العنوان المجتمع الثقافي(1133)
الكاتب مبارك عبد الله
تاريخ النشر الثلاثاء 10-يناير-1995
مشاهدات 16
نشر في العدد 1133
نشر في الصفحة 54
الثلاثاء 10-يناير-1995
ومضة
المعايير المزدوجة إحدى أبرز سمات هذا العصر الذي تحكمه المصالح، وتتراجع فيه القيم إلى الصفوف الخلفية، من اهتمامات أولئك الذين يحتفظون بها قيما معلبة وأخلاقًا جاهزة للاستخدام وقت الحاجة.. حيث لا تتنافى مع مصالحهم، ولا يستفيد منها معارضوهم أو مخالفوهم في الرأي والانتماء أو في اللون واللغة والجنس.
يتجلى ذلك فيما يطلقون عليه حقوق الإنسان.. فإذا ما أصابت إنسانهم شوكة.. انتفخت أوداجهم وارتفعت أصواتهم، وتتابعت تهديداتهم بالويل والثبور لمن زرع الشوكة التي أدمت رجل ذلك الإنسان وانتهك بشوكته حقوق الإنسان.. وربما اتهموه قبل أن يعرفوه بأنه يخطط لتغيير النظام، وتحطيم السلام، والإساءة إلى الأهل والأصدقاء والجيران.
وإذا قلبنا الصفحة وغيرنا المكان واستبدلنا بإنسانهم نوعًا آخر من الإنسان ورأينا مدافعهم تدك المدن وطائراتهم تقصف المنشآت ودباباتهم تسوى الجدران بمن يتوارى خلفها من الأطفال والنساء والعجزة وشاهدنا مئات القتلى وآلاف المشوهين والمشردين في هذه الحالة يتواري مفهوم حقوق الإنسان ليصبح شأنًا داخليًا في هذه الدولة، وقضية حرب أهلية في دولة أخرى ليس لهم فيها مصالح حيوية.. أما المثال الآخر ففي حديثهم عن الديمقراطية، التي تصبح أملًا منشورًا ودواًء ناجحًا لكل المعضلات والأزمات عندما تحقق أهدافهم وترسخ سطوتهم.. وإذا أبرزت الديمقراطية وجوها غير وجوههم.. أو وجوه أنصارهم.. هنا تتحول الديمقراطية إلى لعنة يجب الخلاص منها، ولا مانع في سبيل ذلك أن تحل المجالس وتعلق الدساتير وتتحرك الدبابات لتحسم الصراع في المهزلة الديمقراطية.
اللسان العربي
المرونة اللغوية
بقلم: عبد الوارث سعيد (*)
هذا مصطلح أطلقه أحد اللغويين المعاصرين- د. السعيد محمد بدوى - على قدرة الفرد في المجتمع لغوى ما، على الانتقال بسهولة من مستوى لغوي معين إلى ما هو دونه أو فوقه قليلًا أو كثيرًا، في سلم المستويات اللغوية، على حد تعبيره، فينتقل مثلا من أعلى المستويات الفصيحة إلى أدنى مستويات العامية أو العكس، تجاوبًا مع مقتضيات الموقف المتعلقة بالموضوع أو بالأشخاص أو بهما معًا (۱) وهذه المرونة- على المستوى النظري - كفاءة تحمد لصاحبها، أما عند الممارسة على أرض الواقع فلها تكييف آخر.
إن حرص الإنسان على أن يبدو في حال انسجام مع الآخرين هو الذي يدفعه إلى الأخذ بهذا التكيف أو المرونة اللغوية، وهذه المرونة التلقائية لا تتأتى إلا بالخبرة الطويلة باللغة والتعامل بها مع مختلف المستويات، وقد تكون الرغبة في إيناس الآخرين وتأليف قلوبهم هي الدافع وراء الأخذ بهذه المرونة تنزلا من المستوى الأعلى إلى ما دونه، كما كان المصطفى صلي الله عليه وسلم يخاطب كل قوم بلسانهم أو كما تفعل مع أطفالنا أو مع الأجانب أو مع البسطاء من الناس.
أما حين لا تتوفر للفرد الخبرة اللغوية الكافية التي توفر له المرونة، فإن كان من أهل العامية، لا يحسن غيرها، عذرناه ودعوناه إلى بذل الوسع لتعلم الفصحى، ونصحناه وساعدناه إن استطعنا وإن كان من أهل الثقافة والمعرفة بالمستوى الفصيح، حتى وإن لم يكن تام الإتقان له لمناه إن تدني في مستواه اللغوي لغير ضرورة مما سبق ذكره لأننا ننتظر منه -وهو المثقف القدوة - أن يحافظ على مستواه وأن يتعاون في ذلك مع أقرانه وأن يأخذ بيد من هم أدنى منه في المستوى فيرتفع بهم درجة أو درجات،
وأضعف الإيمان في هذا الباب أن تكون ممارسته اللغوية الراقية نموذجًا يحتذى.
أما أن يترك المسلم العربي المثقف لغة دينه وأمته وحضارته - العربية الفصحى- ليخاطب مسلمين عربا مثقفين مثله، وفي قلب بلده العربي بلغة أجنبية دون أي ضرورة ملجئه، فإن ذلك ليس من المرونة في شيء، بل هو مروق حضاري لا يقع فيه إلا المهزومون حضاريا المصابون ببعض عقد النقص والانبهار المرضى «بفتح الراء» بالأجانب وأشيائهم، وقل مثل ذلك فيمن يتحدثون - عبر وسائل الإعلام المختلفة - لا إلى قبيلة أو قرية أو مدينة، بل إلى الأمة كلها وإلى العالم كله بعد ثورة الاتصالات القائمة، ولكنهم رغم ذلك، ورغم دعاوى الانفتاح والعالمية - يصرون على الانحباس في إطار العاميات الضيق المقعد «بفتح العين أو كسرها» فتراهم يسرفون في استخدامها وبإعجاب ظاهر، ويفتعلون البرامج والأركان والصفحات التي تكرس لما يسمونه تضليلا بالأدب والتراث الشعبي أو القومي، والتي تتوسع مساحاتها باطراد على حساب الفصحى، ناهيك عن الأغاني والتمثيليات والمسلسلات وبرامج الأحاديث والدردشات التي تحتل هي الأخرى مساحات هائلة ويكاد يخلو معظمها من الفصحى.
إننا نربأ بمثقفينا وإعلاميينا أن يرضوا ذلك النقص لأنفسهم وأن يقدموا لغيرهم هذه القدوة السيئة، خاصة إن كانوا من رجال التعليم أيا كانت تخصصاتهم أو المراحل التي يعملون فيها.
الهوامش
۱ - مستويات العربية المعاصرة في مصر «دار المعارف بمصر ۱۹۷۳» ص ١٤.
نافذة الحوار
الدعوة إلى العامية، واحدة من أخطر المؤامرات التي حيكت ضد لغة القرآن الكريم في هذا العصر خاصة، وقد كتبت عنها دراسات علمية من أولها واهمها تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر للدكتورة نفوسة زكريا سعيد (١٩٦٤).
1 - اذكر ثلاث دراسات أخرى حول هذه المؤامرة.
2 - ابعث برسالة إلى أجهزة الإعلام والتعليم في بلدك تحثها على تبني الفصحى في برامجها والتخلي عن العامية وأرسل نسخة منها إلى «للمجتمع» لعلها تفوز بالنشر.
(۰) مدرس بجامعة الكويت.
واحة الشعر
شعر: محمد على الطبلاوي
إلى الرابضين على جبال النار في البوسنة
ما أصعب الظلمَ إن طالتْ لياليه وأقبحَ العلمَ إن كانتْ صحائفُه يا رابضًا في جبال الموت معذرة فليس مثلى يقولُ الشعرَ ممتدحًا هذا فؤادي سجين خلفَ اضلُعه يا أيها البطل المقدام لا حزن وقفتَ وَحْدَك في ساح الوغى أسدًا أرشدتَ جندك في كرٍ وفي فرٍ والكفر يزحفُ في كبرٍ وفي صلفٍ ومجلسُ الأمن لا ينفك يحرسُهُمْ محمدُ الفاتحُ المقدامُ يرقُبُكُمْ يقولُها والأسى في قلبه لجج «من بعد أن كان جِنَّ الأرض يَرْهَبَنَا أصبحت يا وطن الإسلام مُخْتَنِقًا قد خاب من بارز الجبار في صلفٍ دع عنك حُزْنَكَ فالأيامُ قادمةُ يا أيها البطل المقدامُ لا تعجلْ في الكون آيات إيمان وموعظةٍ والبدرُ إن غابَ خَسفًا في أعنتهِ والشمسُ إذا كُسفَتْ يومًا ففي غَدِها إن تنصروا الله دومًا سوف ينصركُم | وأصعب الصبر إنْ كان النوى فيهِ ملأي بأفكارِ تحريفٍ وتشويهِ منْ شاعرٍ هاجرت منه قوافيه ولَسْتُ ممنْ يقولُ الشعرَ من فيه يُمْلىِ على شفتي ما راح يُمْلِيهِ فالناسُ حولَك في بحرٍ من التيه تحمى العرين وقد ثارت أعاديه فالموجُ يهدر والشطانُ تَطويه والغرب في غيه ما زال يحميه تعسًا لأمن يُجيزُ البغيَ ناديه من سالف الدهرِ قد جاشتْ ماقيه أمواجُهُا لاطمت منه شواطيه والطيرُ في جَوَّه والرمْلُ في التيه بين الصليب وحقد لا يُوَارِيهِ ومن بلا خَشْيَة أضحى يعاديهِ والله مْعنا فمن ذا قد يباريه؟ فالنصرُ آت وجندُ الحق تحميه فالليلُ إن طال جاءَ الصبح يُفريهِ ففي الخسوف دليل من تجَليهِ تعودُ أقوى تضيءُ الكون تُحييه وبالملائكِ والقرآنِ يُزْجِيهِ |
المجتمع الثقافي
رواية ملكة العنب للدكتور نجيب الكيلاني
ملكة العنب
قصة من تأليف د. نجيب الكيلاني
«ملكة العنب» خطوة مهمة في إعطاء نموذج واضح وناضج للقصة الإسلامية الحديثة
الكيلاني في قصته وقف عند الزوايا المظلمة الحزينة.. كما وقف عند الزوايا المضيئة المفرحة
بقلم: محمد حسن بريغش
تجربة الدكتور نجيب الكيلاني مع القصة تجربة ثرية، ومحاولاته في ترسيخ قواعد القصة الإسلامية محاولات مبكرة، ورغم العشرات التي اعترضته في الوصول إلى النموذج الواضح للقصة الإسلامية، فإنه استمر في العطاء حتى أصبح رائد القصة الإسلامية الحديثة، بكثرة عطائه، وتنوع إنتاجه، وتعدد موضوعاته، ووضوح أسلوبه، وصدق تجربته.
لقد كانت تقاليد القصة الحديثة، بمفهومها الغربي - تترك آثارها في بعض ما كتب، ولكنه مع ذلك، قدم ولا شك عددًا كبيرًا من القصص، والروايات والمجموعات القصصية المتميزة فضلًا عن الدراسات الأدبية، والآراء النقدية في كثير من الموضوعات والفنون المختلفة، وسيظل هذا الإنتاج موضع التقدير من قبل الدارسين والنقاد والمبدعين.
في رواية «ملكة العنب» وهي من الروايات الأخيرة التي صدرت للدكتور الكيلاني (۱) خطا خطوة مهمة في إعطاء نموذج واضح وناجح للقصة الإسلامية الحديثة بكل عناصرها الفنية والموضوعية.
وتدور هذه الرواية حول فتاة ريفية ذكية جميلة مات أبوها بعد أن نالت الشهادة الإعدادية، وترك لها قطعة من الأرض فخرجت هذه الفتاة «براعم» إلى الحقل تزرع وتحصد وتنفق على بيتها الذي يضمها مع أمها المريضة وأختيها الصغيرتين وتفتق ذهنها الذكي عن فكرة تطوير الزراعة ليزداد مردودها، فبدأت تتحول من زراعة الحبوب والقطن إلى زراعة العنب.
نجحت في فكرتها، وربحت كثيرًا من ثمار العنب فاستأجرت أرضًا أخرى من الفلاحين وتوسعت بزراعتها، مما جعل الفلاحين يقلدونها ويزرعون العنب ليزداد ربحهم ومحصولهم، وأصبحت بذلك زعيمة هذا المحصول، وزراعه من الفلاحين، فكأنها أسست نقابة لزراع العنب.
كان لهذا التغيير أثره في القرية، فوقعت بعض الأحداث، مما جعل أحد الشبان يخطب في المسجد يوم الجمعة، ويطالب زُراع العنب بإخراج الزكاة وحدثت بلبلة بعد الخطبة، ثم تلا ذلك حدوث بعض السرقات المحاصيل العنب من المجرمين الذين يتصيدون أوقات الفوضى للنهب والسلب.
قامت «براعم» تعلن التصدي للشاب الخطيب لأنه- كما تظن - شجع اللصوص على السرقة بخطبته تلك. ومنعته من الخطبة يوم الجمعة الثانية بما لها من نفوذ وذكاء.
وفي هذه الأثناء وقعت جريمة قتل راح ضحيتها أحد اللصوص المنحرفين، حيث ألقيت جثته في أراضي براعم، فاستدعى ذلك بعض التحقيقات التي لم تصل إلى نتيجة.
ولكن أحد عملاء السلطة استغل هذه الحوادث وبدأ يكتب التقارير التي يتهم فيها الشباب المتدينين في قرية «الربايعة» بإحداث البلبلة والإرهاب، مع التخطيط للعمل ضد الدولة.
ووسط هذه البليلة التي أحاطت بالقرية، وصلت جنة أحد الشبان ممن كان يعمل في العراق، مما آثار عواطف الناس، فتظاهر أهل القرية ضد حاكم العراق الذي بدأ يرسل جثث أبنائهم مكافأة لهم على مساعدتهم له في حربه مع إيران.
ولكن السلطة الحاكمة نظرت إلى هذه المظاهرة بأنها نوع من البلبلة والتحدي للسلطة فاعتقلت عشرات الشباب، ووجهت إليهم تهمة تدبير المؤامرة ضد الدولة، وقدمتهم المحكمة أمن الدولة - بعد أن عذبوا، وضربوا وأجبروا على تسجيل اعترافات كاذبة.
إزاء هذه الأحداث تحول اهتمام القرية من زراعة العنب، وما يدور حولها إلى الحديث عن القتيل الملقى في مزارع براعم، ثم جئة الشاب التي وصلت من العراق، وبعدها طغى على القرية حديث الاعتقالات، والتعذيب، ولا سيما بعد أن شملت كل شاب ملتح أو متدين، بل طالت أحد المشايخ الزاهدين الذي كان بعيدًا عن كل هذه الأحداث.
أثارت هذه الأحداث دوافع الفطرة النقية عند براعم فقامت تدافع عن شباب القرية، وعن الشيخ الزاهد فذهبت إلى المدينة ووكلت محاميًا كبيرًا للدفاع عنهم وإثبات براحتهم. واتصلت أيضًا - بنائب الدائرة الانتخابية وشرحت له الأمر، فحضر للقرية، وخطب بالناس وشجب الظلم وسياسة القمع ولكن العسكر حضروا فجأة وجروه وضربوه دون احترام لمكانته أو اعتبار لحصانته النيابية.
انتقلت المشكلة إلى مجلس الشعب «النواب»، ووزارة الداخلية، فأصدرت الوزارة بيانًا تنفي واقعة الاعتداء على النائب، وتتهم الإرهابيين أعداء الشعب بالتآمر وإحداث الفوضى.
وتثار القضية في مجلس الشعب فيرد ممثلو الحكومة والحزب الحاكم، ثم يصدر المجلس بيانا يؤكد فيه الحرية والديمقراطية، وبعد ما قبل حول النائب نوعًا من الإشاعات والمكائد التي تثيرها أحزاب المعارضة والمتطرفون والإرهابيون المتاجرون بالدين.
أما في السجن فيجرى استجواب المعتقلين، الذين لا يعرفون سببًا لاعتقالهم، ويخضعون للتعذيب والضغوط لكي يوقعوا على اعترافات لم يتفوهوا بها.
وأثناء التحقيق يقف الشيخ «أبو المجد شاهين» الرجل المؤمن الزاهد، متحديًا المحقق فلا يتكلم إلا بالآيات القرآنية، مما جعل الضابط يقف عاجزا أمامه، ولا يستطيع إلا إخلاء سبيله.
بلغ الضجر مبلغه في القرية، وعجز المحامون- الذين أوكلتهم براعم للدفاع عن المعتقلين - عن إخراجهم من الاعتقال.
فعمدت براعم إلى مقابلة المحافظ - حيث أصبحت مشهورة في المحافظة كلها. وتبرعت بمبلغ كبير لأحد المشاريع التي ستنفذها المحافظة، أملًا في أن يكون ذلك عونًا على انفراج الأزمة.
ولكن المحافظ عجز عن تنفيذ ما وعد فأرشدها أحدهم إلى نائبة في مجلس الشعب ووصفوها بأنها «واصلة» إلى أبعد مدى ولها علاقة وطيدة بالكبار، وأنها «امرأة ولا ألف رجل» وأنها «أعوص المشاكل تحلها بدقائق، وبالتليفون» لأن «أكبر رأس تنحني لها احترامًا».
فتذهب براعم إلى مكتبها الذي يغص بالمراجعين، وتعرض عليها الأمر فتطلب النائية خمسة عشر ألف جنيه على هذه القضية، لقاء الإفراج عن المعتقلين. وبذلك استطاعت النائبة تدبير أمر الإفراج عنهم، بطريقة مسرحية أشبه بالمهزلة.
يعود المعتقلون إلى بيوتهم بعد ما ذاقوا من العذاب ألوانا، فتعود للقرية أفراحها، وتقوم براعم بإخراج الزكاة، ويتولى الشيخ أبو المجد توزيعها على المحتاجين، وتعيش القرية في وئام وسلام في ظل التعاون والتراحم، وتبدأ بالانتعاش، فتختفي - شيئًا فشيئًا - الأخطاء والمعاصي، حيث كان الشيخ أبو المجد يقول للناس: «عندما يكف الناس عن الجدل، ويبدؤون العمل يتحقق الأمل، ويسود الحب والأمان هل هناك أعظم من ألا يبيت في قريتنا جائع بعد اليوم؟».
وفي القرية تقع أمور تخص الناس، حيث تنهار البلدة نتيجة إهمال الدولة في ترميمها وصيانتها، ويغتم الناس هناك لهذا الأمر، بينما تتجاهل السلطات ما حدث، وتبنى مسرحًا فخمًا في البلدة، مما جعل أحد الرعاة «كشْكَلْ» يقول لمجموعة من الحشاشين الذين يجلس معهم: «لن يحل مشكلة المستشفى إلا عبد الشكور !!»
وظن الحشاشون أن عبد الشكور واحد من أصحاب الملايين «مليونير» فراحوا يتسالمون عنه، فقال الراعي الحشاش وهو يضحك: «یا مساطيل!! ألا تعرفون عبد الشكور؟ إنه مندوب صندوق النقد الدولي، وهو مصري الأصل، لكنه أمريكي الجنسية».
وتمضي الحوادث، فتنكشف أسرار القتيل الذي وجدت جثته في أرض براعم، ويلقى القبض على المجرم ومعاونيه.
أما الشاب المتدين الذي خطب الجمعة وطالب بإخراج الزكاة، فقد قام يوم الجمعة وخطب في المسجد، وطالب أهل قرية «الرباعية» بتكريم ابنة القرية «براعم» الشريفة العفيفة. الخيرة التي صنعت للبلدة معروفاً، ودافعت عن شبابها ومصالحها.
ثم اقترح أن يخرجوا جميعًا نحو بيتها، ويقدموا لها مصحفًا هدية للتعبير عن احترامهم وتقديرهم لها، ثم قال:
«إذا أردنا أن نحقق مبادئ الإسلام في الدولة، فلنبدأ بأنفسنا وأسرنا، ثم إلى قرانا الصغيرة، ولا ننتظر انقلابًا مفاجئًا يطبق شريعة الله، فالإسلام رجال قبل أن يكون سلاحًا، ومعارك دامية.. وكما تكونوا يول عليكم».
ثم اتفق أهل القرية على التعاون، وحل مشاكلهم بأنفسهم.
أما الدولة، فلم يعجبها ذلك، فبدأت تتدخل عن طريق الحزب والأمن، وتدعو الناس لوضع أموالهم في البنوك، وتتهمهم بأنهم يشكلون بيت مال للمسلمين.
ولكن العمدة دافع عن القرية وأهلها، وأوضح للسلطات أن أهلها طيبون متعاونون في سبيل الخير لا مقصد لهم إلا كل خير.
وتنتهي القصة بزواج الشاب المتدين محمد حسب الله من ابنة القرية براعم الفتاة الذكية العفيفة التي قاومت كل المغريات ووقفت أحسن المواقف، وكانت مثال الفتاة الشريفة.
هذه الرواية «ملكة العنب» نموذج جيد للقصة الإسلامية الحديثة، حيث تخطى منها المؤلف حاجز التوجس والتردد، وعبر من خلالها - بحق - عن أصالة تجربته وأدبه الإسلامي، حيث أعطى موهبته كلها، وعطاءه الواسع لهذا الأدب الذي عرفه وأحبه وخدمه.
لقد كانت الرواية تعبيرًا واضحًا عن ملامح القصة الإسلامية، ومميزاتها الفنية والموضوعية، دون خشية من النقاد الذين لا يرضون إلا بكل غريب مستغرب، أو صورة منكرة، أو أسلوب يرتدى أزياء العلمانيين.
ولقد كان المؤلف في روايته واضح الرؤية صادق التصور، فرسم شخصياته بدقة، وأعطاهم ملامح الحياة الواقعية بكل تنوعها وألوانها، وظروفها.
ولم ينس في أحداث القصة، أن يتطرق إلى الضعف البشرى كما تطرق إلى القوة، ووقف عند الزوايا المظلمة الحزينة المفجعة، كما وقف عند الزوايا المضيئة المفرحة وكان الكاتب في تصويره للأحداث لماحًا، ذكيًا، شجاعًا، حيث رسم خريطة واسعة للأحداث تتسع العالم العربي كله، إن لم يكن أكثر، وإن كانت المساحة المادية التي دارت فيها مساحة قرية صغيرة.
فالقرية هي مصر أو الوطن العربي، أو العالم الإسلامي كله والشخصيات هم من قرية «الرباعية»، ولكنهم نماذج واقعية بأسماء متعددة في كل بلد، فالرباعية صورة مختصرة دقيقة ترمز لهذا المكان أو ذاك أو ذلك.
وفي القصة تصوير للشخصية المسلمة الواعية الشخصية التي تنفذ بوعيها -بصيرتها - إلى ما وراء الأحداث، وأعماق القضية، ونتائج ما يجرى.
كما صور الشخصية المسلمة البسيطة التي تظهر عارية أمام الأحداث ولكنها صادقة طاهرة.
وصور الفطرة السليمة والفطرة المنحرفة المخطئة.
وصور الخطأ بحدوده الواقعية دون تهويل أو تزويق أو تبرير.
كما صور طريق الندم والتوبة وعودة الإنسان إلى الحق حين تصدمه الأحداث وتتكشف أمامه الحقائق.
وصور الطبيعة المتألفة الحانية على الإنسان المسخر له لتعطيه وتبادله الحنو حين يمنحها الجد مع الإخلاص، ولم يجعل منها نقيضًا يصارع الإنسان، ويعترض طريقه.
صور الحيوان وهو يتعاطف في ود مع الإنسان، كما صور الإنسان وهو ينظر إلى هذا المخلوق الأعجم بحنو وعطف ووفاء.
صور المجتمع بعيون واعية نافذة مبصرة صادقة، وقلب حساس، وعقل ذكي لماح، وبصيرة مستقيمة، ولم يخضع المقاييس المذاهب المادية الحديثة في تفسير الأوضاع وتبريرها، وإضفاء الشرعية على صور الانحراف والغلو في هذا التصوير.
وكتب عن الأحداث السياسية المعاصرة ومواقف الناس وعن الإسلام والمسلمين والعالم من حولنا برؤية إسلامية شفافة واضحة.
لم يهرب إلى التاريخ، ولم يغادر بعيدًا إلى هنا وهناك بل أضاء الواقع، وعرض لنا صورًا مثيرة منه بطريقة واضحة بسيطة موحية إنها قصة ملكة العنب نموذج للقصة الإسلامية الحديثة.
_______________
1- صدرت للدكتور الكيلاني عدة قصص منها: «ملكة العنب - قضية أبو الفتوح الشرقاوي - اعترافات عبد المتجلي - امرأة ومجموعة الكابوس».
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
الشيخ حسين كفازوفيتش مفتي البوسنة والهرسك لـ«المجتمع» (2 - 2): النظام الشيوعي فشل في اختراق مسلمي البوسنة
نشر في العدد 2107
797
الاثنين 01-مايو-2017