تسمى (خطة الرحلة) تقدم لمكتب خاص

● يرسل المكتب الخطة للبرج فيوزعها على مراقبة المنطقة ويظهر في الخطة المسار والارتفاع والسرعة وعدد ساعات البنزين (أي كمية البنزين التي تكفي لعدد ساعات معينة من الطيران).

● ترسل الخطة للمطارات التي سيمر عليها، والمطار الذي سيهبط فيه، وينبغي أن تقدم هذه الخطة قبل الإقلاع على الأقل بنصف ساعة.

● ويقوم المكتب بتعديل هذه الخطة إذا اكتشف أن الارتفاع الذي قدمه الطيار مشغول بطائرة أخرى.

● وقبل أن يدير الطيار المراوح يطلب الإذن من البرج فقد تكون هناك عقبات فلا يستهلك البنزين بلا طائل.

● ويتجه الطيار لمكان الإقلاع في عكس اتجاه الريح تحت إرشاد برج المراقبة؛ ويعطي له التصريح بالممر الجوي، يتصل البرج بمراقبة الاقتراب لأخذ تصريح نهائي بالإقلاع حتى يتسنى له أن يعرف إن كان ثمة تعديلات نهائية في داخل دائرة المطار،

▪ وماذا يحدث بعد أن تصعد الطائرة فعلًا من أرض المطار؟

تحول الطائرة إلى مراقبة منطقة الاقتراب لتوجيهها بالرادار بعيدًا عن الطائرات الهابطة، ثم تحول لمراقبة المنطقة وترشد بالرادار، أو تترك للطيار لتوجيه نفسه حسب الأجهزة الموجودة حول المطار، ويستمر الطيار في إعطاء البيانات التي تحدد موقعه وارتفاعه حتى يغادر منطقة مراقبة الكويت.

▪ هل يؤثر الطوز على حركة الطيران؟

قبل أن يزود مطار الكويت الدولي بالأجهزة الحديثة للهبوط الآلي والرادار كانت الأحوال الجوية لها تأثير كبير على حركة المطار، أما الآن وبفضل هذه الأجهزة ولياقة المراقبين الجويين، فلم تعد رداءة الجو تشكل عقبة في طريق الطائرات المغادرة.

ويختلف الأمر بالنسبة للطائرات القادمة، فتختلف النظرة لدى كل شركة طيران، فقد تسمح إحداها لطائرة بالهبوط إلى ارتفاع 250‏ قدمًا بحيث يعود للارتفاع ثانية إذا لم ير الأرض وعلاماتها

المميزة وقد لا تسمح أخرى بالهبوط لأقل من 400 قدم.

أما بالنسبة لنا، فإننا نصرح بالهبوط لغاية ‎356 قدمًا فوق مستوى سطح البحر بمساعدة الرادار وجهاز النزول الآلي (ils)، فإذا لم يستطع فله أن يعاود الهبوط أو أن يتجه إلى مطاره الاحتياطي الذي تقرره له سلفًا شركة الطيران صاحبة العلاقة.

▪ وما أروع أن تؤدي عملًا بأمانة تحافظ به على أرواح الناس في صمت دون أن يراك أحد ودون أن يحس بك الآلاف الذين يضج بهم المطار كل يوم‎،‏ وأنت قابع في غرفة بعيدة عن الأضواء،‏ إنه لأمر رائع يستحق منا العرفان والتقدير القلبي لهؤلاء الجنود المجهولين.

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

لمسة قلم •••

نشر في العدد 195

16

الثلاثاء 09-أبريل-1974