العنوان اللقاء «التاريخي» الأسيف بين وفد الفاتيكان وعلماء الأزهر
الكاتب محمد عبد الله السمان
تاريخ النشر الثلاثاء 23-يناير-1979
مشاهدات 15
نشر في العدد 429
نشر في الصفحة 20
الثلاثاء 23-يناير-1979
• هذا اللقاء الذي أسماه الأزهر لقاءً تاريخيًّا، قد تم عقده في مكتب شيخ الأزهر السابق بين وفد من الفاتيكان، ووفد من علماء الأزهر، في الرابع من جمادى الأول 1398هـ الموافق لليوم الثاني عشر من شهر أبريل 1978م، وبرئاسة المرحوم شيخ الأزهر، هذا وقد أصدر مكتب شيخ الأزهر بيانًا مسهبًا عن هذا اللقاء في تسع وعشرين صفحة من الفولوسكاب.. سجل فيه ما دار من حوار بين أعضاء الوفدين.
• وقبل أن أعرض لهذا الحوار الذي سجله البيان المسهب، أشير إلى أن فكرة التقارب الإسلامي- المسيحي فكرة قديمة بدأت أواخر القرن الميلادي السابق، والفكرة نبتت أول ما نبتت في أذهان الجانب المسيحي ممثلًا في المبشرين ذوي الخبرة والتجارب، وعلى المستوى غير الرسمي، ولما لم تجد الفكرة ترحيبًا من الجانب الإسلامي ممثلًا في الأزهر -يوم أن كان في الأزهر علماء رجال يملكون أن يقولوا: لا.. بملء أفواههم، توقفت.. ولكن إلى أجل- ثم بعثت من جديد منذ سنوات، ولكن على المستوى شبه الرسمي شكلًا، وبدافع من الضغوط السياسية واقعًا، مرة باسم «التقارب الإسلامي المسيحي» ومرة باسم «التفاهم الإسلامي المسيحي» ومرة ثالثة باسم «التعاون الإسلامي المسيحي»، وكل الطرق تؤدي في النهاية -لا إلى روما فحسب- بل أيضًا إلى الفاتيكان ...
أذكر أنه في الربع الأخير من القرن الميلادي الماضي، قدم إلى القاهرة -لنفس الفكرة- مبشر فرنسي، وكانت وجهته الأزهر -بالطبع- وكان أن حول الأزهر المبشر الفرنسي إلى الشيخ حسن الطويل أحد كبار علمائه المبرزين والشجعان أيضًا، كان الشيخ حسن الطويل في ذاك الوقت يستجم في قريته، ووافق المبشر الفرنسي على السفر إلى القرية، معتقدًا أنه إذا استطاع إقناع الشيخ بفكرته، فإن مهمته تكون قد قاربت النجاح، وهمس إلى المبشر أن الضيافة العربية ثلاثة أيام، ويقتضي ذلك ألا يبدأ مهمته إلا بعد انتهاء الأيام الثلاثة، وهذا تقليد يجب عليه مراعاته، وله بعد ذلك أن يتحدث مع الشيخ فيما جاء من أجله، وكان يقدم للمبشر الفرنسي ضمن طعام الإفطار «الفول المدمس» الذي أعجب به أيما إعجاب، وفي بداية اليوم الرابع، وفي لحظات الإفطار، بدأ الضيف في شرح الفكرة والشيخ يصغي ويهز رأسه لا أكثر، ثم سأل الضيف الشيخ رأيه في الفكرة -فكرة التقارب الإسلامي المسيحي- وكانت إجابة الشيخ: «كل فولًا يا خواجا» وأدرك المبشر الفرنسي بذكائه أن مهمته قد انتهت بالرفض، وعاد إلى فرنسا بخفي حنين ...
• قدمت هذه المقدمة ليدرك القارئ أن الأزهر كان فيما مضى يمثل مركز الثقل في العالم الإسلامي -لا بمعناه- ولكن بمن فيه من رجال، وقد مضى هذا الأزهر، وخلفه أزهر جديد لا يمت بصلة إلى سلفه العظيم، أزهر جديد هو إحدى المصالح الحكومية التابعة للدولة، فإذا أرادت سياسة الدولة شيئًا، كان أعجز من أن يناقش الإرادة العليا للدولة، فضلًا عن أن يرفضها أو حتى يعقب عليها ...
ومنذ سنوات أعلن الفاتيكان في وثيقة أن اليهود أبرياء من دم المسيح وهللت اليهودية العالمية لهذه الوثيقة، التي كان لأمريكا فيها اليد الطولى، وقد أريد في مصر أن يكون لهذه الوثيقة الفاتيكانية رد فعل قوي وكان أن أصدرت الطائفة الأرثوذكسية مذكرة تنتقص فيها وثيقة الفاتيكان، وتؤكد أن اليهود هم قتلة المسيح، ولقيت المذكرة ترحيبًا في شتى وسائل الإعلام، ولم يقل الأزهر شيئًا، والمسألة تمس عقيدة الإسلام، لكن التليفزيون خصص حلقة من الحلقات «الدينية» كان ضيوفها بعض شيوخ الأزهر المعروفين، وليس مهمًّا ما دار في هذه الحلقة، إنما المهم ما جاء على لسان مقدم الحلقة، قال بالحرف الواحد: صحيح إننا -كمسلمين- نعتقد أن المسيح لم يقتل ولم يصلب، ولكن شبه لهم، وقد رفعه الله إليه، لكن الواجب علينا أن نؤازر إخواننا في الوطن، وأن نقف إلى جانبهم -يقصد بهؤلاء الإخوان في الوطن، رجال الكنيسة المصرية الذين ردوا على وثيقة الفاتيكان، مؤكدين أن اليهود هم الذين صلبوا المسيح وقتلوه، والعجيب أن ضيوف الحلقة اكتفوا بهز رؤوسهم بما حملت فوقها من عمائم ...
• ولنعد إلى الحوار الذي دار بين كل من وفد الفاتيكان ووفد علماء الأزهر، والمسجل في بيان مكتب شيخ الأزهر، وأول ما يلفت النظر، أن السيد سفير مصر لدى الفاتيكان حضر الحوار مع أنه حوار فكري لا يدخل ضمن اختصاصاته، وهذا مما يؤكد الطابع السياسي لفكرة الحوار نفسه، كان رئيس وفد الفاتيكان كاردينالا هو رئيس أمانة الشئون غير المسيحية بالفاتيكان، وكان رئيس وفد علماء الأزهر هو المرحوم شيخ الأزهر السابق ومن أبرز أعضاء وفد الأزهر وزير الدولة لشئون الأوقاف والأزهر، وكان بقية الأعضاء بحكم وظائفهم بغض النظر عن قدراتهم أو عدم قدراتهم العلمية.
بدأ المرحوم شيخ الأزهر السابق بإلقاء بيانه، وهو في مجمله بيان إنشائي استوعب أربع صفحات أو أكثر، فهؤلاء القساوسة يحفظون عن ظهر قلب الآيات القرآنية التي تلاها الشيخ عليهم، والتي تكرم المسيح وأمه مريم، وحدد الشيخ المبادئ التي يجب أن تسود هذا الحوار أو التفاهم:
1- هو أن يكون محمد عليه السلام في الحوار له تقديره في أحاديث إخواننا -هكذا- المسيحيين.
2- أن نتكاتف في القيام في وجه كل انحراف يريد أن يسير بالإنسانية إلى الإلحاد ...
3- أن نتكاتف في نشر لغة الرحمة في الشرق والغرب ...
4- أن نتكاتف في وجه التفرقة العنصرية ...
وتحدث الكاردينال سيرجيوبينيد ولي رئيس الوفد الفاتيكاني فشكر الأزهر على دعوته، وقال: إننا لسنا مدفوعين بالرغبة في نقل عقيدتنا إليكم، أو نقل أصحاب عقيدة إلى عقيدة أخرى ولكننا مدفوعون بالرغبة في السلام ...
وتحدث صهر الشيخ الدكتور الحسيني هاشم من منطلق الحديث عن السلام، عن مبادرة السلام، وأن أسسها واضحة وعادلة، كذلك تحدث الدكتور عبد الجليل شلبي الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، فعرض من التاريخ سماحة الإسلام في معاملة المسيحيين ...
وتحدث من الجانب الفاتيكاني الأب جوميه عن المناخ اللاهوتي والحوار الجديد في الكنيسة تجاه العالم، وكان حديثًا له مغزاه، ولقد أبدى الأب المتحدث الرغبة عند المسيحيين في أن يعرفوا الإسلام معرفة أدق، وأن تكون الرغبة أيضًا عند المسلمين معرفة المسيحية معرفة أدق ...
كذلك تحدث البروفيسور آري وست عن السلوك الحواري، فاعترف في كلمته بأن هناك بعض التناقضات بين المسيحية والإسلام، وهي تناقضات جوهرية، لذلك اقترح فكرة «قبول المؤقت» يعني طرح التناقض الجوهري جانبًا ...
• وبعد ...
فواضح أن الأزهر هو الداعي، وحضور سفير مصر لدى الفاتيكان الحوار يؤكد الطابع السياسي للفكرة، وواضح أيضًا أن هذا الحوار بين الفاتيكان والأزهر فصل من المسرحية التي لم تتم فصولها بعد؛ ففي إسبانيا والنمسا ولندن انعقدت مؤتمرات للتقارب أو التفاهم بين الإسلام والمسيحية، وواضح ثالثًا أن للاتجاه المسيحي أهدافًا في هذه المناورات لمصلحة المسيحية وليس لمصلحة الإسلام بحال من الأحوال، وإذا كان مما يبرز على السطح في هذه المناورات لمصلحة المسيحية وليس لمصلحة الإسلام بحال من الأحوال. وإذا كان مما يبرز على السطح في هذه المناورات: فكرة السلام، أو فكرة مقاومة الإلحاد، أو فكرة التعاون على البر والتقوى، فإن هذه جميعًا مجرد شعارات للتغطية لا أكثر، ومما يؤسف له، أن الدول المسلمة المحافظ منها وغير المحافظ قد انساقت وراء هذه الخطة مكرهة، وحسبنا أن تكون أمريكا هي المتبنية للخطة كاملة ...
في زيارة البابا شنودة -مصر- إلى أمريكا، سأل الرئيس كارتر البابا عن عدد الكنائس في القاهرة، وهو سؤال له مغزاه، فالرئيس كارتر لم تشغله أهم القضايا العالمية عن أن يطمئن إلى عدد الكنائس في القاهرة.
لذلك كنت أود في هذا الحوار الأخير بين الفاتيكان والأزهر أن تثار مسألتان مهمتان:
المسألة الأولى: كيف يمكن أن يقوم أدنى تقارب أو تفاهم إسلامي مسيحي وحروب الإبادة ضد المسلمين قائمة على أشدها باسم الصليب؟
المسألة الأخرى: هل يمكن أن يكون هناك تقارب أو تفاهم إسلامي مسيحي، والزحف التبشيري الصليبي يزداد توغلًا في ديار المسلمين، وأبرز مثل له، ما يجري اليوم في إندونيسيا..؟
إن إيطاليا لم تسمح إلا منذ عام بإنشاء مسجد للمسلمين، بينما لدينا دول مسلمة مائة في المائة سمحت بإقامة العديد من الكنائس الشاهقة لمجرد أن بها عددًا من الموظفين المسيحيين...
• وبعد مرة أخرى:
فلأمريكا أن تفعل ما تشاء، وللأنظمة الحاكمة في ديار المسلمين أن تخضع لأمريكا ما شاء لها أن تخضع في ذلة ومسكنة، لكن الكلمة الأخيرة للشعوب المسلمة، حين تسترد وجودها وترفض أن تعيش إلى الأبد مغلوبة على أمرها ...
والله غالب على أمره...!
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل