; آداب الاستقراض (۲ من2) المبادرة إلى سداد الدين عند توفر المال دون انتظار الأجل | مجلة المجتمع

العنوان آداب الاستقراض (۲ من2) المبادرة إلى سداد الدين عند توفر المال دون انتظار الأجل

الكاتب الدكتور محمد سليمان الأشقر

تاريخ النشر الثلاثاء 10-يناير-1995

مشاهدات 17

نشر في العدد 1133

نشر في الصفحة 60

الثلاثاء 10-يناير-1995

توثيق الديون قاعدة شرعية ترفع الخلاف وتحفظ الحقوق وتصون الأموال

في هذه الحلقة يواصل د. محمد سليمان الأشقر الإجابة عن السؤال الذي طرح في الحلقة الأولى عن الآداب التي يجب مراعاتها لمن يأخذ القرض الحسن من عدم الاقتراض إلا في حدود الضرورة القصوى مع غلبة الظن بالقدرة على السداد فلا يقترض للتقسيط في الكماليات، ولا يقترض للتنزه أو بسطة العيش او للزواج إلا إذا خاف الفتنة، كما لا يقترض لأداء حج او عمرة، ثم عرض الآداب الاقتراض، وفي هذه الحلقة يواصل عرض الموضوع فيتعرض الموضوع السداد وما يتبع عند الإعسار....

بادر إلى سداد القرض، عند توفر المال لديك، ولا تنتظر أن يكثر المال لديك حتى تؤدى ما بذمتك لا داعي للتكاسل أو التهاون أو التأخير، وأنت قادر، فالمال لصاحبه وليس لك وهو قد أقرضك لحاجتك، وقد زالت وأصبحت ورصيدك كاف، ويمكنك تفريغ ذمتك، ودفع الحقإلى أهله.

وسواء طالبك دائنك أو لم يطالبك، لأن وضعك الذي لأجله استدنت، والحاجة التي تعللت بها أمام صاحبك لتقترض منه هي أرضية الموضوع، وهو العذر المبسوط عليها، فإن زالت تلك الأرضية وسحب ذلك البساط، ارتفع الإذن، وانتقى العذر، فلم يبق إلا أداء الحق، ولا يكون ذلك إلا بالسداد.

إن الأجل الذي اشترطته عند الاقتراض لا ينفعك ولو كان قد أقرضك صاحبك على أساسه ورضي به، فإن «الاقتراض لا يتأجل بالتأجيل» كما يقول جمهور علمائنا، لأنه من أصله تبرع وإحسان، فهو كالهبة التي لم تقبض. والعارية، لا يلزم منها إلا ما مضى، أما ما هو آت فإنه تبرع لم يلزم فصاحب المال أولى بماله، وما على المحسنين من سبيل.

وتزداد بعدًا عن الصراط المستقيم إن طالبك صاحبك بماله فماطلت وأنت قادر، فقلت: غدا أقضيك، وبعد غد أدفع إليك، تقول هذا ومالك حاضر في بيتك أو هو في حسابك المصرفي ودفتر الشيكات حاضر إن ذلك إساءة منك لمن أحسن إليك، وظلم له لا يستحقه، بل يستحق شكرك وثناءك ودعاءك.

فإن ظلمته بذلك حل له عرضك، فإن انتقصك، أو ذمك وعابك، لم يكن ظالمًا ولا أثمًا. 

وحل له أن يطالب بعقوبتك لدى السلطات المختصة، لما جاء في حديث نبينا المصطفى من قوله «مطل الغني ظلم» (۱) وقال: «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته» (۲)، فإن بدر منه شيء من ذلك مما يغضبك فلا تعجل برد الكيل بالكيل، فإنك أنت البادئ بالظلم والبادئ أظلم. وإن الصاحب الحق مقالًا» (۳)

إنظار المعسر

*أما إن كنت معسرًا، فطالبك المقرض بماله، ولم يتيسر لك السداد، فابسط له عذرك واشرح له وضعك، فإنه إن كان من أهل القلوب الكبيرة المطمئنة بوعد الله سييسر عليك طمعًا في أن ييسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ويفرج كريتك لعل الله تبارك وتعالى يفرج عنه من كرب يوم القيامة.

وقبل ذلك، كان يحل لك قبول الصدقة، والأخذ من الزكاة، إن تحققت فيك حقيقة الإعصار، وكانت استدانتك لحاجة ماسة، أو ضرورة لابد منها، فإن الله تعالى جعل للغارمين نصيبا فرضاً من الزكوات، وأنت حينئذ غارم، ولا تمتنع من القبول، بل من المطالبة إن أرهقك صاحبك واشتط في المطالبة، وأبى الإنظار كل الإباء.

 فإن لج أمركما، وتمادت العسرة، ولم يتيسر السداد حتى يئست من إمكانه، لم يبق أمامك إلا أن تستعين بربك على السداد، فتقول كما علمك نبيك الله أن تبتهل إلى الله تعالى بهذا الدعاء: «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقرة» (٤).

 أما إن لان قلبه، وطمعت أن يستجيب لدواعي الرحمة، فتحلله من دينك حتى يبيحك من طلبه في الآخرة، لقول النبي صلي الله عليه وسلم: من كان له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» (٥).

إكرام المقرض دون شرط مسبق من الأخلاق الكريمة

*أما إن تيسر لك الأمر، واستطعت السداد، فقم بذلك بنفس راضية، ولسان شاكر فإن من لم يشكر الناس لم يشكر الله، وقد أسدى إليك صاحبك المعروف، فأحسن إليه كما أحسن إليك.

ولو أنك عند السداد أتيته ببدل القرض من نوعية أعلى مما استقرضت أو مواصفات أجود، فذلك أدل على كرم نفسك، وأنك من نوعيةأعلى وصفات أجود، فإن «خيار الناس خيرهم قضاء» (٦).

ولو كان فرضك نقدًا أو غيره من الربويات، فزدته على ما أقرضك، لم يكن ذلك ربا، إن لم يكن مشروطًا في العقد، كما تقدم، بل يكون من باب شكر المعروف وحسن مجازاة الإحسان بالإحسان والاقتداء بأفعال الله الكريم إذ يقول: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ(سورة البقرة:٢٤٥)، ويفعل النبي صلي الله عليه وسلم، فمما ورد عنه أنه كان في سفر، فاشترى من جابر بن عبد الله رضى الله عنه بعيرًا بأوقية من ذهب، قال جابر: «فلما قدمنا المدينة قال رسول الله صلي الله عليه وسلم له لبلال: «أعطه أوقية من ذهب وزده» قال: فأعطاني أوقية من ذهب وزادني قيراطًا»، وفي رواية اشتراه بخمس أواق قال جابر: فلما قدمت المدينة أتيته بالبعير، فزادني أوقية (٧)

أما إن أتيته بهدية قبل السداد، ولم تكن مشروطة عند الاقتراض أو قدمت له منفعة، فقد اختلف العلماء في جواز ذلك، فدعه، لأنه من المشتبهات ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، وهذا ما لم يكن بينكما مهاداة قبل ذلك، وقد جرت عادتكما به فلا بأس أن تهديه حينئذ بناء على العادة، لا بسبب القرض.

أخذ الوثيقة إن كان موثقا وإتلافها

*بعد السداد: طالب بوثيقة الدين التي كتبتها على نفسك، وبإيصال بالقبض صالح للإثبات، فذلك من الحزم، وحسن سياسة الأمور، وإن وصية الله تعالى بكتابة الدين وتوثيقه، ولكونه ﴿أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا (البقرة: 282) تدل على أن المطالبة بالوثيقة، وتوثيق السداد، لا تقل أهمية عن ذلك، وقد عبث الشيطان بأناس ضعاف النفوس من الدائنين، يستغل أحدهم عدم استرداد المدين للوثيقة، فإني أعرف شخصًا كان عليه مبلغ ضخم، فرد دينه واسترجع الوثيقة ولكنه لم يتلفها ولم يحسن الاحتفاظ بها، بل ألقاها في الشارع كما هي فرأه الدائن حين القاها، وانتظر حتى ذهب المدين، ثم أخذ الورقة. وعاد يطالب بالدين مرة أخرى، محتجًا بتلك الوثيقة، ورفع الأمر إلى المحكمة، وطال الزمن على القضية، حتى اقتنع القاضي بعد معاناة طويلة بأن الدائن ظالم، ولكن ذلك بعد أن بذل المدين والمحكمة من الجهد ما أرهقهما وأعنتهما وكان السبب ذلك الإهمال.

 وإذا أخذت الوثيقة فإما أن تتلفها، وإما أن تؤشر عليها بما يلغى قوتها الإثباتية، كشطب التوقيع مثلًا، وإما أن تطلب من الدائن تظهيرها بما يثبت قبضه لمبلغ القرض.

ولو كان الدائن طلب سداد القرض فمنعته حتى تآكلت قيمته كنت بمنزلة الغاصب فلو قضى عليك قاض بالتعويض عن الخسائر لما كان مجانبًا للحق في نظري.. والله أعلم.

* إن ترك الدائن مطالبتك بحقه، وأنت مطمئن إلى رضاء بالتأجيل، مع علمه بقدرتكعلى الوفاء، سواء أخبرك برضاه قولا أو علمته بقرائن الأحوال فلا بأس عليك من التأخر في السداد إلى وقت تعلم أنه يرضى بالتأخير إليه أما إن كان الأمر بخلاف ذلك، بأن علمت أنه غير راض عن التأخير، أو أنه إنما ترك المطالبة لعدم علمه بقدرتك على الوفاء بل هو يقدر أنك لا زلت تحت ضغط الضرورة أو الحاجة، فلا يحل لك إلا أن تسدد له، أو تخبره بما جد لك من إمكانية الوفاء، فإن أذن لك في تأخير السداد بطيبة من نفسه، وإلا وجب عليك السداد. 

وكذلك إن ترك المطالبة سهوًا منه عن حقه، أو نسيانًا له حتى عاد لا يتذكره أو كان تركه المطالبة لغيبته عن مكانك، وطالت تلك الغيبة، فعليك البحث عن مكانه ومحاولة الأداء إليه، وكذا لو كان قد مات وجهل الورثة بأن له قبلك حقا،فعليك البحث عنهم وإيصال الحق إليهم.

 فإن كان سبب تأخير أداء الحق من جهتك،كسفرك إلى بلد بعيد، وجهله بعنوانك، وعدم تيسير وسائل المطالبة، فذلك أدعى لعنايتك واهتمامك بالسداد، ولك معتبر بهذه القصة التي ضربها لنا النبي صلي الله عليه وسلم مثلًا تعليميًا يعقله العالمون:

قال البخاري: وقال الليث، حدثني جعفر ابن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله الله أنه ذكر رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم فقال: كفى بالله شهيدًا. قال: فائتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر، فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها، يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبا فاخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم آتى بها إلى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضى بك، وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدًا، فرضى بذلك. وإني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني استودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة. 

ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتي بالألف دينار فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه قال: هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه. قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدينار راشدًا» (۸).

 

الهوامش

(1) حدیث «محل الغنى ظلم...» أخرجه البخاري من رواية أبي هريرة مرفوعا «فتح الباري 5/61) وهو عند مسلم والأربعة أيضًا «الفتح الكبير».

(۲) حديث «لى الواجد يحل عرضه وعقوبته» أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي من رواية الشريد بن سويد مرفوعًا وإسناده حسن (فتح الباري 5/62)

 (۳) أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه «أتى النبي صلي الله عليه وسلم رجل يتقاضاه، فأغلظ له، فهم به أصحابه، فقال: دعوه فإن الصاحب الحق مقالًا» «فتح الباري 5/63».

(4) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء من صحيحه ٤/2048، وغيره، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه. 

(5) حديث «من كانت له مظلمة...» أخرجه البخاري في كتاب المظالم من صحيحه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه ورواه الترمذي وغيره «فتح الباري 5/101»

 (6) أخرج البخاري في كتاب الاستقراض من صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن رجلا أتي النبي صلي الله عليه وسلم بتقاضاه بعيرًا، قال: فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «أعطوه فقالوا: لا نجد إلا سنًا أفضل من سنه، فقال الرجل أوفيتني أوفاك الله، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «اعطوه فإن من خيار الناس أحسنهم قضاءه وفي رواية إن خياركم أحسنكم قضاء ورواه غيرالبخاري «فتح الباري 5/56»

(۷) حديث جابر أخرجه مسلم 3/1223

(۸) أخرجه البخاري (فتح الباري٤/469)

(۰) أستاذ بكلية الشريعة - الجامعة الأردنية.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

حج المَدين.. صحيح أم باطل؟

نشر في العدد 2122

56

الأربعاء 01-أغسطس-2018

فتاوي المجتمع (1391)

نشر في العدد 1391

16

الثلاثاء 07-مارس-2000

فتاوى المجتمع : العدد 1405

نشر في العدد 1405

13

الثلاثاء 20-يونيو-2000