; المجتمع النسوي.. عدد 1080 | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع النسوي.. عدد 1080

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 21-ديسمبر-1993

مشاهدات 17

نشر في العدد 1080

نشر في الصفحة 54

الثلاثاء 21-ديسمبر-1993

 للداعيات فقط

 الداعية والابتكار

يذكر الكاتب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا في كتابه البئر الأدبي، وهو عبارة عن صفحات من ذكريات طفولته في مدينة لبيت لحم بفلسطين حادثة جعلتني أتوقف عندها طويلًا، وهي كيف أن قسيس إحدى الكنائس في مدينتهم تمكن من جذب الأطفال من المراجيح وغيرها، فكان الأطفال بعد خروجهم من المدرسة عصرًا يتدافعون للعب في حديقة الكنيسة بما في ذلك الأطفال المسلمون والنصارى على السواء، وكان مساعد القسيس يوزع عليهم دفاتر صغيرة باسم كل طفل منهم، وفي نهاية اللعب يقدم كل طفل للراهب دفتره حتى يوقع عليه بختم الكنيسة كلمة محاضر، وفي يوم الكريسماس تقوم الكنيسة بتوزيع الهدايا على الأطفال، وكل هدية تكون بحجم عدد أيام حضور صاحبها للحديقة طوال العام حيث يحسب القسيس عدد الأيام يبين التي حضر فيها هذا الطفل أو ذاك كما دفتره، وعلى أساس عدد الأيام تكون قيمة الهدية التي تزيد قيمتها بالطبع كلما ازدادت أيام الحضور لحديقة الكنيسة.

       يقول الكاتب: إن أغلب الأطفال كانوا في ذلك الزمان يعانون من ظروف مادية سيئة جدًا؛ لذلك كانت الهدية تمثل لهم شيئًا مهمًا، فإن يحصل أحدهم على حذاء مثلًا يشكل له أهمية كبرى وهو الذي يسير حافيًا طوال العام، بعد استعراضنا للحادثة السابقة نرى كيف استطاع ذلك القسيس جذب الأطفال وجعلهم يداومون على الحضور لكنيسته بطريقة مبتكرة تتناسب مع عقلية أولئك الأطفال، بمعنى آخر، لقد عرف كيف يجذبهم إليه.

    إن الداعية اليوم بحاجة إلى أن تتفنن في ابتكار وسائل لجذب الآخرين لدعوتها كل بحسب سنه وبيئته...إلخ، فالمدرسة في مدرستها عليها أن تعرف كيف تجذب الأطفال لدعوتها من خلال الدرس الذي تقدمه لهم، ومن خلال علاقتها بهم كمدرسة، والأم في بيتها تتعلم كيف تحبب أطفالها بتعاليم الإسلام والالتزام بها من خلال تجربتها في التربية، والموظفة في عملها مع زميلاتها، وهكذا تستغل كل واحدة منا وظيفتها في الحياة لجذب الآخرين لدعوتها، فالدعوة ليست مقصورة على أفراد معينين، بل هي واجبة على كل فرد منا، علينا أن نقدم هذه الدعوة بصورة جذابة شيقة غير تلك الصورة الجامدة الروتينية التي اعتاد البعض عليها، بحيث لا تتعارض هذه الصورة الجديدة مع الأطر الشرعية المحددة لها.        

 سعاد الولايتي

إلى الأخت الداعية:

بقلم: زينب الغزالي الجبيلي.

     الدعوة إلى الله هي أشرف الدعوات وأعظم المهن وأنبل الأعمال وأجل الغايات، وهي منزلة عليا لا يرتقي إليها إلا من اختاره الله واجتباه وأسعده في الدنيا، وأجزل له الأجر والثواب في الآخرة، والدعوة إلى الله هي مهمة الأنبياء والمرسلين ودعاة التوحيد من المؤمنين، ورسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- هو سيد المرسلين وخاتم النبيين، وإمام الدعوة إلى يوم الدين بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وكان خير الدعاة إلى الله، ونحن أمته الوارثة لدعوته منحها الله شرف التبليغ والتذكير والدعوة إلى دينه، وهي شرف عظيم، ومهمة جليلة، وأمانة ثقيلة، هذه الأمانة وتلك المهمة وهذا الشرف ليس خاصًا بالرجال وحدهم، ولكنه خاص بالرجال والنساء، والخطاب القرآني لم يكن للرجال وحدهم، ولكنه جمع الرجل والمرأة معًا، والله -عز وجل- يقول: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ ‏(سورة الأحزاب: ٣٥)،  وهناك آيات كثيرة توضح هذا المعنى، والمجتمع الإسلامي الأول حمل عبء الدعوة إلى الله، وأعطى النموذج العملي الواضح على دور المرأة في مجال الدعوة، وتحمل كتب السيرة الكثير من أخبار الداعيات إلى الله من أمثال أم شريك الأسدية التي كان يوم بيتها الرجال لطلب العلم، واشتهرت واجب الدعوة إلى الله  بدورها ونشاطها في إلقاء الدروس والمواعظ بين القبائل في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، حتى إنها كانت تعذب وتسجن، ما يثنيها ذلك عن دورها ومهمتها التي نذرت لها حياتها ووقتها، فأصبحت قدوة طيبة لمن جاء بعدها، فجزاها الله خير الجزاء.

      والناظر في أحوال أمتنا الآن يدرك الحاجة الشديدة لدور المرأة في مجال الدعوة، لأن الانحلال الغربي استخدم المرأة في إشاعة الفحش والابتذال والتفسخ، وبالتالي تدمير القيم الأخلاقية في المجتمعات، وأعداء الإسلام من العلمانيين والمنحلين والمنحرفين في عقيدتهم الذين ينادون بضرورة تقليد الغرب- يعملون على أن تستمر المرأة المسلمة ألعوبة في يد الشيطان، ومصدر فساد وضياع عن طريق الإعلام المسموع والمقروء والمرئي، وتسير كثير من النساء وفق هذا المخطط نتيجة لضعف ثقافتها الدينية، وافتقاد تربيتها الإسلامية، وجهلها الكبير بتعاليم كتابها وسنة نبيها -صلى الله عليه وسلم-.

المرأة هي الأصلح:

     وفي تقديري أن المرأة هي أصلح من يقوم بالدعوة في مجال النساء؛ لأنها أدرى بطبيعتهن وظروفهن ومشاكلهن وخصوصياتهن، وبالتالي تنجح في الوصول إلى قلوبهن ومعالجة أحوالهن ومتابعة أمورهن، والدعوة لها مجالات كثيرة، إنها ليست فقط كلمة في مسجد أو خاطرة في لقاء أو درسًا في تجمع، ولكنها أيضا سلوك متكامل وأخلاق عالية، ونصيحة غالية، وحب متدفق، وأخوة صادقة، وتفان في فعل الخير، وصبر عند الشدائد، وتحمل وتجمل وصفاء ووفاء.

     والدعوة بهذا المفهوم متعددة المجالات، واسعة الحركة، ممتدة التأثير، فليس كل امرأة تستطيع أن تلقى درسًا أو تلقي محاضرة أو تشارك في ندوة ثقافية، ولكنها تستطيع أن تقيم علاقات طيبة، وتقدم المشورة المخلصة الواعية، وهكذا لا بد أن تجد لها دورًا تمارسه، وعملًا دعويًا تقوم به، ونشاطًا اجتماعيًا تشارك فيه، إذن فلا حجة للفريق الذي ينشغل تمامًا في أعمال البيت وهموم الأسرة الصغيرة، حتى يأخذ البيت كل حياتهن، ورعاية الصغار والزوج مقدمة على ما عداها، حتى تصبح الأخت فاقدة الإرادة للاهتمام بالدين والدعوة إليه، وتصير بعد فترة وكأنها امرأة عادية تذوب في المجتمع، وتنسى واجباتها وأملها في إقامة البيت المسلم الصحيح، والتوازن بين واجبات الدعوة وبين رعاية البيت مطلوب، والأخت الداعية الواعية عليها أن تنظم حياتها، وتوازن بين مسئولياتها، فلا تنشغل بالعمل الدعوى على حساب البيت، ولا تغرق في هموم ومشكلات البيت والأولاد على حساب دعوتها ورسالتها السامية، بل ترتب الأولويات، وتنظم الواجبات المطلوبة، وكل مرحلة لها ظروفها واحتياجاتها، والداعية التي ترعى أطفالًا صغارًا عليها أن تهتم بهم أولًا حتى يكبروا، وترعاهم حتى ينضجوا، ثم تجد بعد ذلك الوقت للقيام بمهام الدعوة على ألا تترك الدعوة كلية أثناء رعايتها لأطفالها، وإلا خسرت كثيرًا، سواء من حيث الخبرة أو الأجر.

     نحن بحاجة إلى الأخت المسلمة الداعية التي تدرك حاجة الأمة إلى الدعوة، وتبذل طاقتها للنهوض بالمرأة المسلمة وتربيتها على الالتزام بتعاليم دينها، والاهتمام بأحوال أمتها ومجتمعها المسلم.

     نحن بحاجة إلى الأخت التي تدرك مهمتها، وترتفع إلى منزلة الدعاة العاملين المجاهدين من أجل الدفاع عن هذا الدين العظيم، ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين.

أوائل المؤمنات

أول صائمة لا تعطش، وأول من هاجرت بمفردها من النساء:

بقلم: حلمي الخولي.

     هي بركة الجارية الحبشية مولاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحاضنته، وأم البطل أسامة بن زيد، وهي أكثر من تمتع برؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ ولادته وحتى وفاته، فكانت من أوائل من رأوه بعد ولادته لوجودها مع أم النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ولادتها، وهي التي صحبتها في رحلة الوداع، فقد صحبت آمنة بنت وهب إلى أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- من بني النجار، وهو في سن السادسة من عمره، وفى العودة توفيت الأم ويبكي الرسول -صلى الله عليه وسلم- لوفاتها، واحتضنته بركة في حنان بالغ يبلغ حنان الأم فهتف الرسول -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: أنت أمي بعد أمي.

     وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا نظر إليها قال: هذه بقية أهل بيتي، ولما تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- من أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- أعتق بركة، وتزوجت من عبيد بن زيد من بني الحارث، وولدت له أيمن، وبه كانت تكنى أم أيمن».

     أسلمت أم أيمن مبكرًا، وكانت من أوائل المؤمنات اللاتي هاجرن إلى المدينة المنورة، وأول مهاجرة تهاجر بمفردها، وعلى قدميها، ومعها من الزاد قليله، وكان الله -تعالى- مهد لها التدريب على طريق الهجرة، فهاجرت مع أم النبي -صلى الله عليه وسلم- وعرفت الطريق جيدًا، ولكن ليس الأمر بالهين، فالطريق طويل وشاق، توكلت المؤمنة على الله -تعالى- في رحلتها الطويلة، وكان زادها الإيمان الصادق، وفي رحلتها كانت تصوم بعض الأيام، ووصلت إلى مكان يسمى «الروحاء» و عطشت عطشا شديدًا، وتوجهت إلى ربها ضارعة بالدعاء أن يمن عليها بالماء، وأكرمها الله -تعالى- بشربة ماء هنيئة، فقد قيل على عليها من السماء دلو من ماء برشاء – حبل – أبيض، فأخذته «أم أيمن» وشربت منه حتى رويت، وبعد هذه الشربة التي من الله -تعالى- بها عليها، كانت لا تعطش أبدًا، وكلما تذكرت هذه الواقعة تقول: ما أصابني بعد ذلك عطش قط، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر فما عطشت بعد تلك الشرية، وإن كنت لأصوم في اليوم الحار فما أعطش، يا له من فضل عظيم، من الله به عليها، ويا له من سبق بين المؤمنين.

      عاشت المؤمنة «أم أيمن» في المدينة قريرة العين، وشاركت في غزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة أحد، فكانت تسقى الماء، وتداوي الجرحى، واستشهد زوجها في سرية مؤتة، وابنها أيمن في غزوة حنين، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاة زوجها من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن، فتزوجها زيد بن حارثة، وأنجبت له البطل أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-.

     وأمد الله -تعالى- في عمر المؤمنة حتى شهدت وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبكت بكاء مرًا لفراقه، وقيل لها لا تبكي يا أم أيمن فقالت: أعرف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صار إلى خير مما كان فيه، ولكنى أبكي لخبر السماء الذي انقطع عنا.

دور الأم في ثقافة أطفالها

الكاتبة دينا العيسى لـ «المجتمع»: تثقيف الابن عن طريق المشاركة في الاستماع وإبداء الرأي صار ضروريًا 

حب الاستكشاف غريزة يقوم الطفل عن طريق تجميع المعلومات وتخزينها في الذاكرة للاستفادة منها لاحقًا

تحقيق صحفي من إعداد: سلمى العيسى.

      الأم مدرسة، وعلى يديها تنشأ أجيال المستقبل، ولها الدور الأعظم في تربية الأبناء، والتربية بمعناها الشامل لا تعني الاعتناء بالطفل سلوكيًا وجسميًا فحسب، وإنما تشمل أيضًا تثقيف الطفل علميًا ودينيًا وسياسيًا واجتماعيًا؛ ليخرج لنا بعد ذلك جيل واع مدرك، وتجدر الإشارة إلى أن التثقيف لا يكون بالتلقين العمل، وإنما يكون باقتناص الفرص، فلكل موقف قصة أو موعظة أو معلومة علمية أو حكمة، والأم الحكيمة هي التي تبث المعلومة المناسبة في الموقف المناسب ليكون الموقف تلقائيًا لا تكلف فيه، فتجدها تارة تذهب بأبنائها إلى المكتبة لشراء القصص والكتب العلمية، وتارة تعقد معهم مسابقات ثقافية، وأحيانًا تثير في أبنائها روح الفضول حول موضوع ما ليتم البحث حول إجابته، بل قد تلعب الجرائد اليومية دورًا حيويًا في تثقيف الأبناء بترجمة بعض الأحداث الهامة بأسلوب مبسط حول دور الأم في تثقيف الأبناء، كان لنا لقاء مع الكاتبة دينا العيسى:

المجتمع: كيف تحرصين يا أخت دينا على تثقيف أبنائك؟ 

دينا العيسى: يخطر في بالي مثل كويتي قديم كثيرًا، ما دار على لسان الآباء والأجداد يقول هذا المثل (مجالسهم مدارسهم) وتثقيف أبنائنا اليوم عن طريق المشاركة في الاستماع وإبداء الرأي في أحاديث مجالسنا بات ضرورة، وهناك عدة وسائل للمشاركة أهمها عدم الاستخفاف، وعدم تجاهل أي سؤال يسأله أطفالنا، فحب الاستكشاف غريزة؛ وذلك لأن الطفل بطبعه يود التعرف على العالم المحيط به، ومن هنا تكثر أسئلته واستفساراته عن الأرض الجو السماء البحر...إلخ، كل هذه الأسئلة هي عبارة عن عملية تجميع معلومات وتخزينها في الذاكرة للاستفادة منها لاحقًا، كذلك هناك وسائل الإعلام من تلفاز وإذاعة وصحف وكتب ومجلات وأشرطة فيديو، وهناك لا بد من عملية اختيار سليمة وتوجيه غير مباشر لبنوك المعلومات في هذه الوسائل.

المجتمع: هل لدى ابنك مكتبة خاصة به، وما هي نوعية الكتب التي تحرصين على جلبها له؟

دينا العيسى: أعتقد بأن الطفل منذ عامه الأول يحب الالتصاق بوالديه ليشعر بالحنان والدفء، فكتاب الطفل الأول يكون في عامه الأول بتعريفه بصور الحيوانات وتقليد أصواتها، ويفضل أن يكون هناك رف أو مكان خاص للاحتفاظ بكتب الطفل وقصصه مستقبلًا؛ حتى يحافظ عليها، ويعتني بها، فالقراءة بالإمكان غرسها في أطفالنا منذ نعومة أظفارهم، ثم بالتدريج مع مراحل نمو الطفل تنمو حاجته للاستزادة، ويكون الكتاب ووالديه هما الزاد، فالأب والأم أكبر قدوة، فإذا ما تعود الطفل مشاهدة والديه يقرأن بدأ هو أيضًا بالتقليد، وهنا يتعلم كيف يخصص لنفسه وقتًا للقراءة والاطلاع، كذلك لا مانع من احتواء مكتبته على قصص مسلية، وقصص للأنبياء، وقصص للقرآن، وقصص فكاهية من تراثنا ومن الأدب العالمي، المهم هو التنويع وإتاحة الفرصة لتنمية المعلومات والخبرات، وحتى اللعب يؤدي دورًا كبيرًا في تنمية ذكاء الطفل وقدرته على التحليل والربط.

المجتمع: كيف تجعلين الثقافة تسلية لأبنائك، وهل لديك جدول أسبوعي لتثقيف الطفل؟

دينا العيسى: من شب على شيء شاب عليه، ودائمًا العلم في الصغر كالنقش في الحجر، فالمسألة مسألة عادة مكتسبة، والقراءة والمطالعة لا تكون بالأوامر والنواهي، وإنما بغرس هذه العادة منذ الصغر وفي بعض الأحيان بالإمكان استخدام بعض الحوافز التشجيعية للقراءة، كأن نعد الطفل بأخذه إلى مكان ترفيهي، وشراء كتاب جديد أو قصة له إذا ما تصرف تصرفًا سلوكيًا جيدًا فنجعل هنا من القراءة شيئًا جميلًا مكافاة لتصرف حميد، أما بالنسبة للجدول الأسبوعي أو اليومي فلا أميل إليه، فليس للثقافة موعد محدد؛ إذ إن الثقافة في عصرنا هذا غذاء روحي، وحاجتنا لها كالحاجة للهواء والماء فالعلم سلاح الأمم.

      ولا أعتقد أن للتربية وغرس الثقافة مواعيد وجداول، وإنما ممكن أن نقول بأن سؤال الطفل والإجابة عليه بشكل جيد والاستمرارية في شراء الكتب والقصص ومطالعتها في أوقات الفراغ ومشاهدة برامج مفيدة ومسلية والحديث مع الأبناء- كل ذلك مناسبة لكسب معلومة جديدة، الحقيقة أنني مهتمة بالمحاضرات والندوات الثقافية التي تختص بثقافة الطفل، ولكن بنظرة واقعية كم هي المحاضرات التي تعقد في هذا المجال؟

     لقاؤنا الثاني كان مع المربية الفاضلة ضياء البدر والتي قالت عن حرصها على تثقيف الأبناء إن الثقافة أمر ضروري وحيوي للإنسان المعاصر، ولا يكفي في زماننا أن يكون الإنسان متعلمًا وحسب، بل لا بد أن يكون مثقفًا حتى تتعزز لديه الثقة في النفس خلال الحوارات والمناقشات الاجتماعية المختلفة، إن الثقافة مطلب إنساني قديم، وجد مع الإنسان بحسب بيئاته المختلفة، وبالنسبة لي فإن حرصي على تثقيف أبنائي يكاد يكون طبيعيًا وغير متكلف، فالطفل منذ صغره يلتفت للأشياء من حوله، والمربي يسمي له الأشياء بمسمياتها، وقد تكون الوسيلة الأولية صورة في صحيفة أو كتاب أو دمية مجسمة أو كائن حي ملموس، مثل نبات صحراوي بهذه الصورة البسيطة تبدأ ثقافة الطفل، وكلما كبر كبرت معه الوسيلة عن طريق الحوار والنقاش والاطلاع والتجريب والمشاهدة والمحاكاة العقلية والاستنتاج الذهنيـ والمربي يثري ثقافة الطفل، ويدعمها ويوجهها ويهذبها، كذلك محاولة جعل الطفل أن يكون إيجابيًا هو ذاته يبحث ويلاحظ ويحاول أن يجد الإجابة، لا أن يكون متلقيًا فقط.

      أما عن حيازة أبنائها لمكتبة خاصة بهم فأفادت الأخت أم محمد: لأبنائي مكتبة خاصة، وهي جزء من مكتبة البيت، بدأت بكتيبات قليلة، وهي الآن تزاحم مكتبتنا فيما تحويه، بل أحيانًا نرجع لمكتبتهم لنأخذ المعلومة بشكل مبسط، مكتبة أبنائي تعج بالقصص وكتب السيرة المبسطة، كذلك كتب الحديث والعقيدة والكتب العلمية والموسوعات ودواوين الشعر للأطفال، وكتب المسابقات والتسالي والكتب التربوية الأجنبية، كما أن تلك الكتب تناسب جميع الأعمار، فبعضها يتعرف الطفل على محتواه من خلال الصورة، ويشارك فيها عبر التلوين أو التوصيل، وبعضها عن طريق القراءة باللغة العربية، وبعضها الآخر بمحاولة القراءة باللغة الأجنبية، وهكذا للأبناء مساهمة كبيرة في المكتبة عن طريق شراء الكتب بتوجيهنا، وعن طريق إعادة تصفيف الكتب في أماكنها، كما أن لديهم مكتبة سمعية منوعة تتناسب مع رغباتهم وأعمارهم من أشرطة كاسيت وفيديو، إلى أشرطة تعليمية للحاسب الآلي، إذا قدمت الثقافة بصورة قصة شيقة أنصت الأطفال لسماعها بشغف بالغ، كذلك إجراء المسابقات الثقافية بأسلوب مرح محبب، وبين الفينة والفينة يطرح المربي سؤالًا فيه بعض الصعوبة والإجابة تكون بدخول المكتبة والبحث بين صفحات الكتب، وتكون المكافاة قيمة أحيانًا، تكون الثقافة عن طريق لعبة جماعية، وهذه الطريقة يحبها الأبناء ويلعبونها حتى في المدرسة خلال حصص الاحتياط، كما أن السفر عن طريق البر بواسطة السيارة وسيلة عظيمة لإثراء ثقافة الطفل عن طريق شرح ما يمر به من ظواهر مختلفة، أيضًا مساهمة الطفل في الإذاعة المدرسية أو الصحافة فيها يشجعه أيما تشجيع على البحث والاطلاع، خاصة إذا وفق بمدرس متفهم يشجعه ويأخذ بیده، كذلك إتاحة الفرص له ليجرب مثل زراعة نبات أو تربية دواجن، لا ننسى أهمية الاستفادة من الصحبة الصالحة، وبث روح التنافس بينهم في مجال التعليم والثقافة، وأخيرًا الحديث عن الشعوب وعاداتها وتقاليدها والاستفادة من كبار السن في العائلة وذكرياتهم الماضية، ولا ننسى أن الألعاب الرياضية أيضًا وسيلة للثقافة.

      ليس لدي جدول أسبوعي للثقافة، وإنما الأمر غالبًا طبيعيًا بحكم الظروف والمواقف، ففي خلال العام الدراسي نجعل المادة العلمية خاصة ما صعب منها -وطلب الأبناء المساعدة للأبوين في تبسيطها- نجعلها مادة للثقافة، أما في أيام العطل ففي الوقت متسع، فهناك فترة أطول لحفظ القرآن وتدارسه وتجويده، والقرآن هو مصدر الإشعاع الثقافي الواسع المنير، وتكون مطالعة القرآن وتدارسه حوالي ساعة كاملة يتم فيها الاستفادة لغويًا ونحويًا وشرعيًا وعلميًا، ثم فترة أخرى يحددها الأبناء لمطالعات أخرى، ولا يكاد يمر يوم خلال العطلة دون أن يحفظ الأبناء، ويقرؤوا شيئًا من القرآن، وقراءة خارجية، أما الأشرطة العلمية والتسلية فلها أوقات محددة؛ لئلا يتعود الأطفال الإدمان والتسيب، أحيانًا كثيرة سيكون يوم الجمعة أو ليلتها مناسبة للثقافة للأسرة جميعها عن طريق خواطر ونقاشات أو مسابقات أو تبادل معلومات.

متطلبات الثقافة تتغير كذلك بحسب فصول السنة، فهي في الصيف تنطق بالبحر والرطوبة والأسفار والسباحة، أما في الشتاء فتتعلق بالبر والخيام والنباتات الصحراوية وحتى الأمراض التي تصيبهم وكيفية الوقاية منها.

لا شك أن الإنسان ضعيف بنفسه، والعاقل لا يستغنى بعقله عن عقول المحاضرات التي تعينني الناس؛ لذا فأنا حريصة على، في هذا المجال وأساهم أحيانًا في الجهات المعنية باقتراح في إثارة موضوع معين أو قضية تربوية مهمة فأفيد واستفيد، لقاؤنا الأخير كان مع الأخت الفاضلة منى المرزوق، والتي حدثتنا قاتلة اتبع الأسلوب العملي في التثقيف، وذلك مثلًا عند الطعام أذكرهم بآداب المائدة وأدعيتها، وكذلك الحال في السيارة، ويجب استغلال فترة الصغر حيث يكون الطفل عجينة سهلة التكوين، كما أنني حريصة على تحفيظ أبنائي القرآن ففيه كل العلم، وأقوم بمكافأتهم تارة بالنزهات الترفيهية، وتارة بالهدايا.

ليس لدى أبنائي مكتبة بمعناها الواسع، وإنما هي مجموعة قصص وكتب علمية، وأخرى دينية وأفضل وسيلة لجعل الثقافة تسلية –من تجربتي الخاصة في الغربة– هي من خلال نزهاتنا معًا، فلكل منظر قصة أو تذكرة أو حكمة، كما يحرص والدهم على إعداد المسابقات الترفيهية لهم، ومن خلالها يمكن غرس العديد من القيم الهامة.

 لا يوجد لدي جدول أسبوعي، وإنما هو الاحتكاك المباشر اليومي، والذي أعتبره مجالًا للمعرفة والتعليم، كما أنني أذكرهم دائمًا بمراقبة الله -تعالى- ومحاسبة أنفسهم بأسلوب يثير روح التنافس، أحرص بدوري على قراءة الكتب التربوية، وأستشعر دائمًا حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام- «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» وأنا بدوري محاسبة أمام الله عن رعاية الأبناء وتثقيفهم دينيًا ودنيويًا.

في الختام ننصح كل أم بالحرص على تثقيف أطفالها، فهم كنزها في الدنيا، وإن أقل ما يمكن أن تقدمه من الثقافة لهم هو تقبل استفساراتهم الكثيرة بصدر رحب، وبإجابة أرحب، واقتناص الفرص في بث المعلومات لهم وتوجيههم، بحيث يبدو الموقف طبيعيًا، لا تكلف فيه، ثم أن حاجة الطفل للكتاب كحاجته للطعام والشراب، فلا تبخلي عليه به، وتذكري أيتها الأم أنه بالعلم والدين ترفعي الأمم فساهمي في رقي أمتنا.

 

الرابط المختصر :