; العبرة في زيارة القبور المصير الذي لا يفلت منه إنسان | مجلة المجتمع

العنوان العبرة في زيارة القبور المصير الذي لا يفلت منه إنسان

الكاتب د. إسماعيل الشطي

تاريخ النشر الثلاثاء 01-أكتوبر-1974

مشاهدات 16

نشر في العدد 220

نشر في الصفحة 12

الثلاثاء 01-أكتوبر-1974

مع استعدادي لكتابة هذا المقال.. وأثناء تتبعي للموضوع السابق.. ذكر الموت.. وتأهبي للمضي في ذكر القبور وأهوالها.. قطع رنين الهاتف ما كنت فيه.. وجاءني صوت ينساب في أسلاك الكهرباء ينعي بأسف بالغ وفاة رجل.. ابنه عزیز على نفسى.. فهو أخي في الله.. وحبيب على قلبي.. ووالد هذا الرجل من علية أشراف الكويت ونبيل ساداتها ومشايخها.. وصفوه بالورع وخشية الله بما لم يوصف كويتي مثله.. جمع العلم والتقى.. ونال الحب والاحترام من الكبار والصغار.. ويروى أنه لم تشهد الكويت جنازة كجنازته.. ولم يبق أحد في بيته إلا وبكى عليه ومشى في جنازته.. إنه الشيخ عبد الله بن خلف آل دحيان.. وابنه المتوفى محمد بن آل الشيخ.. كانت مصادفة عجيبة قدرها الله أن تكون وأنا أفكر في موضوع القبر وأهواله.. وشاء الله أن أشهد في تلك الليلة القبور والموتى.. وأشهد لحظات مواراة الجسد في التراب.. لم تكن هناك جنازة.. ولا اتباع جنازة.. ففي بلد مثل هذا البلد منعت الجنائز والمشي بها.. ولا أدري أي غافل شرع هذا.. وأي جاهل تعارف على هذا.. فهو المشهد الذي ينبه الغافلين اللاهين.. وهو المنظر الذي يذكر بالله وعذابه.. «عودوا المرضى.. واتبعوا الجنائز تذكركم الآخرة» (1).. إنها صورة حية للموت تمر أمام الناس في متاجرهم ودوائرهم.. «عن عامر بن سعد رضي الله عنه.. أنه كان قاعدًا عند ابن عمر رضى الله عنهما.. إذ طلع خباب صاحب المقصورة.. فقال: يا عبد الله بن عمر.. ألا تسمع ما يقول أبو يصبغ السماء بلونه الفاحم.. غير بقايا أنوار الكهرباء تبدو في الأفق الممتد.. وقبور ممتدة في ساحة شاسعة.. مصطنعة بشكل منتظم.. على هيئة صفوف.. كما لو كانــت متأهبة لساعة الصفر.. لحظــــــة البعث من جديد.. منظر يثير الرهبة في النفس.. ويوقفها أمام لحــــد جديد بخشوع.. وتكاثر الناس حول الحفرة الضيقة.. كلهم في قلبه شيء من الرهبة.. جسد ملفوف بكفــن.. يدس في لحده.. ويسد اللحد بالحجارة.. لينهال التراب من كل صوب.. ويمضي الناس.. يرحلون.. ويبقى الراحل في وحشة قبـره.. لتبدأ الأهوال.. فإما سعيد.. وإما شقى! عندما يموت المؤمن إن أكثر لحظات الموت رعبًا هـي لحظة غمرات الموت.. والإنسان يصارع خروج الروح.. ويعالج سكرة الموت.. فالمؤمن عندما تشخص عينـــــاه.. ويتصبب العرق منه ويحشرج صدره.. ويقشعر جلده.. وتتشنج أصابعه.. ففي مثل هذا الوقــــت تعرض سيئات الأعمال للمؤمن ليستغفر منها.. «المؤمن يموت بعرق الجبين» «۳» ما يكون في هذه الصورة إلا لخوفه من هول هذه الأعمال.. فكانت رحمة اللـه أن أعطى للمؤمــن فرصة استغفار.. وعنــد خــروج الروح.. ومفارقتها للجسد في تلك اللحظات الأخيرة.. الرهيبة.. الحرجة.. «نفس المؤمن تخرج رشحًا» «٤» وبكل يسر.. «عن البراء بن عازب رضى اللـه عنه قال: خرجنا مع رسول اللـه «ص» في جنازة رجل من الأنصار.. فانتهينا إلى القبر.. ولما يلحد بعد.. فجلس رسول اللـه «ص» وجلسنا حوله.. كأنما على رؤوسنا الطير.. وبيده عود ينكت به في الأرض.. فرفع رأسه.. فقال: «استعيذوا من عذاب القبر -مرتين أو ثلاثًا- ثم قال: إن العبـد المؤمـن إذا كان في انقطاع من الدنيا.. وإقبال مـن الآخرة.. نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه.. كأن على وجوههم الشمس.. معهم كفن من أكفان الجنة.. وحنوط «أي عطر» من حنوط الجنة.. حتى يجلسوا منـــه مـــد البصر.. ويجيء ملك الموت عليه السلام.. حتى يجلس عنـــد رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبــة.. اخرجي إلى مغفرة من اللـه ورضوان.. قال: فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في «أي فم» السقاء.. فيأخذها.. فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفــــة عين «أي الملائكة».. حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن.. وفي ذلك الحنوط.. ويخرج منه كأطيب نفحة مسك وجدت علــى وجه الأرض.. قال: فيصعدون بها.. فلا يمرون على ملأ من الملائكـــة إلا قالوا: «ما هـــذه الروح الطيبه؟ فيقولان: فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا.. حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا.. فيستفتحون له.. فيفتح له.. فيشيعه من كل سماء مقربوها إلــــى السماء التي تليها.. حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة.. فيقول اللـه عز وجل: اكتبوا كتاب عبــدي في عليين «أعلى درجة في الجنـــة» و أعيدوه إلى الأرض في جسده». «٥» • وعند المضي إلى القبر لقد أعاد الله الروح للجسد مــرة أخرى.. ولكن بغير صورة الحياة .. أعادها مؤهلة للحساب فقط.. تــرى الناس وتحدثهم من حيـــث لا يرونها ولا يسمعون حديثها.. وهذه مشيئة اللـه.. وهذه حكمتـه .. وتصيح الروح بحاملي جسدها إلـــى القبر.. وتحدثهم.. والمؤمن يبشر حامليه بالخير من حيث لا يسمعون.. قال علي بن حسين رضي اللـه عنهما: «و أما ولي اللـه إذا احتمل إلى قبره.. وبشر بالجنة.. نادى حملته: يا إخوتاه.. أما علمتم أني بشــرت بعدكم بالرضا من اللـه والجنة والنجاة من سخط الله والنار.. فعجلوا بي إلى حفرتي.. فيا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين.. والملائكة ينادون: امض ولـــي اللـه.. إلى رب كريم.. يثبت بالشيء اليسير.. العظيم الجزيل.. اللهم أجعلها غدوة أو روحة إلى الجنـــة.. فإذا أدخل القبر.. تلقى بحزمة من ريحان الجنة.. يجد ريحهـــا كل ذي ريح غير الإنس والجن». «٦» وبعد أن يوضع الجسد في حفرته.. وفي مأواه الأخير.. بدأ الحياة بظلمة في بطن أمه.. وينهيها تحـت التراب.. ليبدأ الحساب.. في داخل القبر.. • القبر تلك الحفرة الضيقة.. والمأوى الأخير في الأرض «ما يأتي على هـــذا القبر يوم إلا وهو ينادي بصوت ذلق طلق: يا ابن آدم نسيتني.. ألم تعلم أني بيت الوحدة.. وبيت الغربة.. وبيت الوحشة.. وبيت الدود.. وبيت الضيق.. إلا من وسعني اللـه عليه» «۷» والله رؤوف بعباده.. بينه وبينهم حب متبادل.. ورضاء متكافئ.. يحبهم ويحبونه.. ورضي الله عنهم ورضوا عنه.. وسبحانه رحيم رؤوف بالمؤمنين.. لا يدعهم للقبـر وضيقــه.. ولا لأفاعـي الأرض وعقاربها.. سبحانه يحيل تلك الحفرة.. إلى بستان به أشجار وثمار.. ومياه تجري.. ونسائم تتهادى.. وحور عين.. وكل ما لذ وطاب. كما أن اللـه شديد العقاب علــــى الكافرين.. لقد نسوا الله.. وسخروا من آياته.. واستهزؤا بدعاتـــه.. بل تجبروا عليهم.. وأضلوا جبلًا كثيرًا.. بل نكلوا بدعاته وعبـاده.. وشردوهم وشنقوهم ومزقوهـــم. فالله ينتقم لعباده.. ويحيل القبر إلى لهيب من نار ويضيق القبر.. «القبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار». «۷» تفانوا جميعًا فما مخبر وماتوا جميعًا ومات الخبر تروح وتغدو بنات الثرى فتمحوا محاسن تلـــك الصور فيا سائلي عن أناس مضوا أمالك فيمــا تـــرى معتبر • عذاب القبر فهو أول منازل الآخرة.. وبداية الحساب.. وفيه تقرير المصير.. فإن حق عليه العذاب.. فلا نجاة.. إلا أن شاء الله.. «عن عائشة رضي اللـه عنها، أن يهودية دخلت عليها فذكرت عـــذاب القبر.. فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر.. قالت عائشة: فسألت رسول الله «ص» عن عذاب القبر.. فقال: نعم عذاب القبر حق.. قالت فما رأيت رسول اللـه «ص» بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر» «۸». وقال النبي «ص» : «إن الموتى ليعذبون في قبورهم حتى إن البهائم لتسمع أصواتهم» «۹». وقــال «ص» «لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله يسمعكم عذاب القبر» «۱0». «كان عثمان رضى اللـه عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته.. فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي.. وتذكر القبر فتبكي!! فقال: إني سمعت رسول اللـه «ص» يقول: القبر أول منزل من منازل الآخرة فإن نجا منه.. فما بعده أيسر منه. وإن لم ينج منه فما بعده أشد.. قال وسمعت رسول اللـه «ص» يقول: ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه» «١١». • رحلة في قبور المؤمنين بشرى للمؤمنين.. بشرى للعاملين الدعاة.. الذين لا يتكبرون.. والذين يتواضعون.. أذلة على المؤمنين.. رحماء بينهم.. بشرى لمن عقـــــدوا الصفقة.. لقد ربح البيع.. فها هي أول رحلة في أول منازل الآخرة.. وها هو النجاح في أول امتحان.. وفي أول تمحيص.. طمأنينة.. وغبطة.. وفرحة.. وبشرى.. لا عذاب لكم في القبر ولا مهانة ولا هوان. «عن ابن عباس أن النبي «ص» يوم دفن سعد بن معاذ وهو قاعد على قبره قال: لو نجا أحد من فتنة القبر أو مسألة القبر، لنجا سعد بن معاذ، ولقد ضم ضمة ثم أرخي عنه». «12» «قال النبي «ص»: إن الميت إذا وضع في قبره.. إنه يسمع خفق نعالهم حين يولوا مدبرين.. فإن كان مؤمنًا.. كانت الصلاة عند رأسه.. وفي حديث آخر.. وبعد مساءلة المؤمن.. يفسح له في قبره سبعون ذراعًا في سبعين.. ثم ينور له فيه ثم يقال له: نم.. فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم؟ فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا حب أهله إليه.. حتى يبعثه الله من مضجعه». (١٤) وعن رسول الله «ص» «إن المؤمن في قبره لفي روضة خضراء.. فيرحب له قبره سبعون ذراعًا، وينور له كالقمر ليلة البدر». (١٥) تناجيك أجداث وهن صموت وسكانها تحت التراب خفوت أيا جامع الدنيا لغير بلاغه لمن تجمع الدنيا وأنت تموت هكذا تمضي الرحلة.. أسعد رحلة.. رحلة الخير والبشرى.. فليطمئن المؤمنون.. وليستمروا في زرع الأعمــال الصالحة.. وبذر الحسنات.. يتوجهوا متضرعين متبتلين إلى الله سرًا وعلانية. ونرجو أن يوفقنا الله.. لنمضى مع الكافرين رحلتهم.. نشهدهم من بعيد.. لنحمد الله على النجاة.. ونشكره على حسن الخاتمة. قف بالقبور وقل على ساحاتها من منكم المغمور في ظلماتها ومن المكرم منكم في قعرها قد ذاق برد الأمن من روعاتها أما السكون لذي العيون فواحد لا يستبين الفضل في درجاتها لو جاوبوك لأخبروك بالسن تصف الحقائق بعض من حالاتها أما المطيع فنازل في روضة يفض إلى ما شاء من دوحاتها ۱- رواه أحمد البزار وابن حبان في صحيحه وهو مرفوع. ۲- رواه مسلم. ٣- رواه أحمد النسائي والترمذي وحسنه وابن ماجه والحاكم، وقال على شرطهما وأقره الذهبي، وقال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح واعترضه المناوي بأنه قتاده رواه عن عبد الله بن بریده ولا يعرف له سماعًا وهو مرفوع. ٤- رواه الطبراني وفيه حسام بن مصك وهو ضعيف. ٥- رواه أحمد والبيرقي، وقال المنذري حديث حسن رواته محتج بهما في الصحيح ورواية البيهقي صحيحة الإسناد. ٦- رواه ابن أبى الدنيا، وخلاصة القول فيه أنه مرسل يأخذ حكم المرفوع وهو صحيح الإسناد. ٧- رواه الطبراني، وله شاهد عند الترمذي والبيهقي وقال الترمذي عن حديثه حسن غريب. ٨- متفق عليه. ۹- رواه الطبراني بإسناد حسن. ۱۰- رواه مسلم. ۱۱- رواه الترمذي، وقال حسن غريب. ۱۲- رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وقال الهيثمي رجاله موثقون. ۱۳- رواه الطبراني في الأوسط وابن حيان في صحيحه واللفظ له. ١٤- رواه الترمذي، وقال حسن غريب وابن حبان في صحيحه. ۱٥- رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه واللفظ له، وكلاهما من طريق دراج وهو يروي المناكير.
الرابط المختصر :