العنوان الصومال -على طريقة اجتماع الطائف مؤتمر لحل المشكلة الصومالية
الكاتب عبدالله محمود عرب
تاريخ النشر الثلاثاء 20-أبريل-1999
مشاهدات 34
نشر في العدد 1346
نشر في الصفحة 43
الثلاثاء 20-أبريل-1999
أشار الدكتور إبراهيم الدسوقي في مقاله «المجتمع ١٣٣٨ - ۱۹۹۹/٢/٢٦م» تحت عنوان «الأزمة الصومالية في عامها التاسع وأسباب استمرار المشكلة وتصور جديد للحل، إلى أسباب الفشل والإخفاق الَّذي منيت بها مبادرات السلام والمصالحة الإقليمية والدَوْلِية في الصومال وذكر عوامل ثلاثة رئيسة هي باختصار شديد:
۱- حصر جهود المصالحة في دائرة الجبهات المسلحة والفصائل المتناحرة.
٢- ضبابية الرؤية لدى المجتمع الدَوْلِي تجاه القضية الصومالية وتضارب وجهات النظر بين مختلف الدول والمنظمات الإقليمية والدَوْلِية المعنية.
٣- ضعف المجتمع المدني وعدم تشجيع أجواء الأزمة الراهنة على ظهور تنظيمات مدنية قوية قادرة على حماية الجماهير والدفاع عنها.
واستعرض الأخ إبراهيم الدسوقي المسألة الصومالية وملابساتها والمنعطفات الَّتي مرت بها والمحاولات الَّتي بذلت من أجل حل القضية ولا شَكَّ في أنه رجل متابع بحكم وظيفته بمركز الدراسات والإعلام بالقرن الإفريقي، ولذلك فإن حديثه كان شاملًا وتوثيقًا ممتازًا للأحداث لكنه لم يتطرق لرؤية جديدة متفائلة حسب ما يوحي به عنوان مقاله وإنني كقارئ لمقال الدكتور دسوقي كنت أتوقع أن أقرأ رؤية الدكتور نفسه كمثقف صومالي من الشرائح المكونة للمجتمع المدني ولكن خاب ظني فالمقال توثيق لمحاولات الحل من جهات عدة.
التعريف البسيط لمأساة الصومال أرضًا وشعبًا مأساة نتجت عن فتنة داخلية، لأن الَّذين يتحاربون هم أهل الصومال فيما بينهم وعلى أرضهم.. وحينما تنشب الفتنة في بلد من البلدان تنفتح الأبواب على مصراعيها لكل طامع وصاحب غرض ومغامر يذكي الصراع لصالحه وبالوسائل المتاحة له والَّتي يختارها.. وانهيار الصومال الدولة وتاريخ الفتنة فيها وملابساتها وتطورها وإفرازاتها أمور موثقة لدى المهتمين بشؤون القارة الإفريقية عامة والصومال خاصة.. والأهم لدى المثقفين الصوماليين الَّذين اكتووا ويكتوون بمرارة الفتنة ونتائجها.
والمتطرق للشأن الصومالي لا بُدَّ من أن يضع في الحسبان بعض الحقائق الَّتي مهدت المسرح للفتنة وجعلت المزيد من الزيت ينصب دائمًا على نار الصراع كلما خمدت أو كانت تخمد.
من هذه الحقائق:
- موقع الصومال الجغرافي الاستراتيجي.
- غنى البلاد بالثروات الطبيعية والزراعية.
- التكوين القبلي للشعب الصومالي.
- الإرث الاستعماري وأثره الثقافي واللغوي - على تركيبة المجتمع.
- التفاوت في معدلات التنمية من إقليم لآخر.
- التيارات الفكرية العالمية الَّتي تجاذبت النخبة المتعلمة فيه والَّتي انعكست في توجيهات المثقفين - ويروز الأحزاب السياسية ذات الأساس القبلي ونوع توجيهات الحكومات الَّتي تعاقبت على الصومال وآخرها الدكتاتورية العسكرية الَّتي أنتهى. المطاف بها إلى دفع البلاد إلى الانهيار التام وانعدام السلطة والقانون وذهاب كيان وهيبة الدولة والَّذي كان ضحيته الإنسان الصومالي.
الإنسان الصومالي
الإنسان الصومالي هو في الأغلب راع بسيط - ومزارع على ضفاف نهرين «نهر جبا ونهر شبيلي - في الجنوب» القبلية هي عالمه، تدور حياته حول - تاريخ أمجاده القبلية ويكن لها ولاء إلى درجة التضحية بالنفس والنفيس، وهذا الولاء لدى. الصومالي أسيء توجيهه سلبًا لتفتتن القبائل فيما بينها، وفتنة القبائل معروفة في تاريخ الشعوب. خاصة لدى العرب وغيرهم في مختلف الأحقاب. والأزمنة، وهذا الاحتراب بين القبائل نسف جسور التقارب بينها للوصول لأي مفهوم جماعي للخروج من الفتنة، وإزاء وجود هذا الحاجز النفسي يصعب طرح مفهوم المصالحة من المنظور العام لأن النفوس مثقلة بالكثير، وطعم الدم في كل مذاق، ونار الثأر. في قلوب أفراد كل قبيلة.
ذكر د. الدسوقي في مقاله وصفات عديدة. تبنتها جهات مختلفة وآخرها الوصفة العربية الَّتي شارك في صياغتها كل من مصر - ليبيا - اليمن - بمساعدة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، نحن مع هذه الوصفة وندعو لها على رغم أنها تمخضت. وولدت «إدارة محافظة بنادر» ولادة متعسرة - وباعتبار مقديشو العاصمة فهي التناقض الرئيس ومفتاح الحل النهائي، فيما كل التناقضات الأخرى الانفصالية أو ذات صفة التكتلات القبلية تناقضات فرعية تزول بزوال التناقض الرئيس، إذا ما لحق بالوصفة العربية ضرر لا قدَّرَ الله مثل سابقاتها فيبقى لنا شيء واحد.. الوصفة الَّتي لا يختلف عليها الصوماليون مهما اختلفوا ومهما اقتتلوا وهو أنهم جميعاً مسلمون وهذه هي الوصفة الناجعة والقاسم المشترك بينهم للدخول إلى الوجدان الصومالي فالصوماليون سيستمعون لمفهوم الإسلام عن الدين والعقل والدم والعرض والمال لأن في هذه الوصفة آيات صريحة وأحاديث نبوية صحيحة يفهم الصوماليون أنها الحق الصراح لم يفترها زعيم قبيلة ولاهي منشورات مستعمر.. إن الصومالي إذا وصل إلى الفهم والقناعة بنص الكتاب والسنة وبأن دم أخيه المسلم وعرضه وماله حرام سفكه وانتهاكه ونهبه فإن هذا هو المنطق الأقوى في وجدان الصومالي الَّذي يجعله يعيد حساباته. ويكون الاجتماع الصومالي قد تعدى محيط القبيلة ووصل مرحلة الغوص في الوجدان... فالحل يا أخي د. إبراهيم لا بُدَّ من أن ينبع من واقع هذه الأرض أرض الصدق كما وصفها الرسول عليه الصلاة والسلام، فالحل لا يمكن استيراده من «الإيجاد» بزعامة إثيوبيا أو منظمة الوحدة الإفريقية أو مجموعة الدول المانحة حمانا الله وإياكم من هذه الخلطة الغريبة كما سميتها في مقالك.
الحل لا يمكن استيراده بوصفة من الخارج أو بإبعاد وجدان الإنسان الصومالي المسلم الَّذي وصل الآن مرحلة مواجهة النفس بعدما عرف وعلم علم اليقين ماذا يعني القتل والموت والدمار والخراب وهدم الوطن وبنيته، وأدرك بفعل التشرد والغربة إن للوطن معنى خاصًا وأن الأوطان يبنيها أبناؤها ويهدمها أعداؤها..
وبقيت كلمة أخيرة.. قد يكون هناك تشابهًا بين الحربين الأهلية اللبنانية والصومالية وهو ما أصطلح على تسميته «اللبننة والصوملة» فقد وجدت مشكلة لبنان تفهمًا واعيًا أدى إلى حلها عربيًا أي أن الحل كان بأيد عربية، وكان مؤتمر الطائف بالمملكة العربية السعودية. ونحن نتمنى أن تجد قضيتنا هذا الفهم الإسلامي الجيد الواعي والإنساني، ولعل وجدان شعبنا سيقبل مؤتمرًا تتبناه منظمة المؤتمر الإسلامي ويكون امتدادًا لمؤتمر القاهرة الَّذي جمع تحت سقف واحد زعماء القبائل والفصائل الصومالية وشهد له الجميع بأنه ضيق هوة الخلاف وما زال يسعى لتحقيق المصالحة المنشودة، إن هذا المؤتمر المقترح إن وجد الترحاب من منظمة المؤتمر الإسلامي والدول العربية ذات الوزن الإسلامي العربي والعالمي السياسي والاقتصادي إضافة لوجود علماء مسلمين سيساهم مساهمة فعالة في تعميق المفهوم الإسلامي والحفاظ على الدماء والأعراض والأموال، وتكون المصالحة هنا عهدًا بين القوم ويكون الصلاح التزامًا أمام الله ثم علماء المسلمين، ومن هذا المؤتمر إن شاء الله تتضح معالم الدولة الصومالية ذات السيادة على أرضها والَّتي يسودها القانون ولها سلطة ذات هيبة يخضع لها الجميع إن شاء الله..
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلنشر في العدد 1493
24
السبت 23-مارس-2002