العنوان المدرسة الإصلاحية وبدعة الإسراء بالروح*
الكاتب المستشار سالم البهنساوي
تاريخ النشر الثلاثاء 05-يوليو-1977
مشاهدات 12
نشر في العدد 357
نشر في الصفحة 44
الثلاثاء 05-يوليو-1977
(تنويه: نشر العنوان خطأ: “المدرسة الإصلاحية وبدعة الإسراء والمعراج”. وقد قامت المجلة بتقديم اعتذار عن هذا الخطأ في العدد التالي؛ وقد أثبتنا هنا العنوان الصحيح).
لقد واجه النبي- صلى الله عليه وسلم- مشركي مكة وما حولها من القرى بحادث الإسراء والمعراج كما وردت في ذلك الأحاديث التي لا خلاف على صحتها
كما نزل القرآن بذلك فقال عز وجل:
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (الإسراء: 1)
ولم يتجاسر أحد من أعداء الإسلام في العصر الحديث على رد هذه المعجزة على الرغم من أنهم ينكرون الإسلام نفسه ويكفرون برسالته .
ولكنهم يفعلون ذلك ليستطيعوا التأثير على المسلمين وليتمكنوا من تأويل الدين وتحريفه من واقع التسليم بالقرآن والسنة.
وفي سبيل هذا الهدف المسموم زعم بعض المبشرين والمستشرقين أن الإسراء كان بالروح فقط، ولا غرابة أن يقولوا ذلك، فليس بعد الكفر ذنب، إنما الغريب أن يتأثر بعض المفكرين الإسلاميين بهذا أمثال الشيخ محمد عبده وتلاميذه الذين عرفوا باسم المدرسة الإصلاحية، حيث ردوا المعجزات النبوية التي لم ترد في القرآن أو السنةالمتواترة وهؤلاء وقعوا في أخطاء فادحة أهمها:
- أولًا: أن جواب الله على المنافقين كان وما زال
﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ (المنافقون: 1)
فالأصل أن يؤمن بالإسلام أولًا، فإن فعلوا فعليهم التسليم بما جاء به، ومنه صريح القرآن والسنة في أمر الإسراء والمعراج .
- ثانيًا: إن الذين يردون الإسراء والمعراج وسائر المعجزات النبوية يؤمنون بتحضير الأرواح وهذه تصدر عن أشخاص ليسوا رسلًا ولا أنبياء بل ومنهم الكفار والملحدون أى أن هؤلاء العلماء يؤمنون بالأمور الغيبية التي يدعى بها غير الأنبياء بينما يردون المعجزات النبوية وهذا موقف غريب وشاذ إن صدر من المسلم، لأنه بنص القرآن الكريم ملزم بالأخذ عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- في كل ما يبلغنا به سواء كان هذا التبليغ قرآنا أم سنة قولية أو عملية، فالله تعالى يقول: ﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ (النساء: 80)
ويقول: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ ﴾ (الحشر: 7)
وعليه فإذا ما أخبر النبي أن الله قد أرسل له جبريل فأخذه على البراق حتى وصل إلى بيت المقدس ثم صعد به إلى السموات العلى حيث فرض الله عليه الصلوات الخمس، ثم عاد من حيث أتي .
لا يقبل من مسلم أن يزعم أن هذا كان بالروح فقط .
- ثالثًا: قول الله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ (الإسراء: 1) إنما تفسره قواعد اللغة والمصطلحات القرآنية فالأصل أن اللفظ العام يظل على عمومه ولا يخصص إلا بمخصص وعبارة- أسرى بعبده تطلق على انتقال الإنسان وحركته ولا يمكن أن يراد بها انتقال روح الإنسان وحدها.
والقرآن الكريم عندما يعبر عما تشاهده الروح أثناء النوم لا يعبر إلا بلفظ الرؤية، ومن هذا قول الله تعالى عن رؤيا نبي الله يوسف: ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ (يوسف: 4)
وعند ذكر الله تعالى جواب يعقوب عن هذه الرؤيا كان اللفظ هو ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ﴾ (يوسف: 5)
بينما التعبير في الإسراء لم يكن بألفاظ الرؤيا، بل كان بأسلوب التحدي والإعجازسبحان الذي أسرى بعبده..
أيضًا لو جاز رد هذه الألفاظ الصريحة وادعاء أن قول الله: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ﴾ (الإسراء: 1) وقولة: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ (الإسراء: 1) لا يراد منه إلا الإسراء بالروح فقط، إنه لو كان كذلك، لأصبح القرآن الكريم لعبة طبيعية في أيدى العابثين والمنحرفين، فيردون أحكامه بهذه التأويلات الفاسدة، وهذا هو ما وقع فيه- من غير قصد- بعض أصحاب هذا الاتجاه، فردوا معجزة انشقاق القمر الواردة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة وزعموا أن قول الله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾ (القمر: 1) معناه اقتربت الساعة وظهر الحق.
- خامسًا: إن أعداء الإسلام الذين تحداهم النبي صلى الله عليه وسلم كان اعترافهم على هذا الحادث المعجز منصبًا حول سفر النبي من مكة إلى بيت المقدس ثم الصعود إلى السموات العلى والعودة إلى مكة في ليلة واحدة ولو كان الإسراء بالروح فقط لما استنكر العرب هذا لأنه مألوف لديهم مثل هذه الرؤيا، وأيضًا ما كان هناك سبب لأن يرتد بعض من المسلمين حتى سارع أبو بكر بالتصديق معللًا أنه يأتمن النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو أبعد من ذلك وهو الوحي الذي ينزل بالقرآن الكريم، وأخيرًا ما كان هنالك معنى ولا سبب ليرد الله على المنكرين بقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ (الإسراء: 1)
- تناقض أصحاب المدرسة الإصلاحية :
المدرسة الإصلاحية عبارة أطلقها الغربيون على هذا النفر من العلماء الذين يؤولون النصوص الشرعية تأويلًا يساير الغرب، وقد بدأ أصحاب هذا التيار برد المعجزات التي لم ينص عليها القرآن الكريم والسنة المتواترة، ولكن النتيجة الطبيعية لهذه البدعة، هي أن هؤلاء العلماء أصبحوا يؤولون المعجزات الواردة في القرآن الكريم بنص صريح، فزعموا أن الإسراء كان بالروح فقط، وزعموا أن هزيمة أصحاب الفيل كانت عن طريق الرعب والخوف مع أن الله تعالى يقول- ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ﴾، (الفيل: 3-5)، ولكن الإصلاح الديني الذي أرادوه هم الزعم بأن هذه الطير هي مرض الجدري والحصبة الذي جعل الجيش يولى هاربًا .
وبمثل هذا الفهم الخاطئ، زعم هؤلاء أن قول الله تعالى لنبيه إبراهيم: ﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ (البقرة: 260) لا يفيد أبدًا أن هذه الطيور مزقت ووزعت على الجبال ثم أعاد الله الروح وبعثها بعد نداء نبي الله لها، إذ يقول هؤلاء أن المعنى ما ورد في القرآن هو أن يضم نبي الله إبراهيم إليه بعض الطيور حتى تستأنس بحيث تستجيب له كلما ناداها ثم بعد ذلك يوزعها على الجبال أي دون أن يمزقها وينادي عليها حسبما دربها لأن الطيور من أشد الحيوانات استعدادًالذلك، وهنا ستأتيه سعيًا والغريب أن هؤلاء الإصلاحيون قد كذبوا صريح القرآن دون أن يدركوا ذلك، فالقرآن الكريم قدم لهذا العمل بقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ (البقرة: 260)
ومن ثم لا تفسير لعبارة ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا﴾ (البقرة: 260)
إلا تفسيرًا واحدًا وهو أن الطيور مزقها إبراهيم وفرق أجزاءها على الجبال، ليثق كيف يحيي الله الموتى، ولكن القوم يزعمون غير ذلك .
وأيضًا: قول الله: ﴿ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ﴾ (الفيل: 3-4) لا تفسير له إلا أن هذه الطيور ألقت بالحجارة على جيش أبرهة الذي جاء لهدم الكعبة ولكن أدعياء الإصلاح يكذبون ذلك وهم يزعمون أنهم يدافعون عن الإسلام
المعجزات وثبوت أحاديث الآحاد .
إن الذين يرددون المعجزات التي رويت بغير طريق التواتر، ويقولون إن الأحاديث النبوية غير المتواترة ليست قطعية الثبوت. قد غابت عنهم أمور كثيرة، نود أن نفصلها في بحث ينشر ويكفي أن نشير إلى مايأتي:
أولًا: المعجزات النبوية هي أحداث تاريخية خارقة للعادات يتناقلها الناس كافة قرنًا عن قرن وهذا النقل الجماعي يتحقق فيه التواتر وزيادة ومن ثم لم يستطع أعداء الإسلام أن يردوا أخبار الغزوات التاريخية ونتائجها التي ليست في صالحهم وعليه فالأمور الكونية مثل خسوف القمر وانشقاقه إنما تنقل قرنًا عن قرن بحيث تصبح متواترة في ذاتها أما ما يجيب به النبي من قول عن هذه المعجزات فقد يروى بطريق الأحاد كما لو كان جوابًا لسائل، وهذا لا يطعن في تواتر الوقائع والمعجزات ذاتها.
ثانيًا: اصطلاح الحديث المتواتر وأخبار الآحاد، اصطلاح بشري لم يكن في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا في زمن التابعين ولم يثبت أن نفرًا واحدًا قد رد رواية أو خبرًا أو أمرًا صدر من النبي صلى الله عليه وسلم لمجرد أن ناقل الخبر أو الرواية فرد واحد وليس جماعة توفرت فيهم شروط التواتر، فقد أرسل النبي- صلى الله عليه وسلم- الإمام علي- رضي الله عنه- إلى مكة في السنة التاسعة للهجرة ليبلغ الناس في موسم الحج أحكام قتال المشركين الواردة في سورة التوبة كما أرسل النبي قيس بن عاصم إلى عشيرته ليبلغهم جميع أمور الدين ومنها العقائد والمعجزات وأرسل معاذ بن جبل إلى اليمن لنفس السبب وأرسل غيرهم وغيرهم وكانوا أفرادًا، وكان يستطيع إرسال جمع غفير وهذا يبطل ادعاء أن بعض أمور الدين لا تقبل إلا إذا نقلها عن النبي- صلى الله عليه وسلم- جمع يتحقق بينهم حد التواتر.
ثالثًا: إن العدد الذي يتحقق به التواتر لم يتفق عليه أولئك الذين قسموا الروايات إلى متواتر وآحاد، وما ذلك إلا لأنه تقسيم محدث لم يأت به قول أو فعل من النبي -صلى الله عليه وسلم- أو صحابته أو التابعين من بعدهم، فكيف يصبحهذا الشرط سببًا في رد معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- ولهذا وجدنا من قطع بأن الحديث النبوي إذا صحت نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم يصبح قطعي الثبوت ولو كان من رواه فردًا واحدًا كحديث إنما الأعمال بالنيات الذي رواه صحابي واحد هو عمر بن الخطاب .
رابعًا: إن تقسيم الأحاديث النبوية إلي متواتر وآحاد إنما أريد به بيان الحالات التي يحكم فيها بالكفر والردة بسبب رد الحديث النبوي فاختص الحديث المتواتر بكفر من رده وأما أحاديث الآحاد فلأنها لم تنقل بطريق التواتر، فلا يحكم بكفر من توقف فيها أو رد روايتها لاعتقاده بتطرق الشك إليها وعدم ثبوتها .
ولكن إذا لم يوجد هنالك طعن على أحد رواة الحديث وإذا توفر في الحديث شروط القبول وهي أن يرويه العدل الضابط عن مثله متصل السند من غير شذوذ ولا علة.
فلا يجوز أن ندعى أن هذا الحديث غير قطعي الثبوت أو أن نرد المعجزات الواردة به أو غيرها من أمور الدين لأن هذا يتضمن ردًا للسنة النبوية ولكن للأسف الشديد الذين أدخل عليهم التفرقة بين الأحاديث المتواترة وأحاديث الآحاد، جعلوا من الاصطلاح البشرى صنمًا يعبد، فيردون وقائع وأحكامًا شرعية وردت عن طريق أحاديث الآحاد وحجتهم الوحيدة أنها ليست متواترة، وهم يعلمون أن المتواتر من الأحاديث النبوية عدة أحاديث فقط، ويعلمون أن الرسول وصحابته من بعده والتابعين لهم كانوا يوثقون الآحاد من الرواة طالما كانوا عدولًا وحافظين واعين لما كلفوا به من الرواية .
فهل لعلاج ذلك المرض من سبيل
إنا لمنتظرون.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل