; المؤتمر الدولي لمنع الجريمة بالقاهرة فصل جديد من فصول دستور العالم! | مجلة المجتمع

العنوان المؤتمر الدولي لمنع الجريمة بالقاهرة فصل جديد من فصول دستور العالم!

الكاتب عبدالستار ابو حسين

تاريخ النشر الثلاثاء 16-مايو-1995

مشاهدات 12

نشر في العدد 1150

نشر في الصفحة 32

الثلاثاء 16-مايو-1995

أجندة خفية وجهت أعمال المؤتمر وتجاهلت القضايا الهامة

• تمطيط مفهوم الإرهاب.. لتطبيقه على المعارضة السياسية وحركات التحرر الوطني

• إجهاض محاولات تنظيم زيارة وفد من المؤتمر للسجون المصرية 

• رئيس الوفد الصهيوني يكشف مساعي بلاده مع مصر لإنشاء مركز إقليمي لمنع الجريمة

القاهرة: عبد الستار أبو حسين

للعام الثاني على التوالي تستضيف القاهرة مؤتمرًا دوليًّا من تلك المؤتمرات التي تأتي في سياق تنميط أساليب مواجهة المشاكل في العالم وإعداد دستور موحد في هذا الصدد يستوحي تجربة الغرب وضرورات النظام الدولي الجديد. في العام الماضي جاء مؤتمر السكان في القاهرة، وكان قبله مؤتمر الأرض في ريودي جانيرو، ثم مؤتمر حقوق الإنسان في فيينا، وأخيرًا مؤتمر منع الجريمة ومعاملة المجرمين في الفترة «۲۹ إبريل- ٨ مايو» الذي شاركت فيه ١٤٢ دولة لاستكمال أبواب دستور جديد للعالم وفق رؤية ما يسمى بالنظام الدولي الجديد.

وقد كان حرص السلطات المصرية لاستضافة هذا المؤتمر ملفتًا للنظر حيث يرى المسئولون المصريون أن إقامة المؤتمرات الدولية في القاهرة أكبر دليل على شيوع الأمن والاستقرار في البلاد رغم أن استضافة مؤتمر السكان في العام الماضي استلزم حبس ١٢ مليونًا -هم سكان القاهرة- في منازلهم على حد وصف إحدى وكالات الأنباء العالمية، إلا أن المهمة في مؤتمر الجريمة كانت أيسر.

لقد تقدمت كل من مصر وتونس بعرض إلى الأمم المتحدة لاستضافة هذا المؤتمر، فقبل طلب تونس ورفض الطلب المصري لأنه لم يكن قد مر أشهر على استضافة مؤتمر السكان، إلا أن تونس عادت واعتذرت عن استضافة المؤتمر مما عدل موقف الأمم المتحدة من الطلب المصري.

الأجندة الخفية

كان مضحكا -والمؤتمر ينعقد في القاهرة- أن انتقلت إليه عدوى الاجتماعات المحلية، فبعد اليومين الأولين انتشرت ظاهرة خلو المقاعد ونوم المشاركين في جلساته المختلفة، ربما يفسر ذلك أن تسيير المؤتمر خضع لأجندة خفية تختلف عن تلك التي وزعت على المشاركين؛ فقد تضمن جدول أعمال المؤتمر قضايا على جانب كبير من الأهمية مثل «التعاون الدولي من أجل تدعيم حكم القانون» و«مكافحة الجريمة الاقتصادية» و«رفع مستوى الشرطة وأنظمة العدالة الجنائية» و«منع الجريمة في المناطق الحضرية» و«مكافحة جرائم البيئة وجرائم الأحداث»، وهي قضايا كانت جديرة بحماس ومشاركة كل أعضاء المؤتمر إلا أن ما شهده المؤتمر كان شيئًا مختلفًا.

لقد استعدت الحكومة المصرية مسبقًا لتوظيف المؤتمر من أجل إضفاء الشرعية على أعمال التنكيل التي تمارسها بحق المعارضة الإسلامية بعد أن شهدت الآونة الأخيرة زيادة وتيرة اللوم الدولي على انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وكان آخرها التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية الذي أثار أزمة بين البلدين، بل تجاوز الطموح المصري تفنيد التهم الموجهة للحكومة بانتهاك حقوق الإنسان وسعى لتسليم المطلوبين من أعضاء الجماعات الإسلامية الفارين في الخارج، وقال وزير الداخلية صراحة: «نحن نسعى لتسلم رءوس الإرهاب بالخارج»، ولذلك شهد المؤتمر حضورًا مكثفًا من جانب وزارات العدل والخارجية والداخلية والسياحة والشئون الاجتماعية المصرية التي أجرت اتصالات ومفاوضات جانبية مع وفود الدول المختلفة لتمرير مشروعي قرارين: أحدهما باعتبار الإرهاب جريمة منظمة، والثاني بإقامة مركز إقليمي لمكافحة الجريمة في القاهرة، ونجحت في ذلك.

وتحمست للقرار المصري كل من الجزائر وتونس وتركيا وإسرائيل؛ حيث سعت كل واحدة منها لتحقيق هدف محدد، فالجزائر جاءت للمؤتمر بحثًا عن تأييد دولي للحكومة التي تخوض حربًا أهلية منذ الانقلاب على الديمقراطية عام ۱۹۹۲. وكان رئيس الوفد الجزائري ينثر التحذيرات مما يحدث في بلاده على كل من يقابله؛ لأن «الإرهاب لا يرتبط بمحددات جغرافية أو اجتماعية، ويرمي لزعزعة الاستقرار وتحقيق أهداف سياسية غامضة»، وحتى يمكن تجنيد أكبر عدد من الدول راح المتحمسون لمشروع القرار المصري يؤكدون الربط بين الإرهاب والاتجار في المخدرات والجريمة الاقتصادية، ولذلك فعلى كل من يسعى لمحاربة النوعين الأخيرين من الجرائم أن يحارب الإرهاب أيضًا.

موضة الإرهاب

لقد صاغت كل دولة مشاكلها المزمنة في قالب «الإرهاب» لتستحوذ بركات النظام الدولي الجديد، فتركيا اعتبرت الحرب التي تخوضها مع الأكراد حربًا ضد الإرهاب تتطلب من الدول الأخرى الامتناع عن تنظيم أعمال إرهابية في دول أخرى، واعتبرت ما تتعرض له الأقلية التركية في أوربا نوعًا من العنصرية والتعصب وكراهية الأجانب، وبالتالي فهي جرائم يعاقب عليها القانون، وتونس دعت إلى اعتبار التعصب الديني شكلًا من أشكال الجريمة المنظمة، وقدمت مشروع قرار في هذا الصدد تم استبعاده.

أما رئيس وفد العدو الصهيوني ووزير الشرطة موشيه شاحال فقد تحمس لاعتبار الإرهاب جريمة منظمة وكشف أن بلاده تعمل مع مصر ودول أخرى في المنطقة لإقامة مركز إقليمي دولي للتدريب في مجال منع الجريمة وتعزيز إنفاذ القانون.

ورغم هذا الحماس الذي يصل لحد الهوس ضد الإرهاب والإرهابيين فإن أحدًا لم يكلف نفسه بتقديم تعريف محدد لذلك الإرهاب الذي أدانه المؤتمر واعتبره جريمة منظمة، بل ترك الأمر لكل دولة وقدرتها على إقناع الآخرين على أن المشكلة التي تواجهها هي «مشكلة إرهاب»، وهكذا ظل الباب مفتوحًا أمام إسرائيل وواشنطن لاعتبار حركات حماس والجهاد وحزب الله حركات إرهابية! رغم أنها تمارس عملًا مشروعًا وقف القانون الدولي معه لتحرير التراب الوطني من الاحتلال.

بل إن الجريمة المنظمة -التي اعتبر المؤتمر الإرهاب شكلًا من أشكالها- لا تحظى بتعريف متفق عليه مما حدا بمندوب ليبيا في المؤتمر إلى اقتراح وضع صيغة دولية ترعاها الأمم المتحدة تتضمن بيانًا لمفهوم الجريمة المنظمة، وكما قال لى أحد رؤساء الوفود العربية «فإن إسرائيل هي المستفيد الوحيد من تمطيط مفهوم الإرهاب»، وذلك أن الدول التي تحمست لاعتبار الإرهاب جريمة منظمة وحصلت على قرار بذلك كانت تستهدف بالدرجة الأولى إعادة عناصر المعارضة الإسلامية في الخارج، إلا أن هذه العملية مقننة في اتفاقيات دولية لتبادل المجرمين لا يستطيع المؤتمر تجاوزها.

تسليم المعارضين

وقد اصطدمت جهود إعادة المعارضين السياسيين بالخارج -التي بذلتها بعض الدول- بعراقيل موضوعية لم يستطع المؤتمر تجاوزها منها أن كل اتفاقيات تسليم المجرمين تستثني المتهمين السياسيين وتشترط أن تكون الجرائم الجائز التسليم بشأنها جرائم تعاقب عليها قوانين كلا الطرفين -طالب التسليم والمطلوب منه التسليم- بالسجن لمدة لا تقل عن سنة، وقد كان هذا الشرط وراء الرفض الأمريكي لتسليم د. عمر عبد الرحمن -قبل اتهامه في حادث المركز التجاري- إلى مصر؛ لأن الحكم الصادر ضده بسبب أعمال تجمهر وتظاهر وهي أعمال لا يجرمها القانون الأمريكي.

كما اصطدمت محاولات تطبيق اتفاقيات تبادل المجرمين على المعارضين السياسيين بالمادة الثالثة من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي تمنع طرد شخص أو إرجاعه أو تسليمه إلى دولة أخرى إذا كانت هناك أسباب كافية للاعتقاد بأنه سيتعرض لخطر التعذيب، ولا توجد دولة من الدول التي تحمست لتسليم المعارضين السياسيين إلا ولها سجل مشين في مسألة حقوق الإنسان. ولذلك لم تستطع السلطات المصرية أن تخطو الخطوة التالية والأهم بعد نجاحها في حمل المؤتمر على اعتبار الإرهاب جريمة منظمة وهي الحصول على موافقة الدول التي يقيم فيها عناصر من الجماعات الإسلامية الصادرة بحقهم أحكام إدانة بتسليمهم؛ لأن هذه الأحكام صادرة من هيئات قضائية استثنائية -محاكم أمن دولة ومحاكم عسكرية- وهي الهيئات التي تعرضت لهجوم عنيف في جلسات المؤتمر.

أما «كعب أخيل» في جهود السلطات المصرية في المؤتمر لتسلم من تسميهم بالإرهابيين في الخارج فهو الأوضاع في السجون المصرية، فقد وضعت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أجهزة الأمن في موقف صعب عندما تبنت الدعوة إلى زيارة وفد من المؤتمر لثلاثة سجون مصرية هي: سجن العقرب -شديد الحراسة- وسجن وادي النطرون، وسجن الوادي الجديد للوقوف على حقيقة التقارير التي أعدتها المنظمة عن تفشي التعذيب في هذه السجون وبلوغه لحد القتل.

كان رد وزارة الداخلية على هذا الطلب الذي تردد في أروقة ومداولات المنظمات غير الحكومية والجلسات التي تبحث «مؤسسات الإصلاح» أن الوزارة لا تمانع في إتمام هذه الزيارة وأنها بصدد الحصول على الموافقات اللازمة لذلك من الهيئات القضائية، وكان ذلك موقفًا تكتيكيًّا الهدف منه تمرير المشروع المصري الخاص بالإرهاب، ولذلك تغير الموقف من هذه الزيارة بعد ضمان الأغلبية اللازمة التمرير هذا المشروع؛ إذ أعلن المتحدث باسم الوفد المصري في المؤتمر أن هذا الطلب لا يدخل في جدول أعمال المؤتمر ويعد تدخلًا في الشئون الداخلية لمصر! ولم ينس أن يهاجم كل التقارير التي تتحدث عن وقوع التعذيب في السجون المصرية وعلى رأسها تقارير الخارجية الأمريكية ومنظمة العفو الدولية ومنظمة ميدل إيست ووتش والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان.

وهكذا سيطرت قضية الإرهاب على مداولات المؤتمر وضاعت فرصة التصدي لجرائم حقيقية أكثر خطورة كتهريب أموال دول الجنوب إلى دول الشمال ودعم استقلال القضاء وسيادة القانون حتى أن أحد خبراء الجريمة المشاركين في المؤتمر علق بقوله: «ألم يكن من الأجدى التصدي لجريمة نزح أموال واقتصاديات الجنوب وتهريبها للشمال كحل لمشكلة العنف والإرهاب.. لقد تم تهريب ۱۰۰ مليار دولار من مصر طوال السنوات الخمس عشرة الماضية كانت تكفي لحل كل مشاكلها الاقتصادية، ولكن يبدو أن المستفيد من كل ذلك هو دول الشمال، وبالتالي فلا مانع من استمرار تلقيها مزيدًا من أموال الجنوب».

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

الشباب (116)

نشر في العدد 116

14

الثلاثاء 05-سبتمبر-1972

المجتمع الإسلامي (1228)

نشر في العدد 1228

10

الثلاثاء 03-ديسمبر-1996

المجتمع الثقافي (1565)

نشر في العدد 1565

8

السبت 23-أغسطس-2003