; المجتمع التربوي (1218) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي (1218)

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر الثلاثاء 24-سبتمبر-1996

مشاهدات 38

نشر في العدد 1218

نشر في الصفحة 56

الثلاثاء 24-سبتمبر-1996

وقفة تربويةسهر العيون

إن الأمثلة السائرة والمشهورة على ألسن الناس، قولهم من «طلب العلا سهر الليالي» ولكن ليس كل ساهر يبتغي طلب المعالي، فكثير من السهارى إنما يطلبون بسهرهم معاصي الله تعالى، ويقلبون سنة الله تعالى الذي جعل الليل لباسًا والنهار معاشًا، فينامون معظم النهار، ويسهرون الليل، ولكن هناك فئة قليلة من عباد الله يغتنمون هدأة الليل وسكون الخلق مضحين بجزء من الليل يغط فيه عامة الناس بنوم عميق، بينما وقف أحدهم يناجي ربه ويسهر عينه إرضاء لمولاه، وطمعًا لما عنده من نعيم بلقاء في الدنيا والآخرة..

طوبي من سهرت بالليل عيناه *** وبات في قلق في حب مولاه

وقام يرعى نجوم الليل منفردًا *** شوقًا إليه وعين الله ترعاه

«بحر الدموع- ابن الجوزي ٣٥»

إنهم كزهور الروض يزينونه في النهار بينما هم يزينون الليل الدامس بجمال ما يقومون به وما أروع ما وصفهم به «ابن الجوزي» حيث قال: «زينوا روضة الدجى بأزهار التهجد» (بحر الدموع ص ١١٦)، إنها أزهار من نوع آخر لا يرى جمالها في ذلك الظلام إلا من لا تأخذه.

 إن هذه الزهور تزداد روعة وجمالًا وتألقًا عندما يحلق قائم الليل بعيدًا عن طينة الأرض، ويشعر بقرب الله تعالى منه، فيناديه في دعائه «اللهم ارحم غربتي في الدنيا، وارحم مصرعي عند الموت، وارحم قيامي بين يديك» (من دعاء عطاء السليمي- سير الأعلام ٦/٨٧).

ذلك لأنه يشعر في هذا الظلام أنه وحده يناجي ربه فهو غريب في عمله غريب في مشاعره غريب في نومه غريب في يقظته، ولكنها غربة تعقبها جنة عرضها السموات والأرض لا يستحقها إلا من استعد لها مع رحمة الله عند الممات، ويوم تعرض الأعمال.

أبو خلاد

مقومات النجاح في تكوين الداعية

بقلم الدكتور: على بادحدح[1]

  • إن التميز الإيماني من أعظم أسباب نجاح الداعية إذ ليس النجاح بفصاحة اللسان ولا قوة البرهان ولا كثرة الأعوان، ولكن بتوفيق الله.

للداعية الناجح مقومات شخصية ضرورية لا غنى له عنها في تكوين نفسه وتأهيلها للدعوة، وأسلط في هذا الموضوع الضوء على المقومات الشخصية اللازمة في تكوين الداعية ليتأهل للنجاح في دعوته.

والمقصود هو بيان ما يلزم الداعية أن يتحقق به في ذات نفسه، وأن يوجده ويكمله في سمائه وصفاته كأساس لابد منه قبل أي مقومات خارجية تتصل بالمدعوين أو بيئة الدعوة أو موضوعاتها، والمقومات المطلوبة كثيرة ويمكن أن يطول الحديث في سردها وعرضها، ولذا اجتهدت أن أسلط الضوء على أربع مقومات هي الأكثر أهمية وشمولية ويندرج تحتها كثير من الصفات الأخرى وهي: أولًا: التميز الإيماني والتفوق الروحاني، ثانيًا: الرصيد العلمي والزاد الثقافي، ثالثًا: رجاحة العقل وقوة الحجة، رابعًا: رحابة الصدر وسماحة النفس.

التميز الإيماني والتفوق الروحاني

إن التميز في مجال الإيمان عقيدة صحيحة ومعرفة جازمة، وتأثير قوي يعد بلا نزاع أهم المقومات وأولى الأولويات بالنسبة للداعية، لكي يكون الداعية عظيم الإيمان بالله شديد الخوف منه صادق التوكل عليه دائم المراقبة له كثير الإنابة إليه لسانه رطب بذكر الله، وعقله مفكر في ملكوت الله، وقلبه مستحضر للقاء الله مجتهد في الطاعات مسابق إلى الخيرات صوام بالنهار قوام بالليل، مع تحري الإخلاص التام، وحسن الظن بالله وهذا هو عنوان الفلاح وسمت الصلاح، ومفتاح النجاح، إذ هو تحقيق لمعنى العبودية الخالصة لله، وهي التي تجلب التوفيق من الله فإذا بالداعية مسدد، إن عمل أجاد، وإن حكم أصاب، وإن تكلم أفاد، وهذا الباب واسع الجوانب متعدد المستلزمات وحسبي أن أبرز أهم هذه الجوانب:

