العنوان الظلم الواقع على مسلمي البوسنة في الحرب والسلم
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 28-نوفمبر-1995
مشاهدات 21
نشر في العدد 1177
نشر في الصفحة 9
الثلاثاء 28-نوفمبر-1995
بعد أربعة وأربعين شهرًا من المذابح والمجازر وحملات الإبادة العرقية، والمجازر الجماعية، واغتصاب النساء المسلمات الطاهرات، وزج الرجال في معسكرات التعذيب والأهوال، وتدمير مدن المسلمين وقراهم، ومحاصرتهم عدة سنوات داخل بعض المدن الأخرى وعلى رأسها العاصمة البوسنية سراييفو، لتصبح أول عاصمة في التاريخ تتجاوز حاجز الألف يوم من الحصار، كل هذا حدث من خلال جرائم منظمة لم يشارك فيها الصرب وحدهم، وإنما شارك فيها الغرب عمومًا بتواطئه المكشوف مع الصرب ضد المسلمين وصمتهم إزاء ما حدث لهم، والذي كانت الدنيا كلها تشاهده عبر شاشات التلفزة العالمية. بعد كل هذا الظلم الذي وقع على المسلمين في الحرب، مارست الولايات المتحدة ظلمها على المسلمين في السلم بإجبارهم على توقيع اتفاق غير منصف في قاعدة دايتون الجوية في الولايات المتحدة في الأسبوع الماضي، وكان كل حرص الرئيس كلينتون هو أن يظهر أمام الشعب الأمريكي بأنه قد استطاع أن يحقق نجاحًا في سياسته الخارجية التي تلقى انتقادًا واسعًا لدى الأمريكيين ولدى كافة المراقبين. والعجيب أن الانتصارين اللذين يعتبر كلينتون نفسه قد حققهما في السياسة الخارجية وهما اتفاقات التسوية التي حدثت بين بعض العرب وإسرائيل في الشرق الأوسط واتفاق دايتون المتعلق ببداية التسوية في البلقان، كلاهما ضد المسلمين ومصالحهم، فالأول بكامله لصالح اليهود، والثاني بكامله لصالح الصرب والكروات، ومهما حاول الأمريكيون أن يظهروا بأن كل الأطراف قد خسرت في اتفاق دايتون، فالطرف الرئيسي الخاسر في نظر كل المراقبين هم المسلمون الذين يشكلون ما يزيد على ٤٥% من عدد سكان البوسنة، ومع ذلك فقد منحهم الاتفاق مع الكروات الذين يشكلون ١٧% من عدد السكان %٥٠% فقط من مساحة البوسنة، وهذا الوضع يجعل المسلمين مهددين بالكروات الذين لا أمان لهم، والذين يسعى زعيمهم توجمان إلى ضم إقليم الهرسك، وبعض أقاليم البوسنة إلى كرواتيا، ليقيم كرواتيا الكبرى. فيما يسعى رئيس الصرب ميلوسوفيتش أن يضم نصف البوسنة، وهي المساحة التي حصل عليها بالفعل إلى صربيا ليقيم حلم صربيا الكبرى خلال اتفاق السلام الأمريكي غير المنصف. وقد عبر الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش عن حجم الغبن الذي تعرض له المسلمون في الاتفاق الذي فرضته الولايات المتحدة قائلًا: إن أي حل قليل الإنصاف يظل أحسن وأقل كلفة من استمرار الحرب، فالمسلمون مظلومون على كل وجه، وهذا حسب تعبير الرئيس بيجوفيتش يعتبر أخف الضررين، أما أبرز مظاهر الظلم التي وقعت على المسلمين من جراء هذا الاتفاق فإنها تتمثل فيما يلي:
أولًا: منح الصرب ٥٠% من مساحة أراضي البوسنة فيما لا تزيد نسبتهم على ٣٠ % من السكان، ومنحهم ممرات واسعة داخل أراضي المسلمين لربط مناطقهم ببعضها، ومن ثم ربطها بصربيا ذاتها.
ثانيًا: الشكل المعلن لدولة البوسنة على اعتبار أنها دولة واحدة من قسمين، هما: الاتحاد الفيدرالي البوسني الكرواتي، وجمهورية صرب البوسنة، مع برلمانين ومحكمة دستورية، لا يعني سوى تقسيم أوَّلي للبوسنة مُنح الصرب فيه نصفها، فيما يتم بعد ذلك منح المسلمين الفتات وإنهاء كيانهم حال اختلافهم مع الكروات، وهو أمر وارد في أي وقت، فيما يبقى وضع العاصمة سراييفو مقلقًا من حيث عدم تبعيتها الخالصة للحكومة البوسنية ورهان وضعها بالوصاية الدولية.
ثالثًا: قبل أن يجف مداد الاتفاق الظالم للمسلمين كان مجلس الأمن يجتمع لرفع العقوبات الصورية التي كانت مفروضة على صربيا، فيما لم يتم منح المسلمين أي منفذ بحري، وإبقاء منفذهم الجوي الرئيسي -وهو مطار سراييفو- تحت المراقبة الدولية.
رابعًا: إن الشق العسكري للاتفاق أنصف الصرب أيضًا، ولم يقدم للمسلمين شيئًا سوى ما سوف يُرهن بقوات حلف الأطلسي التي ظلمت المسلمين من قبل وتخاذلت عن تقديم أية مساعدة لهم طوال ما يقرب من أربع سنوات.
خامسًا: إن هذا الاتفاق مرهون بحملة كلينتون الانتخابية، لأنه أكد أن القوات الأمريكية ستبقى في البوسنة عامًا واحدًا سواء قام سلام في البوسنة أم لم يقم. سادسًا: إن الاتفاق تغاضى عن محاسبة وعقاب مجرمي الصرب وعلى رأسهم رادوفان كار اذيتش ورادتكو ميلاديتش على جرائمهم البشعة ضد المسلمين، واكتفى بمطالبة الرئيس الصربي بإبعادهم عن تولي مهام حكومية أو في القوات المسلحة، وهذا يعتبر إقرارًا ضمنيًّا من قبل الولايات المتحدة بما ارتكبه هؤلاء من جرائم ضد المسلمين، بل إن ميلوسوفيتش نفسه يعتبر من أكبر مجرمي الحرب في البوسنة، وهذه مساواة ظالمة للجاني مع الضحية. إن هذه المعطيات تؤكد على حجم الظلم الذي وقع على مسلمي البوسنة سواء في الحرب أم في السلم، وإن هذا الاتفاق ليس سوى هدنة طويلة الأجل، وعلى المسلمين ألا يطمئنوا إلى ما ورد فيه، خاصة وأنه يكرس مطامع الصرب في البوسنة، ويفتح لهم المجال لمواصلة جرائمهم ضد من بقي من المسلمين في البلقان، خاصة في كوسوفو ومقدونيا. لقد كرست الولايات المتحدة في هذا الاتفاق مدى تحاملها على المسلمين، وأن غاية كلينتون في تقديم ورقة انتخابية لناخبيه هي الهم الأول والأخير، وليس حل مشكلة البوسنة أو وضع حد لنزيف الدماء في البلقان كما زعم، وإلا فأين كان طوال أربعة وأربعين شهرًا؟ ولماذا ظهر الآن فقط بمشروعه حينما بدأ المسلمون يحققون انتصاراتهم على الصرب؟ إن أي حل قائم على الظلم لن يستمر، وإن جولة الباطل ساعة، وجولة الحق إلى قيام الساعة. والله ولي الصابرين.
اعتذار عن خطأ
نعتذر عن الخطأ الفني الذي وقع في افتتاحية العدد الماضي، والذي سقطت بسببه العبارة الأخيرة من الافتتاحية، وهي: «حفظ الله بلد الحرمين الشريفين من كل مكروه، ورد كيد الأعداء في نحورهم».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل