; المجتمع الثقافي.. عدد 1746 | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع الثقافي.. عدد 1746

الكاتب مبارك عبد الله

تاريخ النشر السبت 07-أبريل-2007

مشاهدات 9

نشر في العدد 1746

نشر في الصفحة 44

السبت 07-أبريل-2007

قصة قصيرة -

 الكرسي الخالي

دكتور أحمد عيسى

بحث عن ساعته بين أكوام الكتب وقطع العظام الآدمية المصقولة وعن نظارته فوقها.. لم يجدهما.. استدار وهو يتثاءب وخرج من الغرفة يملأ صدره ببعض الهواء الرطب متطلعًا إلى طابور فوانيس النور في الشارع الرئيس القريب الخالي من المارة.

 أسند يديه إلى الجدار.. تتحرك المصابيح من النسمات فترفرف أجنحة الظل من طائر النور.. أمعن النظر، صار جزء من الجدار خلفه، فرأى عينه تنظر إليه، صعد أصابعه بعفوية.. إنها عدسة النظارة! ضحك من نفسه، لقد أنساه إرهاق المذاكرة أنه لم يخلعها، أدخل يده في جيبه يخرج منديلًا يمسحها، رنت ضحكاته في جنبات الدهشة.. إنها الساعة وهي تشير إلى الثانية صباحًا، هجمت عليه قافلة الصداع المشبعة بغبار التثاؤب فدخل مهزومًا، أغلق باب الغرفة واستلقى على سريره الصغير..

الطريق بين عينيه ومصباح الحجرة مشتعل بحرائق الأشعة استقرت في عينيه كتلة المصباح، عاد ببصره إلى المكتب ارتسمت على كل الأشياء مصابيح متداخلة، إنها الفرصة الأخيرة «اختبار  التشريح النهائي» الرسوب فيه يعني إعادة السنة في البداية استجاب للهاتف فأحضر الجمجمة وكتيبًا صغيرًا، وعلى جنبه على السرير أخذ يسترجع أسماء الثقوب وأماكن مرور الأعصاب، هنا فتحة العين.. ترى ماذا كانت ساحة نظره؟ المحارم، العورات، أم التفكر والتدبر؟ هنا ثقب الأذن.. أهنا دخلت موجات الكذب والمعازف واللغو، أم الصدق والقرآن والحكمة؟ استراحت كفه على الجمجمة وجذبه النوم.

 القبر.. الجماجم.. الكتب.. مقاعد الامتحان المرصوصة.. الموت.. مثلثات من الفراغ.. كور من النور المنقط النابض.. بؤر المصابيح الحمراء.. ورق الإجابة الخالي.. أصابع الفشل.. سحابات المرارة.. سأسقط.. سأقع.. طااااخ.. يداه كالجناحين تحاولان تحسس حدود الهاوية.. إحمرار العين مع لون المصباح نسجت غلالة دم على الأشياء وعلى الجمجمة الساقطة جوار السرير على الأرض! أي الجمجمتين وقعت؟ وضع كفه على رأسه ليطمئن! ثم أمسك الأخرى بتأثر وجمع نبضه القوي مع الطرقات دكتور أحمد.. أأدخل؟ ولجت الأم حاملة أكواب اللبن والشاي والماء مع الإفطار والتي امتزج بعضها على سطح الطبق الكبير حينما ارتعشت اليد من تقاطيع الجمجمة. قالت وهي تولي وجهها: أما تزال مستيقظًا؟! كان الله في عونك. إيه يا دكتور متى تتعامل مع المرضى بدلًا من الموتى؟ كانت الجمجمة لا تزال في يده، لقد علم من دراسة  التشريح أنها لشاب يحتمل أن تكون لطبيب أو لمهندس، ماذا أخذ مما جمع فأوعى؟ جعلها في مواجهته.. أين مالك؟ أين سلطانك؟ أين جاهك وجمالك؟ مس جبهته بجبهتها. سأكون مثلك!

ودعوه إلى الامتحان فرشوا رسمه بالأزاهير التي غطت رؤى الجماجم.. غادر المنزل تودعه الدعوات الطريق مزدحم كخواطره.. المواصلات صعبة كالامتحان كلها خمسة أعوام أو ستة أو عشرة وتكون عندك سيارة يا دكتور! المنزل بعيد عن الكلية.. سوف يكون لك بيت قريب يا دكتور.. الدنيا حلوة خضرة، الحياة جميلة ورحبة، انس يا أخي موضوع الجمجمة، بأصابع يده مسح الغبار المتوهم عن ملابسه وأخذ شهيقًا عميقًا..

دخل لجنة الامتحان.. صالة ممتدة مرصوصة المقاعد والمناضد.. الجميع جالسون وقد وزعت أوراق الإجابة.. هنا مكان الأحمدين، كنت أظن أني سأدخل آخرهم، ومع ذلك أمامي مقعد خال باسم أحمد علاء الدين.. انهمكت في كتابة اسمي.. انحدرت ورقة إجابة المقعد الخالي وطارت إلي أمسكتها وأعدتها. لماذا تأخر؟!

 المراقب من خلفي مر والتقط ورقة الذي أمامي.. إنه الملحق الدور الثاني الفرصة الأخيرة، اليوم بعام، المادة بسنة.. لم أحضر لظروفي في العام الفائت ولا الدور الأول.. من تراه؟ أليست له أسرة تحلم معه بعيادة وعربة، وعروس وعمارة؟! كن في الأسئلة، لكن لماذا لم يأت؟ أي شيء هذا الذي منعه؟

انتابه القلق وخرج إلى شرفة حجرته في جوف الليل يتابع طابور المصابيح وتداخل الظلال.. هناك مصباح قد انطفأ، وانفرط عقد حبات الضوء.. غدًا اليوم الثاني.. تغير وضع المقاعد أدخلت إلى الصالة العمودية ولها باب من الخلف رحت أتابع أرقام الجلوس حتى عثرت على اسمي فعرفت مقعدي، ولكن أين هو؟ مشيت خطوة للخلف فوجدت مقعده، إنه اليوم خلفي، قد يأتي من الباب الآخر بين لحظة وأخرى كنت أرهف سمعي أو ألتفت خلفي عساه يأتي. أحسست أن إنسانًا يجلس خلفي.. أين أنت يا رجل.. أهكذا يا علاء الدين.. استدرت قال لي بلهجة قاسية قبل أن أستبين ملامحه: انظر أمامك، كن في ورقتك. إنه المراقب.

في الدقائق الأخيرة نظرت للذي بجانبي وسألته هل تعرف صاحب المقعد الخالي، هذا الذي ورائي؟ مس جبهته بيده وتنهد، وحملق في وجهي ثم أجاب: لقد مات منذ عامين وقع القلم من يدي وانتابتني رعدة وأحسست بتيار كهربائي يعبر جسدي الداخلي جيئة وذهابًا، ودوائر صفراء باهتة كالفقاقيع على ورقتي.. جاء المراقب، وأخذ الورقة.. ظللت جالسًا، استعد الباقون لمغادرة المكان، قلت للزميل بصعوبة: أستحلفك بالله أتمزح؟ لا يا رجل الكل يعلمون خاصة دفعته ما عدا شؤون الطلبة كلما غاب أعطوا له الفرصة التي تليها، لقد كان شابًا منطلقًا مرحًا رياضيًا.. مات غريقًا.

غادر الجميع الصالة، أنا وحدي.. استدرت بالكرسي واضعًا خدي على راحتي فوق المقعد الخالي تجمعت خيوط الرؤى رويدًا رويدًا تنسج صورة الجمجمة بين يدي.. تتابعات من نقط الضوء وتدفقات ومضات الظلام.. طيف شاب جميل وتقاطيع الجمجمة يتنازعان فوق سطح المقعد.. أتكون جمجمة أحمد علاء الدين هي التي عندي؟ ولم لا والآن على أفق رؤيتي تمتحن وتحاسب، لكنها ليست في امتحان لها أن تعود أو تعيد.. في امتحان آخر وأخير.. أتكون جمجمته؟ لم لا؟ الدور عليك.. ألم تتبدل المقاعد في النهاية وصرت في الأمام؟ ألم ينطفئ المصباح؟!

مطارحة شعرية

محمد زهير الخطيب- كندا

علمت أن صديقي الشاعر سليم عبد القادر لن يهاجر إلى كندا لأنه يخشى أن يخسر فيها الولد.. وقد كتب قصيدة جميلة نشرت في مجلة المجتمع الغراء وموقع رابطة أدباء الشام يقول في مطلعها:

لا لــن أهاجر مضطرًا إلى كندا             

                                                     ولن أهاجر مختارًا لها أبـــــــــــدًا

إذا نجوت بنفسي ما نجوت بها      

                                                إن عشت في قلق أن أخسر الولدا

فأحببت أن أكتب له هذه الكلمات مشجعًا له على الهجرة إلى كندا:

دعني أهاجر..

دعني أهاجر مختارًا إلى كندا     

                                                   فقد سئمت من الترحال مضطهدًا                               

مهاجرًا في سبيل الله محتسبًا       

                                                   ما كان لله حاشا أن يضيع سدى

لقد نجوت بنفسي إذ رحلت لها    

                                                      أعيش في أمل أن أحفظ الولدا

وما نسيت شامي ما زهدت بها       

                                                ما زلت أهفو إلى العاصي إلى بردى                             

ما زال حبي لها تزهو براعمه           

                                                 ما زال شوقي لها في القلب متقدًا                     

لعب وجد وصحب لا مثيل لهم      

                                                   في القلب ذكراهم لا تنمحي أبدًا                     

لكنها اليوم وقد جار الطغاة بها     

                                                     على العباد وغالوا الفكر والرشدا                       

سجن صغير وسجن لا حدود له    

                                                         لك الخيار، وحال يورث الكمدا                                 

إن ضاقت الأرض في شرق بساكنها   

                                                      قد يجعل الله عند الغرب ملتحدًا                   

آمنت بالله ربًا لا شريك له      

                                                   والشام أشركت في حبي لها كندا                    

المقاومة والإرهاب بين الإسلام والغرب

من القضايا المهمة التي طرحت نفسها على الساحتين الفكرية والسياسية في المجالين الإسلامي والغربي- والتي باتت تشكل بحق إحدى أهم الإشكاليات المؤسسة، بل والمرسخة للتمايز التاريخي بين هذين العالمين- قضية المقاومة لأشكال القهر والتسلط الواقعة على بعض أجزاء العالم الإسلامي، والتصنيف الغربي الظالم لهذا الشكل الإنساني الساعي إلى كرامة وحرية إنسانية لا غبار عليها، وذلك عبر استسهال قراءتها وإحالتها إلى خانة الأفعال الإرهابية المجردة من كل بعد إنساني ومعيار أخلاقي..

شاعر المطولات د. محمود خليفة غانم: -   وطن الشاعر حيث يعيش حرًا

  • عملت ملحقًا ثقافيًا لمصر بالهند.. فانتدبت نفسي سفيرًا للأدب العربي والإسلامي بهذه البلاد

  • القاهرة: محمود خليل

الدكتور محمود خليفة غانم، شاعر المطولات الملحمية في هذا العصر، أبدع ما يزيد على ثلاثين ديوانًا من الشعر، أهمها «إرهاصات حالم»، «وألحان أيامي»، و «أطياف على الطريق»، «وأنات وأغاريد» و«زغاريد الشمس»، و«في رحاب المصطفى»، و«عودة سنمار»... وقد أثار ديوان «خذني إليك» نفسًا شعريًا جديدًا في الساحة قال عنه د. شوقي ضيف: «إنه يمتاز بخصب ملكته الشعرية وكأنما يمتح من نبع فياض».. ولخصوصيته في هذا اللون الشعري المتميز.. التقيناه.. وحاورناه..

• الشاعر د. محمود خليفة غانم.. واحد من الأفذاذ المظلومين الذين لم تلق عليهم الأضواء الكافية.. فمن هو شاعرنا؟

- اسمي محمود محمد خليفة غانم، من مواليد شبرا بالقاهرة، في ١٩٣٧/١٢/٣م من أبوين ينحدران من ريف مصر بقرية «سرنجا» بميت غمر بمحافظة الدقهلية تخرجت في كلية الآداب جامعة عين شمس- قسم اللغة العربية وآدابها- ثم حصلت على دبلوم الدراسات العليا عام ١٩٦٤م، وقد استغرقني عملي الوظيفي بوزارة التعليم العالي، ثم بالهيئة المصرية العامة للكتاب إلى أن انتدبت في الفترة من ١٩٨٥/١٠/١٩م إلى ۱۹۸۹/۱۱/۱۲م للعمل ملحقًا ثقافيًا لجمهورية مصر العربية لدى دولة الهند من خلال هذه الوظيفة السياسية رأيت نفسي قد أصبحت سفيرًا للأدب العربي في الهند.. وخلال هذه الفترة، كتبت ديوانًا ضخمًا من جزءين بعنوان: «النيل في الهند»، وهو مطبوع من مركز مولانا «أبو الكلام آزاد» الثقافي في الهند، كما شاركت في خمسة مؤتمرات أدبية عالمية بالهند خلال مدة عملي بها..

• وماذا عن الدراسات العليا العربية والأجنبية؟

- حصلت بعد ذلك على الماجستير في الأدب العربي من كلية الدراسات الإنسانية واللغات بالجامعة المكية بنيودلهي في الهند بمرتبة الشرف الأولى، وميدالية الملك فيصل عام ١٩٨٦م. ثم الدكتوراه من نفس الجامعة في «شعر المطولات في أدب المهاجر الأمريكي» بامتياز عام ۱۹۸۹م. كما منحت درجة الدكتوراه الثقافية في الآداب من جامعة الدائرة المستديرة في «بنسون»- أريزونا- بالولايات المتحدة الأمريكية عام ۱۹۸۸م، ودرجة «دكتور» في الآداب من الأكاديمية العالمية للفنون والثقافة بكاليفورنيا بالولايات المتحدة أيضًا في نوفمبر عام ۱۹۸۸م، وقد قمت خلال هذه الرحلة الإبداعية العلمية بترجمة عدة أعمال نشرت في مجلات اليونسكو حول «مستقبل التربية» بعنوان: «العمل الأكاديمي وإعداد السياسة التربوية» عام ١٩٧٩م.

• يرى البعض أن نشاطك الثقافي موزع على ٢٥ جمعية وجماعة ومنتدى وملتقى ورابطة أدبية.. بداية من جمعية الفيلم المصرية وحتى رابطة الأدب الإسلامي العالمية.. كما أن إنتاجك موزع على ٣٥ ديوانًا.. مما يوحي بشيء من الترهل الإبداعي.. فما قولك؟

- لن أقول شيئًا من عندي، بل أدعوك أن تقرأ معًا ما قاله العلامة الذي لا يعرف المجاملة الدكتور شوقي ضيف- رحمه الله- عن بعض أسفاري، حيث قال:

«هذا شاعر يقف على أرض قد أدمى فيها قدميه وهو يبحث وسط الظلام المتراكم عن شعاع من النور الهادي، ويأسى للفصحى، ويعجب لكثرة من يعادونها. كما يعجب للشعر وكثرة ما ينظم فيه من الغثاء ويتغنى بالحق والخير والحب والإيمان، وهو يتميز في أشعاره بسهولة ألفاظه، وقد تصبح سهولة مفرطة، وهي سهولة معروفة لشعراء مصر من قديم، وكأنما هي من جوهر حياتهم وروحهم، فكل ما حولهم يفيض بها، يفيض بها النيل وزروعه وسهوله المنبسطة.. ومرجع ذلك إلى أن الشعر عنده أشبه ما يكون بتيار متدفق متدافع لا يتوقف.. وبدون ريب.. في أشعاره عذوبة وبراعة، وهما يسلكانه بحق بين الشعراء المطبوعين»!!

كما يقول الناقد الكبير الدكتور عبد الفتاح الديري: «محمود خليفة غانم... صاحب نبرة متميزة، ويسعد الناقد عندما يقرأ أو يستمع إلى أشعار هذا الشاعر السبب بسيط، هو أن تصوره للشعر صحيح ولأن خياله في إبداع الصورة الشعرية سليم والشاعر الأصيل شديد الندرة»...

أما عني.. فإنني أقول: إن إنتاجي بين أيدي القراء والنقاد الكرام.. فليروا فيه رأيهم.. وحسبي أنني قدمت أمشاج روحي وأديت رسالتي بصدق وأمانة وإخلاص..

بيارق وألوان 

• وما الألوان الإبداعية التي أفرغتم فيها هذا التيار الشعري الدافق؟

- القصائد بيارق وألوان وزهور وأغاريد والقصيدة عند الشاعر الحق تكتب نفسها. وتكتسي ثوبها، وتبني معمارها، وما الشاعر إلا أمين على هذه الموهبة والتجربة.. ومن ثم فإن الشاعر الموهوب يجب أن يكون سفيرًا لهذا الإلهام الصادق.. وبالنسبة لي فقد كتبت الملحمة والقصيد الملحمي، والأنشودة وأنشودة الطفل، وكتبت الزجل العامي والأغنية، وفي مقدوري- بكل يسر- أن أكتب أي شكل إبداعي بأسلوبي الخاص، وأدواتي الفنية الخاصة، شريطة أن يكون مليئًا بالحياة والإبداع.

• مأخذ آخر.. يراه البعض بخصوص إبداعاتكم المطولة.. مفاده أنكم تلتقطون أغراضكم الإبداعية من عرض الطريق، بعيدًا عن التجارب السامقة، أو شرف الموضوع كما يقولون؟!!

- أنا لا أعرف ما يسمى «بالتجارب السامقة» أو «شرف الموضوع»... إنما يعنيني الشعر الجيد والإبداع الأصيل.. والشاعر الفنان.. يستطيع أن يجعل من أي موضوع.. موضوعًا شعريًا رفيعًا.. مثلما فعل محمود حسن إسماعيل في «أغاني الكوخ» ولعل معظم الشعراء في العالم أجمع.. يذكرون قصيدته «الناي الأخضر»، وهي الزمارة الساذجة التي يصنعها الأطفال من عود البرسيم الأخضر.. انظر كيف صنع منها محمود حسن إسماعيل تجربة إنسانية رومانسية خالدة، فياضة المعاني- رائعة المشاعر والأحاسيس..

ومثله.. الهمشري في «أحلام النارنجة» الذابلة.. وغيرهم وغيرهم.. 

فالشعر أحلام ونبض مشاعر

                                                    في لفظه يمشي على أقدام

أو قد يطير محلقًا بجناحه

                                                         المدارك العلياء كالأحلام

والشعر ميراث الزمان المنتقى

                                                           بخياله البناء لا الأوهام

والشاعر الموهوب منحة ربه

                                                  في الكون، غير المدعي النظام

والشعر ديوان الحياة نعيمها

                                                        وشقائها واسأل عن الخيام 

• وهل يتسع المجال الآن نشرًا أو إلقاء لمثل هذه المطولات البالغة التي تعكفون عليها؟

- إن مجال الإبداع رحب فسيح للمطولات والملاحم.. وكافة الأشكال الإبداعية الأصيلة. فمثلًا في الندوة العالمية عن حياة وإنجازات شيخ الإسلام ابن تيمية- في الجامعة السلفية بنارس- بالهند في الفترة من ٢٢- ٢٤ نوفمبر سنة ۱۹۸۷م، ألقيت قصيدة من المطولات الشهيرة وهي «قلادة لابن تيمية» وتحتوي على ٦٨٠ بيتًا من بحر واحد، وقافية واحدة..

ولعلك تعجب حين تعلم أنني ألقيتها في المؤتمر على مدى ثلاثة أيام، ورغم أن معظم الجمهور كان أعجميًا لا يعرف العربية، إلا أن حرصه على المتابعة والاستماع والاستمتاع كان يقدم سرًا خالدًا من أسرار لغة القرآن وجمال شعرنا العربي الأصيل..

خذني إليك

• لكم مطولة شعرية أهديتها إلى روح المصري الأصيل ابن النيل الذي لم يجد في ظلمات الظلم أحدًا غير الله سبحانه وتعالى ليقول له: «خذني إليك»... ما ملابسات هذه القصيدة الملحمية، التي تعتبر شهادة على العصر.. خاصة وقد كنت في هذه الأثناء تعمل كشخصية دبلوماسية مرموقة؟

- نعم.. أنا أعتبر هذه القصيدة شهادة على عصر تم فيه سحق إنسانية الإنسان المصري والعربي، تحت شعارات كاذبة، وأوهام زائفة في مرحلة الخمسينيات والستينيات وقد كتبتها لأسجل فيها وثيقة تاريخية على غرار نونية القرضاوي. ولإصراري على هذا الموقف، فقد طبعتها ووزعتها على حسابي الشخصي، لكل من أرى أن يهمه هذا الرأي أو الاطلاع على هذه الشهادة، وحين عملت بعد ذلك ملحقًا ثقافيًا لمصر في الهند من عام 1985م، كان أقاربي وأصدقائي، يوارونها عن عين السلطات ويجمعونها من السوق ويتخلصون منها.. وفيها أقول:

خـــــــذني إليك، لعل نارك أرحم

                                                               ما دمت قد وليت من لا يرحم

 فــــــــــالنار عندك جنة لو قورنت 

                                                               بالسجن في زنزانـــــــــة تتضرم

 جدـها تهتز في أنفــــــــــــــاسها

                                                                  آهات مظلوم، تذوب وتــكظم

رق الحديد على النوافذ خلــــته

                                                              ينشق عن قــضبانه، يتــــــــكلم

ضحت هنا الجدران مما شاهدت

                                                                وتضرعــــت من أجل من يتـألم

تبكي على الإنســــــان إنساــــة

                                                              بیعت بسوق فاز فيه الدرهـــــم

ناحت ليالــــــــينا، ودق سوادها

                                                           في الأفق أوتـــادًا، وقالت: خيمــوا

 تهم تـــــكال بلا دليــــــل دائن

                                                           طــــورًا شيوعي، وطـــورًا مسلم

قد أودعوني سجنهم، وأنا الذي

                                                            ما زلت عن أسبابه أستفــــهم

 عشرون عامًا من حياتي أهدرت

                                                            فيما أظن- بلا قضاة تــحكم

 الله أكبر تهمتي متلبــــــسًا

                                                          بالحمد- في حشد- كأني مجـرم

 إلى أن قال:

إني ألفت الظلم من عهدي به

                                                             ونسيت طعم العدل فيما يطعم

 لا صوت إلا الصمت أنوي قطعه

                                                            والخوف يمنعني ولا يقوى الفم

فالظلم سيد غابة يقتات من

                                                                  سكانها، ويعيث فيها الضيغم

 ثم أروي في هذه القصيدة الملحمية.. كيف دارت رحى الثورة الكذوب على الإنسان، حتى أضحت بلادنا مهيأة للنكسة المنتظرة عام ١٩٦٧م، إلى أن بدل بعض الحال، وتنفس الإنسان بعض حريته، وعاد بعض الناس إلى ربهم، ومن الله علينا بنصر رمضان المجيد عام ۱۹۷۲م.. وأختمها بقولي:

الله أكبر زلــــــــــــزلي يا أرضــــنا

                                                  زلزالـــــك الموعــــود يــــوم يدمـــــدم

 الله أكـــــــــبر، والنــــــبي محمد

                                                        يحدو السرايا للجهاد ونقـــــــسم

 والحمد للهادي على توفيقه

                                                     وعلى الشهيــــد لأجلــــه نـترحــــم.

الرابط المختصر :