العنوان المجتمع الأسري (1628)
الكاتب إيهاب صلاح العشري
تاريخ النشر السبت 27-نوفمبر-2004
مشاهدات 13
نشر في العدد 1628
نشر في الصفحة 60
السبت 27-نوفمبر-2004
شكاوى المراهقين من الآباء
أحيانًا يظن الأب أن الابن ما زال صغيرًا فيأمره بأشياء ويأتي بعكسها!!
يشتكي الوالدان أو المعلم كثيرًا من المراهقين، وذلك راجع -في أغلب الأحيان- لعدم إجادتهم التعامل معهم.
ومن خلال تجربتي فإن المراهقين لديهم شكواهم الكثيرة –أيضًا– من الآباء.
ومن المفيد أن أنقل بعض هذه الشكاوى لعلها تكون صرخة المراهقين إلى الآباء، ولعلنا نوجد جوًا من التفاهم تكون نتيجته لصالح هؤلاء المراهقين ولأسرهم معًا.
- أبي يدعو إلى شيء ويأتي عكسه: أحيانًا يظن الأب أن الابن مازال صغيرًا لا يفهم ما يدور حوله، فيأمره بأشياء وفضائل ثم يأتي عكسها ويظن أن الابن لا يفهم ذلك.
اشتكى أحد الآباء قائلًا إن ابني أصبح دائم الكذب حيث يخبرني بأشياء كثيرة وعندما أتحقق منها أجده قد كذب عليّ ولم يخبرني الحقيقة، فقلت له: سأتحدث مع الابن، وعندما أخبرته بشكوى والده كان رده عجيبًا حيث قال: إن أبي هو الذي علمني الكذب، فذات مرة دق جرس الهاتف وكان صديق والدي على الطرف الآخر من الهاتف وسألني هل والدك موجود؟ فقلت انتظر حتى أرى وعندما أخبرت والدي بذلك قال لي: اذهب وقل له إن أبي ليس موجودًا.
فأبي يأمرني بأشياء ثم يفعل عكسها تمامًا، فمثلًا يأمرني أن أصدق الوعد، مع أنه ما وعدني أن نخرج للتنزه ثم وفي بوعده.
فلنكن في غاية الدقة حينما نتعامل مع المراهقين، لأن الابن يأخذ كل ما يقوله المربي على أنه حقيقة مسلم بها.
- أبي يريدني مثله: كانت شكوى أحد المراهقين: إن أبي طبيب مشهور فقلت وما العيب في ذلك؟ فقال: «لا شيء سوى أنه يريدني مثله تمامًا، وأنا لا أهوى مهنة الطب مطلقًا، تناقشت معه كثيرًا في ذلك إلا أنه ما زال مصرًا على رأيه، وبذلك سوف يحولني إلى إنسان تعيس مدى حياتي، لأنه سيفرض على خط حياة لا أحبه ولا أهواه».
ولست أدري لماذا يصر بعض الآباء على ذلك، إن أجمل شيء في الحياة أن يحياها كل إنسان حسب رغبته ما دام لا يخالف أوامر الله عز وجل.
- أبي يظنني ملاكًا لا أخطئ: فحينما أرتكب خطأ ما ولو صغيرًا وتافهًا ينهال على بالسباب والشتائم والضرب، وينسى أنني ما زلت أحب اللعب والذهاب مع الأصدقاء والاشتراك في الأنشطة المختلفة، وهذا يجعلني أخطئ في أحيان كثيرة.
إن الخطأ سمة من سمات البشر فكل بني آدم خطاء، ودور المربي هو التوجيه والنصح والإرشاد، حيث لا يجب أن ننصب أنفسنا في دور الشرطي عند التعامل مع المراهق. اتركه يجرب ويخطئ، وأنت وجه وأرشد وصوب، وهكذا تمضي الحياة قدمًا.
- أبي مشغول: «لا يعرف عني سوى القليل فهو دائم الخروج من المنزل بحجة أنه مشغول، إنني لا أتذكر أنه جلس معي وتحدثنا سويًا سوى مرات قليلة».
ذات مرة جاءنا أحدهم يشتكي من سوء أدب ولده في تعامله معه، وبينما الأب مستمر في شكواه وجدنا الابن قد قام من مكانه، وقال: «ماذا تعرف عني؟ إنك أبي بالاسم فقط، إنك لا تعرف عني وعن مشاكلي أي شيء».
وهكذا فقد عق الأب ابنه قبل أن يعقه ابنه، إن الانشغال بالدنيا وأمورها لا يجب أن يكون عائقًا دون الاهتمام بالأبناء، لأن كل منا راع ومسؤول عن رعيته.
- إنه يريدني رجلًا: فإذا بدر مني أي تصرف مهما كان صغيرًا فإنه يبدأ في التوبيخ ثم يطالبني بأن أتصرف كرجل، مما يسبب لي كثيرًا من الضيق لأنني لا أخذ حريتي في اللعب والخروج مع أصدقائي.
لا ينبغي التعجل مع المراهق ومطالبته بما نطالب به الكبار، ولابد أن نعلم أن المراهق لا هو طفل ولا هو رجل، فهو مرحلة وسط بين المرحلتين، ولذا فيجب أن نأخذ الحلول الوسط في العلاج، فلا نطلق له العنان حتى يتصرف كالأطفال ولا نطالبه بالرجولة الكاملة فنحرمه من حقه في الاستمتاع بحياته.
تهيئة المعلم
في بداية عهده بالتدريس، يكون المعلم متزمتًا وحاد الطبع، وإذا ما واجه تلميذًا مشاكسًا، فإنه ينظر إليه كخصم يتحداه، وكثيرًا ما تتدخل إدارة المدرسة لفض النزاع، وربما يعود هذا إلى قرب سن المعلم من الطلاب إذا كانت المرحلة التي يعنى بتدريسها هي المرحلة الثانوية، وعامًا بعد عام تتغير نظرة المعلم إلى التلميذ المشاكس فيراه في حالة تحتاج إلى المزيد من الرعاية والمساعدة على الانضباط.
وقد يبدو هذا الأمر بسيطًا ولا يعدو كونه مسألة وقت فقط، ولكن الأمر لا يستهان به أبدًا، وليس مستهجنًا أن يخبرك شخص أنه ترك المدرسة بسبب معلم ما، إذ يكون التلميذ في مرحلة ما هشًا، تجرحه النظرة الحادة، والتعليق الهازئ، والإهمال لسؤاله أو فكرته، وإذا ما ترك المعلم ليكون خبرته على مهله، فان تلاميذ كثرًا سوف يدفعون ثمن غرارته ونزقه.
من هنا فإن الحاجة إلى تهيئة المعلم تربويًا ونفسيًا لتسلم مهمة حساسة كالتدريس هي حاجة ضرورية جدًا، وتوازي إعداده علميًا، ولا بأس بأن يشاهدوا على أرض الواقع حصصًا ينفذها أساتذة عرف عنهم حسن الأداء في الأوساط التربوية.
والمعلم المحظوظ هو المعلم الذي يتنقل في التدريس بين الصفوف العليا والدنيا لكي يتكون لديه إدراك شمولي لمراحل نمو التلميذ فكريًا ونفسيًا: إذ كثيرًا ما يضلل حجم التلميذ الكبير في المرحلة الثانوية المعلم، فيعتقد أنه شخص ناضج ويستنكر أي زلل منه.، كما أن لهذا التنقل بين المراحل فائدة عظيمة للمعلم، لأنه سيعرف المعلومة القديمة من الجديدة، فيعرف موضع الصعوبة واليسر، ويدرك كذلك أن التلاميذ من الصف الأول إلى الثالث الثانوي، ليسوا إلا أطفالًا أو فتية يحتاجون إلى الرعاية والتوجيه.
يحظى الأستاذ الجامعي بتفرغ علمي لمدة عام، يقوم خلاله بإجراء بحوثه ويطور نفسه علميًا، بعيدًا عن التدريس، وهذه همسة في أذن القارئ: يقوم معظم الأساتذة الجامعيين باستغلال هذه السنة للتدريس في جامعات أخرى للحصول على دخل إضافي، ولكن هذا ليس مجال حديثنا، بل الاقتراح هو أن يفرغ معلم المدرسة لمدة معينة، ليس بالضرورة أن تكون عامًا، لحضور ورشات عمل وندوات وحصص نموذجية وليست نظرية، إذ إن ما يحير المعلم هو كيفية تطبيق النظريات التي كثيرًا ما تبدو هوائية وغير واقعية.
يبقى أن نقول إن المعلم عنصر أساسي في العملية التعليمية، إلا أنه مهما كان إعداده محكمًا من الناحية النظرية والعملية، فإنه يبقى أسير النظام التربوي بمجمله، فإذا كان التلاميذ لا يزورون المختبر باستمرار لإجراء التجارب بأيديهم، فإن الدعوة إلى الابتعاد عن التلقين هي دعوة عقيمة وللاستهلاك المحلي، وليست جادة للنهوض بالمستوى العلمي بشكل عام. لا بد إذن أن تتطابق الفلسفة العامة للتربية والتعليم مع مجريات التربية والتعليم قبل أن نخوض في تفاصيل أي جانب، ونسأل الله أن يعيننا على الصدق مع أنفسنا.
سها الجندي
Suha al sulalj@yahoo.com
الهندسة النفسية
ليس أشق على الإنسان من مجاهدة النفس وتغيير مرذول طباعها، وتحليتها بمكارم الأخلاق ومحاسن العادات وفضائل السلوك، فكل سلوك شخصي أو نمط خلقي وراءه خصيصة نفسية منظمة له ودافعة إليه، وحتى يستطيع الإنسان أن يتحكم في سلوكياته ويرتقي بأخلاقه ويضبط تصرفاته، فلابد أن يلتفت قبل ذلك إلى الدوافع والخصائص النفسية.
فلا شك أن للإنسان طاقات محدودة لا يستطيع أن يبذل أكثر منها ولا أن يتحمل فوق قدرته، ولكن بعض الناس تحت إغراء كثرة الفرص المتاحة أو علو الهمة وزيادة الحيوية والنشاط يندفع للعمل فيحمل نفسه فوق طاقتها، مما يؤدي إلى القلق والاضطراب وعدم الإنتاج ويصبح كالمنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى.
ثم إن من أهم أسباب النجاح في الحياة إجادة صنع القرارات واتخاذها في الوقت المناسب في جميع جوانب الحياة المختلفة سواء في التعامل مع النفس أو مع الآخرين، فكثير من الناس يعملون ويجتهدون، ثم في لحظة حاسمة من مراحل عملهم يحتاجون إلى قرار صائب حاسم، لكنهم بترددهم وعدم إقدامهم، ربما ضيعوا الفرصة تلو الأخرى.
لذا، يمكن القول: إن هناك عددًا من الخطوات الضرورية لصناعة القرار وبرمجة النفس وهندسة الذات منها: جمع المعلومات الكاملة والصحيحة عن الموضوع المراد، ثم تحديد الخيارات الممكنة والمتاحة مع ترجيح الأفضل من تلك الخيارات، وتنويع البرامج وتنفيذها خطوة خطوة واكتشاف الذات والتعامل بواقعية، مع الاستفادة من النقد في تصويب العمل وإصلاح النفس، ثم الاتصال بالآخرين والتواصل مع المعرفة، وتعويد النفس اكتساب المهارات الإثرائية.
ختامًا، أقول: إن أول طريق النجاح في الحياة هو نجاح المرء في إدارة ذاته والتعامل مع نفسه بفاعلية، وإن الفشل مع النفس يؤدي غالبًا إلى الفشل في الحياة، فكم من جوهرة تخطف الأبصار بأصفى الأشعة وأبهاها مستكنة في أغوار المحيطات المظلمة.
د. زيد بن محمد الرماني
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل