العنوان المجتمع الثقافي.. عدد 1345
الكاتب مبارك عبد الله
تاريخ النشر الثلاثاء 13-أبريل-1999
مشاهدات 8
نشر في العدد 1345
نشر في الصفحة 52
الثلاثاء 13-أبريل-1999
الشيخ محمد الغزالي: صفحة مضيئة من صفحات الأزهر الشريف
بقلم : د. حلمي محمد القاعود
أعترف أنني وقفت أمام شخصية الشيخ «محمد الغزالي» - رحمه الله - حائرًا ومترددًا، لا أدري كيف أدخل إلى عالمه الفكري والأدبي والدعوي. مضى عام ونصف عام، وأنا أتأهب للكتابة عنه، بعد أن جمعت المادة العلمية الخاصة بدراسة طويلة حوله.. صحيح أن ظروفًا أخرى أسهمت في خلق الرهبة والحيرة، وبعضها يعود إلى أحوالي الصحية غير المستقرة، ولكن «الغزالي» كان شاغلي وموضع اهتمامي الوجداني والنفسي والروحي، ولم يزل.. فالغزالي ظاهرة فريدة أنبتها الإسلام ورعاها الأزهر وأشعلها الجهاد.
ما أكتبه الآن لا يجب ما أنوي كتابته عنه مستقبلاً - بإذن الله- ولكنه هامش يأتي في إطار الحديث عن الصفحة المضيئة من صفحات الأزهر الشريف، ورجاله الأفذاذ الذين كانت غايتهم الله، وكانت حياتهم خدمة الإسلام، وكان قدرهم مواجهة القهر والاستبداد.
ولأمر ما شاء الله أن تكون المسافة بين قرية «نكلا العنب»، ومدينة «شبراخيت» بمحافظة البحيرة، عدة كيلومترات، وهي مسافة قصيرة ولد على جانبيها في زمنين متقاربين نسبيًّا - رجلان من أبناء الأزهر، كان لهما شأن في حياة مصر والعرب والمسلمين، الأول «محمد الغزالي السقا» والآخر «عبد الحميد كشك»، وكلاهما ملأ الدنيا وشغل الناس على تفاوت في الطريقة والأسلوب والعمر والظروف.
منذ كان طالبًا، فإن الغزالي ارتقى المنابر، وظهرت عناصر شخصيته القوية المهيبة التي تؤثر في الجمهور بثقافة أصيلة، ووعي بالأحداث، وطلاقة بيان، وحسن عرض، ووضوح منهج، وكان انتسابه للإخوان وهو طالب عام ١٩٣٧م طفرة نقلته إلى قلب الأحداث اليومية والسياسية، وجعلت منه لسانًا ناطقًا بروح إسلامية جديدة تتلبس الوجدان الشعبي، وتسعى إلى نهضة شاملة، ومواجهة عامة مع التخلف والقهر والفقر والاحتلال، وهو ما دعا الإمام الشهيد أن يصفه بأديب الدعوة، ودفع بالسلطات إلى اعتقاله مرتين: الأولى عام ١٩٤٩م، حيث قضى فترة في معتقل الطور بجنوب سيناء، والأخرى بسجن طره بعد الثورة طوال فترة التحقيق مع سيد قطب وإخوانه.
طوال عمل الشيخ في الأوقاف والأزهر، كانت الكلمة سلاحه، وهي كلمة متميزة، لأنها كلمة متوضئة وخالصة لوجه الله، وكانت كلمته المنطوقة على المنابر وأمام الجمهور، تلقى مساندة من كلمته المكتوبة عبر المجلات الإسلامية والصحف اليومية، والكتب المؤلفة واشتهر منها كتابه «من هنا نعلم» ردًا على صديقه وصنوه «خالد محمد خالد»، الذي فاجأ الناس وأثارهم بكتابه الأشهر«من هنا نبدأ» ... وكان للشيخ حضور في القضايا الاجتماعية، يترقب الناس رأيه، وينتظرون كلامه، حتى كان موقفه من موضوع المرأة في المؤتمر الوطني عام ١٩٦٢م الذي أنتج الميثاق ... يومئذ ظهرت جماهيريته حينما خرجت الجماهير تعبر عن مساندتها له في مواجهة الصحف والرسامين الذين سخروا منه وهاجموه.
سافر الشيخ إلى خارج البلاد، يعمل ويعلم في جامعات: أم القرى وقطر والجزائر، ويؤصل للإسلام في مناطق عطشى للفهم الصحيح والقيم الرفيعة، فكان له تأثير كبير على كثيرين بدءًا من رجل الشارع إلى النخب الحاكمة. ومن المفارقات أن بعض العلمانيين يرون فيه سببًا لما يحدث في الجزائر الآن «؟!»، لا لسبب إلا لأنه أنشأ الجامعة الإسلامية هناك، وأقنع الحكام التصالح مع الإسلام وياله من اتهام يشرف صاحبه.
وعندما عاد إلى الوطن ارتقى منبر عمرو بن العاص، وتحول المسجد المهجور إلى خلية نحل.
فنشر بيانًا شجاعًا وجريئًا،نشرته مجلة الاعتصام - رد الله غربتها - في افتتاحيتها «عدد ربيع الأول ١٣٩٧هـ / مارس ١٩٧٧م»، شرح فيه ما تعرض له من عسف واتهامات، ورد عليها ردًا منطقيّا بسيط، فيه عزة المؤمن، وشجاعة المجاهد، وزهد العابد. هذا البيان تلخيص لشخصية الرجل الذي لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يساوم على دينه بكل كنوز الدنيا.
وقد تمنيت أن أنشر هذا البيان بأجمعه، لولا ضيق المساحة ،فهو رسالة حية لمن فرطوا في دينهم كى يثوبوا إلى رشدهم، ويدركوا أنه لا يبقى من عالم الدين، ومن الناس عامة إلا الموقف والسلوك والرأي، فإما أن يرتفع صاحبه- كما الشيخ الغزالي، -أو يهبط إلى درك سحيق- كما البعض من عشاق الدنيا، يقول الغزالي:
«آخر ما قمت به في القاهرة دفاعي عن قوانين الأسرة الإسلامية في كلمة مسجلة عامرة بالإقناع والإحصاءات والأدلة الدامغة.. ولكن المسؤولين الذين استمعوا إليها تناولوني بالسوء، واعتبروني مسؤولاً عن المظاهرة التي خرجت من الأزهر إلى مجلس الشعب لإجهاض القانون المقترح من وزارة الشؤون بهذا الصدد.
«نتيجة للحيلولة بيني وبين السيد رئيس الجمهورية، تم إبعادي عن منصبي «المدير العام للدعوة» وعن إلقائي الخطبة في مسجد عمرو بن العاص، وعن رميي في «سندرة» مسجد صلاح الدين بلا عمل ولا كرامة، لولا أنني أعتز بعزة الله.. ثم قالوا للصحف: إن ما حدث يرجع إلى صلتي بقضية الفنية العسكرية.. وبديهي أنه لا يوجد ما يربطني بهذه القضايا وأمثالها.. ولكن إبعادي عن الدعوة كان غرضًا مبيتًا لا لشيء إلا لأني رفضت التفريط في حقائق الإسلام وشرائعه».
في عام ١٩٧٥م، أفضيت بحديث إلى «مجلة الاعتصام»، قلت فيه :إنني مستعد للتضحية بمرتبي الكبير إذا عدت للعمل في مسجد عمرو بن العاص وإلى توجيه الدعوة بوزارة الأوقاف- أي عملي الأول- فنشروا في الصحف «يقصد المسؤولين» كلامًا سقيمًا عن المال الذي آخذه، وهم يعلمون أني عرضت التنازل عنه كتابة، وأن البحث عن المال لم يشغلني في شبابي، فكيف يشغلني الآن عن واجباتي؟ و ردي عليهم« حسبنا الله ونعم الوكيل».
«إنني أصارح المسؤولين أن الحفاظ على الشريعة الإسلامية هو هدفٌ لا ينساه جماهير المؤمنين، ومنها شرائع الأسرة الإسلامية التي يحاول بعض الناس اقتلاعها، والتي حاولوا أن يثيروا السيد رئيس الجمهورية عليّ من أجل دفاعي الشديد عنها. ولكني آمل أن يحتضن سيادته فكرة الحفاظ عليها بما يرضي الله ورسوله.
«وأخيرًا، أعلن أنني سأنسى ما وجه إليّ في مصر، داعيًّا لهم أن يوفقوا في جعل مصر الإسلامية تؤدي دورها التاريخي في رد العدوان وحماية الإيمان.
ولا شك في أن الشيخ الغزالي في شجاعته وصلابته تحدث عما لحق به من أذى، وأعلن إصراره على موقفه الراسخ في الدفاع عن قيم الإسلام وشريعته، وذكر المسؤولين أن الحفاظ على الشريعة الإسلامية هدف لا ينساه جماهير المؤمنين، بل ألقى الكرة في ملعب الرئيس حين طلب منه أن يقوم بنفسه بالمحافظة على الشريعة بما يرضي الله ورسوله.
إن العمامة التي ارتداها الغزالي كانت لها هيبتها التي تفوق هيبة كثيرين، لأنها أدت واجبها بصبر وشجاعة وإيمان وتضحية.
لقد خاض الغزالي معاركه العديدة ضد الشيوعيين والعلمانيين والمنحرفين، وسلط عليهم شواظ قلمه وفكره ليدحض دعاواهم، وينسف مزاعمهم، ويؤكد على صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان. وفي كتبه التي تزيد على الخمسين، يجد فيها القارئ محاربًا لم يسترح حتى آخر لحظات حياته، ومجاهدًا لم يتعب ضد أعداء الدين والوطن والأمة.
لقد حارب ضد الظلم الاجتماعي وضد الفقر وضد الجهل، ووقف موقفًا صريحًا من أدعياء الدين، وأصحاب الفهم القاصر الذين يشكلون خطرًا على الإسلام أكثر من خصومه الصرحاء، وفي الوقت نفسه كان رحب الصدر، كبير القلب، لا يحمل ضغينة لأحد، ولا يحقد على مخلوق، ولا يخاصم إلا في الله.
رحم الله الشيخ الغزالي، فقد كان مدرسة، تلاميذها على امتداد العالم الإسلامي يستضيئون بفكره وعلمه، وينهلون من ينابيع عطائه وجهده، ويؤكدون أن نجوم المجتمع الحقيقيين هم علماء الدين ورجال الدعوة، السنة الحق في كل زمان ومكان.
واحة الشعر
رحيل عام
شعر: محمد عبد الجواد
وعام ثقيل الخطو رغم المخاطر تغنّى بشكوى الأفق غير محائر
أذل بني قومي كان صروفه على مهل تمشي بنادي المجازر
رأى القدس تبكينا ويلفحها اللظى فصبّ عليها من رحيق المباخر
فيا لهُ من عام مضى لسبيله وخلف للذكرى لواء المقابر
وسمسار أرواح يلملمُ صفقة ليفعم بالأحزان نبع المشاعر
بضاعته الإنسان في كل لحظة يبيع لغير الله طُهْر الضمائر
له أثر في كل قفر وروضة يجوس كثعبان خلال الأزاهر
يئنُ ويأسي لارتعاشه قطة وصاحبُها الإنسانُ رهن الحظائر
ولو سمعت أذناه شكوى لفأرة للبى نداها في صميم الدياجر
ولو مرض القرد الصديق بليلة لعاد رفيق الدرب تاج العباقر([1]1)
ومن حوله الإنسان يشكو ويُبتلى وراحمُ شكوى القرد ليس بذاكر
ومجنون أنثاه يظل (لياليًّا) يبث شكاه للنجــوم الســـــواهر
يجود بدمع ضخه من فؤاده إذا جفّ ماء في دروب المحاجر[2] (۲)
وفي حيّ (ليلاه) التماسًا لنظرة يحط رحال الشوق مثل مهاجر
إذا طلعت شمس تتيه بثوبها يحيكُ رداء من نسيج الكبائر
يغازل في حفل الخريف عيونها ويطلب قربًا من لحاظ سواعر
ولو كان ذا قلب تئن شغافة لعزى الثكالى من نساء حرائر
فقدن وليداً أو فجعن بعفة وكن ضحايا للوحوش الكواسر
ولص عتيق في ثياب مبجل ومن حوله يعدو فريق المزاهر [3](۳)
يشير فيجري الكل طوع يمينه كأن يمين اللص سر المقادر
كأن زمام الكون رهن بنانه ومـــــــــــا هو إلا ذرة في النواظر
ولقمة مسكين تهدهدُ جوعه إذا نال منها مثل فأر البيادر
تصاحبهُ الآلام في كل مضغة وتأتي عليه في طعان الخناجر
تهيجُ ذئاب الحقل حول طعامه وتجعل منه عبرة للأواخر
يعز على الأعداء راحة بالنا فتجتاحُ بلوانًا جميع المعابر
يجوس خلال الدار كيد مزين ليقطعَ بين الأهل حبل الأواصر
عواصف من حقد دفين وفتنة تهب بمشؤوم الزوابع غادر
كأن رياح الشر تهوى ديارنا فأضحت مياديننا لكل مقامر
ولكنها الأيام تبدو كدورة على سُنة تمضي وراء الستائر
فشمس توارت خلف ستر حجابها وبدر تجلى من ستور الدياجر
وليل وإعصار يشق صفوفنا وصباح سيأتي رغم ليل الأعاصر
- عاد العليل عودًا وعيادة :زاره
- المحاجر :المحجر في العين ما أحاط بها والجمع محاجر
- المزاهر : جمع مزهر وهو العود الذي يضرب به
سهير البابلي تروي تحربة اعتزالها لــ المجتمع:
لن أعود للفن فقد مات التمثيل في نفسي
الفن لم يعد هدفًا باستثناء بعض الأعمال القليلة
الالتزام يهدئ النفس المضطربة و يخلق حالة من الوفاق والتصالح معها.
تنشئتي محافظة و لكن لم أوجه الوجهة الدينية التي تخلق لدي الوعي بالحلال و الحرام.
صورة المحجبة في الأعمال الفنية مشوهة ولا تعبر عن الإسلام الصحيح.
• كيف استطاع الالتزام أن يجذب السيدة سهير إلى روضته؟
حاورتها: إيمان محمود
منذ ما يزيد على ٦ سنوات قررت سهير البابلي اعتزال المجال الفني، وظلت صامتة طوال هذه الفترة برغم ما تعرضت له من القيل والقال كغيرها من المعتزلات، وحينما طلبت منها المجتمع الحديث، وافقت بعد أن تعرفت إليها وأعجبت بها.
سهير كانت عاشقة للتمثيل والمسرح، لكن الله حينما أراد لها الهداية، كانت وقفتها مع نفسها جريئة وصلبة، حيث اتخذت هذا القرار بعد أن شعرت أن الحياة لا قيمة لها إلا في ظل الإيمان، ومنذ ذلك الحين، وهي في حركة دؤوبة في مجال الأعمال الخيرية، وفي هذا الحوار تفاصيل تجربتها.
- إن كل إنسان يجتمع بداخله الخير والشر، ومن يهده الله يشرح صدره للإيمان، ويرشده إلى الطريق المستقيم. وأعتقد أن الله قد منّ علي بذلك، وجعل الخير بداخلي يطغى على الشر، فتبين لي أن حياتي التي عشتها قبل ٦ سنوات كانت مليئة بالأخطاء التي تغضب الله - عز وجل - لكن عزائي أن كل إنسان خطاء وخير الخطائين التوابون.
لقد تأملت حياتي فوجدت أنني قضيت أكثر من ٣٠ عامًا في مجال الفن، بينما لم أخصص وقتاً للعبادة إلا النذر القليل، وذلك على الرغم من تنشئتي الريفية المحافظة، فوالدي كان رجل علم يحافظ على الصلاة، وكانت أمي سيدة أمية، لكنها تتمتع بذكاء فطري، وترتدي الحجاب تمشيًّا مع تقاليد البيئة الريفية، ومن ثم لم أوجه الوجهة الدينية الصحيحة التي تخلق لدي الوعي بما هو حلال وما هو حرام، هذا إلى جانب افتقارنا للتوعية الدينية من خلال وسائل الإعلام، الأمر الذي جعلني أراجع نفسي وأفتش في أعماقي، خاصة بعد أن أصبت بقلق وأرق شديدين. إلى أن وفقني الله فتوجهت إلى أحد العلماء بسؤال: هل سهير البابلي حلال أو حرام؟ فقال: إن سهير البابلي صنع من الله فهي حلال، ولكن ما تقوم به سهير هو ما يستلزم البحث عن صحته. وأخبرني أن المال إذا جاء من حرام، فالله سبحانه وتعالى لن يستجيب دعاء الإنسان لأن طعامه من حرام، ومن هنا أدركت أن هناك شيئًا يسمى حلالاً وآخر حرامًا. وبعد حصيلة من القراءات، تكونت لدي قناعة أن التمثيل حرام، ولكنني لم أستطع الابتعاد عن المسرح. وهذه قضية أخرى حيث إن حياتي مرادفة للمسرح، فكيف أتركه؟ فتوجهت إلى خالقي بالدعاء لكي ينتزعني من الفن قبل أن يجيء اليوم الذي لا ينفع فيه الندم، وجاءت استجابة المولى عز وجل بعد ٦ أشهر، وجدتني أرتدي الحجاب، وأذهب لأداء فريضة الحج، وأعلن اعتزالي عن الساحة الفنية تمامًا. وأقول لشباب ونساء المسلمين، راجعوا أنفسكم قبل فوات الأوان.
- ماذا عن القراءات المختلفة بعد التزامك؟ وبمن تأثرت من العلماء؟
- قرأتُ ولا زلتُ في معظم الكتب الإسلامية، خاصةً أمهات الكتب في علوم التفسير والسيرة وفقه السنة، وقصص الأنبياء للعديد من الأئمة والعلماء. وفي بداية التزامي كنتُ أركز على النار والجنة، والترهيب من العذاب لكي أردع نفسي، ثم بدأتُ أقرأ في المذاهب الأربعة، وكتب الفقه والعبادات لكي أتعلم الكيفية الصحيحة للوضوء والصلاة والصيام والزكاة وغيرها. كما قرأتُ في الكتب المعنية بأخلاقيات المسلم، ومسألة الحجاب والسفور. وإضافة إلى ذلك، لا أتوقف عن استفتاء العلماء في مصر وخارجها، وعلى رأسهم الشيخ حسن أيوب والشيخ عطية صقر. وكنتُ قد أستمعتُ من قبل للشيخ الغزالي والشعراوي «رحمهما الله»، وإلى عدد كبير من علماء الأزهر.
التصالح مع النفس
- ما أثر الالتزام على شخصية السيدة سهير وعلاقتها بأسرتها؟
- الالتزام شيء جميل في حد ذاته يهدئ النفس المضطربة، ويشيع الطمأنينة والسكينة في أرجائها، ويخلق فيها حالة من الوفاق والتصالح بعد أن كانت ثائرة وعصبية. فقد أعاد التدين التوازن لشخصيتي، فقبل الالتزام كانت حياتي مليئة بالصراعات والمنافسات الدنيوية والأحقاد والمنغصات والأنانية. أما بعد أن هداني الله، اختلف الأمر وتعمق الحب في نفسي لجميع من حولي سواء من أسرتي أو غيرها، وأصبحت أبادلهم الزيارات وأصل الرحم وأشاركهم الأفراح والأتراح.
- هل يمكن أن تقدمي لنا مقارنة بين يوم في حياتك قبل الاعتزال وبعده؟
- قبل اعتزالي الفن، كنت أستيقظ من النوم الساعة الخامسة مساءً، أمارس بعض الرياضات بمساعدة مدربة خاصة، ثم أتناول طعامًا خفيفًا، ثم يلي ذلك فقرة وضع المكياج والمساحيق، ثم أنطلق إلى المسرح وبصحبتي المشرفة على ملابسي والسكرتيرة الخاصة، وأصل دائمًا في الساعة الثامنة والنصف حيث أتفقد المسرح، وأتأكد من نظافته وإعداده على النحو الذي أرغب فيه، ثم أعد نفسي للدور الموكل إلي، وكان العمل المسرحي ينتهي في الساعة الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل، وبعد ذلك أرجع إلى البيت حيث أنام في الساعة الخامسة صباحًا، غير عابئة بصلاة الفجر أو غيرها، وكان أولادي لا يستطيعون الحديث إلى حيث كانوا يأتون إلى المسرح قبل بدء العمل لمجرد رؤيتي لمدة خمس دقائق.
و لكن بعد الالتزام واعتزال الفن، صرت أستيقظ لصلاة الفجر، وأحرص على أداء الصلوات في أوقاتها، وأكثر من أداء السنن والنوافل، وأصبحت أقبل على الحياة بطعم ومذاق خاص فملأ الحب قلبي تجاه جميع الناس، كما أن علاقتي بأولادي تعمقت وتوطدت الأواصر بيننا
- ماذا عن علاقتك بالزميلات المعتزلات وغيرهن من يعملن في الوسط الفني؟
- علاقتي بالمعتزلات حميمة، واتصالاتي بهن لا تنقطع، وكثيراً ما نلتقي ونتدارس الإسلام، ونتحدث في شؤون الدنيا والآخرة، ونتبادل الزيارات ونسهم في دعم بعض المشروعات الخيرية والخدمية. أما من هن داخل الوسط الفني، فهناك زيارات متباعدة لبعضهن، وإذا سمعت أن زميلة أصيبت بمكروه أسارع لزيارتها.
- هناك بعض الفنانات يعتزلن الفن ثم يعدن إليه فجأة.. ما رأيك؟
- لكل جواد كبوة، ويجوز أنهن التقين بأهل السوء، وجروهن إلى الفن مرة ثانية، وأقنعوهن أن الوقت لا زال أمامهن طويلاً، ويمكن الاعتزال مستقبلاً في نهاية العمر!! لكن على أي حال، هؤلاء المترددات يحملن قدرًا كبيرًا من الخير، فقد عادت بعضهن مرتديات الحجاب، وعليهن أن يقدمن الأعمال الفنية التي تشرف الحجاب وتعلي من شأن المحجبات، ويجب على هؤلاء أن يعلمن أن العصر الذي نعيش فيه مليء بالفتن، والقابض فيه على دينه كالقابض على الجمر.
.الكلمة ... دعوة
- ماذا عن إسهاماتكم في مجال الدعوة إلى الله؟ وكيف تستطيع الفنانة المعتزلة أن تخدم الإسلام؟
- الدعوة إلى الله مجال عظيم، يمارسه المسلم في الخفاء والعلن، فالكلمة الطيبة دعوة، تقديم العون لليتامى والمساكين والفقراء، وإلقاء الدروس في المساجد، والاتصال بالنساء في الأوساط العليا من المجتمع، كل هذه إسهامات يمكن القيام بها. ويجب على كل امرأة مسلمة أن تقوم بدور ما لخدمة الإسلام. ويمكن للنساء المسلمات الداعيات أن يستثمرن أجهزة التلفاز والقنوات الفضائية لتوصيل كلمة الإسلام إلى النساء عمومًا في جميع أنحاء العالم، وقد استضافوني في بعض البرامج الفضائية للحديث في شأن الإسلام.
- كنت شخصية مشهورة في مجال التمثيل.. كيف يمكن استثمار هذه النجومية في الدعوة إلى الله؟
- جاء في الأثر: «خيركم في الجاهلية، خيركم في الإسلام»، فيمكن للمسلم أن يستخدم الذكاء والمواهب التي منحه الله إياها مع التوسع في القراءات الدينية لنشر الإسلام وتعليم النساء آدابه.
- في تقديرك ما أفضل مدخل لدعوة الفنانات إلى الالتزام؟ وهل لك منهج في هذا الاتجاه؟ وهل تتوقعين اعتزال بعضهن؟
- الله - عز وجل - يقول في كتابه العزيز: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾ (القصص : 56). ويجب أن نعلم أن الفنان رقيق القلب، عظيم المشاعر، ويملك نوعاً من السمو. هناك مئات الفنانين الذين يذهبون لأداء مناسك الحج والعمرة، ونقابة الممثلين تقوم بدور مشكور في هذا الجانب. لذا عندما تلتزم الفنانة وتعتزل الفن نرى منها خيرًا كثيرًا. ومن يدعو الله أن يهديه فإن الله يستجيب دعاءه، ويشرح صدره للإيمان. فقد ذهبت إلى الكعبة، ودعوت الله مرارًا، أن يرزقني بزوج تقي، وأن يكرهني في الفن، ويجعل بيتي مسجدًا لإقامة الصلوات، كل هذا بفضل الله حدث معي خلال ٦ أشهر، وكل من يرغب في الهداية فعليه أن يكثر من الدعاء، لأن القلوب عليها ران كثير، ولاشك أن هناك فنانات كثيرات يمكن أن يلتزمن ويعدن، وهؤلاء يحتجن إلى النصيحة المستمرة.
- هل تتابعين الأعمال الفنية التي تتناول صورة المحجبة؟
- كثير من الأعمال تتناول صورة المحجبة بشكل خاطئ، وفيه قذف وسب للمرأة المسلمة وتشويه للحجاب، وصورة المسلم بشكل عام شائهة ولا تعبر عن المسلم فعلاً، فلماذا يلصق دائماً الإرهاب بالإسلام؟
- لكن في تصريحات أخيرة ذكرت أنك يمكن أن تقومي بعمل فني هادف ما حقيقة ذلك؟
- لن أعود للفن مرة ثانية، ولن أقوم بأي عمل فني، أنا لم أعد ممثلة، فقد مات التمثيل في نفسي، ومجال الفن الآن أصبح مليئًا بالراقصات وفتيات الإعلانات، لكن لا مانع لدي أن أقدم بعض الأدعية، أو بعض البرامج التي تتحدث عن الطفل وسلوكيات المرأة.
- هل تعتقدين أن الفنان الذي يقوم بالأعمال الدينية يمكن أن يكون له مواصفات معينة؟
- بالتأكيد، فالفنان الذي يقوم بالعمل الديني يجب أن يكون نظيفًا، وحسن السمعة، ومظهره غير متناقض مع الدور، فمثلاً القيام بدور أحد خلفاء المسلمين العظام، يحتاج إلى ممثل محترم وقدير يقدمه، ويجب على الفنانين والفنانات الذين يقومون بأدوار الشخصيات التاريخية أن يكونوا ذوي سمعة طيبة، وأن تكون أدوارهم محترمة وغير مشوهة، وأن يكونوا ملمين بحقيقة الشخصية ودورها البطولي في التاريخ.
- لماذا لا تكون هناك رابطة تضم الفنانات المعتزلات ويقمن عبرها بخدمة الإسلام؟
- لا نستطيع أن نعمل رابطة لاعتبارات كثيرة الجميع يعرفها، لكن نحن لا نكف عن التذكير بقيم الإسلام ومبادئه العظيمة، كما نلتقي في حلقات تفسير للقرآن ومدارسة المسائل الفقهية، وكل هذا له أثره الطيب في نفوس من نعرفهن.
ادعاء باطل
- هناك من يربط بين الحجاب والفقر ويعتبر أن الحجاب محاولة للتغلب على فقر الملبس، ما تعليقك خاصة مع انتشار الحجاب في أوساط فتيات الطبقة العليا؟
- هذا الربط غير صحيح وادعاء باطل، لأن الحجاب انتشر في كل الطبقات، ولماذا لا ينتشر؟ وهو الزي الجميل والوقور، والمرأة المحجبة تعتز بزيها وتفخر به، ولا علاقة له بالفقر، فعندما أنظر إلى صديقاتي المحجبات والمنتقبات من الفنانات المعتزلات أشعر أنهن أفضل مما كن عليه وهن متبرجات، حيث العفة والطهارة والصيانة والالتزام بأخلاق الصالحات.
- كيف تنظرين إلى دعاوى التغريب والتحرر التي تعمل على سلخ المرأة من إسلامها وحجابها؟
- أدعو الله للواقفين خلف هذه الدعاوى الباطلة بالهداية، وقد سمعت نوال السعداوي في حديث لها تردد هذه الأفكار، وكانت منفعلة جداً في غير الحق، وبرغم أنها مثقفة إلا أن الشيطان سيطر عليها، واتخذ منها أداة لخدمة أعداء الإسلام، وطريق هذه السيدة ومن على شاكلتها هو طريق غريب لا يتفق مع الفطرة السوية، هؤلاء يتجرأن على حكم الله، فكيف تقبل هذه السيدة أن تنام إلى جوار رجل أجنبي بدعوى الثقة في النفس؟! هذا نوع من التفكير الشاذ الذي لا يقبل به عاقل.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
الدكتور عبد القهــار مذكر عميد كلية الحقوق بإندونيسيا يقول: إندونيسيا تساند فلسطين منذ 40 عاما
نشر في العدد 12
29
الثلاثاء 02-يونيو-1970