; عزيزي الرجل: هذا رأيي فيك فَما رأيُك؟ | مجلة المجتمع

العنوان عزيزي الرجل: هذا رأيي فيك فَما رأيُك؟

الكاتب زينب الغزالي الجبيلي

تاريخ النشر الثلاثاء 22-ديسمبر-1987

مشاهدات 18

نشر في العدد 848

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 22-ديسمبر-1987

هل تعلم أني أحببتك، من يوم أن تأملت عيناي وجه أمي، وهي ترضعني وتضمني إلى صدرها الحاني الشفوق.. نعم.. عندها تلقفني أبي، وقبلني فعرفتك في وجه أبي الباسم الضحوك.. في همساته وبسماته الحانية.. في أمره ونهيه.. في عطفه وشدته، نعم عرفتك يا شقيقي الرجل في أمر حكيم يصدر من أب رحيم.. عرفتك في بسماته عندما يرضيه مني تعلقي به، فيضمني إليه مداعبًا مبتسمًا، فتربت أحلامي فيك ومواجيدي وأشواقي، ولما كبرت وعرفت أن للأب مكانًا وللابن مكانًا وللزوج مكانًا، عرفتك بكل معطيات الحياة للرجال، أطفالًا وصبية وشبابًا، وآباء وشيوخًا كبارًا، فماذا كانت مطالبي منك وأنت طفل.. أحببت فيك براءة الأطفال.. وأحلامهم المملوءة بألوان الورود.. وأنت صبي أحببت فيك تدرجك إلى فكر يعقل، حتى كنت في شبابك، فأحسست بأحلامك وتشوقاتك لرجولة ووثوب، ونظرت في تقاسيم وجهك، فأحسست الصدق والجرأة على قول الحق، وأنك لا تسيء إلى من هو أقل منك قوة، بل تعطف عليه وتعينه وترشده، ليكون مثلك استواء ونضجًا.

وأنت في ريعان شبابك ورجولتك.. أحببت فيك العفة والتعالي عن النقائص وألا تغلب ولا تغلب، وإن كان لابد من تفاضل، فإذا غلبت كان ذلك عندك أفضل، فسارت في الناس سيرتك، بأنك عفيف قنوع، والأفضل عندك أن تكون المغلوب لا الغالب، إلا إذا كان الأمر يتعلق برجولتك وشرفك فأنت الأسد الذي لا يغلب.

ودائمًا أراك تعتقد أن الدنيا ساعة فحسابها معروف، ولكن أمر الآخرة عندك هو الأبقى، لذلك أحببتك، وقلت برأيي فيك، أنك رجل المستقبل، أحسست فيك رغبة شديدة في أن تنظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، وسألتك: لم؟ فقلت: أريد أن أعلم، لم تقدم ركب النبوة والخلفاء الراشدين فملكوا زمام الدنيا، ولم نحن خسرناها؟ وسألتك: ولم؟ فقلت لي: أريد أن أعيد إلى الدنيا عقلها من جديد، أريد أن يرى المسلم أين هو من دائرة الإسلام، فإن كان فيها سأل نفسه، هل هو مقيم لدينه، محافظ على شريعته، وإن كان كذلك، لم الغرب يحكمه، ولم الشرق يسيره؟ وسألتك وهل كان لبحثك ذاك نتيجة؟ وقد أعجبني جوابك، فقد كان عن عقل وبصيرة، حين قلت لي: نحن يا أماه نقرأ القرآن بحناجرنا، ونستمع إليه بعواطفنا، لتصرخ لصوت المقرئ، فنطرب له، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم، قرأه على أصحابه فتلقته العقول، وطربت به القلوب، فوعته وحفظت منه وبه المطلوب منها، ليكون القرآن حاكمًا للدنيا ومسيرًا لها.

