; المجتمع التربوي (1323) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي (1323)

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر الثلاثاء 27-أكتوبر-1998

مشاهدات 14

نشر في العدد 1323

نشر في الصفحة 58

الثلاثاء 27-أكتوبر-1998

وقفة تربوية

ضرورة الأخوَّة

هل يمكن للمؤمن أن يمارس دوره في هذه الحياة من غير إخاء في الله؟

نعم.. يستطيع ذلك، ولكنه يعرض نفسه لخطورة كبيرة، وقد تؤدي به هذه الخطورة للانتكاس، أو ولوج دروب المعصية، والخطورة التي نعنيها عند التخلي عن الإخاء في الله تتعدد صورها.. منها أنه لن يجد من يعينه على الحق، ومن لم يجد أعوانًا على الحق يتعب، ولعل تعبه هذا يضعفه عن القيام بما أوجبه الله عليه، أو التخلي عن القيام بالواجبات درءًا للمفاسد التي تنشأ عن قيامه بالواجب.

ومنها أنه لن يجد من ينصحه عند الخطأ، والنصيحة هي التنقية من الأخطاء والشوائب، الأمر الذي يؤدي إلى تراكم هذه الأخطاء حتى ترديه، ومنها أن الإنسان يتشجع عندما يرى غيره يقوم بالشيء الذي يتردد في فعله، وأنت ترى الناس جميعهم يسهل عليهم صيام رمضان، لأنهم يرون الجميع يصومونه، بينما يشق عليهم صيام التطوع لأنهم قل أن يروا من يصومها، كذلك المؤمن عندما يرى إخوانه يفعلون الخير فإنه يتشجع لفعله، وربما نسيه أو شق عليه عندما لا يرى من يقوم بذلك.

ومنها أن الإنسان يتأثر بمن يحتك به، فمن ليس له إخوة في الله فإنه قطعًا يحتك بمن هم دون ذلك، وبالتالي سيتأثر بهم وبسلوكهم وطباعهم، مما سيفقده الكثير مما اكتسبه من سلوك الخير.

يقول الشاعر:

وما المرء إلا بإخوانه

                              كما يقبض الكف بالمعصم

ولا خير في الكف مقطوعة 

                              ولا خير في الساعد الأجذم

. «المستطرف ۱۸۲«

أبو خلّاد

جزاء المُنيبين

قال الله تعالى في كتابه عن شُعيب -عليه السلام- أنه قال: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: 88) وقال سبحانه عن نبيه داود: ﴿وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾ (ص: 27) وغيرها الكثير من الآيات التي ذَكرت الإنابة والأمر بها. «والإنابة الرجوع إلى الله، وانصراف دواعي القلب وجواذبه إليه وهي تتضمن المحبة والخشية، فإن المنيب محب لمن أناب إليه، خاضع له خاشع ذليل».

وزاد ابن القيم: «الإنابة إنابتان: إنابة لربوبيته، وهي إنابة المخلوقات كلها، والإنابة الثانية: إنابة أوليائه، وهي تتضمن أربعة أمور: محبته والخضوع له، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه، فلا يستحق اسم المنيب إلا من اجتمعت فيه هذه الأربع». وفي اللفظة أيها القارئ معنى الإسراع والرجوع والتقدم، فالمنيب إلى الله هو: المسرع إلى مرضاته الراجع إليه كل وقت، المتقدم إلى محابه سبحانه لا يهدي ولا يرشد إلى الطريق القويم وشرعه القديم إلا من أناب إليه، قال الله تعالى:

﴿أَفَلَم يَنظُرُوٓاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوقَهُم كَيفَ بَنَينَٰهَا وَزَيَّنَّٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٖ وَٱلأَرضَ مَدَدنَٰهَا وَأَلقَينَا فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنبَتنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوج بَهِيجٖ تبصِرَة وَذِكرَىٰ لِكُلِّ عَبدٖ مُّنِيبٖ﴾ (ق: 6- 8). 

وزاد أن ثوابه جنته لأهل الخشية والإنابة فقال: ﴿وَأُزلِفَتِ ٱلجَنَّةُ لِلمُتَّقِينَ غَيرَ بَعِيدٍ هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٖ مَّن خَشِيَ ٱلرَّحمَٰنَ بِٱلغَيبِ وَجَآءَ بِقَلبٖ مُّنِيبٍ ٱدخُلُوهَا بِسَلَٰم ذَٰلِكَ يَومُ ٱلخُلُودِ﴾ (ق: 31 – 34)، وأنعم سبحانه أيضًا أن البشرى منه إنما هي لأهل الإنابة فقال: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ﴾ (الزمر: 17).

أبَعْدَ ذلك يا أخي نلوي طريق الإنابة أو نتنكبه؟! لنترك طينة الأرض وماءها الكدر، ولنسم إلى السماء الطاهرة وروحانياتها الشفافة. 

عدنان القاضي

نعيب زماننا والعيب فينا

يتمنى الواحد منا أن يعيش طوال عمره متلذذًا بالطاعة، مستمرًا عليها، قائم الليل، صائم النهار، دائم الذِكر، عامل الفكر، عالي الهمة، حسن السريرة، ولكنّ نفسه لا تطيق ذلك كله، ويرجع السبب إلى فساد الزمان، وكثرة الأشغال، وتوالي الأحزان، فإذا اقتنع بهذه الحجج الواهية، لبّس الشيطان عليه أمره، ورضي بالقليل من الذِكر، والصلاة والصيام، وسائر الأوراد. 

ولو سأل كل منّا نفسه هذه الأسئلة:

 كم ركعة أقوم فيها الليل بشكل يومي؟ 

هل هناك وِرِد يومي من القرآن أحافظ عليه، ولو قليلًا؟

كم مرّة أذكر الله فيها بالأوراد الشرعية؟

هل أذكر الله مائة مرة «لا إله إلا الله...»، و«سبحان الله وبحمده»؟

هل هناك أيام أصوم فيها كل أسبوع، أو في الشهر على الأقل لا أتنازل عنها؟

هل هناك صدقة يومية أجمعها، ثم أدفعها إلى مؤسسة خيرية، ولو كان المال قليلًا لأحوز على دعوة المَلك «اللهم اعط منفقًا خلفًا»؟ 

هل أحافظ على الفرائض في أوقاتها، وبخاصة صلاتا العصر والفجر؟ 

فإذا لم تكن هناك أجوبة محددة، فانظر وتأمل.

عن أبي داود الحفري قال: دخلت على كرز بن دبرة بيته فإذا هو يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: إن بابي لمغلق، وإن ستري لمسبل، ومنعت جزئي أن أقرأه البارحة، وما هو إلا من ذنب أذنبته. 

وقال الحسن البصري لرجل: إذا لم تقدر على قيام الليل، ولا صيام النهار، فاعلم أنك محروم، قد كبلتك الخطايا والذنوب.

هكذا كان السلف يتعاملون مع أنفسهم، عالمين بأدويتها ومثبطاتها، وكانوا يعتقدون أن الذنوب هي السبب الرئيس في هبوط إيمانهم، وضعف عبادتهم، حتى أن أحدهم إذا فاته وِرِده لم يستطع إعادته. 

لقد كانوا يربطون ذلك بالذنوب، ونحن فهمنا أن الذنوب هي الكبائر فحسب، ونسينا أن إيذاء الناس بالقول والعمل، وإخلاف الوعد، وتضييع الحق، والنوم عن صلاة الفجر، كلها حواجز عن رفعة الإيمان في النفوس. 

فهل نتعامل مع أنفسنا بالحق، ونداوي أدويتنا بأنفسنا، أم مازلنا نجعل السبب في غيرنا؟

نُعيب زماننا والعيبُ فينا

                           وما لزماننا عيبٌ سوانا 

علي بن حمزة العمري

مراجعات حول مفهوم التربية

تعتبر كلمة التربية من أبرز الكلمات المتداولة على ساحة العمل الإسلامي اليوم، وكشأن أي لفظة غير قطعية الدلالة، فالمتتبع لاستخداماتها في أدبياتها يلاحظ أننا نحتج بها في إثبات النجاح فنقول: هذا حصيلة التربية، وتارة أخرى على إثبات الخطأ فنقول: هذا ناتج عن قصور في التربية!! 

ونظرة متأنية للمناهج المطروحة، تكشف لنا عن التطبيق المتناقض لذات الاستخدام، حتى آل الأمر إلى تعليق كل أوجه القصور في أدائنا على التربية.. وسنحاول في هذه العجالة أن نقف عند بعض محطات التربية التي نظن أن أصحابها قد جانبوا الصواب فيها وهي: 

1- البعض يطرح موضوع التربية كمرحلة مستقلة تسبق التنفيذ في كل الأمور، وهذا معارض بالنقل والعقل، فعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: «أتى النبي ﷺ رجل مقنع بالحديد فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلم؟ قال: أسلم، ثم قاتل، فأسلم ثم قاتل فقتل، فقال رسول الله ﷺ: عمل قليلًا، وأجر كثيرًا» متفق عليه. وأصحاب هذا الطرح سوف يصطدمون بالتكاليف الربانية، إذ الجهاد عبادة تحتاج إلى تربية، فنقول اذهب تربى ثم جاهد.. ولكن الصلاة ذاتها عبادة تحتاج إلى تربية، وكذا الزكاة والصوم والحج.. فهل نستطيع أن نتحمل أوزار صرف الناس عن هذه العبادات بحجة عدم إكتمال التربية؟!! 

ممارسة التربية

أما ما نظن أنه الصواب، فهو أن تستمر عملية التربية من خلال ممارسة الأمر التعبدي، بحيث نتربى على الطاعة بإقامة الصلاة في وقتها، ونتعود الإنفاق بإخراج الزكاة في معادها.. وكذا الجهاد يمارس عقب دخول المرء في الإسلام، فرسول الله ﷺ، لم يأمر الرجل بأن يعود إلى المدينة، ليتم مراحل التربية، وهو ما يمكن أن يندرج تحت اسم التربية من خلال الحدث، وهذا يأخذ في الاعتبار أن التكاليف الشرعية قد مرت بمراحل، ولكنها استقرت على وضعية محكمة بانتهاء نزول الوحي . 

2- في حال اتفاقنا جدلًا على وجود هذه المرحلة المستقلة في مسيرة التربية، فالسؤال الموجه لأصحاب الدعوة هو: على ماذا نربي الناس؟؟

لقد رأينا من يدعو إلى التربية لتقوية الصف المسلم وصقله ليتحمل تكاليف المرحلة، وعند التأمل وجدنا أنهم يربون الأفراد على الرخص، والسير بعيدًا عن عزائم التكاليف، وقد أنتج هذا النمط التربوي تيارًا من المتفلتين، عندهم لكل أمر مدخل ومغارات!! فلا تكاد تستشرف تكليفًا حتى يمطروك بوابل من أقوال الرجال وسيل جارف من الرخص!! ورأينا من يربي جيلًا بأكمله على توجيهات وفتاوى تصدرها جهات معادية للتوجه الإسلامي، فهل يصح أن ينتمي الرمز الموجه إلى الجهة التي نخالفها، بل هي التي تقف حجر عثرة دون تحقيق آمالنا؟!

وأما ما نظن أنه الصواب، فهو ضرورة تنشئة الجيل على عزائم الأمور، والبُعد به عن الرخص إلا لممًا، وتنشئته على إتباع الدليل الصحيح، وأن نقف به خلف القدوات الحية التي تبذل وتجاهد من أجل إقرار عبودية الله في الأرض.

3- وهي نقطة يفرضها الواقع التربوي، حيث يلزمنا أن نتعرف منهج التغيير الذي يتبناه أصحاب الدعوة، فعندما يغلب التصور الإصلاحي على المنهج، فلابد من أن ينصبغ خطابنا بمفردات ووسائل وبدائل خاضعة ومنسجمة مع تصورنا للواقع.

ولهذا يتحتم معرفة الخطوط العريضة لمنهج التغيير، الذي نتبناه حتى يتسنى لنا فهم ما يدور من معان دقيقة خلف جدار كلمة التربية وظلالها.

وعلينا أن نتفحص ما نتثقف به ونتربى عليه، ونلاحظ مدى انسجامه مع تصورنا للتغيير، ومدى انعكاس المادة على نوعية العمل المطلوب القيام به عقب الانتهاء من مرحلة الاستيعاب والإعداد.

4- وهي تتمثل في ذلك القلق الذي ينتاب الشاب المسلم نتيجة للغموض والتعارض لمفاهيم التربية في ذهنه مما يدفعه للتساؤل عن المدى المطلوب والحجم المرغوب للقاعدة الصلبة التي نعمل لإيجادها.

والسؤال المطروح على أصحاب القاعدة المنشودة هو: أين تريدون أن تعدوا قاعدتكم التي تشتمل على طاقم الفضلاء والأطباء والسياسيين وآخر للاقتصاديين.. إلخ؟؟

نقول لهم: أعلى الأرض ستقيمونها أم في السماء؟ فكثير من بقع الأرض لا تسمح لكم بالعمل فيها بسهولة مادام أن العثرة الحقيقية هي في فرض الكثير من الأنظمة القائمة لمنهج الله كمرجعية علينا في التشريع والحكم.

إننا ندعو المهتمين بهذا الشأن من أهل الغيرة على الدين أن يشاركوا في إعادة النظر للمضامين التربوية، ومراجعة المفاهيم الحركية لكلمة التربية.

قاعدة صلبة للدعوة

إن القول بإعداد قاعدة صلبة للدعوة بدون تحديد حجم أو رقم معين يحتاج إلى ضبط، والسؤال هنا: هل ما تقوم به نواة القاعدة الصلبة من أعمال جزئية يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح؟ وهل يجب أن تتحرك هذه النواة من خلال الإعداد الجهادي في التعامل مع خصومها تمهيدًا لإتمام التمكين؟ أم عليها أن تسير مع الركب ومن تحت العباءات المسموح بها؟.

5- وهو تنبيه إلى أصحاب المدرسة الإصلاحية، يتمثل في القول بصعوبة تحول هذه التجمعات المسالمة إلى حركة جهادية بين عشية وضحاها، وقد أثبتت التجارب استحالة تحويل القواعد الرخوة إلى كتائب والقيادة الديمقراطية إلى غرفة عمليات، وأن الأمر لا يعدو حينئذ أن يكون كارثة حقيقية.

ونختم كلامنا بالتنبيه إلى أننا لسنا مع الذين يكرسون الفوضى أو يتساهلون مع تصرفات الأفراد، أو يفتحون باب التنابز والشتم أو يشطبون مقومات التنظيم والإدارة، أو ممن يقولون بحرق مراحل العمل وغير ذلك بحجة أن هذه من أدبيات العمل التربوي بمفهومه القاصر، بل غاية ما نصبو إليه من مدارستنا هو استنفار الهِمم لإزالة ما علق من غبش وما وضع من مفاهيم مغلوطة في أذهان الجيل المسلم، وهي محاولة لحث أهل الاختصاص على تناول الموضوع ونفض غبار الطريق، وإزالة الوهن الذي أصاب حملة اللواء لتحديد معالمه وتصحيح مفاهيمه. 

معاذ عمر النامي

 

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

المفهوم الأساسي للتربية

نشر في العدد 339

7

الثلاثاء 01-مارس-1977

كلمات في تربية النفس

نشر في العدد 365

11

الثلاثاء 30-أغسطس-1977

التربية بالحوار والإقناع

نشر في العدد 1924

11

السبت 23-أكتوبر-2010