; في رثاء المجاهد حسن عبد الغني | مجلة المجتمع

العنوان في رثاء المجاهد حسن عبد الغني

الكاتب علي صديق

تاريخ النشر الثلاثاء 12-فبراير-1980

مشاهدات 17

نشر في العدد 469

نشر في الصفحة 30

الثلاثاء 12-فبراير-1980

كان الفقيد حسن عبد الغني مجاهدًا في حياته وغدا ذكرى طيبة وقدوة حسنة، عرفته في أوائل الأربعينات يوم أن التقينا بمدرسة الزقازيق الثانوية وفي مسجد المدرسة تعاهدنا على العمل لدعوة الحق.

لقد كان بمثابة الأخ الأكبر رغم أنني أكبره، وذلك لروحه التي تفيض عذوبة وحنانا -كان شعلة من النشاط لا تخمد وجذوة لا تنطفئ كنت تراه في مسجد المدرسة وعلى منبره خطيبًا مؤثرا بروح صافية وحجة قوية كما كنت تراه في دار الدعوة داعيًا لنا وحركيًا منظمًا.

كان حسن طاقة إسلامية لا تهدأ ينظم المظاهرات الوطنية بعزيمة لا تليق وإقدام لا يعرف الإحجام وحذر وحيطة لا يشوبها غفلة ولا تعني ضعفًا.

تقلد مسئولية اللجنة التنفيذية لطلاب الشرقية فقاد المظاهرات ضد اتفاقية «صدقي- بيغن» التي نظمها رهطه في طول البلاد وعرضها حتى أحبطت واندحرت كما قاد المظاهرات مستنكرًا ما أقدم عليه رئيس وزراء مصر في عهد الملك السابق فاروق عندما فتح كوبري عباس على مظاهرات الجامعة التي قامت تنادي بجلاء المحتل عن البلاد فسقط الكثير من الشهداء غرقى في مياه النيل.

وارتوت الشرقية بدماء شهدائها الذين سبقوه إلى الجنة من أمثال سعد سرحان والغندور والغنيمي وكنت يا أبا طارق تزورني بالمستشفى بعد أن جرحت في وقت عزت فيه الزيارة فتمسح على قلبي بكلماتك الندية المطمئنة التي تجدد العزم وتبعث على التصميم وكنت لا تدخر جهدًا ولا مالًا في مواساة أسر الشهداء الذين كتبوا بدمائهم صفحات من نور أرض الشرقية.

وانتقل حسن إلى الجامعة ليدرس القانون بجامعة إبراهيم «عين شمس حاليًا» وواصل جهاده بعزم لا يكل واحتل صدارة الحركة الوطنية في الجامعة وفي عام ١٩٤٦ عاد يومًا إلى عرينه بالشرقية بدعوة من رفيق جهاده نجيب ليخطب في زملائه القدامى بالمدرسة يستحثهم على مواصلة الكفاح واكفهر جو المدرسة وحاصرتها قوات الأمن وألقي القبض على حسن ونجيب؛ لاتهامهما بإلقاء قنبلة صوتية بالمدرسة وأودعا سجن الزقازيق وكنت أحضر من القاهرة لمواصلة السعي نحو قضيتهم بتوجيه من الإمام الشهيد حتى تم الإفراج عنهم بعد أن مكثا في السجن بضع شهور.

وما إن تم الإفراج حتى لحق بنا في فلسطين ليواصل جهاد المدفع بعد جهاد الكلمة والقلم، وأسندت إليه قيادة فصيله مقاتلة في معسكر البريج بغزة الذي كان بقيادة شهيدنا الشيخ محمد فرغلي والأخ كامل الشريف وكان حسن مثالًا للفدائي الطاهر أحبه المجاهدون والتفوا حوله بقلوبهم وأرواحهم- قاتل اليهود في قضاء غزة في مستعمراتهم في المشبه والدنجور وكفر دیروم نسف خطوط مواصلاتهم ودمر قوافلهم وكان مضرب المثل في الفدائية التي تعيد إلى أذهاننا ذكرى أبطال الإسلام- كان يحرص على الشهادة حتى يلحق بمن سبقوه حول مستعمرة كفار ديروم أمثال عبد الرحيم عبد الخالق وعمر عبد الرؤوف كان يتولى الحراسة الليلية في الليالي القارسة البرد متمثلًا حدیث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «عينان لا تمسها النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله».

وغادر أبو طارق الجبهة الجنوبية بفلسطين وكنت ونجيب برفقته إلى جوار القدس مع قواتنا بصور باهر بقيادة المجاهد «محمود عبده» وقطع أبو طارق وصحبه طريقًا خلفيًا تحفه المخاطر وسط صحراء النقب وبين مستعمرات اليهود ودورياتهم- كان حسن يتقدم قافلتنا بقلب ثابت وجرأة نادرة.

كان يسرع الخطى حتى لا تكشفنا خيوط النهار فيطاردنا وبعد مشقة وجهد صور باهر بعد رحلة كلها مخاطر.

وفي صور باهر وصلنا نبأ استشهاد الإمام البنا برصاص الغدر والخيانة من بطانة الملك السابق وقوات بوليسه السياسي.

«السافاك» ليقدموه هدية عيد الجلوس الملكي ۱۲ فبراير.

أصر حسن على السفر إلى القاهرة عام ١٩٤٩ ليبدأ مرحلة أخرى من مراحل الكفاح ضد صنائع الاستعمار وأعوانه ولا سيما والهدنة كانت قد أعلنت بفلسطين.

انتظمت وأبو طارق في رهط المؤمنين بالقاهرة وانضم حسن إلى مكمن للمجاهدين بشبرا، وعندما أراد البوليس العباسي اقتحامه دارت معرکة مسلحة بينه وبينهم وسقط من بين رفاقه الشهيد أحمد شرف الدين.

وقبضت الحكومة على من بالمكمن وفي مقدمتهم حسن وأودعوا سجن مصر يا أبا طارق بنزيف طارئ ونقل على أثره إلى غرفة الإنعاش وسارع إخوانك يتبرعون بدمائهم وكنت تراني يا أبا طارق أقتحم عليك غرفة الإنعاش في سكون الليل حتى أطمئن عليك وكنت تشفق علي وتطلب مني العودة حتى لا أكتشف سر مرضك الذي تخفيه عني وكنت أتبع مراحل علاجك ساعة بساعة في كل وقت من ليل أو نهار لعلي أقف على تقدم في صحتك.

كنت يا أبا طارق تسارع المرض وكان يحدثني أطباؤك بأنك صرعت مرضك مرة بعد مرة ولكن يبدو أن المرض خطير وأن النكسة ليس بعدها صحوة.

لقد قاومت مرضك كثيرًا حتى أجهدك ودخلت مرحلة فقدان الوعي وصعدت روحك الطاهرة عصر يوم الجمعة ٨ من ربيع الأول سنة ١٤٠٠هـ / ٢٥ من يناير سنة۱۹۸۰م.

فإنا نرجو لك جنة الخلود يا أبا طارق وإنا على العهد لسائرون حتى نلقاك في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

رحمك الله رحمة واسعة وتقبلك في عباده الصالحين مع الأنبياء والشهداء وحسن أولئك رفيقًا، ولئن كانت العين تذرف

الدمع السخين ويعتلج في القلب الحزن الدفين إلا أننا لا نقول إلا ما يرضي ربنا «إنا لله وإنا إليه راجعون» ولا حوله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

رهن التحقيق حتى قضى ببراءته وغادر السجن عام ١٩٥١ بعد أن مكث فيه عامين ليستأنف مرحلة أخرى من مراحل كفاحه.

نظم أبو طارق والمرحوم د. سعيد النجار كتائب الجهاد في معسكر جامعة إبراهيم وقام على تدريب الطلاب الجامعيين وتسليحهم لمحاربة الإنجليز على ضفاف القنال بعد أن ألغت الحكومة معاهدة ۱۹٣٦ وكنت أتعاون معه بكتيبة مماثلة من طلاب جامعة القاهرة وشارك فيها عمر شاهين وأحمد المنيس من طلاب الجامعة بعد أن نسفوا بكمين قوة السلاح المهندسين الإنجليز.

وكان لحسن دور فعال في أحداث محنة الإخوان المسلمين عام ١٩٥٤ يوم أن اجتمعنا بعبد الناصر ما يقرب من ست ساعات نحاول فيها أن نثنيه عن انفعاله وإصراره على تعطيل القافلة التي تعمل للإسلام وأذكر أن قال له حسن: «لا نريد إلا حكمًا يحترم الإسلام فاحكم بالقرآن تجدنا جندًا نسدد خطاك» ولكن الأمور سارت على غير ما كنا نرجو.

واعتقلنا في عام ١٩٥٤ فأودع حسن «السجن الحربي» ولقى من العذاب ما لقي وظل معتقلًا حتى أفرج عنه بعد ثلاث سنوات وافترقنا بعد أن حكم عليّ ونفيت بالواحات الخارجية.

ونعود لنلتقي في بداية الستينيات بعد أن أفرج- عني التقيت به وكأنني لم أغب عنه هذه السنوات ألست كنت ألمح في عينيه عملًا جادًا يخفيه عنى ولكنني أحس به يخفي تنظيمًا لشباب مؤمن يجتمع على العمل للإسلام كان يشفق من مشاركتي له لاعتلال صحتي كما أشفق علي من مكاشفتي بمرضه الأخير.

وفي عام ١٩٦٥ اعتقل حسن وأودع السجن الحربي للمرة الرابعة وتحمل من التنكيل.

ما تقشعر منه الأبدان ولكنه صمد صمود الأبطال فلم يضعف ولم يعط الدنية من دينه رغم ما قاساه وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات امتدت إلى خمس سنوات حتى أفرج في أوائل السبعينيات ليؤدي ضريبة العمل في الميادين المتاحة وكتب برغبته في الهجرة إلى الكويت وأن مكتبه بمنيا القمح قد تعطل وانفض عنه رواده من جراء تهديد زوار الفجر لمن يترددون عليه وجاء حسن إلى الكويت عام ۱۹۷۲ ليكمل مسيره مناضلًا منافحًا عن الحق ومدافعًا عن المظلوم لقد أحبه كل من عرفه كان لا يدخر جهدًا في تقديم كل ما يستطيع لإخوانه ومحبيه وكان بذلك يكمل مشوارًا بدأه المرحوم د. سعيد النجار في البر والخير وجاءت الطامة ودخل أبو طارق المستشفى الأميري وأجريت له عملية جراحية في السادس من يناير ۱۹۸۰ و بعد أيام ثلاث انتكست عمليتك.

كلمة فرعها في السماء

منابر الجمع

يكتبها عبد الرحمن الجميعان

عبر الأديب الكبير «مصطفى صادق الرافعي» رحمه الله عن منابر الجمعات وخطبائها بزفرة تأوه وحسرة لخطباء زمانه منادياً لهم «ألا ليت المنابر الإسلامية لا يخطب عليها إلا رجال فيهم أرواح المدافع، لا رجال في أيديهم سيوف من خشب» ...

فالأديب ينادي من أراد تصدر المنابر ليخطب بالناس عليه أن يقف وهو «رابط الجأش، ثابت النظرات مالك لزمام نفسه وزمام موضوعه مستندًا إلى ما أعد من ذخيرة» ذخيرة منها القوة والنفاذ إلى القلوب قلوب المصلين المتعطشة إلى رؤية الإسلام الحنيف، وتتطلع بنظرات فيها حيرة إلى من يقودهم إلى الطريق الصحيح.

ولذلك يجب على الخطيب أن لا يتكلم عن النظافة في الإسلام أو الصحة في الإسلام، فإن هذه الأمور معلومة لدى جميع الناس فضلًا عن المصلين، بل هي اليوم لا تخدم الإسلام ولكنها تخدير لمشاعر المصلين بل على الخطيب أن يتمم رسالة المنبر، هذه الرسالة تخريج جيل جديد من الشباب مؤمن بالله وحده مرتكزًا إلى العمل الصائب، وثانيًا إثارة عواطف ومشاعر المصلين نحو الإسلام.

على الخطيب اليوم أن يتكلم بمشكلات الناس الأساسية التي نجمت عن التخلي عن الإسلام عليه أن يرفع تطلعات المصلين وأنظارهم إلى القوة والعزة والاستعلاء؛ لأن الإسلام «يعلو بالقوة ويدعو لها ويريد إخضاع الدنيا وحكم العالم» ومن الأمور التي يجب أن يراعيها الخطيب هي عدم الاكتفاء بالوعظ والإرشاد فقط فإن ذلك يكون إذا كان الإسلام هو الحاكم وهو المسيطر وحده أما والإسلام لا يحكم فإن الواجب اليوم من الخطباء هي المطالبة بتحكيم الإسلام وحده.

وهذا ما طالب به الإمام البنا خطباء عصره عندما قال لهم:

«قد يقنع المصلحون الإسلاميون برتبة الوعظ والإرشاد إذا وجدوا من أهل التنفيذ صفاءً لأوامر الله وتنفيذًا لأحكامه.. أما والحال كما نرى: التشريع الإسلامي في واد والتشريع الفعلي في واد آخر، فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بحكم الإسلام جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف»

إن على الخطيب اليوم أن يأخذ بأيدي المصلين لتطبيق الإسلام والمطالبة بتحكيمه كله ويعزيهم أن الإسلام هو وحده الذي يجب أن يحكم.. عند ذلك تكون الثمرة المرجوة من الخطبة، فلن يجد الناس أفضل من المنابر يتعظون فيها وينطلقون خلفها... فليمسك الخطيب بسيفه ليعضد كلامه، فإن الحديد يعضد الكتاب.

﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ( الحديد: 25)

الرابط المختصر :