ولما كانت السنة هي مجمل بيان القرآن ومعانيه، فقد درسوها لا للتبرك ولكن للعمل بها وتبيين أحكام القرآن ومقاصده.. ولذلك يا ولدي كان رأيي فيك أنك الأمل والرجاء، ولكن هل أعيش وأراك حاكمًا بالقرآن والسنة.. حررت فلسطين، واسترددت الأندلس وتيقظت لمكيدة اليهود في حرب العراق وإيران، وكم كانت فرحتي بك أنك أنت أمل المستقبل وبسمته ورجاؤه.. ساعتها امتلكت قلبي ومشاعري ومواجيدي، برجولة ممتلئة، وساعتها نظرت إلي وقلت: أماه.. والله ما ضاعت دولتنا، وضعفت شوكتنا إلا من يوم أن نفث اليهود في مجالسنا، ببدعة الشيعة والتشيع والطرق والاختلاف، والويل الويل إن لم ننتبه لمكيدة اليهود، الذين قسموا الأمة إلى خوارج وشيعة وفرق وطرق صوفية.. وتنفست، كأم، أنفاس الرجاء، وقلت: هل أعيش يا ولدي حتى أراك وقد جمعت الأمة، ووحدت الصف، وشيدت بناء الدولة، بأمة تحاكي أمتنا الأولى بوحدة كاملة، ﴿وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ (المؤمنون: 52).

ولدي.. أخي.. حبيبي.. هل عرفت الآن رأيي فيك.. إنك الرجل الذي اشتقنا لرجولته وحكمته ورأيه وشهامته ومروءته.. ذلك الرجل الذي غاب، فغابت بغيبته الحكمة والرشد والرأي، وضاعت بضياعه الأسرة والدولة، وتاهت الأمومة والأبوة، فضاعت البشرية.. فهل ستعود الأمومة الرشيدة، ليعود الرجل الرشيد؟ يا ليتها تكون، ويومها سأحسن القول برأيي فيك.. فأنت الأمل والرجاء والشوق والحب الكبير.. وهل يعيش الإنسان بغير وجد وحب واشتياق.

والحب الكبير الذي أحبه يا ولدي هو الذي كلفني أن أقول رأيي فيك، وهل تشتاق الأمهات بحبات قلبها الذائبة شوقًا لولدها، إلا نجاحًا في الحياة كبير، يجمع الدنيا فيخضعها لأمره، ولكن أي أمر يكون، إن كان مصدره من غير كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى هدى الراشدين: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.. وهل كانوا غير مواكب للحق تسير على خطى النبوة وبيان القرآن ومحكم السنة.

هل فهمت يا ولدي.. ماذا أريد بك ومنك.. أريد منك يقظة وقوة، لتبطل الباطل الذي حدث بعد الراشدين، وتنقي الطريق من خبث المبطلين، وتقيم سنة خير النبيين، وتحيي مسيرة الراشدين.. يومها سأقول لك: يا حبة القلب، ويا نور العين.. أنت ولدي وحبي ودعائي.. ورأيي فيك.. إنك الرجل.. إنك المؤمن.. إنك الوارث لأنوار النبوة والخلافة الراشدة.

فهل يرضيك يا ولدي الحبيب رأيي فيك.. وعلى كل، فأنا أمك، والأم معدنها الحب والشوق والحنين لابن عظيم يرفع رأسها في العالمين، فيقول الناس أنها أم، وعاشت رجاء متجددًا، وشوقًا تزاحمه أشواق، وهي تنادي: يا ربي.. ذلك ولدي، رجوته مقاتلًا في سبيلك، وبانيًا لدولتك التي أقامها محمد في المدينة، وأقامتها جيوشه وخلفاؤه في المشرق والمغرب، وأنا أرجوه لها في ركعاتي وسجداتي، فهل أراه- يا رب- يحكم العالم بكتابك وسنة رسولك صلى الله عليه وسلم.. لأقف وأقول له: يا ولدي.. استمع لرأيي فيك.. رجوتك رجلًا فكنته، رجوتك عادلًا فكنته، رجوتك مقاتلًا فكنته، رجوتك مجددًا فكنته، فرأيي فيك اليوم أنك ولدي، وفلذة كبدي.. أنت الرجل!

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل