; معالم على الطريق.. المجتمع المدني بين الخلط والجهل الثقافي | مجلة المجتمع

العنوان معالم على الطريق.. المجتمع المدني بين الخلط والجهل الثقافي

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر الثلاثاء 01-يوليو-1997

مشاهدات 14

نشر في العدد 1256

نشر في الصفحة 47

الثلاثاء 01-يوليو-1997

مستحيل أن يكون الجهل عذرًا لإنسان يدعي أنه مثقف أو مفكر، ولا يعقل أن تنبثق عن الأمية العلمية أفكار ترود الأمم وتوجه الشعوب، اللهم إلا في أممنا المصونة، وديارنا المحروسة حيث يتوالد من الجهل والعامية الثقافية أعلام للفكر، وفحول في التوجيه، ورواد في الثقافة، وعباقرة في التنظير، والحقيقة التي ينبغي أن يدركها الجميع انه لا حجر على رأي، ولكن يجب أن لا يكون بديهي الخطأ، فمن يقول مثلًا: إنه لا نهار والشمس ساطعة تحرق قفاه، كيف يحترم سفهه هذا وهو فاقد للعقل والإحساس والواقع؟ وكيف لا يكون رده إلى الصواب واجبًا عقليًا وكونيًا وبديهيًا؟ هذه واحدة. ثانيًا: يجب أن يعلم أن لغة الأطفال تخالف لغة الكبار في الضوابط العقلية والمنطلقات الفكرية والحجج المنطقية، فمثلًا الأطفال دائمًا أبدًا تخدعهم المظاهر عن الحقائق، والقشور عن اللباب، فقد يفرح الطفل بالزجاج اللامع عن الماس بدون بريق، وبالنحاس الصقيل عن الذهب الأصيل هذا شيء، والشيء الآخر أن الطفل يستميت في طلب الشيء، ويلح في الحصول عليه وهو في يد غيره وملك لسواه، بل قد يكون في هذا التملك وذلك الاستحواذ ضرر له وخطر عليه، ولكنها الطفولة والتوجهات الغريزية للصبية. هذا بالضبط ما يمثل التوجه الثقافي عند الكثيرين في وطننا العربي والإسلامي اليوم، حيث تبين الوقائع والحوادث والتوجهات عن جهل فاضح بخلفياتنا وتراثنا الفكري وبثقافتنا وريادتنا الحضارية المتقدمة، وبمناهجنا وهدينا الذي يفاخر به الجميع وتحتاجه البشرية اليوم، وتتطلع إليه كمنقذ من ضياع إنساني وخلقي وكوني، إن التائهين اليوم والعاجزين عن تقديم تراثهم وحضارتهم لأمتهم، لأنهم لا يعلمون عنها شيئًا، كما أنهم غير مؤهلين للقيام باي دور في النهضة التي تتطلبها الأمة في الوقت الراهن، يتطلعون تطلع الصغار إلى ما عند الناس من زجاج، ويصرخون في طلبه والاستحواذ عليه بسطحية مقززة، وعبثية مضحكة متهمين تراثهم وامتهم بالتخلف الثقافي والفكري، وكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا. فالمجتمعات الفكرية الأوروبية التي يريدون تقليدها اليوم في كثير من المفاهيم ومنها على سبيل المثال فكرة المجتمع المدني التي تعرف بأنها «نظام يقرر أن المجتمع شأنه في ذلك شان نظام الدولة أمر بشري، لا علاقه له بمقدس» وإنما أساسه التعاقد والقول بسيادة الشعب من جانب والسبيل إلى بلورة الإرادة المجسدة لذلك التعاقد هو الاختيار الحر، أو الانتخاب من جانب ثان، والضمان في هذه العملية كلها هو إمكان مراقبة السلطة ومحاسبتها محاسبة تبلغ درجة استبدالها بسلطة أخرى غيرها بالطرق

والوسائل الشرعية». ولقد نشأت فكرة سلطة المجتمع بعد كفاح طويل ضد سلطة الكنيسة والفساد الديني الذي كان يسيطر على كل نشاط الحياة الحيوي، وقد زاد الطين بلة اتفاق دكتاتوريات الحكم مع الكنيسة على استعباد الشعوب وإذلالها، ويحسن بنا أن شيئًا من تلك السلطات لأن سلطة الكنيسة قد بلغت الذروة في الجبروت حتى على الملوك، ولهذا جاء في دستورها المقدس في الفصل التاسع ما يلي بالحرف الواحد:

1- « إن البابا هو الإنسان الوحيد الذي يكون للأمراء تقبيل قدميه».

2- ونقرأ في الفصل الثاني عشر:« إن كلمة البابا لا يمكن أن يقومها إنان آخر، في حين أن له أن يبدي النظر في الأحكام الصادرة عن البشر الآخرين».

3- ونقرأ كذلك في الفصل الثاني عشر:« يسمح للبابا أن يطيح بالأباطرة من عروشهم ».

4- ونقرأ كذلك في الفصل التاسع عشر:« لا يمكن للبابا أن يكون موضع محاسبة من أي كان».

 ولهذا طغت الكنيسة طغيانًا كبيرًا وكثر عدد الرهبان، وعانت البلاد منهم كثيرًا، ويصف ليكي، في كتابه تاريخ أخلاق أوروبا، زيادة عدد الرهبان وطغيانهم فيقول: « زاد عدد الرهبان في أوروبا زيادة عظيمة، واستفحل أمرهم واسترعوا الأنظار، وشغلوا الناس، وكان يجتمع في عيد الفصح فقط خمسون ألفًا من الرهبان، وكان الراهب يشرف على خمسة آلاف من صغار الرهبان، وقد بلغ عددهم في نهاية القرن الرابع عدد أهل مصر»، وكان طغيانهم قد عم جوانب المجتمع كله« علمي وعملي»، حتى كان يروى عنهم القول:« إن علم الدنيا غباء»، ويرون قول بولس: «يوجد مكتوب: أريد ان أهدم حكمة الحكماء وأحطم عقل العقلاء»، ثم يقول: « إن الغباء الموجود اختيار الله، وهذا يسيء إلى الحكماء». ولقد أحرقت الكنيسة كثيرًا من العلماء في الساحات العامة وهم أحياء. أما عن الملوك الذين كانوا تحت حكم الكنيسة وياتمرون بأمرها، ويعملون بنظرية الحق الإلهي فقد كانوا لعنة على التاريخ، فضلًا عن كوارثهم بالنسبة للبشرية، ولقد صاغ المؤرخ الفرنسي المعروف «بوسويه» نظرية الحق الإلهي الذي كان يتمتع بها الملوك في أربعة أركان:

 أولًا: أن هذه السلطة مقدسة، فالملوك هم خلفاء الله في الأرض، وعن طريقه يدبرون شؤون مملكتهم، ولهذا كان عرش الملوك هو عرش الإله ذاته، لأنهم يحكمون باسمه.

ثانيًا: السلطة الملكية سلطة أبوية إذ « الملوك يحلون محل الله الذي هو الأب

الحقيقي للجنس البشري».

ثالثًا: الناتج الطبيعي والمنطقي عن الركنين السابقين هو أن السلطة الملكية سلطة مطلقة لاشيء يقيدها، فليس للملك أن يقدم تبريرًا لما يأمر به.

رابعًا: لا تنبغي لسلطة الملك أن تكون موضع اعتراض عليها من الخاضعين لها ولا تذمر، ولو أدى ذلك إلى ما ينوء الناس منه، وإنما على الناس الدعاء الصالح لهم بالخير والبركة، مع تقديم الاحترام.

هذا هو ما جعل الأوروبيين يثورون على الدين وعلى كبت العقل وعلى امتهان الإنسانية في الإنسان، لكن هل ديننا الإسلامي فيه مثل هذا التسلط من رجال الدين؟ ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول: « من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه ومن كنت أخذت له مالًا فهذا مالي فليأخذ منه.....ولا يخشى الشحناء فإنها ليست من طبعي»، وخليفة المسلمين يقول:« إن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فقوموني»، وأما عن الحرية « فأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر»، وأما عن العلم فهو فريضة على كل مسلم ومسلمة، وأما عن اختيار الحاكم فهو حق الأمة تبايع من تشاء، وأما عن الرحمة واحترام الإنسانية فحدث عنها ولا حرج، حتى أنه حكي عن عمر بن عبد العزيز أنه قال لجاريته روحيني حتى أنام فروحته فنام، وغلبها النوم فنامت فلما انتبه أخذ المروحة يروحها، فلما انتبهت ورأته بروحها صاحت، فقال: أما أنت بشر مثلي أصابك من الحر ما أصابني، فأحببت أن أروحك كما روحتيني».

أقول هل يستطيعون قراءة التاريخ ومعرفة الخير الذي لو عرفوه وأبلغوه إلى الدنيا لعاشوا به سادة، وسادوا به قادة، ولكن أني لهم ذلك بغير علم ولا قلوب؟!!

الرابط المختصر :