العنوان الصراع في اليمن.. أراده الشرق كما أراده الغرب
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 17-أكتوبر-1972
مشاهدات 23
نشر في العدد 122
نشر في الصفحة 3
الثلاثاء 17-أكتوبر-1972
نحن مسلمون، ونحن أمة إسلامية لنا طاقاتنا المدخرة، ولنا قدراتنا المختزنة، هذه الطاقات وهذه القدرات لا بد من إعدادها لعدو حقيقي ولا بد من تجريبها فيمن يغرز إعلامه في قلب أمتنا وعلى قباب مقدساتنا.
والعرب جزء من الأمة الإسلامية لا يتجزأ، وبغير الإسلام، لا يعتز وكل خروج على هذه القاعدة شذوذ وانحراف يشد تقدم أمتنا إلى الخلف، وينتج عنه التنافر والتناحر، وحتى سفك الدماء.
إن كل من يواجه أمتنا بمبادئ غريبة عنها ومذاهب مناقضة لاعتقاداتها لا يمكن أن يضمن لنفسه البقاء، وإن كان له بقاء فهو إلى حين، ومصيره إلى الزوال.
نقول هذا ونحن نرى أن الذين حملوا السلاح وواجه به بعضهم بعضًا في كل من عدن وصنعاء يمنيون، وعرب وأشقاء، والحرب التي عجزت الأمة العربية عن إعلانها على خط النار مع إسرائيل اشتعلت بمنتهى البساطة على الحدود اليمنية بين الأشقاء، في وقت يشتكي فيه الجميع من شح الطاقات العربية اللازمة لمواجهة إسرائيل. من هنا بدأ الناس يتساءلون في استغراب لماذا يقتتل الأشقاء في اليمن؟؟؟
واجتهد الناس في تحليل الحرب اليمنية وتباروا في استجلاء الأسباب الظاهرة والباطنة التي أشعلت نار الحرب، وباختلاف الحقائق التي يتوصل إليها الباحثون، فإنها لم تتعد مظهر القضية وأسبابها المباشرة وهي عادة تنتهي بالتمنيات الطيبة للجنة الوساطة أن تنجح في التوصل إلى مصالحة لا تتعدى وقف إطلاق النار في الوقت الراهن.
لكن هل الذي حدث مجرد «سوء تفاهم» بين اليمنيين يمكن أن ينتهي بهذه الوساطة العشائرية ثم تكون مشكلة اليمن قد حلت؟؟
الواقع أن قضية اليمن تمتد جذورها إلى الكيان الأساسي للمنطقة، فالخريطة الحالية لمنطقة اليمن خريطة مفتعلة صنعها الاستعمار بهذا الشكل ليضمن للمنطقة مناخًا مضطربًا لا يساعد الوطن اليمني على الاستقرار والبناء والتقدم.
أولًا: قسم اليمن إلى يمنين.
ثانيًا: اجتهد أن يجعل في اليمن الجنوبي نظامًا سياسيًا واجتماعيًا يتناقض مع النظام السائد في شمال اليمن ليعمق الخلاف ويقفل الطريق أمام الوحدة ويصطنع عاملًا جديدًا للصراع.
وهي قضية معروفة منذ البداية، فقد كان النظام في الشمال حين قامت الثورة على البدر «ناصريًا» وتسليم الحكم في عدن لجبهة «المكاوي» سيحقق انسجامًا بين الشمال والجنوب، إذن فلتسلم المنطقة لخصوم المكاوي، وستظل عدن في عداء مع الشمال حتى ولو انتصر البدر، بالإضافة إلى خلق خطر جديد يهدد قلب العالم الإسلامي ليستفز دولًا أخرى ويجرها إلى استنزاف طاقاتها التي ربما توجهت إلى مساندة دول المواجهة مع إسرائيل.
بهذه الطريقة استطاع الإنجليز أن يملؤوا الفراغ الذي تركه رحيلهم عن المنطقة ببديل هو أقدر من وجودهم الفعلي في تدمير المنطقة وضمانها منطقة متخلفة لا تصلح إلا لتسويق المنتجات الاستهلاكية الغربية.
وما حدث في الأيام الماضية على الساحة اليمنية ما هو إلا حصاد السياسة الاستعمارية الخبيثة.
فقد استفز الوجود الشيوعي الطموح في عدن كلا من السعودية واليمن الشمالي واضطر السلطان قابوس أن يدخل في مواجهة عسكرية مع حكومة عدن التي تتبنى فصائل الثورة المسلحة على طول الخليج والجنوب العربي، بل حتى داخل اليمن الجنوبية بدأت الحرب الأهلية بين الزمرة الماركسية وقبائل اليمن التي ابتليت بنظام من نوع جديد شهدت على يديه كل ما هو مناقض لدينها وتقاليدها وأخلاقها.
ومن ثم فقد تحولت المنطقة إلى أتون مائج تصطرع أطرافه في شراسة وحقد لتستأصل بعضها البعض لأن المنطقة لم تعد تسع الجميع.
كلهم يمنيون، كلهم عرب، كلهم أشقاء.
ولكن من الذي يزعم أن أبا جهل القرشي وأبا بكر القرشي يمكن أن يعيشا إخوة تحت سقف واحد؟
وما دام الكيان السياسي للمنطقة قد بني على هذا التناقض، وما دامت القوى الأجنبية تحرس جاهدة هذا التناقض، فإن الحرب لن تنتهي مهما اجتهدت لجنة الوساطة العربية ونجحت في مساعيها، سيرى الناس أن النظام الشيوعي في عدن وهو سبب المشكلة لن يسقط ولو استمرت الحرب مائة عام؛ لأن القوى صاحبة المصلحة في استمرار الحرب ستحميه بكل الوسائل.
لقد أدرك السيد محسن العيني أن الضمان الوحيد لإنهاء الحرب هو قيام يمن واحد يضم الشمال والجنوب وقد أصاب في ذلك - ولكن ذلك لن يتم إلا بإسقاط النظام في عدن - وهو الأمر الذي سيستميت الاستعمار - الشرقي والغربي - للحيلولة دونه.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل