; المجتمع التربوي.. عدد 1533 | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي.. عدد 1533

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر السبت 04-يناير-2003

مشاهدات 25

نشر في العدد 1533

نشر في الصفحة 54

السبت 04-يناير-2003

سياحة في معنى الاجتهاد وضوابطه

ليس حكرا على الحاكم أو العالم فحسب. بل عام في حياة المسلمين.. كل في نطاقه

أهم شروطه: صدق النية وضوح القضية والعلم والبصيرة بمنهاج الله

انحصر العلم الشرعي في بعض العلماء بدلاً من أن يشمل أبناء الأمة جميعاً فعم الجهل وفشا انتهاك الحرمات

الكاتب: د. عدنان علي رضا النحوي

كان الاجتهاد- ولا يزال- أحد مصادر التشريع الإسلامي الأربعة بعد الكتاب والسنة والإجماع، وفي عصرنا هذا، حيث تفرعت القضايا وتشابكت الأمور وكثرت الاكتشافات والاختراعات.. تصبح الحاجة ملحة إلى هذا النوع من مصادر التشريع الذي برز فيه أئمة أعلام على رأسهم فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي أكرمه الله.

 والاجتهاد في الاصطلاح الفقهي: هو استفراغ الفقيه الوسع ليحصل له ظن بحكم شرعي.

 ومعلوم أن لكل مجتهد نصيباً ... إن كان اجتهاده عن علم وفقه.

فعن عمرو بن العاص t قال: قال رسول اللهr  : «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم واجتهد فأخطأ فله أجر» (متفق عليه).

والحديث يبين أهمية الاجتهاد في حياة الأمة حين يكون عبادة خالصة لله، والحاكم يجتهد ويحكم فيما هو في حدود مسؤولياته واختصاصه وعلمه.

ولكن الاجتهاد ليس خاصًا بالحاكم، بل هو مبدأ عام في حياة المسلمين، بل في حياة الناس عامة، فكل إنسان تعرض له قضايا في حياته يضطر إلى أن يجتهد فيها برأيه ويمضي إلى تنفيذها، ويتحمل نتائج ذلك في الدنيا والآخرة ويشترك في ذلك الرجل والمرأة.

قواعد ثلاث

 وهناك ثلاث قواعد على المسلم أن يحيط بها علمًا:

القاعدة الأولى: أن المسلم مكلف شرعًا بأن يطبق منهاج الله في حياته كلها، في حدود نشاطه ومسؤولياته، وفي حدود وسعه الذي يحاسب عليه بين يدي الله، فهو مكلف بأن يمارس منهاج الله-قرآنًا وسنة-في بيته، وفي تربية أولاده وتعامله مع زوجته وأرحامه وسائر الناس، والتاجر مكلف بأن يمارس منهاج الله في تجارته، والموظف في وظيفته، وهكذا ... كل حسب وسعه، وكل في ميدانه ومسؤولياته.

والقاعدة الثانية: أن المرء يجتهد، دون أن يتعدى ذلك إلى ما هو أوسع من قدراته، وأبعد من مسؤولياته.

والقاعدة الثالثة: أن الاجتهاد كله، سواء أكان من الحاكم أم العالم أم الرجل العادي، ليس متفلتاً دون قواعد راسخة وشروط ملزمة، ليس الاجتهاد ساحة هوى، يجتهد فيها المسلم حسب هواه، ثم يقول اجتهدت فأخطأت، أو يدافع عنه غيره فيقول: اجتهد صاحبنا فأخطأ فله أجر، ذلك لأنه اتبع هواه، وتقلت من الشروط الأساسية التي يلزمها الإسلام لكل من أراد الاجتهاد.

شروط الاجتهاد

ونحاول أن نوجز أهم هذه الشروط بما يلي:-

1-صدق النية وإخلاصها لله: فهذا شرط رئيس لقبول العمل عند الله، والنية لا يعلم حقيقتها إلا الله وحده، ونحن نحكم بالظاهر، فلا يصح أن يكون ادعاء صدق النية مسوغاً لقبول الخطأ، ولا البراءة المخطئ وإسقاط المسؤولية، إنها مسؤولية المسلم نفسه أن يجاهد نفسه حتى تصدق نيته.

2- وضوح القضية وتوافر المعلومات وتكاملها ودقتها: يجب أن يتحرى المجتهد القضية دراسة وفهمًا حتى يطمئن إلى أن الموضوع جلي، فقد يقدم أحدهم موضوعًا يتطلب حلًا أو اجتهادًا، وتكون المعلومات ناقصة أو غامضة، أو قابلة لأكثر من معنى، فالوضوح ودقة المعلومات وجلاء الموضوع الذي يراد الاجتهاد فيه ضرورة لتجنب الزلل.

3-رد الأمور صغيرها وكبيرها إلى منهاج الله: لا يجوز الاجتهاد بالهوى فرد القضية مهما كانت صغيرة أو كبيرة، إلى منهاج الله فرض، ولا يجوز الاجتهاد بغير هذا الأساس الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى به، وعند الرجوع إلى قول عالم من العلماء فلابد من معرفة دليله من الكتاب والسنة والحجة التي اعتمد عليها لرأيه وفتواه.

إن منهاج الله وحده هو الذي تصلح قواعده لكل زمان ومكان، لكل واقع وحادثة.

 وإن من أخطر مظاهر الفتنة في واقع المسلمين اليوم أن اعتمد بعضهم فكر الغرب أو الشرق المخالف للإسلام مخالفة واضحة صريحة، أو احتج بضرورة الواقع، أو ما تسمى بالمصلحة العامة، تاركًا منهاج الله أو جاهلاً به متجاوزاً قواعده وأسسه.

4- العلم والبصيرة بهذا المنهاج وتدبره وممارسته: إن رد الأمور إلى منهاج الله يفرض دراسة هذا المنهاج وتدبره وممارسته في واقع الحياة، لذلك جعل رسول الله r هذا الأمر فريضة على كل مسلم فقال: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»(صحيح الجامع الصغير وزيادته ۳۹۱۳).

 إن رد الأمور، وبخاصة في حالة الاختلاف إلى الله ورسوله من شروط الإيمان: ﴿فَإِن تَنَٰزَعتُم فِي شَيء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱليَومِ ٱلأخِرِ ذَٰلِكَ خَير وَأَحسَنُ تَأوِيلًا﴾ (النساء:59).

وقد أكد أئمة الإسلام أهمية هذه القواعد حتى قال بعضهم لا تأخذوا بقولي حتى تعرفوا دليلي، وقال بعضهم كلنا نخطئ ونصيب إلا صاحب هذا القبر يقصد النبي r، وقال آخرون: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقال آخرون إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله  r فقولوا بسنة رسول اللهr ودعوا ما قلت وتواترت الأقوال على ذلك في صيغ مختلفة.

مسؤولية الأمة

 إن مسؤولية الأمة المسلمة أن تحقق هذه القواعد في أبنائها جميعهم، حتى تنطلق المواهب الإيمانية والقدرات لتحتل كل موهبة منزلتها وتتبوأ مكانتها والجميع محاسبون بين يدي الله يوم القيامة عن ذلك كله، ويساعد على تحقيق ذلك وجود الصف المتراص والنهج الواحد المتبع.

 فإن تخلت الأمة عن التزام منهاج الله عصفت بها الأهواء، وبرزت مواهب غير إيمانية، ودفنت مواهبها الصادقة، وغلبت الزينة والزخرف واضطربت الموازين والمقاييس 

واقع المسلمين اليوم إلا أن هذه القواعد الأساسية أخذت تضعف-مع امتداد السنين- وتختفي من كثير من المجتمعات الإسلامية سواء في حياة الأفراد أو الأسرة أو المجتمع وهجر الملايين من المسلمين كتاب الله وجهلوا السنة واللغة العربية، وتسللت المذاهب الغربية المخالفة للإسلام واتسع مداها مع ما يصاحبها من إعلام وجيوش وسلاح، وزخرف مغر وزينة فاتنة.

وانحصر «العلم بالكتاب والسنة واللغة في أعداد محدودة من الشيوخ والعلماء، بدلًا من أن يكون ممتدًا في الأمة كلها، يستوعب طاقاتها ويطلق مواهبها، لتجول في أفاق الكون تحمل رسالة الله إلى الناس كافة، وتبني العدة التي أمرها الله أن تبنى، وانصرفت مواهب كثيرة في الأمة إلى المذاهب الغربية الفكرية والأدبية والعلوم الإنسانية، جاهلة بمنهاج الله غير آخذة بالعلوم التطبيقية والصناعية ومصادر القوة المادية، ودار الخلاف والجدل والصراع بين طاقات الأمة حتى تمزقت أقطارًا وشيعًا وأحزابًا، وركن الكثيرون إلى ما أخذوا يألفونه من جمود وغفوة وتبعية ذليلة غير واعية، وعصبيات جاهلية طاغية.

 وكان من أول نتائج ذلك الهزائم المتتالية والهوان الممتد والضعف المكشوف والعجز الظاهر، في أجواء من الفرقة والتمزق والصراع المخفي والظاهر، وظهور العلمانية بأثوابها المختلفة وجنودها العاملين الباذلين.

 والظاهرة المؤلمة أن هذا الواقع جعل كثيرًا من النفوس تركن إلى الشكوى والحزن، أو إلى الضجيج والصراخ، وإلى الأماني والأحلام غارقة في سبات عميق وظلام شديد بدلًا من العمل المنهجي الجاد على أساس من منهاج الله. إن كل ذلك يمضي على قدر الله نافذ، وقضاء حق، وحكمة بالغة، لا ظلم فيه أبدًا، فهو بما كسبت أيدينا، وتظل بذلك مسؤوليتنا أن نعرف الخلل ونضع العلاج.

وإنك لتجد الرجل المسلم الذي نال أعلى الدرجات في علوم الدنيا، يسأل العالم سؤالًا يجد إجابته جلية في الكتاب والسنة، ورضي الناس منه ذلك الجهل، ولم يعد يشعر هو بالحرج من جهله، ولا يجد الحافز الذي يدفعه إلى معالجة ذلك الجهل.

خطوات على طريق النجاة

 إن أول خطوة للنجاة هي الوقفة الإيمانية لننظر في أنفسنا، ونقوم أعمالنا ومسيرتنا وتحدد أخطاءنا وعيوبنا، ثم تتوب إلى الله توبة نصوحًا، لنبدأ مسيرة جديدة على نور من الله وهداية وتسديد تاركين الكبر والغرور.

 فكما أن الخلل في واقع المسلمين ابتدأ بهجر منهاج الله- قرآنًا وسنة ولغة- فإن الخطوة الواجبة اليوم هي تكاتف الجهود على إعادة الأمة إلى كتاب ربها وسنة نبيها محمد، وإلى لغتها الأصيلة.

إن محاولة هذه العودة الصادقة تفرض أن تلتقي عزائم المؤمنين المتقين الصادقين، على نهج مفصل وخطة مدروسة واعية، وقلوب مفتوحة ونيات خالصة لله، وعزائم مشدودة.

هل بالإمكان أن أكون مبدعًا؟

الكاتب: سمير الحلواني

Halawasm2002@yahoo.com

هاجس يراه الكثير من المتفحصين في أمور الأمة الإسلامية.. ألا وهو الإبداع وقلته في كثير من أمور حياتنا الدنيوية منها والدعوية والأخروية وقلما تجد تميزًا، بل تلمس:

1- الرتابة الواضحة في معظم الأعمال-سواء ما كان منها-دينيًا أو دنيويًا .

2- الفهم المختلط عن الإبداع والتميز وأنه يظهر فجأة بلا معاناة ويكون للنوابغ فقط الاندفاع العجيب عند الكثير من الشباب وخاصة الملتزم. 

3- نحو الدورات الإدارية ومنها الإبداع والتميز، بلا زاد مهم من الإيمان والثقافة المبدئية المواضيع الإدارة.

4- بالرغم من هذا الاندفاع إلا أنني لم ألاحظ ارتفاعًا في التميز والأداء الدنيوي أو الديني على حد سواء إلا فيما ندر. كل ذلك دعاني بعد اطلاع في هذا الموضوع في-مصادر عربية وأعجمية-إلى الكتابة بحذر ومحاولة التميز والبساطة في الوقت نفسه، وإن كان الأمر لا يخلو من الصعوبة، ونبدأ ببعض المفاهيم العامة حول الإبداع:

1- الإبداع هو السهل الممتنع هو بمقدور كل واحد منا ولكنه يحتاج الى إعمال فكر وبصيرة وجهد ومثابرة.

2- قد يعني الإبداع لكل منا أمرًا مختلفًا. ولكنه في النهاية تميز أو سبق إلى طريق غير مأهول أو فهم جديد ومختلف.

3- من المفكرين من يقول إن الإبداع موهبة وراثية ومنهم من يقول بل هو جهد وتضحية تنتهي إلى إبداع وتميز، وهذا الأخير هو الذي أميل إليه، فالحلم بالتحلم والعلم بالتعلم وطاقة دماغ الإنسان هائلة ونحن إن لم نعرف كيف نستخدم ونسخر طاقة عقولنا فإنها تبقى معطلة وهذا هو مكمن السر في الإبداع.

4- قد يظن البعض أن الإبداع وصفة كتاب تنتهي بإيجاد شخص مبدع بعد قراءة الكتاب ولكنها ليست كذلك فهي علم في البداية، ثم جهد ومعاناة وعيش نفسي في جو الأمر المراد الإبداع فيه فليس كل مبدع يستطيع أن يبدع في كل مجال وإنما التخصص والعيش في خضم المعاناة يولد إبداعًا، ولا يتأتى الإبداع ممن يلهو ثم يريد أن يكون مبدعًا، فالإبداع لا يتأتى للإنسان إلا بعد معاناة في الاطلاع والجهد والتضحية، فمن لا يعش معاناة حقيقية فلن يأتي بإبداع قط.

5- هناك تصور خاطئ مفاده أن المبدع لا يعرف إلا الجد في قاموسه وهذا أمر معاكس تمامًا، فمن الأمور المهمة في المبدع أن تكون له أوقات مرح ولهو مباح تساعده وتحفز عقله للإبداع والله في خلقه شؤون.

 

الرابط المختصر :