; الطاعة | مجلة المجتمع

العنوان الطاعة

الكاتب الشيخ محمد علي

تاريخ النشر الثلاثاء 21-فبراير-1978

مشاهدات 21

نشر في العدد 387

نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 21-فبراير-1978

إن الحمد لله نستغفره ونستعينه ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن أهتدى بهدية ودعا بدعوته وسار على نهجه إلى يوم الدين ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ 

أما بعد.

يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه وهو أصدق القائلين ﴿وأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ (سورة النساء: 59).

في هذه الآية الكريمة يوضح الله لنا تبارك وتعالى مبدأ من مبادئ شريعتنا وأساسًا من أسس دعوتنا يجب على الأمة جميعًا الالتزام والتمسك بصفة عامة ويجب على من رضوا بالله ربًا وبالإسلام دينًا ومحمدًا قائدًا وزعيمًا. أن يكون تمسكهم به أشد وأقوى.

ذلكم هو مبدأ الطاعة في الإسلام مبدأ الطاعة أساس من أسس الدعوة في الإسلام وهو أساس الطاعة في هذه الآية يوضح الله لنا الأمر اطيعوا الله واطيعوا الرسول وعندما يأتي عند اطاعه أولي الأمر لا يكرر الفعل مرة أخرى فلا يقول واطيعوا أولي الأمر منكم بل يقول ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (سورة النساء 59) ، فمعنى طاعه الله ورسوله وأن تكون منشقة من طاعة الله ورسوله داخله فيها وأخذة بعناصرها ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ولو نظرت إلى الآيات في كتاب الله لوجدت منها الكثير الذي يدعو الأمة المسلمة والجماعة المسلمة إلى التمسك بمبدأ الطاعة بسم الله الرحمن الرحيم ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (سورة آل عمران: 31)، ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ (سورة آل عمران: 32)، ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (سورة الأحزاب: 21).

نجد كلمة اسوة ولم يختار الله كلمة القدوة أو المتابعة أنما اختار معنى الأسوة والأسوة أن تتابع المناسي به قولًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا، حركة وسكونًا كل ذلك يشمله معنى الأسوة ولا يشمله معنى القدوة والمتابعة لذلك الله تبارك وتعالى عندما أراد أن يأمرنا بالاهتداء بسيد الإمام محمد صلى الله عليه وسلم قال لنا ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (سورة الأحزاب: 21).

وفي آية أخرى الله تبارك وتعالى يقسم لنبيه بنفسه أن هذه الأمة إذا لم تقتد بك يا محمد وتتخذك أسوة وتطيع كل ما يصدر منك وعنك من أمر ونهي فلن يكمل لهم إيمان ولن يستقيموا على الطريق الصحيح ولن تكمل لهم العزة ولن تيسر لهم القيادة في الأرض بسم الله الرحمن الرحيم ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (سورة النساء: 65).

أنظر إلى تعبير القرآن. لا يكمل لهم إيمان حتى يجعلوا أمر الله تبارك وتعالى هو الحكم والفصل في كل شأن من أمور حياتهم. فيحكموك في شؤون الحياة أجمعها عبادة وتشريعًا ومعاملات وقضاء وأحوال وكل شأن من شؤنهم لا بد أن يطيعوا فيها أمره ويقتدوا فيها بهدية وإلا لن يكمل لهم معنى الإيمان الصحيح.

وبعد ذلك فقد ينقاد الإنسان إلى الحكم والطاعة ويجد نفسه أسى مما يعانيه من عملية الطاعة القهرية لا فقد قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ﴾ (سورة النساء: 65)، تكون نفوسهم راضية وقلوبهم مطمئنة والقيادة عندهم مستسلمة وقال تبارك وتعالى: ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (سورة النساء: 65)، عملية التسليم المطلق لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

وما معنى الطاعة الآيات التي حثت وأمرت كثيرة، ولكن ما هو مفهوم الطاعة الطاعة أن تأتمر بأمر الله ورسوله وأن تأخذ عن من يقوم على أمر الله أو دعوة الله كل أمر منه من غير تردد ما دام موافقا لأمر الله. فأنطلق بها من غير تردد واندفع في حدود الكتاب والسنة من غير تردد ما دام لا يخالف نصًا لا يترتب عليه إثم من الآثام فعليك أن تأخذ هذا الأمر وتعتقد بأنه أمر من الله تبارك وتعالى ولذلك استمع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا واطيعوا وأن تأمر عليكم عبد حبشي»، فلا بد أن تسمعوا له وتطيعوا ويقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي يدخلون الجنة قالوا كل أمتك يا رسول الله يدخلون الجنة؟ قال نعم إلا من أبى فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن يأبي قال النبي صلى الله عليه وسلم من أطاعني فقد أجاب ومن عصاني فقد أبى» أو كما قال؟

وقد كان الصحابة رضوان الله وتبارك الله عنهم مسلمين ملتزمين طائعين منفذين وذلك عندما يأتي من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أمر إلى خالد بن الوليد- وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة في بلاد الشام أن ننحى وول بدلًا منك أبا عبيدة عامر بن الجراح لو صدر هذا الأمر في وقت قتال إلى قائد عام من القوات المسلحة في عهودنا هذه وإلى أي دولة تدعي أنها وصلت إلى قمة الحضارة لأحدث ذلك بلبلة وأي بلبلة ولا حدثت ردود فعل نفسية إلى كل من مع القائد حتى يصل إلى العاملين في القوات المسلحة ولكن الانضباط والالتزام ومعرفة الواجب بدقة وتنفيذ ما يجب عليه بكامل الدقة جعل خالد ابن الوليد يتنحى بكل هدوء إلى أبي عبيدة عامر بن الجراح ولا يترك المسالة تمر دون أن يبرهن عنها أنه في قمة الطاعة وتلقى الأوامر وتنفيذها مهما كلفه ذلك وأنه في منتهى التجرد وما يجب أن يكون عليه كل مسلم ملتزم التجرد والإخلاص والصدق يقول: «والله لو كلف أمير المؤمنين امرأة في أمر القيادة لأعطيتها» ثم اقرأ معي إلى ما يتريب مخالفة الطاعة وعدم الالتزام الصحيح لمبدأ الطاعة وعندما لا يكون فيك التجرد الخالص لله ولرسوله ولمبدأ الطاعة الذي تأمر به فأنك تعرض نفسك وجماعتك وأمتك إلى الخطر إلى الفتنة لأنك لم تلزم بمبدأ الطاعة. الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه كان في يوم من الأيام في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم- والإمام مالك معروف أنه إمام مدرسة أهل الحديث في المدينة- رأى رجلًا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ملابس الإحرام فسأله ماذا تفعل أيها الرجل. قال: أريد أن أحرم بالعمرة من عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم محبة في رسول الله، قال مالك: أيها الرجل لا تفعل، قال الرجل: ولماذا؟ قال الإمام: - إني أخشى عليك الفتنة. قال الرجل: - يا إمام تخشى على الفتنة. قال الإمام: نعم وأخشى أن تتسرب منك الفتنة إلى الأمة.

ألم تقرأ قول الله تبارك وتعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.

وأنت تخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لم يحرم من هناك بل أحرم من ذي الحليفة.

ثم أن مبدأ الطاعة الذي أريد أن أوصي به المسلمين مبدأ يتساوى أمامه الناس جميعًا فلا كبير ولا صغير ولا عظيم ولا غفير ولا مدير ولا وزير الكل أمام مبدأ الطاعة سواء، ما دام يصدر إليك أمر فلا بد أن تتلقى هذا الأمر بالسمع والرضى والقبول والامتثال.

جبلة بن الايهم أحد ملوك الغساسنة أرسل إلى عمر بن الخطاب كتابًا وكتب فيه أني أريد أن أحضر إليك وأسلم قال له عمر لا مانع تعال فجاء معه خمسة مائة من أهل بيته رجالًا ونساء ففرح عمر بمقدمه لأنه أسلم وأسلم معه هذا العدد فقال لعمر: أأنت خارج إلى الحج هذا العام، قال: نعم، قال: وأنا خارج معك. خرج جبلة بن الايهم إلى الحج وأثناء الطواف داس رجل بدوي فقير على أزار جبلة عفوًا وبدون قصد فخلع أزار جبلة فما كان من جبلة إلا أن يضربه فيهشم أنفه. ذهب الرجل إلى عمر: يا أمير المؤمنين ضربني وأنا لا أتسامح في حقي فنادى أمير المؤمنين جبلة وقال له: أضربت هذا الرجل، قال: نعم ولم، قال: لأنه داس على ازاري، قال: إذن يقتص منك لأنك اعترفت قال أيقتص مني قال نعم. قال: لقد أسلمت وأريد أن يكون لي منزلة في الإسلام أكثر منها في الكفر أيقتص مني من أجل إعرابي هذا الإسلام، قال عمر: هكذا هذا هو الإسلام. قال جبلة: إذن أرتد. قال عمر: إذا ارتددت بعد أن أسلمت لقتلتك. قال جبلة: إذن أنظرني.

فبات ليلته وعندما خيم الظلام هرب عائدًا إلى بلده دون أن يراه أحد ورجع إلى الكفر مرة أخرى.

هذه الطاعة في الإسلام إذا جاء أمر من الله ورسوله فما عليك إلا الإذعان والقبول إلا إذا أمرت في منكر.

وحديث الجماعة معروف الذي رواه أحد الصحابة وذلك بأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم على جماعة أرسلها فغضب الأمير عليهم وقال لهم اجمعوا لي حطب واشعلوه فقال ألست أميركم قالوا نعم.

قال وتعلمون أن النبي أمرني عليكم قالوا نعم قال إذن ألقوا بأنفسكم في النار قالوا أنلقي بأنفسنا في النار ونحن ما أمنا إلا لننجو من النار، والله لا ندخلها.

فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له القصة قال النبي صلى الله عليه وسلم لو دخلوها ما خرجوا منها. لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

هذا هو مبدأ الطاعة فليعرفه شبابنا ليقفوا عنده وليتأملوه وليعملوا به وليكونوا على مستواه.

هذا ما أريد أن أقوله في مبدأ الطاعة واستغفر الله لي ولكم.

 

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

أين السعادة؟

نشر في العدد 8

40

الثلاثاء 05-مايو-1970

يوميات المجتمع (34)

نشر في العدد 34

23

الثلاثاء 03-نوفمبر-1970