العنوان القرآن وأمة العَرب
الكاتب الشيخ عبد الله النوري
تاريخ النشر الثلاثاء 29-يونيو-1971
مشاهدات 25
نشر في العدد 66
نشر في الصفحة 14

الثلاثاء 29-يونيو-1971
القرآن وأمة العَرب
بقلم: الأستاذ عبد الله النوري
﴿طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ۞ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (القصص:13:1)
العرب هم العرب قبل الإسلام وبعد الإسلام، ولكن شتان بينهم في الزمنين من قبل ومن بعد.
والله جل شأنه بعث رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم فيهم، وأنزل عليه كتابه بلغتهم.
وكانوا قبل نزول القرآن في جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء قد يعمد أحدهم إلى ابنته فيدفنها وهي حية خوفًا من عار ربما يلحق به.
وكانوا قبل نزول القرآن في فوضى، فلا وفاق يؤلف بين القلوب، ولا جامعة تجمع بين القبائل، فهم في حرب عداء، وسفك دماء.
وكان الناس طبقات سيدًا ومسودًا وشريفًا ووضيعًا وحرًا وعبيدًا، كان القوي منهم يأكل الضعيف، وكان عزيزهم يتمرغ على تراب الأوثان يطلب منها العون، ويسجد عند أقدام الأصنام يطلب منها المدد.
ذكر القرآن كل ذلك في مواضع عدة، فذكرهم بنعمة الله عليهم حيث ألف بين قلوبهم بالإسلام بعد أن كانوا أعداء.
وأحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث والميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، وحرم عليهم عبادة الأوثان وعبادة من لا يسمع دعاء ونداء، وعاب من إذا بشر بالأنثى ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَٰنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ﴾ (النحل : 58-59 )
ونزل القرآن والناس في ضلالهم منهمكون، والحرب بين القبائل مستعرة، ودعا الرسول بأمر الله إلى توحيد الله وأفراده بالعبادة، وإلى توحيد الوجهة، وتحرير الإنسان من الذلة لغير الله.
كانت دعوة الإسلام هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
معنى ذلك أن الله هو المعبود فلا معبود سواه، والإنسان كريم كرامة تجله عن أن يذل لغير المعبود الخالق البارئ المصور، وأن الإنسان أخ الإنسان، وهو عزيز لا يهون لمثله من بني الإنسان، والناس كلهم إخوة، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
وبدأت عزة النفس تجد طريقها عند من سمعوا صوت الحق وآمنوا به وقرأوا شيئًا مما نزل على رسوله فنهض بهم إيمانهم من الجهالة وأخرجهم من سراديب الضلالة
فظهروا على مسرح الوجود ليكونوا النواة الأولي لأمة القرآن.
وظهرت الأمة العربية على وجه البسيطة بعد الإسلام ولم تكن شيئًا مذكورًا قبله، أخرجها الإسلام من زوايا النسيان لتكون ملء سمع الدنيا وبصرها، وكانت به خير أمة أخرجت للناس ﴿يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر﴾ (آل عمران: 104) ويعلمون الناس الحق ويأمرون بالعدل والإحسان ويتواصون بالحق وبالصبر ليصلوا بذلك كله إلى خير يعم العالمين.
وبالإسلام دخل العرب باب التاريخ، فكان كتاب الله دستور دولتهم وقانون قضائهم.
ورائد مجتمعهم، مربي صغارهم وكبارهم، وكان كتاب الله هو الآمر الناهي في جميع مراحل الحياة في المسجد والمدرسة، وفي البيت والمتجر، وفي جميع الأدوار التي تمر بالإنسان أو يمر بها وهذه حقيقة أثبتها التاريخ ولا يستطيع أن يجحدها إلا مكابر.
من هذا نفهم أن الإسلام هو الذي علم العرب معنى الكرامة، وهداهم إلى الألفة، وأذاقهم حلاوة المجد، وعزة السؤدد.
آمنوا بأن القرآن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن ما فيه من تشريع هو من عند الله وحده، وأنهم إن تمسكوا به فلن يضلوا الطريق، لأنهم في حماية الله سبحانه وتعالى الذي اختارهم لهذا الدين جنودًا واختار لهم هذا الدين هداية وعزة، وجعلهم به خير أمة تهدي الناس وتبشر بالخير ومن كان في حماية الله فلـن يغلب، ومن يتخل الله عنه فهو من الهالكين.
وكانت الأمة العربية قبل نزول القرآن محصورة في جزيرة العرب، لا تتعدى حدودها، وجاء القرآن وعرب أممًا لم يكونوا من العرب، فأخرجهم من قائمة الشعوب، غير العربية وأثبتهم في قائمة الشعوب العربية الإسلامية.
كانت هذه الأمم تتكلم لغات مختلفة وتدين بأديان متباينة، فنطقت بلغة القرآن ودانت بدين القرآن.
واليوم وهذه الأمم تتكلم لهجات مختلفة وقد لا يفهم المشرقي منهم لهجة المغربي، ولكن إذا اجتمعا تفاهما بلغة القرآن الخالدة خلود الدهر وهي اللغة الكريمة التي حفظها الله بالقرآن والتي اكتسبت الخلود بالقرآن.
فاللغة العربية لن تبلى حتى يبلى الدهر بها نتعارف وبها نتفاهم، وعليها نجتمع، وبها يتصل بعضنا ببعض، لا أقول ذلك للعرب وحدهم، ولكن أقولها للعرب والمسلمين.
وإنه من العقوق ونكران الجميل أن نتنكر للقرآن الذي رفع الله به العرب من ذلة فأعزهم، وعلمهم به من جهل فكرمهم، وهداهم به إلى الرشاد فبصرهم وبني بهم مجدًا خالدًا باقيًا ذكره بقاء التاريخ.
عبد الله النوري
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