أولًا: عظمة الإيمان بالله:

أساس كل أمر هو تجريد التوحيد، والبعد عن الشرك ولابد أن يكون الداعية صحيح الإيمان، خالص التوحيد عنده من العلم ما يعرفه بالله وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأن تستقر هذه المعرفة في سويداء قلبه، وتملك عليه أقطار نفسه، وتجري مع الدماء في عروقه، وأن ينعكس ذلك على سائر أحواله فتنضبط به أفكاره وآراؤه، وتحكم به كلماته وألفاظه، وتقوم به أفعاله وأعماله، ولا يتصور للداعية نجاح وتوفيق، أو تميز وقبول دون أن يكون حظه من الإيمان عظيمًا إذ كيف تدعو الناس إلى أحد وصلاتك به واهية ومعرفتك به قليلة، كل ذلك ينعكس على الداعية فتظهر على شخصيته آثار الإيمان الصحيح المتحرك ومن أبرزها:

1- التحرر من عبودية غير الله: الإيمان قوة عظمى يستعلي بها المؤمن على كل قوى الأرض، وكل شهوات الدنيا، ويصبح حرًا لا سلطان لأحد عليه إلا الله فلا يخاف إلا الله ولا يذل إلا لله، ولا يطلب إلا من الله والإيمان تأثير كبير في أعظم أمرين يسيطران على حياة البشر وهما الخوف على الرزق والخوف على الحياة أما الأول فلا يخفى كم أذل الحرص أعناق الرجال، وكم شغل الناس حب المال، وكم باع الناس مبادئهم، وخانوا أمتهم وتنكروا لماضيهم لما ذهب الذهب بأبصارهم وسبى قلوبهم، أما المؤمن فحقائق الإيمان تملأ قلبه، فلا يتأثر بشيء من هذا لأن في قلبه قول الحق جل وعلا: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ (الذاريات:٢٢)

وأما الثاني: فيقين المؤمن أن الموت والحياة بيد الله، وأنه لا ينجي حذر من قدر، وأن الأمة لو اجتمعت على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وأن الموت ليس بالإقدام وأن السلامة ليست بالإحجام، بل كما قال تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ﴾ (النساء:٧٨) ومن هنا يتميز المؤمن عن غيره، فبينما ترتجف القلوب، وتنسكب الدموع، وتعلو التوسلات وتقدم التنازلات حرصًا على الحياة نجد المؤمن كالطور الشامخ يهتف مع خبيب ابن عدي قائلا:

ولست أبالي حين أقتل مسلمًا *** على أي جنب كان في الله مصرعي

ويتذكر قول علي بن أبي طالب:

أي يومي من الموت أفر *** يوم لا يقدر أو يوم قدر

يوم لا يقدر لا أرهبه *** ومن المقدور لا ينجو الحذر

٢-الخشية من الله: وهي من أعظم آثار الإيمان وأبرز أوصاف المؤمنين ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾. (الأنبياء:٤٩)، والخشية أخص من الخوف، فهي خوف مقرون بمعرفة وعندما تعمر الخشية والخوف قلب الداعية المؤمن يتميز عن الغافلين والعابثين لأن الخوف يحول بين صاحبه وبين محارم الله فقه ذلك أنطق «إبراهيم بن سفيان» بالحكمة، فقال: «إذا سكن الخوف القلوب لحرق مواضع الشهوات منها وطرد الدنيا عنها» وقال «الفضيل بن عياض»: «من خاف الله لم يضره أحد، ومن خاف غير الله لم ينفعه أحد» والخشية أساس مراقبة الله ترقى بالمؤمن إلى درجة الإحسان، وأن يعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه.

 ثانيًا: الإخلاص لله:

الإخلاص للداعية الزم له من كل أحد وأهميته تفوق كل أمر، وهو استجابة لأمر الله دومًا ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾ (البينة:٥)، وفي تركه خوف من الحرمان برد الأعمال ومنع من التوفيق لأن الله جل وعلا قال في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن من عمل عملًا أشرك فيه غيري تركته وشركه» وفيه وقاية من عذاب الآخرة الذي توعد به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من عمل بلا إخلاص عندما ذكر أول ثلاثة تسعر بهم النار وهم قارئ وغني ومجاهد لم يقصدوا بأعمالهم وجه الله فلابد والأمر كذلك من تحري الإخلاص والحذر مما يضاده، فإنه لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطبع فيما عند الناس إلا كما يجمع الماء والنار، والضب والحوت والإخلاص يجعل الكلمات حيوية مؤثرة، والدعوة قبولًا سريعًا.

