; الطائفية في العراق صناعة أمريكية أم نزعة داخلية؟ | مجلة المجتمع

العنوان الطائفية في العراق صناعة أمريكية أم نزعة داخلية؟

الكاتب شيروان الشميراني

تاريخ النشر السبت 03-مايو-2008

مشاهدات 21

نشر في العدد 1800

نشر في الصفحة 24

السبت 03-مايو-2008

«بول بريمر»: يجب ألا يكرر الشيعة أخطاء القرن الماضي وما اتخذوه من موقف سلبي إزاء المشاركة في السلطة

الاحتلال يستخدم كل الوسائل المتاحة من أجل تحقيق المكاسب بمنطق أن «الغاية تبرر الوسيلة»

يقول الكاتب والباحث العراقي «حسن العلوي» في كتابه «عمر والتشيع»: «العراق منقسم على ثنائية «عمر» و «علي» التي تسللت في قنوات سرية إلى السياسة الدولية منذ مطلع القرن الماضي، فيخطط إستراتيجيون بريطانيون طريقهم إلى البصرة، آملين كسب المنبوذين الشيعة في الحرب على الأتراك السنة وتغير الحرب الأمريكية على دولة الفقيه الشيعي الذي حجز في «طهران» موظفي أكبر سفارة أمريكية في المنطقة ليكون العراق وليس باكستان وتركيا السنيتان الحليفتان مكان الإغارة في حرب تستمر ثماني سنوات فتتخم نهر «كارون» و «شط العرب» بلحوم الجنود قبل أن يحين الوقت المجهول لحرب أمريكية على السنة.

بهذه الكلمات يصور «العلوي» كيف أن الاستعمار يلعب على الأوتار الخلافية      -الطائفية منها تحديدًا- في العراق: وهو تقرير صائب في عمومه وخصوصه، فالاستعمار أو الاحتلال في كل مكان لا يطأ أرضًا إلا لتثبيت الأقدام، ويستخدم كل الوسائل بمنطق: «الغاية تبرر الوسيلة» من أجل إحراز النصر.

ألغام «بريمر»

وللاستدلال على صحة هذه الرؤية لسنا بحاجة إلى العودة والحفر في ذاكرة التاريخ القديم أو حتى الحديث للقرن العشرين، أو الإستعانة بحكايات الآباء والأجداد، بل يكفي نظرة دقيقة إلى الواقع الراهن الشاخص أمام أنظارنا، فالحاكم الأمريكي السابق في العراق «بول بريمر» بخبثه قال أشياء كثيرة في كتابه «عام قضيته في العراق»، وترك ألغامًا أراد منها تغذية الجانب الطائفي المعادي لكل من يقرأ كتابه الممل في أسلوبه، كما كان مملًا ومزعجًا في عامه الذي قضاه في العراق. 

يقول «بريمر» وهو يصف بدايات تشكيل مجلس الحكم الانتقالي: «تحدثت بهذا الخصوص إلى د. إبراهيم الجعفري، موضحًا له ضرورة مشاركة القوى الشيعية في المجلس: لأن حزب الدعوة كان له موقف مناهض للسياسة الأمريكية لتغيير الحكم في العراق»، وقال له: من المهم ألا يكرر الشيعة أخطاء القرن الماضي، وما اتخذوه من موقف سلبي إزاء المشاركة في السلطة، وما فعله الشيعة في ثورة العشرين لإخراج الاحتلال البريطاني، يقول بريمر: «فهز الجعفري رأسه». 

وفي موضع آخر يقول: «عند بدء تشكيل الشرطة العراقية الجديدة ذهبت إلى عبد العزيز الحكيم، وأخبرته أننا بصدد تكوين لواء من الشرطة، فقال الحكيم: ومن يكون قائد هذا اللواء؟ فقلت له: سيكون شيعيًا هكذا رأى «بريمر» طمأنة الحكيم، وقد يكون أراد تهدئة الشارع الشيعي من الثورة ضد الأمريكان بهذا النهج، لكنه لعب بإتقان وبدون خجل على هذا الوتر، وهذا هو عمل الاحتلال في الأغلب دائمًا 

توزيع طائفي

لكن أليس العراقيون أنفسهم هم موضع تنفيذ هذه الخطة؟ أقصد لو واجه الجعفري والحكيم منطق «بريمر» الفج في التوصيف والتوظيف، أما كان العراق معافي الآن مما ابتلي به أبناؤه من الشقاق بينهم؟ بل حتى القوى السياسية نفسها التي تبحث عن مخرج للأزمة كانت لتصبح في راحة بال، مع أن النموذجين يمكن أن يعمما على الجميع وفي جميع الاتجاهات طائفيًا أو إثنيًا، حتى السنة انخرطوا مجبرين أو راضين في التوزيع الطائفي للمناصب في مجلس الحكم. 

لكن من الضروري معرفة أن التوزيع الطائفي بهذا الشكل الهرمي بدأ أيام المعارضة العراقية في نيويورك ولندن في ديسمبر ۲۰۰۲م، واكتمل في إجتماع لجنة التنسيق والمتابعة للمعارضة العراقية بمنتجع صلاح الدين في كردستان العراق في فبراير ٢٠٠٣م، ثم أخذ شكلًا مؤسسيًا بعد احتلال بغداد في 9 أبريل ٢٠٠٣م: بدءًا من مجلس الحكم الانتقالي السابق والتقسيم على النصاب العددي بين القوميات والطوائف.

فالعراقيون هم الذين حددوا وعينوا وزراء الحكومة الأولى آنذاك بتوقيع من إبراهيم الجعفري وتخطيط من «بريمر»، والقوى السياسية العراقية هي التي وزعت وزارات الداخلية والدفاع والخارجية على الشيعة والسنة والأكراد والعراقيون هم الذين قرروا أن يكون رئيس الجمهورية من طائفة أو قومية معينة مع نائبين مختلفين من قومية ومذهب آخر، وكذلك مجالس الوزراء والبرلمان، والعراقيون هم من حددوا عدد ضباط الجيش والشرطة والجنود وفق حصة معينة بين الأقوام والطوائف، حتى في الكلية العسكرية وأكاديمية الشرطة، وكذلك في الانخراط الطوعي إلى صفوف الجيش والشرطة واللجان الشعبية قادة عراقيون هم من دعوا إلى مراعاة التوازن الطائفي من حيث العدد في الأحياء والمناطق السكنية، فإذا كنت سنيًا وذهبت إلى مركز التطوع طالبًا التسجيل فسوف يقال لك: إن حصة طائفتك انتهت فليتقدم من هو شيعي والعكس أيضًا يحدث.

دور الاحتلال

هل الاحتلال أمر الأحزاب العراقية بخوض الانتخابات التشريعية والمحلية بقوائم وتشكيلات مفصلة ومنسوجة طائفيًا وعرقيًا؟ لا أعتقد ذلك.. فلو أن الحزب الإسلامي العراقي وحزب الدعوة الإسلامي قررا التحالف في قائمة واحدة: أو تحالف الحزب الديمقراطي الكردستاني مع المجلس الأعلى، فهل كانت واشنطن لتتحرك وتمنعهم من التحالف؟ 

وفي هذا الصدد يحضرني مقال كتبه د. کنعان مكية عضو لجنة التنسيق والمتابعة للمعارضة العراقية السابقة، والمقرب من د. أحمد الجلبي، ذكر فيه أنه أصيب بالصدمة عندما رأى الجلبي وتحوله من الإطار العلماني المتجاوز للحدود القومية والطائفية إلى الانخراط في الاصطفاف الطائفي، وكيف أنه كان يرى في الجلبي نموذجًا جيدًا للعراق المنشود ثم خاب أمله.

وأحمد الجلبي كان له معاون في المؤتمر الوطني اسمه مضر شوكت، وهو سني علماني دخل الانتخابات مع المؤتمر تحت لائحة الائتلاف العراقي الموحد، ثم بعد الانتخابات والبدء في توزيع المناصب والوظائف استبعده قادة الائتلاف لأنه عربي سني، عليه أن يشغل موقعًا من حصة العرب السنة، حتى وإن كان عضوًا في الائتلاف «!!» وهو ما حدث مع الشيخ فواز الجرية الزعيم القبلي من الموصل، إذ رفض السنة العرب توليه منصب رئاسة البرلمان لأنه عضو في الائتلاف الموحد، وفي المقابل رفض الائتلاف إسناد وظائف إليه لأنه سني، فلم تسعفه عراقيته ولا عضويته في الائتلاف أو البرلمان.

القابلية للاستعمار

وهنا يبرز سؤال: هل السفير الأمريكي في العراق هو من قال بهذا؟ ونحن لا نريد تبرئة المحتل أو الإدارة الأمريكية، لكن الحقيقة تقول: إنه لو أراد العراقيون أن يسلك العراق الجديد مسارًا مختلفًا لفعلوا، فالقوى المحتلة تبحث عن مصالحها، ومصلحتها في العراق تتمثل في تلبية رغبات القوى العراقية وأطرافه السياسية لكي تتعامل وتتعاون هذه القوى في إنجاح مشروعه في البلد والمنطقة من بعد ذلك، فلو كانت السفارة الأمريكية في بغداد والإدارة في واشنطن قد شعرتا بأن العراقيين يرغبون في دولة جديدة لا تتسم بالطائفية ولا تتلون بلون عرقي واحد لساعدوهم على تحقيق ذلك. 

ما نريد قوله هنا هو أن خداعًا كبيرًا يحدث عندما يقال: إن المحتل الأمريكي هو الذي قسم العراقيين وفصلهم عنصريًا عموديًا وأفقيًا، بل إن المسؤولية الكبرى تقع على العراقيين أنفسهم في هذا المجال، ولا يعقل أن يكون القادة العراقيون في درجة من الضعف والهوان بحيث يفقدون إرادتهم إزاء «بريمر»، ولو كانوا كذلك لانطبقت عليهم مقولة مالك بن نبي في «القابلية للاستعمار»، هذا في حال فرضنا جدلًا بصحة نظرية وضع اللائمة على الاحتلال الأنجلو أمريكي، مع أن الحقيقة تجافي ذلك. 

وإذا أراد أحد اختبار صحة ما نقوله فليطلب إسناد وزارتي الدفاع والداخلية إلى وزیرین شيعيين أو سنيين في آن واحد، أو سحب حقيبة الخارجية من الأكراد وإسنادها إلى عربي من دون تعريض سيادي مثلًا، وسيرى أن أول الأصوات التي تجابهه هي أصوات عراقية وليست أمريكية، وإن وجد معارضة أمريكية فهي نابعة من الخوف من أن يسبب العراقيون مشكلات إذن الداء فينا والحل بأيدينا.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل