العنوان الفارق بين الدعوة والتنصير«10».. شهادة «سير توماس أرنولد»
الكاتب د. محمد عمارة
تاريخ النشر السبت 22-نوفمبر-2008
مشاهدات 15
نشر في العدد 1828
نشر في الصفحة 66
السبت 22-نوفمبر-2008
نستكمل شهادة العلامة سير توماس أرنولد على انتشار النصرانية بالسيف والقهر والإكراه من خلال سرده للوقائع التاريخية، ومنها:
·
«قبائل الجلا والصومال».. أدخلوا كرهًا في
الديانة المسيحية.. فقد أرغمهم ملك الحبشة على انتحال المسيحية في النصف الأخير من
القرن التاسع عشر.
·
وفي سنة 1878 - بعد
حرب سنة 1875م بين الحبشة ومصر، عقد الملك الحبشي «جون» مجمعًا يضم رجال الكنيسة
ونادوا به حكمًا أعلى في المسائل الدينية فقرر وجوب الاقتصار على دين واحد في كافة
أنحاء المملكة وأعطي المسيحيون على اختلاف طوائفهم، ما عدا البعاقبة، مهلة عامين
ليصبحوا فيها متفقين في الرأي مع كنيسة البلاد، وألزم المسلمون بالتسليم في خلال
ثلاث سنين، والوثنيون في خلال خمس، وأذاع الملك مرسومًا بعد ذلك بأيام قليلة أوضح
فيه أن مهلة السنوات الثلاث التي منحها المسلمون كانت قليلة الأهمية، وذلك أنه لم
يقتصر في المرسوم الجديد على الزامهم ببناء كنائس مسيحية متى كانوا في حاجة إليها،
ودفع العشور للقساوسة الذين في مقاطعاتهم الخاصة، بل إنه آنذر كل الموظفين
المسلمين بأن يختاروا خلال ثلاثة أشهر بين قبول التعميد أو التخلي عن مناصبهم،
ولقد تظاهر المسلمون بالقبول والخضوع، لكنهم كانوا في الخفاء يؤكدون ولاءهم
للإسلام!
وفي هذه الحملة
أرغم الملك جون سنة 1880م ما يقرب من خمسين ألفًا من المسلمين على التعميد، كما
أجبر عشرين ألفًا من أفراد إحدى القبائل الوثنية ونصف المليون من قبائل الجلا على
اعتناق المسيحية (1).
تلك هي شهادة
حقائق التاريخ والوقائع التي تجسدت في الممارسات والتطبيقات.. والتي تعلن أن
التمايز والاختلاف كان واضحًا وحاسمًا بين طريق الدعوة الإسلامية، وطريق التنصير.
ولقد تعمدنا أن
تكون هذه الشهادات من أعدل الشهود بين علماء الاستشراق ومن أوثق المصادر الغربية
التي رصدت انتشار الإسلام وقارنت بين سبل انتشاره، وسبل انتشار ونشر النصرانية في
العالم الغربي.
إن الشاهد في
قضيتنا هذه هو العالم الإنجليزي سير توماس أرنولد «1864 - 1930م» Arnold sirthomas الذي قال عنه العالم الإنجليزي الحجة البروفيسور ألفريد جيوم Alfred Guittaume، رئيس دائرة الشرق الأدنى والأوسط المعهد الدراسات الشرقية
والأفريقية لجامعة لندن: «إنه من أعاظم المستشرقين البريطانيين، تعلم في كمبردج
وقضى عدة سنوات 1888م - 1898م في الهند أستاذا للفلسفة في كلية عليكرة الإسلامية،
وأستاذًا للفلسفة في لاهور 1898 - 1904م، ومساعدًاالأمين مكتبة ديوان الهند 1904 -
1909م.
وهو أول من جلس
على منبر الأستاذية في قسم الدراسات العربية في مدرسة اللغات الشرقية بـ لندن سنة 1909م،
ثم اختير عميدًا لها.
وقد ذاع صيته
بكتابه «الدعوة إلى الإسلام» - لندن سنة 1896م، «الخلافة» أكسفورد سنة 1924م، كما
كتب دراسته الإجمالية عن الإسلام بعنوان «العقيدة الإسلامية»، وكتابه الفخم عن «التصوير
في الإسلام»، وهو صاحب فكرة كتاب «تراث الإسلام» والمشرف على تنسيقه وإخراجه.
ولقد كان ملمًا
باللغتين العربية والفارسية، إلى جانب إلمامه بمعظم اللغات الأوروبية، مالكًا
لمفاتيح عالم العصور الوسطى، وعالم العصر الحديث.
ولقد خلت كتاباته
من أية أغلاط أو حتى هفوات لاحظها عليها المتخصصون من الغربيين أو المسلمين.. هذا
عن «الشاهد».
أما مصدر هذه
الشهادات فهو الكتاب العمدة الذي كتبه أرنولد عن «الدعوة إلى الإسلام»، والذي تفرد
في هذا الباب تفردًا مطلقًا.. حتى قال عنه المستشرق الإنجليزي «ر. ا. نيكلسون« «1868
- 1945م»
:Nicholson.a.r
«إنه كتاب يفوق حد
الوصف من كل ناحية.. وهو مؤلف لا يمكن الاستغناء عنه، ويعد حجة ثابتة.. وهو من
أوله إلى آخره، برغم طابعه التاريخي ومنهجه العلمي، حجة أرنولد التي أقامها على
الجور والتعصب، وإن آراءه في الجملة خليقة بأن تؤثر حتى في هؤلاء الذين قد يظنون
أن هذا الكتاب مصدر خطر، عندما يقدرون بواعث الحماسة في نشر الدعوة الإسلامية
ونتائجها تاركين بصفة قاطعة مظهرًا من نشاط هذه الدعوة لم يحسبوا له حسابًا كما
فعل أرنولد..
إنه ليستولي علينا
الدهش كيف استطاع أرنولد أن يجمع وينقد هذا القدر الهائل من المواد المتنوعة التي
تتعلق بالكتب والمراجع التي استخدمها في الطبعة الأولى من كتاب «الدعوة إلى
الإسلام»؟! وإن نظرة واحدة، في المراجع التي اعتمد عليها المؤلف، تكفي للتحقق قيمة
الكتاب باعتباره مستودعًا وصورة للحقائق التي تتعلق بموضوعه، إنه كتاب زاخر
بالحياة.. وبينما نجده ينقلنا على التوالي من بلاد العرب إلى آسيا الغربية
وأفريقيا وإسبانيا وفارس والهند والصين والملايو، فإننا نحس من وراء سطحه الهادئ
عمق الحجج المقنعة وقوتها، وتلك الحجج التي تبعث فيه الحياة... » (2).
وبذلك - وبهذه
الدراسة - نقدم الإجابة الموضوعية والمنطقية.. والعقلانية.. والواقعية.. عن هذا
السؤال.. الذي يحسبه الكثيرون «محرجًا» وحساسا.
لماذا يمنع
المسلمون حرية التنصير في بلاد الإسلام، في الوقت الذي يدعون فيه إلى دينهم في
البلاد الغربية؟!
وهي إجابة نرجو أن
تحق الحق وتزهق الباطل، وأن تكون بمثابة الكلمة السواء، التي ندعو إليها مختلف
الفرقاء.
الهامشان
(1) توماس أرنولد «الدعوة
إلى الإسلام»، وانظر في ذلك أيضًا كتابنا «الإسلام في عيون غربية بين افتراء
الجهلاء وإنصاف العلماء» طبعة دار الشروق، القاهرة، سنة 1425 هـ - 2005م.
(2) نيكلسون «تراث الإسلام» ص 168، ترجمة: جرجيس فتح
الله، طبعة بيروت سنة 1972م، ومقدمة الطبعة الثالثة لكتاب «الدعوة إلى الإسلام» ص 15
– 17.