 ثالثًا: حسن الصلة بالله:

والمقصود بها إقامة الفرائض، والاستكثار من النوافل، والاشتغال بالأذكار، والمداومة على الاستغفار وكثرة التلاوة القرآنية، والحرص على المناجاة الربانية، وغير ذلك من القريات والطاعات لأن العبادة زاد يتقوى به الداعية فالصلاة صلة بينه وبين مولاه، ولا مناص من تميزه في حرصه عليها، وتبكيره إليها، وخشوعه فيها، وتطويله لها، وشهودها مع الجماعة وله في ذلك قدوات سالفة «فسعيد بن المسيب» ما فاتته الصلاة في جماعة أربعين سنة، «والربيع بن خيثم» كان يقاد إلى الصلاة وبه فالج، فلما روجع في ذلك قال: «إني أسمع حي على الصلاة فإن استطعتم أن تأتوها ولو حبوًا، ولست أدري كيف يكون داعية من يتخلف عن الصلوات في الجماعات لاسيما في الفجر والعصر مع ما ورد في أدائها خصوصًا من تعظيم الأجر، وما جاء في قواتهما من التحذير من الإثم والوزر، وقد ترخص كثيرون في ذلك فلا يهمهم التبكير»، ولا يعنيهم إدراك التكبير ولست أدري ما يقول هؤلاء إذا سمعوا مقالة «إبراهيم بن زيد التيمي»:« إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه» وبماذا يعلقون إذا علموا أن «سعيد بن عبد العزيز التنوخي» كان إذا فاتته صلاة الجماعة بكى، والحقيقة أن الأمر هذا يطول والتفريط فيه من بعض الدعاة كثير وخطير، ونصوص الكتاب والسنة أشهر من أن تذكر.

والذكر عظيم المنزلة فهو منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل، ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب القوم الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورًا، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورًا، وهو سلاحهم الذي يجازون به قطاع الطريق وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الحريق، ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب.

والاستغفار من أعظم الأذكار، وكان المصطفى عليه الصلاة والسلام يستغفر في اليوم والليلة سبعين مرة وأخبر أمته أن من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا ومن كل هم فرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب ولذا لابد للداعية من الإنكار ليحيى الله قلبه ولابد له من الاستغفار ليمحو الله ذنبه وأعظم الذكر تلاوة القرآن التي هي أقوى الصلات بالله التي يحتاجها الدعاة، ولها أثر في واقع الدعوة والحياة والصلة بالقرآن موجبة للتميز كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: «ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذ الناس يختالون، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيًا ولا غافلًا ولا صحابًا ولا صباحًا ولا حديدًا»

والخلاصة أن التميز الإيماني من أعظم أسباب نجاح الداعية، إذ ليس النجاح بفصاحة اللسان ولا قوة البرهان ولا كثرة الأعوان بل هو مع ذلك وقبل ذلك بتوفيق الله لدفع الناس إلى سبيله، لابد أن يكون شعورهم بالله أعمق وارتباطهم به أوثق وشغلهم به أدوم، ورقابتهم له أوضح، ونحن نريد روحانية إيجابية لا انعزالية ترتكز على العبادات والأوراد بعيدًا عن التفاعل مع الحياة وما فيها من هموم ومعاناة نريد روحانية إيجابية تحفزه للتضحية وتستهدف الشهادة وتعمق الحاجة إلى رضا الله لتغدو هاجسًا يوميًا يلاحق كل مواطن رضاء في عملية تدقيق ومعاناة تجعله يعيش مع عقيدته في أفكاره ومشاعره في علاقاته ومطامحة فتتحول في داخل ذاته إلى هم يومي متحرك يراقب الأشياء من خلاله، ويحدد موقفه منها على أساسه.

وهناك تقصير ظاهر لدى بعض الدعاة والجماعات الإسلامية في العناية بهذا الجانب المهم وكثيرًا ما يكون ذلك بسبب تضخم العناية بالجوانب الفكرية والسياسية وغيرها، ولذا صار المرء يرى بعض من ينتسبون إلى الدعاة وهم مقصرون في معرفتهم وصلتهم بالله.

 [1] داعية وكاتب سعودي.

الرابط المختصر :